مقالات تحذر من انهيار الدولة وتطالب بالإصلاح تطيح
برئيس التحرير
إقالة قينان الغامدي
عمر المالكي
قينان الغامدي، رئيس تحرير جريدة الشرق
السعودية، كتب في نفس يوم إقالته 5/2/2013 على موقعه في
تويتر تعليقات قال فيها: (أعشق قيادة وطني العظيمة بجنون.
أعشق وطني، وأحب كل من ينتمي له. أختلف مع الحكومة كثيراً.
بلادي وإن.. وأهلي وإن.. وداعا أيتها الحبيبة ـ الشرق؛
مرحباً بالمستقبل المكتوب سلفاً). وبعد يومين اي في 7/2/2013
كتب شاكراً زملاءه ومن تضامن معه: (صباح الخير أيّها الأحبّة؛
أيّها الأصدقاء والصديقات الرائعون والرائعات؛ شكراً من
أعماق قلبي على كل حرف كتبتموه أو نطقتموه: أحبكم. أيها
الاصدقاء والصديقات: أنتم ثروتي العظمى التي أفاخر بها).
لم تكن إقالة الغامدي الأولى من نوعها، فقد سبق وأن
تمت إقالته من صحيفة (الوطن) كما تمت إقالة غيره من المحسوبين
على النظام، والسبب دائماً كان نشر مواد تتجاوز المسموح
به من قبل العائلة المالكة، حيث يجد هؤلاء الموالون من
المحررين والكتاب أن هناك ضرورة لتوسيع هامش التعبير لاستقطاب
القراء، وتحسين سمعة النظام من خلال مساحة الحرية وإيجاد
اصطفافات مع النظام. أي أن غرضهم هو خدمة النظام في الأساس.
ومع ان النيّة طيبة بنظر آل سعود، إلا ان الوسيلة غير
طيبة! فتتم الإقالة ويجري العقاب، لينتظر بعدها المُقال
بضعة أشهر حتى يبحث له عن عمل جديد في ذات السلك الحكومي.
وقد حدث هذا مع رؤساء تحرير آخرين مثل: جمال خاشقجي، الذي
هو ابن النظام، ولكنه طرد من منصبه كرئيس تحرير للوطن
مرتين.
|
عبدالله الفوزان |
ويكفينا للتدليل على ذلك، هذه المزايدة في الولاء للنظام
من قبل المُقالين، وما التعليقات آنفة الذكر لقينان في
حسابه بموقع تويتر حول (عشق قيادة الوطن العظيمة) بالرغم
من إقالته إلا دليل على أن الرجل ينتظر منصباً جديداً،
مع أنه يقول: (مرحباً بالمستقبل المكتوب سلفاً). فهل كان
يتوقع المكتوب سلفاً وهو (الإقالة)؟ أم هو يعرف مستقبله
المكتوب سلفاً بعد الإقالة؟
قينان الغامدي، حاول توسعة هامش الحرية في صحيفته بغرض
المنافسة مع الصحف الأخرى، ومع مواقع النت والتواصل الإجتماعي
التي حطّت بالصحافة المحلية الى أدنى مستوى لها، فكان
لا بدّ أن تدافع عن نفسها بتوسعة مساحة النقد، وإلا انهارت.
وزارة الداخلية تعلم هذا، إذ لا يمكن جذب الجيل الجديد
ولا الجيل القديم بصحافة متصلبة جافّة طبّالة للنظام.
لا بدّ من أصوات نصف معترضة، او بالأصح نصف منتقدة. لكن
من يضبط إيقاع الإعتراضات ويجعلها دون السقف المسموح به؟
إنه رئيس التحرير! ولكن كيف يمكن لرئيس التحرير هذا أو
ذاك أن يعلم بأن هذا المقال او الخبر او التعليق يصنف
تحت أو فوق السقف (الملكي)؟ هنا يلعب الإجتهاد دوره، فلا
قوانين مكتوبة، وما هو عادي نشره قد يكون مصيبة عند العائلة
المالكة! وما هو مقبول نشره من شخص ما، غير مقبول أن ينشر
نصفه لكاتب آخر. القضية ضبابية أيضاً فيما يتعلق بمن يقيّم
فعل الكتاب ورؤساء التحرير. فهذا الأمير قد يعتبر نشر
مقالة بعينها امراً سيئاً، وقد يراها آخر سيئة جداً، ولكن
في النهاية فإن من يقرر هم الملك عبدالله وسلمان ولي العهد،
ووزير الداخلية، وفي الغالب يأتي الأمر من وزارة الداخلية
لفصل هذا الكاتب او ذاك المحرر، اللهم إلا اذا سارع الملك
او ولي عهده الى إشهار سيف الإقالة ـ وبالهاتف عادة ـ
قبل وزير الداخلية.
