السعودية ومصر ما بعد الثورة
مناورات الثورة المضادّة في (تبوك)!
محمد شمس
منذ انتصار الثورة في مصر، ازدادت المناورات العسكرية
المشتركة بين البلدين: السعودية ومصر، وكان آخرها المناورة
البرية التي حملت اسم (تبوك 3) والتي شارك فيها نحو 3500
جندي من الجانبين، واعتبرت أضخم مناورة عسكرية تشارك فيها
وحدات من المشاة والمدفعية والمدرعات والدفاع الجوي والوحدات
الخاصة تجري بين الجيشين المصري والسعودي في تاريخ العلاقات
بينهما؛ وقد استغرقت المناورة 12 يوماً من 8 الى 20 مايو
الجاري. وسبق للبلدين أن أجريا مناورات في نفس المدينة
(تبوك) عام 2010، كما اجريت في سبتمبر 2012 مناورات بحرية
تحت اسم (مرجان 13) وهي مناورات سنوية. وتأتي هذه المناورات
في الوقت الذي تجري في 40 دولة برئاسة أمريكا ودول غربية
أخرى، مناورات واسعة في الخليج، تستغرق 25 يوماً، رآها
المراقبون انها موجهة لإيران.
هل تشير المناورات المشتركة السعودية المصرية الى تغيّر
في السياسة السعودية تجاه نظام الحكم في مصر ما بعد الثورة؟
وهل تغيرت سياسة مصر تجاه السعودية بعد سقوط مبارك؟
يبدو أن السعودية تفرّق في العلاقة بين الأجهزة السياسية
والعسكرية المصرية. فهي غير مرتاحة من النظام السياسي
القائم الذي جاءت به ثورة ديمقراطية، كما أنها ضد رموزه
من الإخوان، وهو ما لا تخفيه السعودية وإعلامها. لكن الرياض
تدرك بأن الجيش المصري كمؤسسة يمثل مركز الثقل السياسي
في البلاد اذا ما تعثرت العملية الديمقراطية. وهي ترى
في الجهاز العسكري عامة، حليفاً كما كان من قبل في عهد
مبارك، وأنه اقرب اليها من أي جهاز مصري آخر: قضائي او
اعلامي أو غيره.
ويلحظ أن السعودية، وفي الوقت الذي تبدي فيه امتعاضها
من وصول الإخوان الى الحكم في مصر، فإنها في الوقت نفسه
وسّعت من علاقتها مع مؤسسة الجيش، وايضاً مع مؤسسة الأزهر،
بغية سحب الشرعية عن الحكم القائم ان تطلب الأمر، او حتى
الإطاحة به في المستقبل عبر الجيش. لقد دأبت الجهات والشخصيات
الدينية السعودية الرسمية وعدد كبير من المشايخ السلفيين
ومنذ سقوط مبارك على تكثيف نشاطها واتصالاتها بالأزهر
والمؤسسات الدينية الأخرى، وهو امر لم يفعلوه في عهد مبارك.
لهذا، لا تعتبر المناورات العسكرية الأخيرة (تبوك 3)
دلالة تطور في علاقات السعودية بمصر ما بعد الثورة. السعودية
لا تستطيع أن تتعايش بارتياح مع نظام سياسي جمهوري ديمقراطي
جاء عبر الثورة والإنتخاب معاً! وما يجعل الأمر أكثر سوءً
لدى الرياض هو أن النظام الجديد يقف على رأسه قوى دينية،
يمكنها ان استتب الوضع ونجحت في الحكم، ان تقدم نموذجاً
ديمقراطياً بنكهة اسلامية، تتقزّم معه وإزاءه صورة النظام
السياسي السعودي المتخلّف، الذي يزعم أن نموذجه في (الحكم
الإسلامي!) هو الأرقى، بل هو المثال الذي يحتذى.
ويمكن القول أن سياسة الرياض تجاه القاهرة تغيرت في
مرحلة ما بعد الثورة، ولكنه تغيّر جزئي، مع أمل باستعادة
مصر الى صفها، لتكون داعماً لسياستها الخارجية وتدور في
فلكها.
اما مصر فهي حتى الآن لم تغيّر شيئاً ذا أهمية من سياستها
الخارجية، بل تكاد تكون نسخة طبق الأصل من السياسة الخارجية
التي سار عليها مبارك، سواء تعلّق الأمر بالموضوع الفلسطيني
(يكشف عنه موضوع انفاق غزة وحصارها)؛ او العلاقات مع امريكا
والغرب؛ او موضوع الاتفاقيات المصرية الإسرائيلية؛ أو
العلاقة مع دول الخليج (وما يتعلق بايران). دول الخليج
غيّرت بعضاً من سياستها تجاه مصر، وبشكل حاد، لكن مصر
لم تغيّر شيئاً في المقابل.
