السلفية في الكويت:
مشروع قطري ـ سعودي ـ ولكن ضد من؟
عمر المالكي
لم يكن مقدّراً للكويت أن تكون مدرجة على قائمة دول
الربيع العربي، على الأقل من وجهة نظر المراقبين الأجانب،
فالتجربة الديمقراطية الكويتية منحت دولتها حصانة وإن
مؤقتة إزاء أي تغييرات دراماتيكية..يضاف الى ذلك، أن التجاذبات
المفتوحة والطويلة المدى بين الحكومة والبرلمان أبقاها
داخل إطارها الدستوري، وكانت المعادلة تقوم على أن يتقدم
أعضاء في البرلمان بطلب استجواب لوزير أو أكثر ثم يحتدم
الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ويؤول الى قرار
حل المجلس، وتالياً الدعوة الى انتخابات جديدة يعقبها
تشكيل حكومة جديدة، لتبدأ جولة خلافات جديدة على النسق
نفسه..
المتغيّر الجديد في المعادلة السياسية الكويتية المحلية
كان خارجياً بذيول داخلية. فقد أوجد الربيع العربي معادلات
جديدة، وأنجب مخاوف متعدّدة، ويمكن القول بأن لكل دولة
خليجية هواجسها الخاصة إزاء ما جرى ويجري في العالم العربي..ولكن
هناك من يحاول توظيف وقائع الربيع العربي في معارك خاصة
أو مخطّطات مبيّتة أو مستحدثة..
كان التجاذب السياسي بين الحكومة والتيار السلفي في
الكويت محصوراً داخل اللعبة الديمقراطية التي ارتضتها
كل القوى السياسية، بل وتحت سقف العائلة الحاكمة في الكويت.
ولكن ما جرى مؤخراً تجاوز قوانين اللعبة، وفرض معادلة
جديدة، وأن (الذات الأميرية) التي كانت لا تمسّ باتت حاضرة
بكثافة غير مسبوقة في حركة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها
الكويت مؤخراً، بل أمكن القول بأن الذات الأميرية هي وحدها
الحاضرة في الاحتجاجات، على خلفية صدور القانون الانتخابي
الجديد الذي أصدره الملك واعتبره موجّهاً تحديداً ضد التيار
السلفي..
كان يمكن أن تقف عملية التجاذب عند هذا الحد، ولكن
لحظنا فجأة دخول أطراف خارجية وشخصيات دينية سلفية غذّت
حركة الاحتجاجات وصارت جزءاً من عملية التحريض الواسعة
ضد الحكومة الكويتية..
في السياسة، هناك من وجّه أصابع الاتهام الى كل من
النظامين القطري والسعودي في التخطيط لاسقاط الحكومة الكويتية.
وقيل بأن رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان،
الذي يكنّ عداءً خاصاً وقديماً للحكومة الكويتية بسبب
موقف سابق لبعض شيوخها منه وقيل بأن أحدهم خاطبه بلغة
عنصرية فأضمرها له، قام بزيارة الى قطر والتقى بأميرها
واتفقا على تأييد الحراك السلفي في الكويت لإسقاط الحكومة
الكويتية، وقد نفت الأخيرة أي دور لقطر في الاحتجاجات
التي شهدتها الكويت..
ولكن بدا واضحاً أن الضلوع الخليجي في حركة الاعتراضات
الكويتية كان واضحاً..
مواقف جدلية من حراك أكثر جدلية
مسيرة كرامة وطن كما أطلق عليها والتي انطلقت في 21
أكتوبر الماضي لم تكن عفوية، فنوعية المشاركين والاهداف
التي انطلقت من أجدلها كانت ذات دلالة خاصة.
الهدف المباشرة هو رفض التعديل على قانون الانتخابات
الذي يضرّ أول ما يضر بالتيار السلفي، بعد اعتقاد الأخير
بأنه بات مستحكماً بمفاصل مجلس الامة الذي بات وفق المعادلة
الجديدة سلفياً بامتياز.
ولكن الاهداف البعيدة هي أكبر من ذلك حيث ان التطاول
وصل الى رأس العائلة الحاكمة في الكويت، ما أثار أسئلة
حول السبب الذي يدفع بشخصيات خارجية للذهاب الى رأس الهرم
السياسي في دولة مصنّفة على أنها شقيقة، فيما تجبن تلك
الشخصيات عن مجرد الاقتراب ولو من بعيد من مبادىء السياسة
الشرعية في بلاده.
