تعيين الأمير مقرن نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء
أزمة (سيستم) وليست أزمة (أفراد)
هل يكون مقرن سادات السعودية؟
مالجديد في التعيين المفاجئ للأمير مقرن بن عبدالعزيز
آل سعود نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما يضعه في
المقام الثالث رسمياً بعد الملك وولي عهده سلمان؟
محمد قستي
هناك أزمة بنيوية في سيستم خلافة الحكم في السعودية،
هي الأعقد بين كل الأنظمة الوراثية المطلقة في المعمورة،
ما يجعل انتقال السلطة بسلاسة وثبات أمراً مشكوكاً فيه،
من جهة صعوبة التنبّؤ بمن سيكون الملك القادم من جهة،
ومن جهة حيازته على رضا عامّة الأمراء الذين يعتقدون بأن
لهم حقّاً متكافئاً في الوصول الى كرسي الحكم.
تكمن المشكلة في أمرين أساسيين:
الأولى ـ انتقال السلطة وراثياً في شكل أفقي، أي من
الأخ الى أخيه، دون وجود محددات واضحة، هل هي للأكبر سنّاً
من بين الإخوة؛ أم هي تنتقل للأصلح أفقياً بين الإخوة،
كما نصّ على ذلك النظام الأساسي للحكم قبل تعديله في ديسمبر
2007، بعد إعلان تشكيل هيئة للبيعة لمن تبقّى من الإخوة
أو من يمثّلهم من أبنائهم ان اراد ذلك او إن كان الأب
قد توفي، بحيث يختار الأعضاء ولي العهد القادم، وتلقائياً
يصبح ملكاً. لكن هذه الهيئة ماتت في المهد، وقد انسحب
منها طلال بن عبدالعزيز، لأنه تمّ تجاوزها بتعيين سلمان
ولياً للعهد ومن ثم بتعيين مقرن كرجل ثالث في الدولة.
بمعنى آخر، فإن كل محاولات تنظيم وراثة الحكم بين أبناء
مؤسس الدولة فشلت حتى الآن، فلا الأكبر سنّاً هو الأولى
بالحكم، ولا الأصلح هو عماد الإختيار، حتى وإن لم يتوضح
من يحقّ له ان يقرر بأن هذا الأمير او ذاك هو الأصلح؛
ولا التنظيم الذي وضعه الملك عبدالله لهيئة البيعة تمّ
تطبيقه، حيث قتل الملك هيئته التي أسسها بنفسه، وصار الآن
وبحكم الواقع، ان الملك هو الذي يختار ولي عهده، ويختار
النائب الثاني، بمعزل عن رضا او سخط بقية إخوته.
في الملكيات الوراثية المطلقة او الدستورية، عادة ما
تكون الوراثة عمودياً، من الأب الى أكبر الأبناء (في بريطانيا
من الأب أو الأم الى الإبن الأكبر أو البنت الأكبر)، اللهم
إلا أن يتنازل الإبن الأكبر لصالح التالي من الأبناء.
الثانية ـ ويضاف الى مشكلة الإنتقال الأفقي للسلطة
التي تشعل الصراع بين الأخوة (الأمراء أبناء عبدالعزيز
مؤسس الدولة)، هناك أزمة العدد، فأعداد الأمراء السعوديين
غير مسبوق في التاريخ، ذلك أن للملك عبدالعزيز 36 ابناً
توفي اكثرهم، ولكن لازال الباقون يمثلون عدداً وافراً
(17 أميراً) وأعمار أكثرهم متقاربة وأكثرهم عجزة، شأنهم
شأن الملك وولي عهده. وهنا يصعب ارضاء هؤلاء واشباع تطلعاتهم.
ذات المشكلة تتبدّى من جهة ان الإنتقال الأفقي للسلطة
يصيب الدولة بالعجز، بسبب تقارب الأعمار وحدة النزاع،
كما أنه يؤجّل تحويل كرسي الحكم الى الجيل الثالث (حفدة
المؤسس)، واذا ما تحوّل لهم ـ حتى ولو كان بعضهم لازال
حياً ـ كانوا هم ايضاً من المعمّرين سنّاً، ويكون الخلاف
بين ابناء الجيل الثالث أكثر تعقيداً وصعوبة وحدّة، لأن
عدد الحفدة أكبر بكثير من عدد آبائهم، فكيف سيكون تنظيم
الخلافة والحكم؟ (بعضهم لديه ابناء يزيدون على العشرة
وآخرون على العشرين، بل ان الملك سعود وصل عدد ابنائه
ـ دون بناته ـ اكثر من ستين ابناً)!
