الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية: السيادة، الموارد،
والسياسة
يحي مفتي
فيما تمر اليمن بتغييرات اجتماعة وسياسية واقتصادية
هائلة، فإن السعودية، كقوة إقليمية في المنطقة تراقب ما
يجري بدرجة متزايدة بتوتر حيث حدودها الجنوبية، يخشى بأن
أزمة جارها المتفاقمة قد تترك تداعياتها على أراضييها
وقد تقوّض تالياً أمن المملكة.
وبزعم وجود تهديدات مشتركة من الارهاب والتهريب فإن
السعودية أعلنت بأنها سوف تستأنف بناء السور الحدودي،
والذي سوف يمتد على مساحة 1.800 كيلو متراً هي طول الحدود
المشتركة بين اليمن والمملكة. هذا المشروع الضخم يهدف
الى محاصرة اليمن، ومنع ليس فقط الجماعات من التسلل الى
السعودية ولكن أيضاً دحض آمال جماعات تسعى لإعادة إثارة
موضوع الخلاف الحدودي الذي يعود لعقود خلت مع آل سعود.
وبرغم من أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح
وافق في سنة 2000 على إنهاء النزاع الحدودي الدموي والطويل
مع الملك السعودي من خلال توقيع الاتفاقية الحدودية في
جده، والتي تقضي في جوهرها بتنازل اليمن عن ادعاءاته حول
عدة مناطق كانت حتى حرب 1934 ملحقة بمملكة صنعاء الشمالية،
هناك عدّة جماعات، ومن بينها الحوثيين (وهي جماعة شيعية
سياسية مسلّحة ذات ارتباطات مزعومة مع ايران) رفضت الاتفاقية،
بدعوى أن مسؤولي الدولة قد باعوا أراضي يمنية من أجل السلطة
واالمال، وبذلك جعلوا من الاتفاقية بأنها غير شرعية وباطلة.
وإذا كانت اليمن والسعودية تمتعتا بعلاقات صداقة لأكثر
من عقد حتى الآن بسبب السياسة الخارجية للرئيس السابق
علي عبدالله صالح، فإن مجموعات وطوائف عدّة في اليمن تود
المطالبة بما تدعه بـ (أراضي اليمن المسلوبة)، والتي من
شأنها إعادة بناء قوة اليمن، على المستويين الاقتصادي
والسياسي.
وكما يحدث، فإن الكثير من هذه المناطق موضع الجدل هي
حاضنة لاحتياطات هائلة من النفط والغاز، وتقدّر قيمتها
بمليارات الدولارات، بما يثير بعض الأسئلة حيث نيّة السعودية
بالاحتفاظ باليمن في حال شبه الفقر إذ تسيطر على اقتصادها
وهيمنتها السياسية في المنطقة.
وفي واقع الأمر إذا استطاعت السعودية أن تحكم دون تحدٍ
أو اضطراب الملكيات في شبه الجزيرة العربية، بلحاظ أن
حجمها وحده سوف يردع الملكيات المجاورة من النهوض ضد آل
سعود، فإن اليمن يعتبر قضية كاملة. فهي البلد الأكثف سكانياً،
حيث تأوي 24 مليون مواطن يمني. وتتجاوز الموارد الطبيعية
للبلاد بكثير جارتها وأن قوتها العسكرية قد تقاوم بصورة
مريحة أي تهديدات أجنبية.
وبحسب دراسات حديثة فإن مخزون النفط اليمني يصل الى
30% من المخزون العالمي، بما يتجاوز السعودية نفسها.
حتى الآن، فإن اليمن لم تكن قادرة على استثمار مواردها
النفطية والغازية، سواء بسبب انعدام الأمن، أو الاستثمارات
الاجنبية، ولكن بالنظر الى نصف فرصة اليمن قد تبرز كعملاق
في المنطقة، وهي فكرة لا تبعث السرور لدى الملوك السعوديين.
الخلاف الحدودي سوف يقذف بصورة كاملة التوازن الهش
الذي تبنيه السعودية بصورة حذرة على مدى سنين. أكثر من
ذلك، فإن مدعيات اليمن بخصوص أراضيها المفقودة قد تؤدي
بصورة ضمنية الى توترعسكري في وقت حيث أن الاستقرار الاقليمي
في أدنى مستوى له في كل الاوقات وقد يدفع قوى إقليمية
أخرى للاستفادة من فرصة كهذه لخدمة أجندة الهيمنة لديها،
مثل ايران، وهي الخصم الديني للسعودية.
حدود اليمن والسعودية
بعد أكثر من 65 سنة من النزاع المتقّطع، إتفقت اليمن
والسعودية أخيراً على الحدود المشتركة بينهما في سنة 2000
حين وقّع الرئيس علي عبد الله صالح بالحبر في جده على
اتفاقية كانت تعني وضع نهاية مريحة للتوتر الذي دام عقوداً
من الخلاف الحدودي.
الخلاف الحدودي الطويل المدى بين السعودية واليمن يمكن
إرجاعه الى اتفاقية مكة المثيرة للجدل سنة 1926 حيث أصبحت
المنطقة التي كانت في الجنوب الغربي الامارة الادريسية،
والتي طالب اليمن بها طويلاً، تحت سيادة الدولة الناشئة
حديثاً وهي العربية السعودية.
الخلاف اللاحق حول سيادة منطقة الإدريسي السابق، يخص
مناطق عسير، جيزان، ونجران، وقاد الى حرب حدودية محدودة
سعودية يمنية انتهت في مايو 1934 باتفاقية الطائف.
اعترف اليمن بسيادة السعودية على عسير وجيزان ونجران
والخط الحدودي تمّ تعريفه على أنه (نهائي ودائم).
ليس بعد توقيع الاتفاقية بفترة طويلة، فإن قانونية
الاتفاقية جرى تحديها وأن كل الحكومات اليمنية منذ 1932
رفضت بصورة علنية بنود الاتفاقية، وجادلت بأنها فرضت بالقوة
من قبل السعودية. وطالب اليمن لاحقاً بأن تسحب الاتفاقية
الحدودية الجديدة.
بخصوص الموضوع نفسه، كان لليمن حليف قوي في الرئيس
جمال عبد الناصر الذي كان له تصريح مشهور (أي قوة تستطيع
مهاجمة الشعب اليمني..الثورة اليمنية هي ثورتنا، وهي ثورة
كل العرب..نحن ببساطة نستطيع عزل السعودية عن اليمن بصورة
كاملة بأن نأخذ جيزان ونجران. منطقة جيزان تعود الى اليمن
وقد اغتصبت من قبل السعوديين في عدوان 1930.
للشعب اليمني الحق في المطالبة بالجيزان ونجران. سوف
نحارب في هذه الحرب. نحن المصريون الى جانب اليمنيين..ولذلك،
ليس هناك قوة تستطيع مهاجمة ثورة الشعب اليمني).
على أية حال، فإن الرئيس صالح بدّد أحلام اليمن بأن
ترى أراضيها الثرية مستعادة حين وافق في العام 2000 على
التخلي عن كل دعاوى السيادة على مناطق عسير، وجيزان، ونجران.
مجموعات معارضة أبلغت الصحافة في العام 2011 أنها تعتقد
بأن صالح تلقّى مبلغاً وقدره 18 مليار دولار في مقابل
تعاونه لحل الخلاف الحدودي اليمني السعودي.
|