ما وراء التسليح الألماني للنظام السعودي
فريد أيهم
منذ بدء الحديث عن عقد صفقات تسلّح بين
النظام السعودي والحكومة الالمانية والشائعات لا تتوقف
عن طبيعة الصفقات وأهدافها، بل وأحجامها أيضاً. قد يقال
بأن مصدر بعض هذه الشائعات هو مصانع السلاح في أوروبا
المنافسة التي تحاول إفشال صفقة ما من أجل كسب صفقة أخرى،
وقد يقال بأن هناك من يحاول إفشال تلك الصفقات كيما لا
تحصل ألمانيا على مكافأت مجانية من نظام تعهّدت رعايته
قوى أخرى بريطانية وأميركية.
اللافت أن الغيوم المتراكمة حول كل صفقة تنذر بفشلها
ولكن في كل مرة تغيب فيها اسرائيل، وكأن القضية باتت محسومة
الى أن لا خوف على أمن اسرائيل من أي سلاح يشتريه آل سعود.
لعل كلام نتنياهو المبثوث عبر اليوتيوب وهو يجيب على أسئلة
صحافي إسرائيلي حين تحدّث عن تنسيق وتعاون بين الدولة
العبرية والدولة السعودية ما يبدد أي مخاوف لدى الكيان
الاسرائيلي إزاء التسلّح السعودي.
|
الفيصل لوزير خارجية المانيا:
نأمل شراء أسلحة ألمانية |
ما يجعل الصفقات العسكرية بين ألمانيا والسعودية موضع
جدل واسع في الصحافة ووسائل الاعلام الأجنبية على وجه
الخصوص، أن تفاصيل عقود التسليح لا يمكن بحال تأكيدها
بصورة رسمية في ألمانيا كونها تعتبر من أسرار الدولة،
بل يعاقب على البوح بها بالسجن والغرامة..وطالما هي كذلك،
فإن الصحف ووسائل الاعلام الألمانية والاجنبية تجد في
هذه السريّة مبرراً إضافياً للبحث في خبايا هذه الصفقات..وبطبيعة
الحال، فإن هذا النوع من السريّة يغري الجانب السعودي
كونه يوفر لهم غطاء لتمرير عمولات ضخمة بخلاف الصفقات
العسكرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حيث لا
بد من الكشف عن الأطراف المعنية بالصفقات العسكرية وأثمانها..
ولنتوقف عند أول حديث عن صفقات أسلحة ترغب السعودية
شراءها من الجانب الألماني، حيث كشفت مجلة (ديرشبيغل)
الألمانية في 3 يوليو 2011 أن الحكومة الألمانية سمحت
ببيع مائتَي دبابة من طراز ليوبارد للسعودية، وذلك بعد
عقود من رفضها بيع أسلحة ثقيلة للسعودية.
وأوضحت المجلة، التي لم تكشف عن مصادرها، أنَّ مجلس
الأمن الفيدرالي وافق على هذه الصفقة مشيرةً إلى أن السعوديين
يريدون شراء مائتي دبابة من طراز ليوبارد 2ايه 7+ ما قد
يكسب صناعة الأسلحة الألمانية مليارات اليورو، وخصوصًا
أن الأمر يتصل بدبابات جديدة. وتابعت: (السعودية كانت
تجري اتصالات مع فرع إسباني لمجموعة جنرال إلكتريك يقوم
بتصنيع هذه الدبابات بموجب رخصة، لكن قسمًا كبيراً من
هذه الطلبية سيكون مصدره ألمانيا). نشير الى أن السعودية
حاولت شراء هذا الطراز من الدبابات في بداية الثمانينات
ولكن حكومة المستشار هلموت كول رفضت هذه الصفقة خشية استخدام
الاسلحة ضد اسرائيل.
