|
امير الشرقية الجديد سعود
بن نايف (يمين) ومحمد بن فهد الأمير المقال (يسار)
في حفل زواج خالد بن سلمان (وسط)! |
تقاسم السلطة ورسم مستقبل الخلافة مستمر
عزل أمير الشرقية (بناءً على طلبه)!
عبد الوهاب فقي
في الرابع عشر من يناير الجاري أطاح الملك عبدالله
بأمير المنطقة الشرقية المعتّق محمد بن فهد، وأزاحه عن
إدارتها. كما أزاح أمير المدينة المنورة عبدالعزيز بن
ماجد آل سعود، وعيّن مكانه فيصل ابن ولي العهد سلمان.
جاء ذلك في بيان من الديوان الملكي، الذي أصرّ على
أن الإزاحة جاءت (بناء على طلبهما)، وهي تعني حرفياً إقالة
بدون تعيين في منصب جديد، رغم أن هناك شائعات تقول بتعيين
محمد بن فهد أميراً للرياض، وهو أمرٌ مستبعد.
ومن المعلوم أن جناح الأمير عبدالله لا يشعر بالإرتياح
من محمد بن فهد، منذ أن عيّنه والده الملك فهد قبل 27
عاماً، أي في 1985، أميراً على المنطقة الشرقية. وكانت
هناك أحاديث في السنوات الأخيرة تتداول حول إزاحته، وتكثفت
الإشاعات عن ذلك في الشهرين الماضيين، وراجت الحكايات
عنه بعد مقابلة له مع صحيفة محلية، شعر الكثيرون أنها
تمثل (خطاب مودّع للحكم).
ويعرف محمد بن فهد بأنه رجل الخمسين بالمائة (50%)،
حيث فرض نفسه على اكثر التجار ورجال الأعمال وحتى المواطنين
الصغار مشاركتهم فيما يملكون بنسبة 50%، ولا يعني ذلك
أنه سيدفع تلك الخمسين بالمائة، وإنما يأخذها منهم عنوة،
مع إغراء وحيد يقدّمه لبعضهم، وهو أنه سيساعدهم في الحصول
على مناقصات حكومية، او تمريرها لهم من أجل الكسب غير
المشروع، مع الإحتفاظ بنسبة الأمير الملياردير، الذي يعدّ
من أكبر الأثرياء في السعودية، ويمتلك العديد من الشركات
المتداولة في سوق الأسهم السعودي.
لكن إقالة محمد بن فهد، لم تأت على خلفية فساده، وسرقاته،
حتى تلك التي فجّرها في الخارج مع نائب وزير الدفاع البريطاني
جوناثان اتكنز، والذي اعتقل لسنوات طويلة في بريطانيا..
ذلك أن السرقة ليست جريمة عند آل سعود، إن كان السارق
من الأمراء أو من الحاشية الكبيرة المبتذلة.
ايضاً فإن الإقالة لم تأتِ في سياق التوتر السياسي
والأمني الذي تشهده المنطقة الشرقية، الغنية بالنفط، منذ
عامين، وتحديداً منذ فبراير 2011 حيث التظاهرات مستمرة،
وحيث أعمال القتل الحكومي للمتظاهرين واعتقال المئات منهم
وتعذيبهم. فهذا الملف الساخن، والجموع البشرية الغاضبة
ضد محمد بن فهد، ورفعها شعار إسقاطه، واعلان تحديها له
ولعائلته.. لم يكن لها دور مباشر في إقالته ـ على الأرجح.
وحتى غضب التجار ورجال الأعمال، لم يكن جزءً من أسباب
الإقالة.
اقالة الملك عبدالله لأمير الشرقية، جاءت في سياق (حصحصة)
السلطة من جديد، و(حصرها) أكثر فأكثر في مجموعة قليلة
من أبناء الملك عبدالعزيز، مؤسس الدولة، بحيث يمكن نقل
الحكم من الجيل الثاني، أي جيل الأبناء، الى جيل الأحفاد.
واضح أنه قد جرت تصفية المستقبل السياسي لـ (معظم)
ويمكن أن يكون (كل) المتبقين من أبناء الملك عبدالعزيز
الأحياء من أمثال تركي وعبدالرحمن نائبي وزير الدفاع السابقين؛
ومشعل وزير الدفاع السابق، ومتعب وزير البلديات، وطلال،
وبدر، وبندر، ومساعد، وحتى أحمد الذي كان بالأمس نائباً
لوزير الداخلية، ثم وزيراً لها لبضعة أشهر قبل أن يطيح
به الملك. وحتى مقرن رئيس الإستخبارات السابق قد أُطيح
به قبل نحو عام، وهكذا.
