بندر بن سلطان
الأميـر المذعـور!
محمد الأنصاري
رغم ما ينسب اليه من مغامرات خيالية، مثل تسلّله الى
داخل سورية منذ سنوات عبر المطار لجهة التواصل مع بعض
القيادات العسكرية والأمنية والقبلية، وما يقال عن ضلوعه
في جرائم بشعة مثل مجزرة بئر العبد في بيروت في 8 آذار
(مارس) 1985، وما يحكى عن إدارته لشبكات من المقاتلين
الذين يتنقلون من جبهة الى أخرى لتلبية أهداف معركة ليست
لهم، فإن في حياة الرجل جانباً مجهولاً لدى كثيرين، وهو
على النقيض من شخصيته المعروفة والظاهرية..
انغماسه في عالم الاستخبارات لم يمنحه قوة، رغم اطّلاعه
على خبايا وشرور وأشرار هذا لعالم، بل زاده خوفاً على
خوفه التكويني، فهو يمارس اللعبة القذرة، ولكن في الوقت
نفسه يخشى من أن يكون ضحية فيها يوما ما..
يقتل، يتآمر، يخدع، يستدرج، وفي نهاية المطاف يجدها
لعبة مزدوجة: تسلية ومجازفة، فهو لا يكف عن رسم مخططات
ضد الخصوم، وأحياناً ضد الأصدقاء وهذا مايبعث الرعب في
داخله، لأنه يستطيع تفادي الوقوع في أيدي أعدائه عبر تدابير
أمنية محكمة وصارمة، ولكن خوفه ينبع من الأصدقاء الذين
يتواصلون معه..وقد خفّف في الآونة الأخيرة حتى مجرد التواصل
الروتيني معهم، لاعتقاده بأن مقتله سوف يكون على يد صديق،
وليس عدواً.
في واقع الأمر، إن فوبيا الأضواء التي يعاني منها الأمير
بندر بن سلطان، تعكس شخصيته القلقة والمذعورة، وليس زهداً
في الإعلام، فهو يعلم تماماً ما ارتكبه من جرائم قتل ضد
الأصدقاء، وهناك في دوائر الاستخبارات المقرّبة منه من
يهمس بقليل من الحذر بأن للأمير بندر يداً في الاغتيالات
السياسية في لبنان بدءاً من رئيس الوزراء الأسبق رفيق
الحريري وصولاً الى مدير فرع المعلومات في الأمن الداخلي
اللواء وسام الحسن..
يعيش بندر وضعاً لا يحسد عليه، فقد تحوّل الحذر لديه
الى مرض يصل الى حد الارتياب من كل شيء، ومن كل شخص، ولذلك
فإن حياته اليومية لا تقوم على جدول منظّم من المواعيد
والمهمات، بل هي قائمة مفتوحة، تتغير باستمرار، ولأتفه
الأسباب، وقد يقفل على نفسه باب قصره دونما سبب حقيقي،
لمجرد إحساس بأن ثمة من يتربّص به لقتله..
المسؤولون الأوروبيون والأميركيون باتوا يدركون تقلّبات
مزاج الأمير بندر، ولذلك لا يتفاجأون إذا ما ألغى موعداً
مع أحدهم، أو لم يحضر اجتماعاً مقرراَ مسبقاً، خوفاً منه
بأن قد يكون هناك من كمن له في الطريق أو من يخطط لتصفيته..
أكثر من عاصمة أوروبية كانت تنتظر قدوم بندر للتفاهم
معه على بعض الملفات الاستخبارية، ولكن كل المواعيد التي
جرى تحديدها ألغيت لأن بندر قرر عدم السفر، خوفاً من المجهول
الذي قد يكون أحد مرافقيه..
يمسك الآن بالملف السوري، ويستفرد به، وله شركاء في
أوروبا يتقاسمون معه الرأي، وهم يديرون اللعبة من خلف
الستار، ويتواصلون مع قوى المعارضة السورية، ولكن بندر
يتصرّف كتاجر جبان، فهو يدرك بأن في الملف السوري أهدافاً
متعدّدة منها الهدف الشخصي الحاضر بقوة في معركة بندر
مع بشار الأسد، ولكن هناك أبعاد أخرى منها الحصول على
نصيب من الاموال التي تتدفق على المعارضة السورية عبر
قنوات سرية، وتحقيق غايات بعيدة منها الحصول على دعم الولايات
المتحدة والغرب لجهة تحقيق حلمه الكبير بأن يصل الى العرش
في يوم ما عبر تحقيق منجز سياسي كبير كإسقاط النظام السوري
وتفكيك معسكر الممانعة الممتد من طهران الى بيروت وغزة
مروراَ بالعراق وسوريا.
يكتفي بندر حالياً باللعب في الظلام، ويدرك بأن الضوء
يحمل مخاطر على حياته، ولربما هناك من كشف بعض أسراره،
ويتحيّن الفرصة للإنتقام منه..فهو بمثابة خبير الجراثيم،
الذي يتعامل معها في المختبر ولكن يدرك مخاطرها فيما لو
تسلّلت الى جسده. يعلم تماماً بأن يديه ملطّخة بدماء الخصوم
والأصدقاء، وإن في عالم الاستخبارات، كما في عالم العسكرية،
الخطأ الأول هو الخطأ الأخير، فما إن يقع في قبضة الضحايا
فلن يترددوا في إيصاله الى حيث يجب أن يكونه..
اختار اللعب في مجال أحبه كثيراً، هو الاستخبارات وسمح
له ذلك بتنفيذ كل ما يشاء بطريقة سريّة وبعيداً عن الأضواء،
ووضع بصمة على جرائم كثيرة شارك في التخطيط لها وتمويلها،
ولكن بمرور الوقت إكتشف بأنه صنع سياجاً من نار حول نفسه،
فصار مطوّقاً بداخله، لا يستطيع الخروج منه بسهولة، ولا
البقاء بداخله أيضاً لفترة طويلة..
خضع للعلاج من الإدمان ونجحت فترة التأهيل القاسية
والطويلة في التخفيف من معاقرة السكر، ولكن المزاجية بدت
تلاحقه حتى داخل غرفة نومه، فهو لا يكاد يقرر فعل شيء
حتى ينتهي الى فعل نقيضه. يغضب المسؤولون الاستخباريون
الأوروبيون وخصوصاً البريطانيون منه لأنه يقطع وعوداً
معهم ثم حين يحين الوقت يطلب منهم عدم المجيء، أو حين
يصلون الى المملكة يبقون في أماكنهم دون أن يتواصل معهم
أحد فيضطّرون للعودة الى ديارهم. ولذلك قرروا دعوته الى
لندن للتفاهم معهم بخصوص ملفات عديدة منها الملف السوري،
ولا زالوا ينتظرون قدومه، ولكّنه لم يحدد موعداً حتى الآن!
|