لماذا الآن؟
كشف جماعي للقاعدة الأميركية في السعودية
عبدالحميد قدس
في 29 نيسان (إبريل) 2003 أعلن وزير دفاع الولايات
المتحدة دونالد رامسفيلد بأن حكومته بصدد إعادة انتشار
قوّاتها المتواجدة في السعودية، وذلك في أعقاب الحرب على
العراق التي أفضت الى سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان
(إبريل) عام 2003. قيل لنا حينذاك بأن القوات الاميركية
إنسحبت من المملكة وانتقلت الى قطر، وصدّق البعض ذلك،
على أساس أن هذه القوات سوف تكون هدفاً لهجمات تنظيم القاعدة.
فرضية عدم وجود قواعد عسكرية أميركية في السعودية بقيت
قائمة، في ظل سعي الطرفين الاميركي والسعودي على إحكام
القبضة على مصادر الأسرار وعدم السماح لأي تلميحات من
هنا أو هناك تثير فضول الصحافيين في أي بلد للكشف عن حقيقة
ما يجري.
ذات يوم من عام 2011، بثّت شبكة (فوكس نيوز) الأميركية
خبراً عن وجود قاعدة جوية أميركية في خميس مشيط، جنوب
المملكة، ولكن ما لبث أن أزيل الخبر من موقع الشبكة، فيما
يبدو أنه على خلفية ضغوط من وكالة الاستخبارات المركزية
الـ سي آي أيه. ولكن، بعد أكثر من عامين تمّ الكشف عن
الخبر في أكثر من وسيلة إعلامية أميركية (واشنطن بوست،
ونيويورك تايمز، و سي ان ان)، وكلها جاءت في وقت واحد،
فيما يشبه إيعاز من جهات سياسية واستخبارية بالنشر. حيث
أفادت وسائل الاعلام الاميركية سالفة الذكر بأن وكالة
المخابرات المركزية الاميركية كانت تدير عمليات من قاعدة
سرية للطائرات بدون طيار في السعودية خلال العامين الماضيين.
وبحسب الانباء المنشورة في تقارير وسائل الاعلام الأميركية،
فإن القاعدة السريّة قد أنشئت من أجل ملاحقة أعضاء في
تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي يتخذ من اليمن
قاعدة له. وقد استُخدمت المنشأة في هجمات لطائرات بدون
طيار في سبتمبر/ أيلول عام 2011 لقتل أنور العولقي، وهو
أمريكي المولد كان يتولى ـ كما قيل - قيادة العمليات الخارجية
لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز بأن ثمة (أهداف ذات قيمة
كبيرة)، وراء إنشاء قاعدة الطائرات بدون طيار في ديسمبر/كانون
الأول عام 2009، عقب هجوم بصواريخ كروز في اليمن، وكان
ذلك أول هجوم تأمر به إدارة الرئيس أوباما، وقد انتهى
نهاية مأساوية حين قتل فيه عشرات المدنيين، كان من بينهم
نساء وأطفال.
وقال مسؤولون أميريكون للصحيفة إن أول مرة تستخدم فيها
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المنشأة السرية كان
في قتل العولقي. ومنذ ذلك الحين فُوضت الوكالة بمهمة اصطياد
وقتل (أهداف ذات قيمة رفيعة) في اليمن، وهم قادة تنظيم
القاعدة في الجزيرة العربية، الذين قال محامو الحكومة
إنهم يمثلون تهديداً مباشراً على الولايات المتحدة.
أما صحيفة (واشنطن بوست) فذكرت بأن مستشار الرئيس الأمريكي
أوباما لمكافحة الإرهاب، جون برينان، وهو مدير سابق لمكتب
وكالة المخابرات الأمريكية في السعودية أدّى دوراً بارزاً
في المفاوضات مع حكومة الرياض بشأن إنشاء القاعدة. وبالمناسبة
برينان مرشح لتولي منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية
هو على علاقة وثيقة مع محمد بن نايف، وهناك من يرى بأن
عملية الكشف تستهدف الشخصين!