كلّ ما يريده هؤلاء هو: أن يكون لأبنائهم أو واحداً
من أبنائهم منصباً ما (امارة منطقة مثلاً، أو منصباً في
مؤسسة رسمية مستقلة، ان كانت الوزارة متعذرة).. بمعنى
أن التسابق على الحكم في سياقاته العليا، قد حُسم، وأن
ما يجري هو ضمن الحصول على مكانة فيما دون ذلك. ويبدو
أن هذه الخطوة، قد نجحت في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث
حصل أكثر الأمراء الكبار على مناصب لأبنائهم، أو أحد أبنائهم
بشكل أدقّ.
وقضية إقالة محمد بن فهد، تأتي في سياق انهيار الجناح
السديري وتشرذمه بموت قطبيه (سلطان ونايف) وبإزاحة إثنين
آخرين هما (عبدالرحمن وأحمد) في حين أن تركي الذي عاد
من منفاه في القاهرة، لا يسعى الى منافسة على حكم، وإنما
للحصول على موطئ قدم لأحد أبنائه. ولذا فإن جناح أبناء
فهد، قد جرى تحجيمه بشكل مريع، بحيث لم يبق له سوى منصب
(رعاية الشباب) التي يرأسها نواف بن فيصل بن فهد آل سعود،
بمرتبة وزير. وقد خسر جناح فهد، بإزاحة ابنه عبدالعزيز
(عزوز) وزير الدولة؛ وكذلك بإزاحة سعود بن فهد (نائب رئيس
الإستخبارات) لتكتمل الحلقة بإزاحة محمد بن فهد عن إمارة
الشرقية.
جناح الأمير سلطان هو الآخر قد يفقد بعض مواقعه، وبالأخص
وزارة الدفاع. بمعنى أن عدداً من أبناء سلطان يحتلون مواقع
كأمراء مناطق مثل امير تبوك فهد بن سلطان، أو مناصب أمنية
مثل بندر رئيس الاستخبارات، او عسكرية، كخالد بن سلطان،
نائب وزير الدفاع الحالي. الأرجح أن وزارة الدفاع التي
يرأسها ولي العهد الأمير سلمان، لن يقبل الأخير بتسليمها
لخالد بن سلطان لأسباب متعلقة بخالد نفسه، المكروه من
جناح الملك وأبناء سلمان، بل ومن عامة المواطنين؛ والأهم
لأن من يمسك بوزارة الدفاع فإنه ليس فقط يسيطر على ثروة
جراء النهب والصفقات الفاسدة، بل ستكون لديه قوّة يفرض
نفسها بها ليكون ملك المستقبل. الدفاع أكبر من وزارة،
وأكبر من مستودع أموال للنهب، بل يتعدى ذلك الى أنها قوة
مقرّرة لمن يحكم، وحامية لمناصب أخرى. هي محور كبير، شأنها
في ذلك شأن وزارة الداخلية، ورئاسة الحرس الوطني.
فإذا كانت هذه القوى الثلاث تصنع مستقبل السعودية،
فإن من هم عليها سيكونوا بالقطع ملوكها القادمين، وهم
من يقرر مسار الخلافة والى أين يتجه بناء على توافق الأقطاب
الثلاثة. لقد حسم منصبان من تلك المناصب: رئاسة الحرس
بيد متعب بن عبدالله؛ والداخلية تحت إمرة محمد بن نايف.
ومع أن سلمان هو وزير الدفاع، إلا أن أبناءه يتطلعون ـ
وهو كذلك ـ لأن يكون وزير الدفاع واحداً منهم.