قيل بأن السعودية تريد فرض ارادتها في الكويت عبر التيار
السلفي، وهو احتمال وارد جداً، لأن مسيرة الكرامة كما
أطلق عليها هي مواجهة بين الحكومة الكويتية والتيار السلفي
حصرياً، والاسماء التي تصدّرت المسيرة هي من التيار نفسه،
وإن دخول شخصيات أخرى لا يلغي حقيقة أن كثيراً ممن شاركوا
في التظاهرات ورصدتهم أجهزة الامن الكويتية كانوا يستقلون
سيارات بلوحات سعودية، وأن من صعّد الخطاب الى حد الارتطام
برأس الدولة.
مشايخ الصحوة في المملكة عبّروا على نحو عاجل عن مواقف
مثيرة للجدل من الاحتجاجات الشعبية في الكويت. الشيخ ناصر
العمر، الذي اعتاد الكشف عن مؤامرات افتراضية في مرحلة
مبكرة، أطلق تغريدات مستعجلة ومتضاربة. في أول تعليق له
على التظاهرات في الكويت، قال العمر في تغريدة له في 23
أكتوبر (ذهل العالم مما يجري من أحداث مؤلمة في الكويت،
مضرب المثل في الاستقرار، وزال هذا الاستغراب بعد تصريح
المرجع الشيعي بالكويت، فانكشف من يقف وراءها)، ثم بعد
ثلاث ساعات غيّر العمر رأيه فأصبحت القضية مناقضة تماماً
كما تكشف التغريدة التالية: (تجاوبت حكومة الكويت مع مطالب
الرافضة،والتأييد المطلق للمرجع الشيعي بالكويت للحكومة
في قمعها لشعبها يؤكد هذه الحقيقة. فأين عقلاء آل الصباح؟).
وراح العمر يجترح سياقاً جديداً ينطوي على دعم التظاهرات
ونقد حكومة الكويت (بعد غزو الكويت عاهد حكامها الله على
تطبيق شرعه إن تحررت، فعادت الكويت بفضل الله وحده، ولكن
لم يف حكامها بالعهد. فأذكّرهم بعقوبة من لم يف بعهد الله).
اللحيدان ونكاية بالملك أراد تسجيل موقف وارادت الحكومة
الكويتية الاستفادة من خلافه مع الملك، سجّل موقفاً لافتاَ
مؤيداً للسلفية التقليدية ولموقف رجال الدين السلفيين
في الكويت. حيث انتقد اللحيدان في تصريح له نشر في صحيفة
(الوطن) الكويتية في 11 نوفمبر تخصيص الحكومة الكويتية
ساحة لما يسمى بالحريات. وقال (أقول في دروسي دائماً بعدم
جواز المظاهرات.. والانتقاد يتم بين المنتقد وولي الأمر
بالبينة)، وعلى عادته انتقد (تجمعات الغوغاء) لأنها (تعطِّل
مصالح الناس وتثير فتناً (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).
وطالب اللحيدان بالتعامل مع التظاهرات (إذا لم تُجْد الحكمة
فيجب التعامل مع التجمعات بحزم كونها تثير الفتن)، وقال
بأن (مناصحة ولي الأمر تتم دون تجمعات.. وقيل قديما (الجمهور
لا عقل له).
اللافت في موقف اللحيدان أنه كان ملكياً أكثر من الملك
نفسه حين قال في سياق عدم جواز التجمعات بأنه (لا يجوز
لولي الأمر ان يسمح لـ (الغوغاء) بمثل هذه التجمعات لما
تؤدي اليه من فتن وتعطل مصالح الناس، واصفاً التجمعات
بالضلال المبين والمشبوهة ومن بواعث الباطل التي لا يصح
الاذن بحصولها..).
وقال اللحيدان بأنه (لينتقد الحكومة الكويتية لتخصيصها
ساحة لما يسمى بالحريات.. فهذه حريات خطيرة على المجتمع).
ودعا الحكومة الكويتية (لعدم التوسع في استيطان من يخالفونها
في العقيدة..)، في إشارة كما هو واضح الى الشيعة، دون
أن يتطرق الى المواطنين السعوديين الذين يحملون جنسية
مزدوجة، ويشاركون في الانتخابات البرلمانية الكويتية،
وتستخدمهم الحكومة السعودية لدعم تيارات سياسية ودينية
مناصرة لها.
