ما بعد حرب غزة الثانية: مملكة تقتلها الوحدة
هل تقفز مصر من العربة السعودية؟
محمد قستي
لا أحد يسمع صوت السعودية اليوم في الأحداث والمنعطفات
الجارية!
لم يكن الأمر عدم رغبة في سماع الصوت السعودي الرسمي،
ولكن لأنه ليس هناك صوتٌ أو موقف في الأصل!
بدأت حرب غزة الثانية، فكانت اختباراً متعدد الوجوه:
اختباراً لمصر وما إذا كانت قد امتلكت قرارها المستقل،
ووضعت رؤيتها ومصلحتها الخاصة الجديدة فوق أي تحالفات
سواء ضمن ما سمي بفريق الإعتدال العربي، أو ضمن المسار
الموادع للغرب والولايات المتحدة بشكل خاص.
وحرب غزة الثانية مثّلت اختباراً أيضاً للسعودية، التي
بدأ وزير خارجيتها العليل.. العمل، بعد تعطل الوزارة أشهراً
عديدة بسبب مرضه.. اختباراً لما يمكن لها أن تفعله وهي
تشهد نفسها وحيدة صامتة لا جرأة لها في اجتراح موقف خاص
بها، ولا تريد أن تلتحق وتغيّر مواقفها النمطية سواء من
الحكم المصري الجديد، او من حماس في غزة، أو من رؤيتها
العامة للصراع مع الصهاينة.
حتى كتابة هذه السطور، فإن الصمت السعودي سيّد الموقف،
والإعلام السعودي الداخلي يستعرض أخبار غزة كخبر ثالث
أو رابع من حيث الأهمية، وكأنه ينقل عن حدث يجري في جزر
واق الواق! أما الإعلام الخارجي، الذي مثلته العربية والشرق
الأوسط، فأولوياته للموضوع السوري، وشتم الإخوان وحكمهم
في مصر، ومتابعة اية خبر مضاد لإيران والسودان والعراق
وحتى الجزائر!
وفي الوقت الذي كان فيه الإعلام العالمي يضع خبر غزة
في مقدمة الأخبار، بما في ذلك البي بي سي الإنجليزي (الراديو
والتلفزيون العربي والإنجليزي) نجد التغطية للعربية ـ
وكما كانت في حرب غزة 2008 ـ مبتهجة وهي تنقل عن المصادر
الإسرائيلية والشخصيات الصهيونية مبرراتها للقتل والحرب!
في حرب غزة الأولى، كانت مصر والسعودية في قارب واحد،
وكان العالم العربي يعيش حالة من القمع غير مسبوقة، فسهل
تضييع الدم الفلسطيني بين القبائل/ الحكومات العربية،
ولم تستثن السعودية إلا قليلاً!
في الحرب الثانية التي لازالت جارية، تستطيع ان تلمس
الخوف السعودي من سياسة التميّز سلباً، دون أن يمنع ذلك
من تقييم الموقف السعودي بالسلب كليّاً، ودون أن يمنع
ذلك الإعلام السعودي ـ الخارجي بالذات ـ من تمييز نفسه
عن النسق الإعلامي العربي المعتاد في هكذا حالات، وهو
الوقوف الى جانب المضطهدين في غزة، أو حتى الفرح بصواريخهم
التي أوصلوها الى تل أبيب.
لا.. السعودية واعلامها ليسا سعيدين بما يجري، والإختبار
صعب!
السعودية التي تقتلها الوحدة، والتي كانت تركب ظهر
مصر، وتستخدمها قفازاً لتمرير سياساتها الخارجية او التغطية
عليها، تجد نفسها اليوم مكشوفة امام الملأ. كان الجميع
يسأل فيما مضى: وأين هي السعودية مما يجري؟ الآن لا يوجد
سوى التجاهل، إذ لا يمكن التعويل إلا على من يتحرك من
الدول. الدولة القائدة هي بالقطع ليست الدولة النائمة
المتخلّفة عن الركب والجبانة والمعادية للضمير الشعبي
العام.
نعم.. كان هناك ولازال سؤال: وأين هي تركيا؟!
لا أحد يريد أن يتحدث عن الدور الإيراني في حرب غزة.
لا عن صواريخ فجرها، ولا صواريخ غراد سورية الصنع، ولا
جهود حزب الله في تهريب تلك الصواريخ من أنفاق غزة؛ ولا
دور السودان الذي بقي لسنوات يستلم شحنات الأسلحة لتهرب
مسافة مئات الكيلومترات حتى غزّة شمالاً! وقد دفع السودان
ثمناً لذلك، قصف بالطيران الإسرائيلي مرتين، كان آخرها
قبل نحو شهر حين قصف مصنع أسلحة قيل أنه إيراني! وكانت
تغطية قناة العربية تلفّها السعادة والحبور مما جرى!
يمكن تغييب الدور الإيراني اعلامياً لأسباب طائفية
وسياسية، ولكنه من الناحية الفعلية حاضر بقوة في كل صاروخ
تطلقه القاسم وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وغيرها
من الفصائل.