وفي أكتوبر 2011 اعتبرت المجلة نفسها قرار ألمانيا
تصدير الدبابات إلى السعودية، بأنه إشارة بارزة تدل على
تحول في السياسة الخارجية الألمانية. وقالت المجلة إن
ألمانيا لم تكشف عن الأسباب الكامنة وراء قرارها الجديد
بدراسة تصدير ما يصل نحو 270 دبابة حديثة إلى المملكة
السعودية، برغم أن هذا القرار يسير فى عكس اتجاه عقود
من التقاليد والسياسة الخارجية الألمانية التى تؤكد على
ضرورة عدم بيع الأسلحة للمناطق التى تعاني من الأزمات،
والاضطرابات السياسية. وبهذه الصفقة تكون ألمانيا خرقت
تقليداً سارياً لعقود طويلة بعدم بيع أسلحة ثقيلة لدول
على خصومة مع الكيان الاسرائيلي. كما أوضحت ميركل حينذاك
بأن قرار تصدير الأسلحة الألمانية الى السعودية سيكون
مقبولاً ويخدم (مصالح ألمانيا الاقتصادية والجيوسياسية)،
فيما ذكرت المجلة بأن هذا القرار يضع مصالح السياسة الخارجية
فوق حقوق الإنسان (فى بلد يستطيع الرجال فيه قيادة الدبابات
بينما لا يسمح للنساء فيه حتى قيادة السيارات). وقالت
المجلة بأن قرار ميركل (خرق جميع المحظورات) وضرب بقرارات
الحكومات السابقة فى برلين عرض الحائط، مشيرة إلى أن القرارات
السابقة كانت تقول بعدم توريد الأسلحة إلى السعودية كمسألة
مبدأ.
ولأسباب غير معروفة تم تجميد الحديث عن الصفقة، الى
أن زار وزير الخارجية الألماني الرياض في 10 آذار (مارس)
2012، حيث عقد مؤتمراً صحافياً مع نظيره السعودي سعود
الفيصل في 11 مارس، وأعرب الأخير في المؤتمر عن رغبة بلاده
في شراء أسلحة من ألمانيا. وقال: (نأمل في التعاون مع
المانيا في جانب التسليح)، ولكنّه لفت الى أن (التردد
من جانب المانيا وليس من جانب السعودية). قال ذلك في مؤتمر
صحافي مشترك مع نظيره الألماني جيدو فستر فيلي فيما كانت
أنباء تحدثت قبل شهر من المؤتمر الصحافي عن صفقة 200 دباية
ألمانية من نوع (ليوبارد) تنوي ألمانيا بيعها الى السعودية.
الوزير الألماني قال في المؤتمر الصحافي بخصوص هذه القضية
(ليس هناك أى شيء يمكن ان نحيطكم علما به في هذه المسالة).
كانت ألمانيا قد نفت نهاية العام 2011 أنباء عن تصدير
270 دباية من طراز ليوبارد للرياض. وكانت صحيفة (داي زيت)
الألمانية الأسبوعية قد كشفت عن معلومات حول عقد صفقة
سرية بين الجانبين مشيرة الى أن السعودية تريد شراء دبابات
من طراز ليوبارد 2 أي 7 بلاس. وعلّق متحدّث بإسم وزارة
الخارجية الألمانية تعقيباً على خبرالصحيفة (أستطيع أن
أنفي الزعم الوارد في صحيفة أسبوعية بشأن وجود صفقة دبابات
بين ألمانيا والسعودية). وشارك في النفي مسؤولون في شركة
كراوس مافي فيجمان - التي تشترك في صنع الدبابة ليوبارد
مع شركة رينميتال- في ذلك الوقت واكتفوا بالقول بأن اهتمام
السعودية بالدبابة معروف منذ وقت طويل، لكنها لم تتلق
أي طلبية جديدة لشراء الدبابة، وقال متحدث باسم الشركة
(لم ننتج يوما دون طلبيات).