العريفي..عنوان التدخل
كتب الداعية المثيرة للجدل محمد العريفي:
(أقول لمن ينكر ع الكويتيين الأحرار: من خرجه بسلاحه
على إمام شرعي فيجب حواره قبل قتاله..فكيف بمن يطلب سلمياً
ضد إمام غير جامع لشرائط الولاية). وكتب أيضاً (فالحراك
الكويتي الحر الذي اجتمع علماء الكويت على تأييده..واجتمع
الرافضة على إنكاره! هو حراك سلمي جائز، وأسلوب شرعي للمطالبة
بالحق)..
لقد أثارت تغريدات العريفي ردود فعل غاضبة وسط قطاع
من الكويتيين، ونقل موقع أخباري كويتي بأن الكويتيين صدموا
في 23 أكتوبر 2012 من التغريدات التي أطلقها الواعظ السعودي
محمد العريفي عبر حسابه في شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر)
والتي شكك من خلالها في شرعية أمير الكويت الشيخ صباح
الاحمد دون الاشارة لإسمه واصفاً إياه بأنه (إمام غير
جامع لشروط الولاية). فقد رد عليه الشيخ السلفي نبيل علي
العوضي (الخلاف في الكويت ليس طائفياًّ!! ففي المعارضة
سنة وشيعة، وفي الطرف الآخر سنة وشيعة، اللهم اجمع قلوبنا
على الحق والهدى واصرف عنا الفتن والشرور).
يشار الى أن المعارضة الكويتية بكافة أطيافها لم تشكك
في شرعية أمير الكويت، كما فعل العريفي، ما تسبب في صدمة
حتى داخل التيار السلفي الكويتي، وأثار الكثير من علامات
الاستفهام حول موقف العريفي. مشاري العفاسي، المنشد والقارىء،
استنكر ما قاله العريفي وقال (وأتمنى أن يكون دور الداعية
عموماً إصلاح ذات البين لا الإفساد والتي سماها النبي
صلى الله عليه وسلم الحالقة).
مجموعة مواقف صدرت من سلفيين كويتيين كرد فعل على موقف
العريفي. عبد العزيز العويد طالب العريفي بالإعتذار احتراماً
للكويت وأميرها وشعبها. وبندر المحياتي، قال (عندما أوشكت
الفتنة على الانتهاء، تدخل مفتيّاً بعدم شرعية القائد!!..ثم
يقولون لسنة دعاة فتنة!!. سعد علوش قال (العريفي يقول
أن أمير الكويت غير جامع لشروط الولاية العامة أتحداه
إذا كان رجل حق أن يروح لأصغر محافظ في أصغر مدينة في
السعودية ويقول له هذا الكلام). ويقول محمد الحاجوني (منع
سويدان من دخول الامارات فاستغل كل منبر للطعن فيها ومنع
العريفي من دخول الكويت فأخذ يثير الناس على أميرها! هل
سمعت عن طواغيت الدين؟!). وكتب الشيخ حمد العثمان (لماذا
لا يكفر العريفي د. مرسي ويدعو للخروج عليه وهو لا يحكم
بالشريعة، قاتل الله الحزبية ما أقبحها).
في 23 أكتوبر الماضي صدرت مواقف عدة من شخصيات سلفية،
وقال عضو مجلس الامة الكويتي أحمد بن مطيع العازمي (التعدي
والتجاوز من العريفي على أمير الكويت غير مقبول ومرفوض
تماماً ونستنكر تدخلاته في شئوننا ويجب أن يعتذر عنه اعتذاراً
واضحاً). وشدّد العازمي على رفض تدخل أحد (من خارج الكويت
سواء كان داعية أو غيره). وأعاد العفاسي التأكيد على أن
(من ظن أن الكويتيين تظاهروا لإسقاط النظام فقد أساء الفهم
ومن ظن أنهم من حزب معين فقد أساء الفهم، لذلك أتت التصريحات
الخارجية غير موفقة). ورد محمد الطبطبائي على كلام العريفي
حول شروط الولاية وقال (نستنكر ما أورده أحد الدعاة بأن
سمو الأمير غير جامع لشروط الولاية، وهو قول باطل).
وأنشأ مغردون كويتيون عدداً من (الهاشتاقات) على العريفي
انتقدوا فيه تصريحاته حول عدم شرعية أمير الكويت بناء
على كونه غير جامع لشروط الولاية.
هناك من دول الخليج، والامارات على وجه الخصوص، من
وقف مع حكومة الكويت على خلفية صراعها مع ما تعتبره مخططاً
لجماعة الاخوان المسلمين لإسقاط حكومات الخليج. وفي 24
أكتوبر الماضي، أعلن عن أن إمارة دبي تتجه الى منع العريفي
من المشاركة في برامجها التلفزيونية والفتوى بعد هجموه
على امير الكويت في تويتر. فيما قالت صحيفة (الوطن) الكويتية
بأن (قرار إيقاف العريفي من الظهور إعلامياً، يأتي ضمن
سلسلة ملاحقاتها للناشطين من الإخوان المسلمين، وذلك بعد
مطالب مغرّدين كثر بإيقاف برامجه قائلين (أوقفوا العريفي
عن تلفزيون دبي).