السعودية ودول خليجية أخرى تقول أنها ضدّ حكم الإخوان
في مصر لأنه قريب من إيران؛ أو لأنه يريد التمدّد لإسقاط
أنظمة خليجية بدعم الجماعات الإخوانية، كما تقول انه حدث
في الإمارات، حيث لازالت الأخيرة تشن حملة منظمة مع شقيقاتها
الخليجيات ضد الإخوان في مصر. لكن المدهش أن هناك أطرافاً
معارضة في مصر تتهم حكم الإخوان بأنه نظام قريب من (بل
ومنبطح لـ) السعودية المكروهة شعبياً!
تكاد السعودية تخسر مصر، فهدف الأخيرة النهائي هو البحث
عن دور ريادي سياسي مستقل عن الدور السياسي الخارجي السعودي.
هي تريد أن تقول أنها لن تقبل بتقزيم مكانتها كما فعل
حسني مبارك، وأن النظام الجديد ينتظر الفرصة لترتيب وضعه
الداخلي لاستعادة دور مصر الإقليمي الذي لن يكون بأي حال
تابعاً للسعودية ومحور ما كان يسمى بالإعتدال العربي.
بهذا المعنى يمكن القول ان السعودية بصدد خسارة مصر لأن
الأخيرة في أدنى الأحوال تتحول من طرف اليمين السعودي
الخليجي في سياستها الى الوسطية والإستقلالية بالدور.
لكن السؤال هو: هل مصر في وضعها الحالي مستعدّة لدفع
ثمن هذا الدور المستقل؟
هل تستغني عن المساعدات والدعم الإقتصادي الأمريكي
والخليجي؟
هل يمكنها تحمّل اعباء التهديدات السعودية والخليجية
بطرد ملايين العمال المصريين، وهي الورقة التي يريد الخليجيون
لي ذراع النظام الجديد في مصر عبرها؟
هل في أولويات النظام القائم في مصر الدخول في معارك
سياسية مع اسرائيل او واشنطن، وهو لم يثبت اقدامه، في
حين يقول البعض ان (الإخوان المسلمون) انما يحكمون مصر
بعد أن اعطوا تطمينات وضمانات لاسرائيل ولواشنطن بأنهم
لن يصعدوا الموقف؟
النظام المصري القائم يريد تقطيع الوقت؛ وأولى أولوياته:
استتباب حكم مصر ديمقراطياً للإخوان. اما المعارك الأخرى
فمؤجّلة.
هذا بالضبط ما يقلق السعودية ودول الخليج، التي تقول
بأن نظام ما بعد الثورة في مصر في طريقه لتثبيت أركانه،
قبل أن يجري التحوّل الكبير في مواقفه وسياساته. ومن هنا
كان دعم الفلول والمعارضين، وتحول الرياض الى معقل للثورة
المضادة. فالغاية النهائية للرياض هو أن لا يستقر حكم
الإخوان، ذلك أن استقراره يعني التقدم بسرعة نحو استعادة
مصر دورها كقطب سياسي في منطقة الشرق الأوسط، ما يزيد
في تهميش السعودية التي اعتمدت في مكانتها وتمرير سياساتها
الخارجية وطيلة العقود الثلاثة الماضية من خلال القفز
على أكتاف مصر وتبعية الأخيرة لها.
ما يزعج الرياض ودول الخليج الأخرى (عدا قطر) هو خسارة
مصر مبارك، التي كانت قد قبلت بالتبعية السياسية لها.
يزعجها الديمقراطية والثورية، وإن تغلّف الأمر بكرهها
للإخوان وخشيتها من تمدد الثورة المصرية الى الديار الخليجية.
لكن دول الخليج عموماً ـ وحتى في غياب الإخوان ـ تألموا
من سقوط مبارك كما نعلم، خاصة الامارات والسعودية، وهي
في مجملها لم تكن لتقبل اي منتج للديمقراطية المصرية سواء
كان اخوانياً او ليبرالياً او علمانياً.
الديمقرطية هي العدو الأول لدول الخليج، وليس الإخوان.
لاغرو ـ اذن ـ ان تكون الرياض بالذات مركز الثورة المضادة
في مصر: ويمكن اعتبار المناورات العسكرية المصرية السعودية
الأخيرة جزءً من ترتيبات تلك الثورة المضادة؛ بل جزءً
اساسياً من معركة السعودية في مصر.
وينطبق الأمر ايضاً على محاولات السعودية استمالة الأزهر
الى جانبها في حروبها الطائفية؛ واستخدام التيار السلفي
كعصا معطّلة لمشروع قيام الدولة الديمقراطية في مصر، مثلما
كان ذلك التيار جزءً من المشروع السياسي حسني مبارك.
