كيف كسب الإصلاح جولته: محاكمة (حسم) نموذجاً
عبدالله العودة
حينما أتحدث عن (حسم/ جمعية الحقوق المدنية والسياسية
السعودية) فليست قضيتي هي أشخاصها وأعضاؤها فلكل أحد حقه
الطبيعي في الاختلاف والرأي والنقد، ولكني أتحدث عنها
هنا كجزء فاعل من حراك الإصلاح المدني في السعودية في
ضمن أسماء واتجاهات ورؤى إصلاحية فاعلة أخرى. أتحدث عن
موضوع (محاكمة حسم) هنا كقضية رأي عام أضافت للحراك الإصلاحي
والحقوقي في السعودية.. وفي نفس الوقت هذا الحديث لايحرم
أي أحد من حقه المدني في التعبير والنقد والملاحظة وسلوك
سبيل الإصلاح بكل الطرق السلمية..
بعد الحكم على د. الحامد ود. القحطاني وقبلهما الأستاذ
البجادي.. والمحاكمة الحالية لـ د. الخضر وهم جميعاً أعضاء
في (حسم)، وبعد اعتقال الحامد والقحطاني وقبلهما لفترة
طويلة البجادي.. كيف كسبت (حسم) الإصلاحية جولتها؟ سأحاول
تفسير ذلك هنا.
كيف يمكن أن يكون اعتقال جمعية بأكملها وحلّها بالكامل
وتصعيد القمع ضدها إضافة مهمة للحراك والإصلاح.. ومكسباً
للجولة رغم الأذى والحرمان؟ هذه قصة الحراك الدستوري منذ
عقود والذي كانت حسم ورموزها أحد مكوناته.. ولن يكون هذا
المقال لحكاية قصة هذا الحراك بل لمحاولة تفسير كيف كسب
هذا الحراك جولة مهمة داخل هذا الابتلاء عبر محاكمة حسم
الأخيرة.
منذ عقودٍ طويلة كان يتحدث مراقبون للحراك الثقافي
في السعودية ومتابعون له عن المطالب الإصلاحية وسقفها
وأدواتها وأسمائها الفاعلة.. وكان كثيرون من خارج من يسمون
بالدستوريين ينقدون مطالب الإصلاح السياسية والدستورية
التي يقدمها الدستوريون (بمن فيهم بعض أعضاء حسم) بأنها
(نخبوية) تتحدث عن مؤسسات دستورية غاية في التعقيد تستشكل
على المتخصصين فكيف بالمهتمين بشكل عام فضلاً عن جمهور
الناس والذين يستهدفهم الحراك المدني، وحينما تتحدث تلك
المطالب عن مشاغل الإصلاح السياسي والديمقراطي فإنها -حسب
هؤلاء الناقدين- لاتستفز الذهنية الشعبية ولاتتحدث لغتها،
وينقد مهتمون مطالب الإصلاح الدستوري بأنها تجسد تلك المعضلة
العربية في حديث (النخبة) عن (الأمة)!.
ناقدون آخرون يتحدثون بصدق بأن مطالب الإصلاح السياسي
محقة وصادقة وضرورية ولكن مطالب الناس وسواد الشعب في
الغالب تلجأ لمشاغل أخرى قد تتقاطع مع هذه المطالب جزئياً
ولكنها تتمركز أكثر حول قضايا أقل سياسية مثل مشاغل السكن
والبطالة والفساد الإداري والمالي وسوء توزيع الثروة وحل
ملف المعتقلين ونحوها.
هذا عرض مختصر حاولت فيه تقديم هذه الدعاوى والنقود
التي يطرحها مهتمون بالشأن العام على موضوع الحراك المدني
المطالب بالإصلاح الدستوري.. لكن مالذي فعلته المحاكمة
واعتقال (حسم) وماعلاقة هذا بالموضوع هنا؟
الشيء الذي يبنغي أن يقال في هذا السياق هو بأن هموم
أغلب الناس في العيش الكريم ورفض الفساد المالي والإداري
ومشاكل السكن والبطالة وسوء توزيع الثروة مرتبطة بشكل
جذري وجيني بمسائل الإصلاح السياسي ووجود برلمان منتخب
(أياً كان اسمه: مجلس شورى مثلاً) وسيادة النظام والقانون
وحفظ آليات التوازن بين السلطات وحماية استقلال القضاء
والنزاهة الإدارية والرقابة على المال العام عبر مؤسسات
شعبية ودولة الحقوق والمؤسسات.. وهذا الشيء الذي يعرفه
دستوريون وإصلاحيون ومهتمون.. ولكن لكي تصل الرسالة للناس
حول ارتباط الفساد المالي والأداري.. بالفساد السياسي..