يفترض والحالة هذه أن ننظر الى (سيستم الخلافة السعودي)
على أنه نظام معطوب ومولّد للمشاكل، ولكن هل هناك في الأفق
حلّ لهذا المأزق؟ نظام انتقال الحكم إن لم يتوفر اجماع
داخل العائلة المالكة يعضده ويقبله، كيف سينجح، بغض النظر
عن رأي الشعب فيه، وهو شعب لا يستفتى في الملكيات الوراثية
المطلقة؟ كيف يمكن توفير نظام سياسي مستقرّ له طابع الديمومة
ـ نظرياً على الأقل ـ يحفظ وحدة العائلة المالكة، ويعينها
على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، بما فيها تحدّي
تصاعد المطالب الشعبية في الإصلاح والتغيير؟
والآن، هل تعيين مقرن بن عبدالعزيز كرجل ثالث في الدولة
يحلّ أياً من هذه الإشكالات البنيوية؟
في شكل التعيين فإن الأمير مقرن هو أصغر أبناء الملك
عبدالعزيز الأحياء، وهو من مواليد 1945، وقيل أنه من مواليد
1943م، وفي الحد الأدنى فإن عمره الحالي (67 سنة). كان
طياراً في القوة الجوية، وعين أميراً لمنطقة حائل لمدة
تصل الى عشرين سنة (1980 ـ 1999)؛ ثم عيّن اميراً للمدينة
المنورة حتى عام 2005؛ ثم رئيساً للإستخبارات خلفاً للأمير
نواف لسبع سنوات (2005-2012) حيث عزل وتم تعيين بندر بن
سلطان مكانه. واخيراً في الأول من فبراير الجاري تم تعيينه
نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، والذي يعني اوتوماتيكياً
انه الملك القادم بعد سلمان، ان بقي هذا الأخير حيّاً
ووصل الى العرش.
الطريقة التي تمّ فيها تعيين مقرن كانت مفاجئة للأمراء
الكبار، إخوان الملك، كما أمراء الجيل الثالث. الملك قرّر
التعيين المفاجئ، لشخصية لم تثبت تميّزاً في إدارة، بل
كان وضعه على رأس الإستخبارات العامّة قد أضعف أداءها.
كان الكثير من المراقبين يترقّب النقلة النوعية في الوراثة
من الجيل الثاني الى الجيل الثالث، وتحديداً الى محمد
بن نايف ـ كما يريد الأمريكيون ـ او الى متعب بن الملك
عبدالله رئيس الحرس ـ كما يريد والده. النقلة النوعية
هذه صعبة، ولكنها ضرورية للعائلة المالكة. فلمَ لم يقدم
عليها الملك؟
هناك احتمالان: إما أن الملك لم يرغب في المرشح الأمريكي؟
أو أنه وجد ان الإنتقالات يحتاج الى تهيئة أكثر، اي الى
خطوة انتقالية نحو الجيل الثالث.
لم يستشر الملك هيئة البيعة في تعيين مقرن، كما لم
يستشرها من قبل في تعيين سلمان ولياً للعهد، لأنه يعلم
بأن اتجاهات الرأي لن تميل الى مقرن، فاختاره بالنيابة
عنها، او بتجاوزها، وأكد بذلك أن من هم أكبر من مقرن (أي
بقية الإخوة) لن يكون لهم دور مستقبلي في الحكم المباشر.
كأنه أراد القول: بأن مقرن، سيكون آخر ملك من أبناء عبدالعزيز.
السؤال: هل قبل الأحياء من ابناء عبدالعزيز هذا التعيين؟
بالقطع لا. فأكثرهم لن يعجبه طريقة التعيين، وبالقطع فإنهم
انزعجوا لعدم استشارتهم وكأنهم كمّ مهمل. وبالقطع فإنهم
لم يكونوا يحلمون بالوصول الى كرسي الملك، لكنهم كانوا
يريدون ممارسة دور في التعيين والحصول ـ عبر المساومات
ـ على امتيازات مالية ومناصب لهم ولأبنائهم، مقابل (صوتهم).
ولو حدث ذلك، سيكون مقرن مديناً لهم في التنازل له عن
الحكم، لكنه كان سيكون قوياً مقابل من يمتلك السلطة الحقيقية
على الأرض: وزير الداخلية، وزير الدفاع، ورئيس الحرس الوطني.
أما وقد وصل مقرن الى منصبه عبر التعيين المباشر من
الملك، فسيكون ضعيفاً، لأنه لا يمتلك أيّ من أدوات السلطة
في يده. في الغالب فإن من يحتل المنصب الثاني لرئاسة مجلس
الوزراء (المنصب الثالث في الدولة) عادة ما يكون بيده
إما وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع تسنده. مقرن ليس بيده
شيء. وليس لديه عصبة من الأشقاء تحميه أمام عصب أخرى،
ضعفت مؤخراً بسبب (ملك الموت).