|
عبدالعزيز الدخيّل |
ما هي مشكلة قينان الغامدي هذه المرّة؟
مشكلته أنه استكتب أناساً من صلب النظام السعودي، من
الحريصين على بقائه واستمراره، من الذين يخافون انهياره
إن لم يتم الإصلاح السياسي وغيره، من الذين أرادوا تنبيه
آل سعود فما انتبهوا، فتوجهوا للناس ـ وعبر صحيفة الشرق
ـ ليكتبوا محذرين من الوضع القائم، ومطالبين الجمهور ـ
كما آل سعود ـ بأن يستيقظوا من غفوتهم. ولكن آل سعود لا
يحبّون الناصحين، فهؤلاء بنظرهم (مرجفين). وإلا فإن الوضع
بخير والحمد لله!
آخر مقالين نشرا مثّلا القشّة التي قصمت ظهر قينان
الغامدي. أحدهما كتبه عبدالعزيز الدخيل في 4/2/2013 تحت
عنوان: (مستقبل مجهول يصنعه حاضر غير سويّ)؛ والثاني كتبه
قينان نفسه، ونشر يوم إقالته في 5/2/2013، وحمل عنوان:
(جماعة الإخوان السعوديين وقطر مرة أخرى) (انظر المقالين
في موقع آخر من هذا العدد). أحد المقالين أو كلاهما كان
السبب في إقالته. وقد سبق هذين المقالين مقالات أخرى لكتاب
آخرين كان سقف التعبير فيها قد تجاوز خطوط آل سعود الحمراء،
فاجتمع كل هذا وأنتج قرار (الإقالة).
د. عبدالعزيز الدخيل، وكيل وزارة المالية السعودية
الأسبق، هو باحث اقتصادي وناقد للأوضاع عامة وله ابحاث
وكتب منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية تنتقد الإقتصاد
السعودي. آخر كتبه: التنمية الإقتصادية في المملكة العربية
السعودية ـ قراءة نقدية؛ حيث ربط بين رفاهية المواطن السعودية
بمقدار ما يتوفر له من حرية سياسية واقتصادية. فـ (الحرية
الإقتصادية والسياسية أفضل الوسائل لتعظيم الأداء الإقتصادي
والسياسي... هما عمودان اساسيان في بناء المجتمع البشري)
وهو يؤكد على أن الدول النفطية كالسعودية ليست دولاً غنية،
والقول بغناها لا يستند الى أسس ومعايير اقتصادية. ورأى
ان البترول ثروة متلاشية وأن (المملكة المالك الأكبر للاحتياطيات
البترولية والمال الناجم عن استخراج وتصدير النفط، لا
تملك في أصولها الرأسمالية البشرية والمادية المنتجة أو
المتنامية إلا الشيء القليل جداً.. فهي لا تعد دولة غنية
أو متقدمة اقتصادياً.. وإنما في مركز متأخر).
