عين ابنه وزيراً وغادر سائحا للمغرب ثم عاد سريعاً
ترتيبات ما قبل الرحيل، أم ترتيبات ما قبل الحرب؟!
عمر المالكي
تغييرات عاجلة قام بها الملك عبد الله قبل الاعلان
وبصورة مفاجئة عن (إجازة خاصة) قام بها الى المغرب، في
ظل سحابة متصاعدة من الشكوك حول مصير الملك نفسه. مراقبون
اعتبروا الاعلان المفاجىء بمثابة هروب من سؤال المصير،
ومحاولة لوقف هدير الاسئلة حول سر غياب الملك عن المشهد.
مؤشرات عديدة كانت توحي بأن ثمة متغيّراً كبيراً قد
حصل أو على وشك أن يحصل قريباً، رغم محاولات العائلة المالكة
وجناح الملك عبد الله على وجه الخصوص تأجيل الكشف عن هذا
المتغيّر دع عنك الآثار المترتبة عليه.
التغييرات المفاجئة في الجهاز البيروقراطي بدأت من
أكثر من عام وتتم غالباً تحت عنوان صراع الأجنحة، حيث
بدت السلطة منقسمة بين ثلاثة أجنحة: جناح الملك عبد الله،
وجناح ولي العهد الأمير سلمان، وجناح آل نايف، فيما تعرّض
جناحا الملك فهد والأمير سلطان الى ضربة قاصمة أبعدت أبناءهما
عن خط وراثة العرش.
سوق الشائعات حول مصير الملك عبد الله ينشط بين فترة
وأخرى، ويذكّر بما جرى في نهاية العام 2011 حيث سرت شائعات
قوية تفيد بدخول الملك في حالة موت سريري وأن الأطباء
أخفقوا في تحريض العضلة القلبية بالصقعات الكهربائية أكثر
من مرة، وأنه يعيش على جهاز التنفس الاصطناعي. لكن سرعان
ما تغير الموضوع، فالملك وإن كان ضعيفاً هرماً غير قادر
من الناحية الجسدية على ممارسة مسؤولياته كاملة، إلا أنه
حيّ يرزق ويهيء ابنه لكي يكون ملكاً.
وحسب تعبير أحد المراقبين: كان المعتقد بأن السعودية
صارت مملكة سديرية؛ واذا بموت الملك فهد ثم سلطان يحولها
الى مملكة نايفية ـ نسبة الى نايف؛ ولكن تشاء الأقدار
أن يعمر الملك عبدالله ـ الذي هو أضعف المنافسين ـ ليصبح
الحديث اليوم: هل أصبحت المملكة السعودية مملكة لآل عبدالله؟!
وهل يصنع خالد التويجري من متعب ملكاً بازاحة المنافسين
وترتيب الصفقات الداخلية مثلما فعل والده عبدالعزيز التويجري
الذي يُنظر اليه كصانع الملوك، والذي اوصل الملك عبدالله
الى الحكم من خلال التمسك بالحرس الوطني؟
في موضوع ضعف الملك عبدالله واحتمالات وفاته، وتصديق
شائعات تدور حول ذلك، تبنّت صحيفة الدايلي ميل البريطانية
في 28 مايو الماضي خبر وفاة الملك عبد الله اكلينيكياً،
ولكنّها عادت وأزالت الخبر من موقعها على الشبكة، فيما
نشرت صحف محلية خبر ترؤس الملك للجلسة الاسبوعية لمجلس
الوزراء يوم الإثنين 27 مايو. وما قيل عن انعقاد جلسة
مجلس الوزراء برئاسة الملك عبد الله يأتي في سياق احتواء
الشائعات، كذلك البرقيات الى ملك البحرين وأمير الكويت
من قبل الملك، والتي تؤدّي الغرض ذاته.