وارتباط حل ملف المعتقلين بموضوع استقلال القضاء والتوازن
بين السلطات دستورياً مثلاً.. يحتاج أن يطمئن الناس إلى
الربط الواقعي الحقيقي بينها.
في هذا السياق .. كيف كسبت مطالب الإصلاح السياسي؟
حينما يتم استهداف حسم بالاعتقال تعسفياً كماحصل مع
البجادي .. يرتبط حل موضوع المعتقلين بسوء استغلال السلطة
التي تتحدث عنه (حسم) وغيرها وعن ضرورة توزيع السلطات
دستورياً حتى لا تنفرد (وزارة الداخلية) مثلاً في ممارسة
السلطة البوليسبة والأمنية، والتي قدمت (حسم) وغيرها ملفات
عن انتهاكاتها. وحينما تم استهداف الحامد والقحطاني وحُكِم
عليهما.. قدمت هذه التجربة ارتباطاً ضرورياً بالمطلب الدستوري
والإصلاحي في (استقلال القضاء) ضمن التوزانات الدستورية
وضرورة سيادة النظام والقانون. وحينما تصاغ التهم التي
تقدمها (هيئة التحقيق والأدعاء العام) بعقلية أمنية وتستخدم
لغة وزارة الداخلية (وهي الهيئة التي يشرف عليها وزير
الداخلية) يعطي للإنسان المتابع درساً مهماً بان الإجراءات
العدلية المستقلة لايمكن أن تكون ضمن وجود سلطة مطلقة.
وحينما يتم الاعتقال التعسفي لـ عيسى النخيفي (أحد دعاة
الدستور الإسلامي في السعودية) كما يُعرّف به، في قضية
غامضة بعد موضوع أوراق قدمها كـوثائق على فساد سياسي مؤثر
على عموم الناس ومرتبط بشكل مباشر في أمور سكنهم وأرضهم،
فإن موضوع الفساد المالي والإداري يرتبط بقضية الفساد
السياسي مجدداً.. وهذا بالضبط ماكان يريد أن يقوله (الدعاة
الدستوريون) بشكل خاص والإصلاحيون والحقوقيون بشكل عام
منذ عقود.
باختصار شديد.. لقد قالت الأحداث ماعجز الإصلاحيون
قوله، ووصلت الرسالة إلى الناس بشكل أفضل ممايمكن أن يفعله
الإصلاحيون الذين قدمت (حسم) كنموذج لهم هنا.
نجحت (حسم) والإصلاحيون الآخرون وكسبوا الجولة حين
لم تعد (نخبة) تدير مجلسها الخاص بل قضية عامة.. وحينما
ارتبطت مشاغلها بمشاغل الناس ووعيهم الفاعل، ونجحت حين
تحدثت لغة الناس في موضوع المعتقلين وتبنت قضيتهم، وقدمت
جهداً مهماً في محاولة رصد الانتهاكات الحقوقية والخروقات
الإنسانية والنظامية التي تمارسها السلطة التنفيذية عبر
سوء استغلال السلطة وممارسة الاعتقال التعسفي وحرمان المعتقلين
من حق المحاكمة التي تتحقق فيها شروط العدالة والنزاهة
والعلنية.
وأخيراً.. الإصلاح يكسب جولته دائماً حينما يدافع عن
كل الناس ويتحدث لغة الشعب ويتبنى قضاياه.. ولذلك سأصفق
لهذا النضال الذي نجح في أن لايكون نخبوياً.. ونجح في
أن يقدم رصيداً للحراك الحقوقي عبر الضغط باتجاه المحاكمات
العلنية..ثم الضغط باتجاه استقلال القضاء وتوفير كل الشروط
الضرورية للنزاهة والمحاكمة العادلة، وفي ربط مطالب دولة
الحقوق والمؤسسات والمشاركة الشعبية.. بموضوعات الفساد
المالي والإداري والسكن والبطالة وغيرها.
ولأجل كل هذا..أعتقد أن مطالب الإصلاح السياسي والمدني
(وحسم هنا نموذجاً) كسبت العنصر الأهم في الموضوع وهو
الناس وقضاياهم.. وحينما يتبنى الناس مطالب الإصلاح فإن
القضية كسبت ملفها الأهم وهم: الناس، وهذا ما يفعله الإصلاحيون.
|