صحيفة (السياسة) الكويتية المثيرة للجدل، اعتبرت تصريحات
العريفي بأنها تدخل (سافر) في الشأن الداخلي الكويتي،
وأن ما قام به (تطاول على مسند الإمارة) حتى ينتصر لما
وصفه (لحلفائه من الإخوان المسلمين). وإضافت الصحيفة بأن
محامين كويتيين ينوون تحريك دعاوى قضائية ضد العريفي،
وأن وزارة الداخلية الكويتية وضعت إسمه على قائمة (الممنوعين
من دخول الكويت). وهذا القرار يأتي بعد قرار كان قد صدر
في العام 2010 بمنع دخول العريفي الكويت بعد خطبة ألقاها
بجامع البواردي في الرياض وصفت بأنها تحريضية ضد شخصيات
دينية في المجتمع الكويتي وتسبب في أزمة بين البرلمان
والحكومة حينذاك.
وكانت صحيفة (الوطن) الكويتية قد نشرت تصريحات لرجال
دين من التيار السلفي على صفحها الأولى في 24 أكتوبر الماضي،
ووجهوا سؤالاً للعريفي: متى أجمع علماء الكويت على إباحة
المظاهرات؟! في تذكير بالموقف السلفي التقليدي من المظاهرات.
وقال الداعية محمد الطبطبائي بأن أمير الكويت (مبايع
من الشعب وجامع لشروط الولاية وما قاله العريفي باطل)،
أما وائل الحساوي فقال (غالبية علماء السلف أنكروا المظاهرات)،
وقال خالد الشرف: هذه آراء علمائنا فالعريفي لا يدري أبعاد
الأمور).
المعارض الكويتي والنائب في مجلس الامة وليد الطبطبائي
كانت له تعليقاته على تغريدات العريفي، فأفرد له تغريدة
اطرائية مميزة بقوله (الشيخ محمد العريفي رمز من رموز
الدعوة بالعالم الاسلامي وليس بالسعودية، فتحية له لمساندته
الكريمة لحراك اهل الكويت الشعبي). ثم لفت انتباهه بطريقة
ناعمة جداً (الشيخ الفاضل العريفي نحن نجلك ونشكر موقفك
الايجابي مع حراكنا السلمي وهو بسبب بعض قرارات الامير
وليس ضد شخصه ومكانته فنرجو منك التصحيح). ومضى بعض المغرّدين
في السياق نفسه. وقال أحد المغرّدين (السيد العريفي..حراكنا
سلمي دستوري ليس انقلابا على حاكم نصبه البرلمان واختاره
الشعب). فيما قال مغرّد ثان بلهجة خليجية (يا حلاتك وأنت
ساكت..خلك بأمور الدين ولا تتدخل بسياسة الغير أزين لك
يا شيخ). وقال رابع (أقترح على الشيخ العريفي أن ينظم
محاضرة بعنوان رب كلمة قالت لصاحبها دعني ويمثل ع الموضوع
بتغريداته).
فتح العريفي معركة مع جمهور عريض على الساحة الكويتية
ثم ما لبث ان انتقلت المعركة لتصبح خليجية، وفتحت في طريقها
ملفات كانت مغفولة أو مهملة، وطالت حتى عدد المتابعين
له على موقع تويتر والذي بلغ عددهم حينذاك (2.9) مليون
متتبع وهو ما يعتبره كثيرون بمن فيهم خبراء في التواصل
الاجتماعي بأنه محض خيال. فيما قال مغرّدون إماراتيون
بأن العريفي لديه متتبععون (أكثر من المفكرين والعلماء
في أوروبا، كما ينافس المشعوذين والمطربين والمطربات في
بقاع العالم المختلفة في عدد المتتبعين والمتعقبين لهم).
وشكّك هؤلاء في صحة الرقم وحقيقته بالاستناد الى ما اكتشفه
موقع (ستيتس بيبول) المتخصص في إحصاءات الموقع الاجتماعي
(تويتر) وما يتعلق بحسابات المسجلين فيه، عن وجود أعداد
كبيرة لمتتبعين أو (فلورز) لمشاهير سعوديين وخليجيين وعرب،
هي في الحقيقة حسابات وهمية.
|