دولة الموت
ندرك تماماً بأن الديمقراطية في سورية ضرورة حتمية
لأن النظام الحاكم، شأن كل الانظمة العربية قاطبة بدون
استثناء، بات خارج التاريخ ولابد من تغييره وإقامة نظام
تعددي يكفل للجميع فرصة تشكيل نظام تمثيلي متوازن، ويحقّق
تطلعات الشعب السوري بكل مكوّناته السياسية والاجتماعية
والإثنية.. كما ندرك أن عسكرة الثورة، وتطييفها، وكذلك
التدخل الخارجي فيها، كما تؤكّد على ذلك قوى وازنة في
المعارضة السورية وعلى رأسها هيئة التنسيق الوطنية، وخصوصاً
وأن من يقوم بذلك كله قوى إقليمية مستبدّة مثل السعودية
وقطر، وقوى دولية إمبريالية مثل الولايات المتحدة، فيما
يتم تدمير سوريا، وقتل شعبه، بعد سنتين من الحرب الطاحنة
التي تبيّن من خلال مراقبة مجرياتها أنها وصلت الى طريق
مسدود.. وأن لا حل ممكناً حتى الآن الا الحل السياسي تجنيباً
لإراقة المزيد من الدماء ودرءاً للمزيد من الدمار.
هناك أطراف إقليمية ودولية تريد للقتال في سوريا أن
يستمر، وللأزمة أن تستفحل بما يجعل الحل مستحيلاً..تقارير
عدّة ذكرت بأن الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي لا
تحبّذان الحل السياسي والسريع في سوريا لأنهما تريدان
من القتال انهاك وتدمير للدولة السورية بحيث لا تعود قادرة
على تشكيل أي تهديد للكيان الاسرائيلي في المستقبل، وأن
يكون عدم استقرار سورية ضمانة مؤكّدة لأمن الكيان الاسرائيلي
على الجبهتين السورية واللبنانية.
أما على المستوى الإقليمي، فلن نتحدث عن تركيا التي
شعرت بأنها إرتكبت خطأ فادحاً ولا يمكنها التراجع عنه
فهي مضطرة لمواصلة الطريق حتى النهاية، ولن نتحدث عن قطر
التي تقوم بتمويل مشروع اسقاط النظام السوري عسكرياً،
فيما لا ثمرة مرجوة يمكن أن تجنيها من وراء ذلك ولها في
تجارب ليبيا وتونس ومصر واليمن دروس بليغة، وكذلك لن نتحدث
عن الأردن الذي يصرّ على الاكتفاء بالتعاون الاستخباري
والإنساني لأن تداعيات الإنخراط التام والشامل في الأزمة
السورية ستكون خطيرة للغاية على الداخل الأردني..ويبقى
النظام السعودي!
في تجارب سابقة وأهمها أفغانستان والثغور الجهادية
التي نشأت بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات
من القرن الماضي، ثم العراق بعد سقوط النظام في إبريل
2003، ولبنان بعد حرب يوليو 2006، كان النظام السعودي
يشجّع الشباب السلفي المتطرّف المتشرّب لأفكار الجهاد
والرباط لأن يهاجر ويقاتل (أعداء الله) ويقيم (شرع الله)
ويرسي دعائم (دولة التوحيد) بإقامة (إمارة إسلامية) هنا
وهناك..فانطلق الشباب مثنى وثلاث ورباع الى دار الهجرة
والجهاد، فكانوا إمّا يقضون نحبهم ويسجّلهم أنصارهم في
عداد الشهداء والأبطال الخالدين، وإما يعودون الى الديار
مقاتلين إنتقاماً ممن خدعهم بوعود الجنة وحور العين، وإما
أن ينخرطوا بصمت في المجتمع الذي تركوه أول مرة، وربما
أصابهم اليأس لأنهم لم يحققوا ما حلموا به قبل الهجرة..
وفيما يبدو، فإن الأيديولوجية السلفية القادرة على
تنشئة مقاتلين بل وانتحاريين لا تكف عن تزويد كل ساحة
مرشّحة للتقاتل الداخلي بالمحاربين الذين يزحفون بملء
الشوق الى لقاء الحور العين عبر قتال أعداء الله والشريعة..ولأن
بقاءهم في الداخل سوف يمثّل خطراً على النظام، فلابد من
كتيبة من الدعاة المحرّضين تشجّع هؤلاء الشباب على الهجرة
والشهادة في سبيل الله!..ولذلك، يروق للنظام السعودي أن
تنفتح جبهة هنا وأخرى هناك، بل يبحث عن كل ساحة حرب لا
أفق فيها للحل، بل يسعى الى أن لا يكون هذا الأفق موجوداً
أصلاً، حتى يمكن استيعاب القادمين من بلاد التوحيد!
النظام السعودي يعارض الحل السياسي في سورية ليس من
منطلق عدم جدوائيته بل عدم رغبة النظام في نهاية سريعة
وحاسمة للأزمة السورية، فماذا سوف تفعل في المقاتلين الذين
موّلتهم وجهّزتهم وهم بالآلاف سواء من مواطنيه أو من مواطني
الدول الأخرى وخصوصاً اليمن الذين جاءوا طلباً للجهاد
والشهادة..ولا حل الا أن (يقتُلوا ويُقتلوا) في أرض الشام،
وبذلك يكونوا قد حققوا وعد العقيدة ووعد آل سعود بأن يتخلص
من خصومه في الداخل، باستخدامهم ضد خصومه في الخارج.
في واقع الأمر، أن خلاف آل سعود مع الأميركيين حول
الأزمة السورية يدور حول إمكانية ضبط الجماعات المسلّحة
التي يمدّونها بالمال والسلاح. وكانت خطة رئيس الاستخبارات
السعودية بندر بن سلطان، المسؤول المباشر عن الملف السوري،
تقوم على حشد كل مقاتلي القاعدة في بلاد الشام بحيث يمكن
القتال بهم لإسقاط النظام السوري، وزعزعة الاستقرار في
العراق ولبنان وسوريا ومن ثم الخلاص منهم..ولكن هل هذا
يحدث دائماً؟، أليس في تجارب سابقة عبرة للنظام السعودي
وللولايات المتحدة وللغرب عموماً الذي يرقب اليوم مقاتلين
بالمئات وهم يتسربون الى سوريا ولكن هم على استعداد لنقل
معاركهم في أي وقت الى جبهة أخرى كما حصل في مالي والجزائر..
آل سعود لا يكترثون لموت الشباب في حروب مقدّسة أو
قذرة، وبالنسبة لهم الحرب هي الحرب، وأن القداسة فيها
تتحقق بتحقيق أهداف وضعوها لأنفسهم وليس لمن يقاتل فيها،
ولذلك، فإن هذا الإنسجام الظاهري بين القاعدة والنظام
السعودي في سوريا لا يعني على الأطلاق أن ال سعود باتوا
أكثر إيماناً بالعقيدة الجهادية والتزاماً بالسلفية التقليدية
في نسختها الأصلية، ولكنّهم كما كانوا بالأمس يرون بأن
من الضروري دفع الشباب للموت كيما ينجو هم بنظامهم المستبد
والفاسد.
|