المفاجأة ظهرت في منتصف حزيران (يونيو) الماضي حين
كشفت صحيفة (بيلد آم سونتاغ) الألمانية عن أن السعودية
أبدت رغبتها في شراء 600 الى 800 دبابة ألمانية من طراز
(ليوبارد)، أي ضعف العدد الذي كانت على وشك التعاقد بشأنه.
وقالت الصحيفة إن العقد رغم مواجهته معارضة وزارتي الخارجية
والدفاع ورئاسة الحكومة في برلين إلا أنه يحظى بدعم وزارة
المالية الألمانية. وقالت الصحيفة (إن من شأن العقد السعودي
تأمين مستقبل شركتي كراوس مافاي ويغمان وراينميتال للدبابات
خصوصا عقب اعادة هيكلة الجيش الالماني).
|
دبابات ليوبارد التي تريد
السعودية شراءها |
وكانت المعارضة الالمانية قد مارست ضغوطاً شديدة على
حكومة انجيلا ميركل بعد ان قامت بتسريب معلومات مفادها
أنها وقّعت عقداً سرياً لتزويد السعودية بدبابات ليوبارد
رغم مخالفة العقد لشروط تصدير الأسلحة. وقالت الصحيفة
الالمانية نقلا عن مصادر في قطاع صناعة الاسلحة الالمانية
قولها إن السعودية تريد ابرام العقد قبل العشرين من يوليو/تموز
2012..
صفقة دبابات ليوبارد الألمانية أثارت زوبعة أسئلة وشكوك
حول خبايا الصفقة وأحجامها وأثمانها..والعمولات المصاحبة
لها..وكان السؤال الدائم لماذا تلتزم ألمانيا الصمت إزاء
صفقة الدبابات المتطوّرة للسعودية..هل القضية مقتصرة على
مجرد أن بيع السلاح الالماني من أسرار الدولة التي لا
يجوز خضوعها للتداول العام، أم اخفاء الحجم والقيمة يناسب
الفاسدين السعوديين الذين قد يكونوا اشترطوا على الجانب
الالماني التمسّك بمبدأ سرية الصفقة!
مجلة (سيشيرو) الألمانية كانت قد علّقت على خبر بيع
الدبابات الألمانية للسعودية بأن الحكومة الألمانية مستعدة
لبيع دبابات الى السعودية وبذلك، حسب المجلة في مطلع سبتمبر
الماضي، تغيّر الحكومة الألمانية (الخط السياسي القديم
بعدم بيع أسلحة ثقيلة إلى المملكة المحكومة بشكل استبدادي).
وأشارت المجلة إلى أن الشركة الألمانية المصنّعة تصمت
أيضاً بشأن الصفقة واكتفت بالقول بأن رغبة السعودية في
شراء هذه الدبابات ليس أمراً جديداً. وعلّقت المجلة بالقول
(ما يتناساه المدافعون عن الصفقة هو أن الجنود السعوديين
والدبابات السعودية تدخلوا في البحرين لمساعدة النظام
القائم هناك في سحق المعارضة).
وتحدّثت صحيفة (إندبندنت) البريطانية في 3 دسيمبر الجاري
عن عاصفة حول خطة بريطانيا لتزويد السعودية بسيارات مدّرعة.
وأن سيارات الدوريات التابعة للحرس الملكي قد يتم استعمالها
لقمع (المعارضة الشعبية) في المملكة الخليجية، أي البحرين.
وكتب توني باترسون في تقريره أن حكومة المستشارة انجيلا
ميركل تنظر في طلب من السعودية بتزويده بعدّة مئات من
الناقلات المدرّعة من طراز (بوكسر) الألمانية والتي صمّمت
لغرض مساعدة قوات مكافحة الشعب العسكرية والتي قد تستخدم
لقمع المعارضة الشعبية.
وفي تقرير حول صفقة التسلح الذي تسرّب الى مجلة ديرشبيغل
قيل بأن الطلب تمت مناقشته في جلسة سرية لمجلس الأمن الفيدرالي
الألماني الذي كان قد أعطى موافقته بتزويد صوارخ مضادة
للدبابات لإسرائيل.