دافع البيت الأبيض عن سلطة الرئيس باراك أوباما في
شن حرب بالطائرات بدون طيار عقب صدور مذكرة من وزارة العدل
الأمريكية تقول فيها إن استهداف الأمريكيين الذين يحتلون
مراتب رفيعة في تنظيم القاعدة وقتلهم قانوني، حتى ولو
لم تنجح المخابرات في توفير معلومات تدل على تدبيرهم لأي
هجوم.
ويأتي كشف محطة إن بي سي الإخبارية ـ التي نشرت على
موقعها نسخة من المذكرة - في وقت تواجه فيه الهجمات للطائرات
الأمريكية بدون طيار في باكستان واليمن وفي أماكن أخرى
تحرّيات مدققة وتساؤلات متزايدة من جماعات حقوق الإنسان.
(لقد نفذنا تلك الهجمات لأنها كانت ضرورية للتخلص من
تهديدات مستمرة، ولوقف المؤامرات، والحيلولة دون وقوع
هجمات في المستقبل، وللحفاظ على حياة الأمريكيين)، هكذا
قال المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني. وأضاف (هذه الهجمات
قانونية، وأخلاقية، وحكيمة).
وكانت أكثر هجمات الطائرات بدون طيار إثارة للجدل تلك
التي وقعت في سبتمبر/أيلول 2011 وقتل فيها أنور العولقي
وسمير خان، وذلك لأن الرجلين كانا مواطنين أمريكيين لم
يتهما بأي جريمة من قبل.
وقال كارني (أريد أن أشير إلى أن أي شخص يحمل السلاح
ضد الولايات المتحدة في حرب عليها هو عدو، ولذلك يمكن
استهدافه). وتقدم المذكرة الأمريكية تعريفات مستفيضة للدفاع
عن النفس، والهجمات الوشيكة، أكثر مما قدمه من قبل المسؤولون
الأمريكيون، الذين كانوا ينصون في دفاعهم عن الهجمات على
(حق الدفاع عن النفس). وقالت المذكرة (إن شرط أن يمثل
قائد عمليات ما تهديداً وشيكاً بحدوث هجوم عنيف على الولايات
المتحدة لا يتطلب من أمريكا الحصول على دليل واضح بأن
هجوماً محدداً على أشخاص أمريكيين أو مصالح أمريكية سيحدث
في المستقبل).
وبدلا من ذلك فإن أي مسؤول (رفيع المستوى لديه معلومات)
يمكن أن يقرر إن كان الشخص المراد استهدافه يمثل تهديداً
وشيكاً بوقوع هجوم عنيف على الولايات المتحدة، إذا كان
ذلك الشخص منخرطا (حالياً) في مثل تلك الأنشطة، ولم يتوفر
دليل على نبذه للعنف. وتضيف المذكرة أيضاً أن القبض على
أي شخص يكون ذا جدوى إذا لم يمثل القبض عليه خطراً غير
ضروري على الأشخاص الأمريكيين.
وقد حملت المذكرة العنوان التالي (قانونية العمليات
الفتاكة الموجهة ضد أي مواطن أمريكي يحتل مرتبة رفيعة
في قيادة عمليات القاعدة، أو أي قوة أخرى مرتبطة بها).
والسؤال المشروع: ماذا لو كانت الولايات المتحدة أو
قواتها أو مسؤوليها أو حتى أجهزتها تمثل تهديداً أو خطراً
على حياة شعوب أو جماعات أو دول أو أشخاص، هل يجوز استخدام
المنطق ذاته لمنع وقوع الهجوم، أو إحباط خطر التهديات،
أو شن هجوم لدرء خطر أكبر باعتبار أن ذلك يندرج في (حق
الدفاع عن النفس)؟!
|