دولة العار
للمرة الثانية على التوالي، وبعد العدوان الاسرائيلي
على قطاع غزة الشهر الفائت، تقوم وزارة الخارجية الاسرائيلية
بنشر مقالات العار السعودي على صفحتها في الشبكة العنكبوتية،
حتى ليخيل للقارىء أو المتصفح للموقع أن ما تقوم به الصحف
السعودية ليس عفوياً بل مقصوداً وربما ضمن تنسيق، على
الأقل بين كتّاب معروفين بتوجهاتهم وارتباطاتهم المشبوهة
مذ كانوا يدرسون في الولايات المتحدة ويتداخلون مع السياسيين
في السفارة السعودية في واشنطن. أن يعاد نشر مقالات ذات
طبيعة عدائية ضد قوى المقاومة في وقت يذبح فيه الشعب الفلسطيني
بصواريخ الطائرات الاسرائيلية، فتلك سابقة لم تحصل في
أي زمن مضى من تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.
أحد من رأى صورة الصحف السعودية ومقالات الكتّاب السعوديين
وهي تغطي واجهة موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية، تساءل
هل نلام إذا قلنا أن السعودية عميلة! فيما وضع مغردون
محليّون هاشتاق بعنوان (تفكيك الخطاب المتصهين)، لفضح
الأقلام الصحافية التي لم تعد تحمل ذرة من ضمير أو تراعي
مشاعر الشعوب العربية أو حتى الشعب الفلسطيني الذي يسفك
دم أطفاله ونسائه وتهدم دوره بصواريخ الحقد الصهيوني.
قائمة مقالات مقتبسة من صحف سعودية محلية ودولية وضعت
على موقع الخارجية الإسرائيلية وجميعها ينال من قوى المقاومة
الفلسطينية ويسخر من انتصارها الأخير الذي اعترف به الاسرائيلي
وتسبب في أزمة سياسية داخلية، وكان من نتائجه إعلان وزير
الدفاع الاسرائيلي إيهود بارك بأنه سوف يعتزل الحياة السياسية
بعد الانتخابات القادمة..ومن نتائجه، إذعان العالم كله
لطلب قبول فلسطين عضو مراقب في الامم المتحدة، ومن نتائجه
كذلك، ضغوطات تمارسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي
علىى الكيان الاسرائيلي من أجل وقف التوسع الاستيطاني.
في المقابل، نجد أن السعودية التي لا ترتبط بأي معاهدة
سلام مع الكيان الاسرائيلي اتخذت خطوات لافتة في سياق
جعل وجود هذا الكيان طبيعياً، عبر سلسلة خطوات تطبيعية
لم تقدم عليها الدول المرتبطة باتفاقيات سلام معه.
حين نراقب مجريات العلاقة بين تل أبيب والرياض منذ
الاعلان عن مبادرة الملك عبد الله في بيروت في مارس 2002،
حينذاك بدأنا نسمع ونقرأ عن لقاءات سرية بين مسؤولين سعوديين
واسرائيليين، فيما تحدثت تقارير عن تعاون وتنسيق بين الجانبين
على المستوى الأمني والاستراتيجي بعد أن أصبح هناك عدو
مشترك لدى كلا الطرفين متمثلاً في ايران، وهو ما كشفت
عنه وثائق وكيليكس مؤخراً..
تجلّت العلاقة العميقة بين الكيانين في حرب تموز (يوليو)
2006، حين أطلق مسؤول سعودي (لم يكشف عن هويته القبيحة)
تصريحاً اعتبره الاسرائيلي ضوءً أخضر وغطاءً لعدوانه على
لبنان حينذاك بوصفه أسر الجنديين الاسرائيليين لمبادلتهم
بأسرى لبنانيين وفلسطينيين (مغامرة). وما إن أعلن عن وقف
الأعمال العدائية بين الطرفين المتحاربين (الكيان الاسرائيلي
وحزب الله) حتى كشفت تقارير اسرائيلية وأوروبية عن لقاءات
سريّة في العاصمة الأردنية، عمّان، وشرم الشيخ بين مسؤولين
اسرائيليين كبار (رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت ورئيس
الموساد مائير داغان) والأمير بندر بن سلطان وقيل الأمير
مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات السعودية السابق
الى جانب مسؤولين أستخباريين أميركيين وأردنيين ومصريين.
لم ينف أي منهما تلك اللقاءات، بل فهم من تصريحات لأولمرت
أن اللقاءات جرت وتجري بصورة دائمة.
وقائع متوالية جرت في مرحلة لاحقة تحمل من الدلالات
ما يكفي، ونسردها هنا بصورة عاجلة: زيارة مراسلة صحيفة
(يديعوت احرونوت) الرياض مرتين لتغطية وقائع القمة العربية
في الرياض برفقة بان كي مون في مارس 2008، وقالت الصحيفة
بأن الخارجية السعودية هي التي منحت مراسلتها أورلي أزولاي
تأشيرة زيارة للسعودية من أجل تغطية القمة العربية، وقد
استقبلت بحرارة وخاطبها ممثل عن وزارة الاعلام السعودية
بأنها مرحب بها في السعودية (ولا يوجد أي داع للقلق..).
في خطوة أخرى لافتة، قبل الأمير تركي الفيصل دعوة نائب
وزير الخارجية الاسرائيلي دانيل أيالون لمصافحته أمام
حضور ومتابعي مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير 2010، وفعلاً
تقدّما وتصافحا ولم يشعر تركي الفيصل بحرج رغم أن ايالون
نفسه أطلق تصريحات غاضبة بعد اعتداء الجيش الاسرائيلي
على سفينة مرمرة التي كانت تقل متضامنين أتراك وأجانب
مع أهالي قطاع غزة.
حوار الأديان الذي رعاه الملك عبد الله، وعقد من أجله
عدداً من المؤتمرات في مدريد في يوليو 2008، ونيويورك
في نوفمبر 2008، ولم يتردد الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز
في أن يخاطب الملك عبد الله معلناً تأييده للمبادرة السعودية
للسلام، وجلس الملك على المائدة مع شيمعون بيريز، ولم
يكن في ذلك ضير بالنسبة للسعودي والاسرائيلي على حد سواء..
آخر خطوة، وليست بالتأكيد الأخيرة، افتتاح (مركز الملك
عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان) في فيينا
واختيار الحاخام الأرثوذوكسي الإسرائيلي دافيد روزين ضمن
مجلس إدارة المركز المؤلف من تسعة مقاعد. وقد شكر روزين
الملك عبد الله على (شجاعته في تعيين حاخام إسرائيلي ضمن
مجلس إدارة المركز)!
ولنا أن نتساءل في ظل هذا الإنسياق نحو اتخاذ خطوات
تطبيعية متوالية دون اكتراث لمشاعر ودماء أبناء فلسطين
الذين يتساقطون بالرصاص الاسرائيلي الغاشم والهجمي، فيما
تواصل الماكينة الاعلامية السعودية الاستهتار والسخرية
بتضحيات شعب فلسطين ضد الاحتلال والاستيطان والعدوان،
ودون اكتراث لقرارات الجامعة العربية، ولا للشعوب العربية
ولا لشعبها الرافض لأي تطبيع مع كيان غاصب ومحتل، نتساءل
عن الوصف المناسب لهذه الدولة..والجواب: إنها دولة لا
تلد إلا عاراً، وحقيق بها أن تنال وصمة دولة العار.
|