وقالت المجلة بأن الحكومة السعودية طلبت مدرّعات بوكسر
للحرس الملكي السعودي، وهي وحدة يقتصر دورها على حماية
العائلة المالكة السعودية. وذكرت المجلة (دير شبيجل) الألمانية،
إن السعودية أبدت رغبتها فى شراء عدة مئات من ناقلات الجند
المدرعة الألمانية الصنع من طراز (بوكسر). وذكرت أن جلسة
سرية لمجلس الأمن الاتحادى (القومي) نظرت طلباً رسمياً
بهذا الخصوص، غير أن الحكومة الألمانية رفضت الإجابة على
سؤال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) حول هذا الموضوع.
تجدر الإشارة إلى أن الناقلات المدرعة (بوكسر) تعتبر
من أحدث ناقلات الجنود المدرعة فى العالم، ويقوم الجيش
الألمانى باستخدامها فى أفغانستان. وتقول مجلة (دير شبيجل)
إن هذا الطراز صالح كذلك للسير فى الشوارع، كما أن هذه
الناقلات مجهزة للتعامل مع الحركات الاحتجاجية. وأضافت
المجلة أنه بهذه الناقلات المدرعة سيكون الحرس الملكى
فى السعودية تم تزويده بمعدات على أحدث المستويات عالمياً.
واختتمت المجلة تقريرها قائلة إن مجلس الأمن الاتحادي
أجّل البت فى الطلب السعودي للعام المقبل.
كانت الحكومة الألمانية سمحت فى عام 2011 بتصدير أسلحة
ومعدات تسليح أخرى بقيمة 5.4 مليار يورو، وكان نصيب دول
العالم الثالث 42% من هذه الصفقات، أما ما تم تصديره بالفعل
من أسلحة ألمانية فى العام الماضى فتبلغ قيمته 1.285 مليار
يورو.
وكانت المجلة قد ذكرت في افتتاحية تقرير مطوّل لها
نشر على موقعها على الشبكة في 3 ديسمبر الجاري بأن الحكومة
الالمانية كانت حذرة للغاية فيما مضى حيال الدول التي
تصدّر الأسلحة اليها. ولكن في السنوات الأخيرة تبدّل الحال
مع حكومة انجيلا ميركل التي بدأت تميل الى تصدير أسلحة
عالية التقنية للخارج أكثر منها للجنود الألمان، حتى لو
كانت هذه العقود تتم مع أنظمة مثيرة للجدل في موضوع حقوق
الانسان والديمقراطية مثل السعودية.
وتساءلت المجلة عن الاسباب التي دفعت السعودية للإصرار
على شراء دبابة ليوبارد 2، هل لدقة تصويبها أم لجهاز اتصالاتها
المتطوّرة أم لقوتها. وقالت المجلة من باب التندّر أن
خبراء الأسلحة في السعودية وقطر لا شك أنهم يقدّرون حقيقة
أن دبابة ليوبارد الجديدة مزوّدة بأنظمة تكييف محسّنة.
وعادت المجلة لتؤكد حقيقة أن السعوديين باتوا زبائن
موالين لألمانيا منذ أن أعطت الحكومة الألمانية ردّاً
إيجابياً الصيف الماضي على طلب 270 دباية من طراز ليوبارد
2. ولكن الرياض تريد الآن أكثر من ذلك. في الطلب الجديد،
تقدّم الأمراء الى الحكومة الالمانية بطلب شراء عدّة مئات
من ناقلات مدرّعة من نوع بوكسر. مجلس الأمن الفيدرالي
الألماني اجتمع بصورة سرية لدراسة الطلب في نهاية نوفمبر
الماضي. لم تصدر الحكومة قرارها النهائي ولكن صفقة بمليارات
اليورو لا شك أنها مغرية لصنّاع القرار الألماني.
|