تعيين مقرن لم يحل أزمة الخلافة بنيوياً، فما جرى مجرد
استمرار للأزمة وتأجيل لحلّها.
وتعيين مقرن لم يخفّف من الصراع بين الإخوة ـ أمراء
الجيل الثاني، ولا بين الجيل الثاني والثالث، ولا بين
أبناء العمومة ابناء الجيل الثالث مع بعضهم البعض.
ومن هنا، فتعيين مقرن نائباً ثانياً، لم يكن باعتباره
مرشح تسوية، فالتسوية تتطلب توافقاً بين ابناء عبدالعزيز
في المقام الأول؛ كما ان التعيين لمقرن لا يحمل بالضرورة
مواصفات (المرشح الدائم)، فقد يكون تعيينه (مؤقتاً) ويزاح
في مرحلة لاحقة. بمعنى آخر: فإنه يمكن النظر الى تعيين
مقرن كمرشح للخلافة اعتماداً على الوضع القائم، فإذا ما
تفجّر الصراع بين الإخوة، أُمكن حينها إيجاد مخرج آخر
بتعيين ولي عهد او ملك جديد من قبل هيئة البيعة نفسها
ـ إن تطلب الأمر. والحجّة كما كان يريدها الأمير طلال
أثناء تعيين نايف نائباً ثانياً، وهي كالتالي: إن تعيين
أمير ما في منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، لا
يعني تلقائياً ان يكون ولياً للعهد، وإن حسب الناس ذلك!
اي ان هناك فاصلاً بين المنصبين، وهما غير متلازمين. وهذا
ما طالب به طلال علناً بعد تعيين نايف نائباً ثانياً.
لكن التجربة دلّت عكس ذلك تماماً. إذ لم يحدث ان عُيّن
شخص كنائب ثان، ثم لم ينل ولاية العهد.
وعموماً فهذا الإلتفاف قد يحدث في حال بروز أزمة حادّة
نتيجة معارضة لتعيين مقرن. ولكن هذا الإحتمال ـ ضمن الوضع
القائم ـ غير قوي، إذ لا يتوقع ان يزداد صراخ الأمراء
الكبار من إخوة الملك. والملك نفسه، كان يعلم بأن إيكال
الأمر الى هيئة البيعة لاختيار ولي العهد القادم، لن يمرّ
بدون لغط ومشاكل، لذا اتخذ القرار.
الشيء المدهش هنا، هو ان هناك استعجالا في تعيين مقرن
نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. فبإمكان الحكم ان يمضي
على حاله، فإذا مات الملك أو ولي عهده سلمان، اجتمعت هيئة
البيعة لتختار ولي عهد جديد، كما ينص على ذلك نظام هيئة
البيعة.
إذن لم هذا الإستعجال في التعيين؟
هذا ينبيء عن واحد من أمرين أو كليهما:
الأول، أن الملك وولي عهده، قد بلغ بهما الإنهاك والتعب
بسبب الأمراض والشيخوخة بحيث أصبحا غير قادرين على تصريف
أمور الدولة، ولربما اضطرا، أو اضطرّ أحدهما الى السفر
مطولاً الى الخارج للعلاج، خاصة سلمان، الذي يفترض ان
يقوم بأمور الدولة، في ظل عجز واضح للملك الذي لا يداوم
إلا سويعات بعض أيام الأسبوع. ولكن لأن سلمان مصاب أيضاً
بأمراض متعددة وبينها الدماغ، واحتمل مع ذلك غيابه عن
البلاد للعلاج في رحلة طويلة.. أُمكن فهم لماذا هنالك
حاجة الى تعيين نائب ثان لرئيس مجلس الوزراء.
الثاني، هو إصرار الولايات المتحدة على انتقال السلطة
الى الجيل الثالث بحضور الملك وولي عهده، بحيث يشرفا على
هذا الإنتقال، ويعمدا الى الإستقالة إن أمكن ويقوما بدور
الإشراف من بعيد. واشنطن رغبت في تعيين محمد بن نايف كملك،
وهي شديدة القلق على مسار خلافة الحكم السعودي، وتشير
الأنباء الى أنها بعثت بوفد لمناقشة الأمر مع الملك اواخر
يناير الماضي، لكن الملك رفض استقباله، واستقبله مدير
مكتبه خالد التويجري.
يبقى ان مقرن وفي حال صار ملكاً، فإن ولي عهده القادم
سيكون من أبناء الجيل الثالث. ولكن هل يقبل ان يكون ملكاً
ضعيفاً؟ أم يتمسكن حتى يتمكن، وحينها يجرّد أبناء إخوته
من صلاحياتهم الواحد تلو الآخر حتى يصبح ملكاً حقيقياً؟!
هل يكون مقرن سادات السعودية؟
|