|
قينان الغامدي |
ومع ان بعض كتابات الدخيل لا تخلو من مديح، مثلا مقالته
ما قبل الأخيرة: (قينان والفوزان والهبوب الفيصلية) لكنها
متميزة في الغالب بالنقد، فمثلاً مقالته عن الميزانية
الأخيرة كان عنوانها: (الميزانية الجديدة مجرد زيادة في
الإنفاق ولا جديد) قال فيها: (زيادة الإنفاق لا تعني بالضرورة
خيراً فقد يكون في بعض الإنفاق خسارة ووبال على الاقتصاد،
كما أن الزيادة في الإنفاق قد تذهب إلى جيوب امتلأت سابقاً
من فيض ميزانيات سابقة. وقد تبقي جيوب خارج مواقع هطول
أمطار الإنفاق وهي في أمس الحاجة إليها). وفي مقالته (الصحافة
السعودية وحرية الرأي) قال: (لو جاز لي أن أصف الصحف السعودية
لقلت إنها مؤسسات حكومية مسموح لها بالتجارة الإعلانية
لتمويل نفقاتها الجارية والرأسمالية إلى جانب الإعانة
الحكومية. يقف على باب كل مؤسسة حاجب يسمى رئيس التحرير،
يحجب ما يرى أنه غير ملائم للنشر ويسمح بالباقي، معياره
في ذلك وأدوات قياسه للممنوع والمسموح هو ما يتلقاه من
تعليمات مباشرة من الوزير الذي يرأس الوزارة التي ترتبط
بها إعلامياً كل الصحف المحلية وهي وزارة الثقافة والإعلام،
وتدخل على الخط أحياناً وزارة الداخلية. فالحاجب -أقصد
رئيس التحرير- هو من جهة ملزم بالقيد الإعلامي والرسمي
القوي المستتر، ومن جانب آخر يحاول تمرير بعض المقالات
التي تحاكي الواقع والحقيقة وتنشد الإصلاح تجاوباً مع
الرأي العام الذي لم تعد معدته قادرة على هضم الطعام المملوء
بالدهون المخالفة للمعايير الصحية، ولم يعد عقله وضميره
قابلين لغير المعقول، ولم يعد قادراً على إغماض عينه لكيلا
ترى النور). واضاف: (أعتقد أن قضايانا السياسية والاجتماعية
والاقتصادية التي يواجهها المجتمع السعودي اليوم هي قضايا
من النوع الجوهري والحجم الرئيس الذي يتطلب صدقاً وصراحة
في الطرح والشرح والتحليل، وهذا من الناحية العملية لن
يتأتى إلا باستنهاض كل القدرات والإمكانات الوطنية، الأمر
الذي لا يمكن أن يتم بشكل فاعل ومفيد إلا بفتح المجال
واسعاً لحرية الرأي).
هناك كتابات أخرى للدكتور عبدالله الفوزان في صحيفة
الشرق، سببت صداعاً لوزارة الداخلية والعائلة المالكة،
وبالتالي راكمت الماء وراء السدّ قبل انهياره على رأس
قينان الغامدي. الفوزان كان يضرب أحياناً تحت الحزام،
ويناقش موضوعات ـ وإن بسطحية أحيانا ـ لا يسمح بنقاشها
أصلاً. مثل مقالته: (النظام الملكي ونظام الخلافة الإسلامية)؛
و (دولة بلا قانون.. مسرحية في أتوبيس). ومقالة: (استناداً
الى أي نظام تتابع وزارة الداخلية المرأة برسائلها؟)؛
و (ابحثوا عن العلاقة بين كبار الشخصيات وتدهور الرياضة)؛
و(لماذا تبرز وسائل الإعلام أوامر وتوجيهات أولياء أمورنا
على أنها فوق النقد؟)؛ و(خالد الفيصل يحتمي بالدين من
السياسة)؛ و(عضوات وأعضاء مجلس الشورى.. الأفضل اختيار
ولي الأمر أم اختيار المجتمع؟)؛ و(هل نحن دولة بلا دستور؟)؛
و(أليس وضع نظام للبيعة أولى من وضع نظام لهيئتها؟)؛ و(فرصة
كبيرة لإنجاح نظام هيئة البيعة قد فقدناها)؛ و(استحقاقات
تفرضها العلاقة بين المواطنين والأسرة الحاكمة)؛ و(العلاقة
بين الأسرة الحاكمة والمواطنين)؛ و(هل مجتمعنا غير ناضج
للمشاركة السياسية؟)؛ و(لماذا لم تبدأ خطوات التطوير؟)
والتي جاء فيها: (التطلعات لتطوير نظامنا السياسي كانت
قائمة قبل بدء الثورات العربية، ولذلك فعندما بدأت تلك
الثورات وتلاحقت توقع بعضهم أن يكون ذلك حافزاً قوياً
للبدء بعملية التطوير عندنا، لأنها كانت متوقعة قبلها،
وما حصل يزيد من احتمالات البدء بها، لذا فقد تفاجأ بعضهم
عندما قدّمت الحكومة تلك الحوافز المالية اللافتة وتمّ
الاكتفاء بها، لكن ما حصل يوضّح أن أصحاب القرار يرون
أنه ليس هناك من ضرورة لأي عملية تطوير سياسي في الوقت
الحاضر.. فعلى أي أساسٍ كان ذلك؟). وهناك مقالات عديدة
أخرى تحوي ألغاماً متفجرة، انفجر أحدها بوجه قينان الغامدي.
|