دولة إستثنائية
يتعامل بعض الباحثين والصحافيين ـ الاجانب منهم على
وجه الخصوص ـ مع الدولة السعودية كما لو أنها تخضع لمعايير
الملكيات التقليدية وقوانينها، من حيث الصلاحية المتاحة
لسلطة أفراد العائلة المالكة أو حتى هامش الفساد المسموح
به، أو درجة التصرف في المال العام، فلو تجاوز أحدهم الحدود
المقررة سلفاً لتولى النظام الخاص بالعائلة المالكة ردع
أفرادها عن التجاوز أو حتى إشعال الضوء الاحمر للتحذير
من عدم الاستمرار..
في هذه المملكة، أي السعودية، التي كما ينطق إسمها
عن جوهرها ومرسمها، لا تسير الأمور بحسب قوانين الملكيات
التقليدية أو الحديثة، فالعائلة المالكة تتصرف على أساس
أنها تملك البلاد وخيراتها ملكاً خاصاً كمالك البيت والأرض
والدابة، وبالتالي لا تكترث لمرجعية من أي نوع سواء كانت
داخلية أو خارجية. وهناك من المواطنين من انطلت عليهم
خدعة أن ال سعود يملكون هذه الأرض ولهم حق التصرف في ثرواتها
فإن أعطوه فهم محسنون وإن أحجموا فلا إثم عليهم..بل جبل
بعض الآباء على عبارة قبيحة من قبيل (الله يطول عمر ابن
سعود)، لأن جهاز دعايته أقنعهم بأن ما يحصلون عليه من
مال وإن كان من عرق جبينهم ليس سوى نتيجة ما يمنّ به عليهم..
أما في الخارج، فصرنا نقرأ لكثير من الكتّاب الغربيين
وهم يتحدثون بكل وقاحة عن مملكة يحلّلونها باعتبار الحكم
السعودي فيها قدراً ولا يجب أن يتغير وإن ما يراد تصحيحه
لا يجب أن يصل الى حد دمقرطة البلاد، بل يلزم الاقتصار
على إجراء إصلاحات داخل العائلة المالكة بما يكفل بقاءها
على السلطة مدداً طويلة..
خارج هذه الحقيقة، هناك أساطير تقال عن آل سعود، ومعلومات
تفضي الى إخفاء الحقائق الدامغة، ولنا أن نتعامل مع كليهما
من منظور الناقد والمتدبر وليس المسلّم والمستسلم، لأن
ما يقال على أنه معلومة ليس بالضرورة ينطوي على حقيقة،
فهناك من المعلومات الناقصة التي لا ترقى الى الحقائق..إليك
معلومتان:
ـ قال البروفيسور هيرامان ماثيوجس، أستاذ الاقتصاد
بجامعة بروكسل وصاحب أول دراسة حول مرتبات ملوك ورؤساء
العالم، إن ملك السعودية صاحب أكبر ثروات العالم، حيث
يتمتع بمخصصات ضخمة تصل إلى مليار دولار، بينما يتقاضى
مرتباً يصل إلى 2 مليون دولار شهرياً، ثم يأتي أمير قطر
صاحب أكبر مرتب عالمي، في المقابل يتقاضى العاهل الإسباني
خوان كارلوس 175 ألف يورو سنوياً، وهو أقل مرتبات ملوك
أوروبا.
بطبيعة الحال، فإن راتب الملك عبد الله ليس هو الأعلى،
فقد سبقه ملك لوكسمبرج مليونين ومائتي ألف دولار، وليس
هنا المشكلة ولكن في الأرقام التي أوردها البروفسور ماثيوجس
الذي لم يخبرنا عن مصادر معلوماته، ولا كيف حسم موضوع
الراتب والمخصصات، لأن ذلك من الأسرار الملكية.
أولاً فكرة الراتب مستندة على فرضية خاطئة مفادها أن
الملك عبد الله أو الأمراء الكبار يخضعون لنظام (الباي
رول)، وأنهم يقبضون مرتباتهم آخر الشهر. وهذه الفرضية
مستبعدة إن لم تكن مستحيلة لأنها تتنافى مع فكرة أن الملك
يتصرف في مملكته كما يشاء فيهب ويمنع ويحرم وينعم..أي
بمعنى آخر لا يحدّه في ملكه شيء.
ثانياً، إن المخصصات التي يتحدث عنها البروفسور تفترض
أن الملك يحصل على إذن صرف من وزير أو مسؤول. تحضرني هنا
قصة حدثت في عهد الرئيس العراقي صدام حسين، حين بعثت اليه
لجنة خبراء اقتصاديين وماليين بتقديم كشوفات عن نفقاته
ونفقات القصر فقال لهم بل أنتم أخبروني ما تحتاجونه من
المال للوزارات وأنا أعطيكم..ولسان حاله يقول: من أنتم
حتى تطلبوا هذا الطلب مني..!
ينقل أحد أعضاء المجلس الأعلى للإقتصاد بأن الملك عبد
الله حضر ذات سنة مع أخيه الأمير سلطان لإعلان الميزانية
تحت قبة مجلس الشورى واعتقد هذا العضو بأن الملك سيختلي
بأعضاء المجلس الاعلى لمناقشة ما قدّموه من اقتراحات حول
الميزانية، ولكنه على العكس من ذلك دخل في غرفة خاصة مع
أخيه الأمير سلطان ثم خرج وقد أجرى تعديلات على الميزانية
وقدّمها كيما يباركها مجلس الشورى..
هل يستطيع أحد أن يعترض على ما يفعله الملك؟
إليكم الخبر الآخر..
ـ كشف الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، أن الملك عبدالله
بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، قبل أن يتولي المملكة
مر بظروف جعلته في حاجة إلى مبلغ من المال، فذهب إلى البنك
ليرهن منزله مقابل مبلغ مالي، إلا أن البنك رفض.
وقال الشاعر خلال حواره مع إحدى القنوات السعودية في
الخارج في حلقة خصصت بمناسبة البيعة الثامنة للملك عبدالله:
"إن هذه القصة تتعجب منها حين يذكرها خادم الحرمين ببساطته".
وأضاف الشاعر بدر بن عبدالمحسن، أنه سمع القصة من الملك
وكأنه أراد القول إن البنك لا يسلّف الضعيف، وأكد الأمير
الشاعر أن «خادم الحرمين الشريفين لا يصطنع شيئاً، وهذه
هي شخصيته الحقيقية».
ليس لدينا وقفة طويلة مع هذه القصة، ولكن ابتسامة مقدّم
البرنامج أكفتنا مؤونة التعليق، لأن الكذبة من كبرها لم
يستطع حتى إعلاميو النظام تحمّلها.. فنحن أمام دولة يكون
فيها الكذب فضيلة واستثناء في كل شيء..ولكم عبرة في دولة
العجايب.
|