ويشمّ من التعيينات الجديدة، أن هناك تواطؤاً بين الملك
وولي عهده ومحمد بن نايف على وراثة ملك آل سعود. الأطراف
الأخرى غابت بسبب هرمها أو غيّبها الموت. وهنا يطرح سؤال
مهم: اذا كان أبناء سلطان وفهد قد ضعفوا بوفاة أبويهم،
فلماذا لم يحدث الأمر نفسه بالنسبة لأبناء نايف، حيث وجدنا
إطاحة بوزير الداخلية أحمد بن عبدالعزيز لصالح محمد بن
نايف، ثم أُطيح بمحمد بن فهد من امارة الشرقية لصالح سعود
بن نايف؟
واضح ان ما يقوّي محمد بن نايف ليس حضور أبيه ـ الذي
توفي ـ فحسب، بل الأهم: دعم الغرب له، خاصة واشنطن التي
تعاملت معه في ملف محاربة القاعدة (الإرهاب) من خلال المسؤول
السابق لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، ورئيس السي آي
ايه الجديد، جون برينان. فالتجربة أوضحت للأمريكيين بأن
محمد بن نايف يمكن الإعتماد عليه بشكل جيد، بل هناك دوائر
صهيونية رشحت بن نايف لكي يحكم السعودية في المستقبل كملك
(انظر مقالة سايمون هندرسون في موقع معهد واشنطن، على
الرابط: http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/to-stop-iran-get-a-new-saudi-king).
ومن جهة ثانية، فإن الملك عبدالله يشعر بارتياح بالغ
في علاقته (الناعمة) مع محمد بن نايف، بعكس علاقته مع
الأب نايف. وقد ظهر ذلك واضحاً من خلال مبادرة الملك لزيارة
المستشفى فور علمه بمحاولة اغتيال محمد بن نايف من قبل
القاعدة في أغسطس 2009.
ومن جهة ثالثة، وهذا مهم جداً، قد يكون في نيّة الملك
تقوية محمد بن نايف عبر تعيين أخيه سعود على الشرقية،
باعتباره يمثل جناحاً وليس فرداً. وذلك في مقابل أن يصبح
ابن الملك الحالي: متعب، وبدعم من محمد بن نايف، ليكون
الملك القادم للسعودية، وليكون محمد بن نايف ولياً للعهد.
وفي هذا استباق لأن يتفق وزيرا الداخلية والدفاع السديريان
على ترشيح أحدهما وتأخير متعب. ولعل الملك عبدالله بحاجة
الى وقت غير طويل حتى يحكم سيطرته على اللعبة المحلية،
مدعوماً بعائلة التويجري (صانعة الملوك/ الحالي وربما
في المستقبل ابنه)؛ وكذلك مدعوماً بضعف الأجنحة الأخرى
كلها، وكرهها للجناح السديري الذي لن يخوض المنافسة فيه
سوى ابناء سلمان ونايف.
يبقى سعود بن نايف، الأمير الجديد للشرقية، فقد كان
نائباً لابن عمه وزوج اخته محمد بن فهد فيما مضى، ولكن
خلافاً نشب بين الإثنين، فأزيح سعود ليصبح سفير العائلة
في اسبانيا، ثم ليعيده ابوه نايف بعد أن أصبح ولياً للعهد،
وليكون مدير مكتبه. لكن (يا فرحة ما تمّت) فقد مات الأب
قبل أن يصير المُلك إليه. وفي النهاية، وبفضل قوة أخيه
ـ غير الشقيق ـ محمد بن نايف في وزارة الداخلية، فقد نال
الإمارة مكرراً. وسعود ـ وحسب تجربة المواطنين معه في
الشرقية ـ يشبه أباه وزير الداخلية الأسبق، في اعتماد
الحلول الأمنية، والتحالف مع التيارات المتطرفة لقمع الخصوم،
واتخاذ السياسات ذات الدوافع الطائفية. بهذا المعنى قد
يكون سعود بن نايف أكثر عنفاً من سلفه، ولعل تعيين شخص
مثله ـ ممن هم ضد الإصلاح السياسي ـ لا يمكن إلا أن يكون
مؤشراً للقادم، أي أن البلاد ينتظرها ـ على الأرجح ـ المزيد
من العنف السلطوي، خاصة في المنطقة الشرقية التي لم تهدأ
تظاهراتها واعتراضاتها منذ فبراير 2011.
لا يحتمل أن يسلك سعود بن نايف طريقاً مختلفة عن سلفه
في معالجة اوضاع المنطقة الشرقية ولا التعامل مع الأكثرية
الشيعية فيها، فلا توجد مقاربة مختلفة، وإنما هنالك شعور
بالحاجة الى المزيد من العنف إزاء الإحتجاجات المتزايدة
والعابرة للمناطق والمذاهب والقبائل.
|