ولكن ماذا عن دور بلد كبير مثل السعودية أو مثل تركيا؟
أين هما هاتان الدولتان المتطلعتان الى الزعامة في منطقة
الشرق الأوسط والعالم العربي؟
مصر التي تحاول أن تخط لها دوراً مختلفاً في السياسة
الخارجية، لم ترد إحراج السعوديين وتركهم لمصيرهم ومقت
الشعب العربي.. فاتصل الرئيس المصري محمد مرسي مساء الخميس
15/11/2012 بالملك عبدالله، لتنسيق الخطوات، او على الأقل
لتوضيح موقف مصر الجديد. لكن الملك السعودي لم يشأ مجاراة
الموقف المصري، وبقي في مكانه ضد أي تدخل او نصرة لشعب
غزة. اكثر من ذلك، فإن الملك عبدالله ـ وحسب وكالة الأنباء
السعودية واس ـ قال لمرسي: (لا بدّ من تهدئة الأمور وإحكام
العقل وألا يغلب الإنفعال على الحكمة والتدبر)! ومفهوم
ماذا يعني هذا! انه يعني في أقل الأحوال سوءً: (اللاموقف؛
واللادعم) لغزة، كما انه يعني في أسوء الأحوال: اتهاماً
ضمنياً لحماس والفصائل الفلسطينية بأنها منفعلة وغير متدبرة
وغير حكيمة. بل قد يكون المعنى أبعد من ذلك ليشمل الإتهام
مصر نفسها وما اتخذته وما ستتخذه من خطوات تجاه القضية،
عشية زيارة رئيس وزراء مصر الى فلسطين.
هذا المعنى هو بالضبط نفس الموقف الذي اتخذته السعودية
عام 2008 في حرب غزة الأولى؛ وهو لا يختلف كثيراً عن موقف
السعودية في حرب تموز 2006 حيث أصدرت بياناً نددت فيه
بحماس وحزب الله ووصفتهما بالمغامرين، كما نتذكر!
في الحقيقة لا يوجد عربي يراهن على الموقف السعودي.
فالسعودية بكامل أركانها يمكن أن توصف بأنها مشلولة القدرة،
حتى مع توفر الإرادة. فالنظام العجوز الخرف ضعيف الحركة
والمبادرة خائر القوى. هو بلا همّة ولا عزيمة، ولديه مشاغل
داخلية تغنيه عن الانخراط في مشكل فلسطيني يجلب عليه غضب
اسرائيل وأمريكا والغرب.
تأتي أحداث غزّة لتعرّي النظام السعودي. تعرّي أيديولوجيته
التكفيرية ومنهجه السياسي، إن لم نقل تواطأه مع العدو،
ووقوفه ضد المجاهدين في غزة من مختلف الفصائل.
يقف النظام السعودي اليوم وحيداً بين من أسمتهم أمريكا
(حلف الإعتدال العربي)!
فها هو ملك الأردن يتعرّض لأخطر امتحان منذ أن قامت
الدولة الأردنية الحديثة، وتطورات الأوضاع هناك لا تبشر
بخير للعائلة الهاشمية التي بنت دولة حامية لحدود اسرائيل.
هناك أمرٌ ما انكسر في الأردن، والخيارات المرجحة: إما
سقوط النظام كاملاً؛ أو تعديلات هيكلية في النظام السياسي
الأردني. ملك الاردن مشغول بنفسه.
وفي الخليج، هناك آل صباح مشغولون بالحراك الشعبي المطالب
بتقليص صلاحياتهم، في أجواء تضغط من أجل ملكية دستورية.
وفي البحرين لازال لهيب الثورة قائماً منذ أكثر من
20 شهراً.
والإمارات مشغول (ضاحي خلفانها!) بشتم الإخوان وهو
يرى بأنه ليس هناك أصلاً شيء اسمه (قضية فلسطينية)! في
تعليقه اول يوم من الهجوم الصهيوني على غزة واغتيال قائد
القسام احمد الجعبري.
وقطر تلعب على كل الحبال المتوفرة، وهي تصادم بعض السياسات
السعودية الخارجية.
وسلطنة عُمان تفضل العزلة في سياساتها كما عودت الجميع،
وتنأى بنفسها عن التدخل في أي شيء وفي أي مكان وبشأن اي
قضية!
تبقى السعودية المتوجسة من تحركات الداخل، وضعف المركز،
وتراجع شرعية العائلة المالكة، وجمود أوصال الحكم، وتزايد
سخط الشارع. لكنها هي نفسها السعودية الفاشلة غير القادرة
على الحركة، التي تريد تخريب اللعبة أكثر من أن تكون سيدتها.
لقد ولّى الزمن والحقبة السعودية، فيا مرحبا!
ستعيش السعودية بياتاً طويلاً مع هذه الوجوه الهرمة
الحاكمة، غير القادرة على المرونة أو الإستجابة لمعطيات
وتحديات المرحلة الداخلية والخارجية.
انها دلالات تآكل النظام وانحلال اركانه بشكل متسارع.
وإنها دلالة على أن آل سعود قد تجاوزهم الزمن، وتجاوزهم
الشارع العربي.
لا أحد ينتظر نصرة او عونا من آل سعود، بقدر ما يتمنى
أن لا يأتيه الشرّ من ذلك البلد المسكون بالعنف والتكفير
والتآمر مع الأجنبي على كل ما هو عربي وإسلامي.
نحن نعيش مرحلة ما بعد الحقبة السعودية.
الحقبة السعودية ماتت منذ عقدين، ولكن: (ما دلّهم على
موته إلاّ دابة الأرض تأكل منسأته).
|