اوراق الثورة المضادة المضافة تعتمد على المال والإعلام.
حيث اضحت القنوات السعودية ـ الخارجية بالذات كالعربية
ـ محرّضاً ومشوّهاً للحكم القائم، وتضخيم سلبياته وتأجيج
الإعتراضات الداخلية ضده، مع ان الإخوان وحكمهم الحالي
يحكي قصة فشل غير قليلة.
في جانب المال، تحاول السعودية ان تبتزّ حاجة مصر الحالية
للمساعدات والقروض، وفي نفس الوقت تلوّح بورقة العمالة
المصرية لتتماشى مصر ما أمكن مع النهج السعودي. ولا أدل
من ذلك التهديدات السعودية الإماراتية إن أقامت مصر علاقات
كاملة مع ايران.
لكن السعودية ربما تكون أكثر حذراً من خسارة مصر بالكامل
في هذا الظرف العصيب.
فتجربتها السياسية الفاشلة مع (العراق وسوريا وحماس)
التي تعتمد منطق بوش: (إما معنا أو ضدنا) قد لا تكررها
السعودية هذه المرّة، فمصر قد تخرج عن الطوق تماماً بمثل
هذه التهديدات لأنها ـ وكما حدث في سوريا ـ تمثل وخزاً
مؤلماً لعصب الوطنية المصرية، ما قد ينتج عنه سلوك سياسي
يضحي بالمصالح على حساب الكرامة الوطنية.
السعودية تدرك بأن هناك مشاعر كراهية متصاعدة في مصر
تجاه السعودية، يغذيها في ذلك السياسة الإستعلائية السعودية/
الخليجية من جهة؛ وتحالف السعوديين مع نظام مبارك وفلوله؛
والتعامل السلبي مع العمالة المصرية واهانتها واعتقالها..
لذا لم تتوقف المظاهرات والإعتصامات أمام السفارة السعودية
في القاهرة والقنصلية في الإسكندرية، اما مطالبة باطلاق
سراح معتقلين (الجيزاوي مثالاً) او اعتراضا على تعاملات
مهينة للمصريين (المعتمرين مثلاً في رمضان الماضي) والذي
نتج عنه سحب السفير السعودي مؤقتاً، واعادته بعد تذلل
طاقم الحكم المصري الإخواني وسفره الى الرياض معتذراً!
وينبغي التذكير هنا، بأن الإعلام السعودي مشغول بالحرب
على (الإخوان المسلمون) بأكثر مما هو مشغول بمحاربة القاعدة.
فالاخيرة منتج سعودي سلفي.. هو منتج الأيديولوجيا الوهابية
النجدية؛ ولذا لا يراد الإقتراب كثيرا من هذا الموضوع
إلا من زاوية الزعم ان السعودية ضحية من ضحايا القاعدة،
ولتعلن البراءة من دعمها السابق واللاحق للقاعدة في سوريا
واليمن والعراق فضلاً عن أماكن أخرى.
اما الحرب على الإخوان فهي حرب سياسية.. حرب على الديمقراطية
في مصر.. حرب على الربيع العربي، مهما كان اعتراضنا على
الإخوان وأدائهم السياسي. ففي النهاية جاء الإخوان عبر
صناديق الإقتراع، وليس بـ (السيف الأملح)؛ وخروجهم من
الحكم سيكون عبر الإنتخابات لا عبر عنف مضاد مثلما هو
النهج السعودي.
والمدهش هنا أن السعودية تحمل (الإخوان المسلمون) العنف
الذي ضربها من منتجها الديني القاعدي السلفي الوهابي..
وهي تريد الخلط وسعت اليه، لتقول بأن الرياض لا تفرخ الإرهاب،
وانما جاء به الإخوان في مصر اليها! الأمير نايف ولي العهد
السابق ووزير الداخلية قال لصحيفة السياسية في 27 (نوفمبر)
2002: (مشكلاتنا كلها جاءت من الإخوان المسلمين. لقد تحملنا
الكثير منهم ولسنا وحدنا الذين تحملنا منهم الكثير. إنهم
سبب المشاكل في عالمنا العربي وربما في عالمنا الإسلامي.
حزب الإخوان المسلمين دمر العالم العربي)؟.
وكما سكت الإخوان قبل الثورة عن اتهامات السعودية،
واصلوا نفس السياسة تقريباً.. اللهم إلا من ردود خجولة.
فغرض الحكم في مصر هو الإبقاء على علاقة جيدة مع دول الخليج،
لا فتح معركة يكون الخاسر فيها الطرفان.
لم تتشكل الصورة النهائية بعد للعلاقات الخليجية المصرية،
وحين تتشكل ربما تكون المنطقة قد تغيّر هي الأخرى شكلها
السياسي القائم.
|