قوانين الطبيعة تؤكّد نهاية العمر الافتراضي للملك
عبد الله، وليس في شائعات من هذا القبيل ما يبعث الدهشة،
تماماً كما أن تكرار الشائعات ليس مستغرباً في بلد يجري
فيه تقطير المعلومات وفي الغالب إخفاءها عن اعين الجمهور.
ففي غضون عامين غيّب الموت ستة من إخوة الملك عبد الله،
وجميعهم أقل سناً منه. وكانت شائعة وفاة الملك عبد الله
قد انطلقت في 25 مايو من قبل مصادر تزعم بأنها مقربّة
من قصر الملك وتفيد بوفاة الأخير في 24 مايو، وأن عدم
الإعلان يعود الى قرار من الأمير سلمان، ولي العهد، الذي
تقول المصادر بأن لديه خطة ما وراء تأخير الاعلان. وينسب
المصدر خبر الوفاة الى أمير ملكي مقرّب جداً من الملك،
وآخر مقرّب من قصر الملك.
مهما يكن، فإن توقيت إعلان الوفاة كان دائماً مسألة
خلافية، تماماً كما هو إعلان طبيعة مرض الملك وكبار الأمراء..وغالباً
ما كانت البيانات الصادرة عن الديوان الملكي حول سفر الملك
وكبار الأمراء للخارج لأسباب صحيّة تكتفي بعبارة (إجراء
فحوصات طبيّة)، وتختم غالباً مع اقتراب العودة الى الديار
بعبارة (قضاء فترة نقاهة).. ثم تبدأ التكهنات الى أن يحسم
بيان ثالث من الديوان الملكي نبأ وفاة الملك أو الأمير.
على أية حال، لم تصدق الشائعات، وإن كانت عوامل الدفع
لها صحيحة، فهناك عامل السن، فالملك عبد الله يبلغ من
العمر 91 عاماً ويعاني من أمراض القلب والظهر والشيخوخة،
ولازال يدخن ويشرب المحرّم. أما الأمير سلمان، ولي العهد،
80 عاماً بحسب التقويم الهجري، فيعاني من أمراض القلب
وأعراض مرض الزهايمر.
الكلام حول نقل السلطة الى الجيل الثالث خفت سريعاً،
خصوصاً بعد تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً
لرئيس مجلس الوزراء، وبدت عملية نقل السلطة كما لو أنها
تأخذ شكل تقاسم حصص بين الأجنحة الرئيسية الثلاثة، وخصوصاً
بين أبناء الملك عبد الله وسلمان ونايف.
إزاحة أبناء فهد وسلطان من دائرة التوارث على العرش،
وتالياً تحويل مؤسسة الحرس الوطني الى وزارة، ينطوي على
تغييرات دراماتيكية في معادلة السلطة، حيث تصبح وزارة
الحرس الوطني مكافئة لوزارتي الدفاع والداخلية، بحيث يصبح
لإبن الملك، الأمير متعب بن عبد الله فرصته في الوصول
الى العرش، عبر وزارته الجديدة. وكان التقليد السابق يقوم
على أن يصبح وزير الداخلية هو المرشّح الأوفر حظاً لتولي
منصب النائب الثاني ثم ولاية العهد. ولكن عقب تحويل الحرس
الوطني الى وزارة يصبح لجناح الملك عبد الله إمكانية راجحة
جداً للبقاء في خط التوارث على العرش لأمد مفتوح، وهذا
ما يجعل التنافس محتدماً بين الأجنحة الثلاثة سالفة الذكر.
قد يكون تحويل الحرس الوطني الى وزارة على رأسها إبن
الملك عبد الله، الخطوة الأكثر جرأة في مجمل القرارات
الصادرة عن الملك. وفي كل الأحوال، فإن صراع الاجنحة سيأخذ
وتيرة أسرع وأشدّ خطورة في المرحلة المقبلة في ظل حركة
الإزاحة الواسعة النطاق لأجنحة رئيسية وتهميش عدد كبير
من الاجنحة والأمراء من كل الأجيال.
سوريا تقطع زيارته
غادر الملك سائحاً الى المغرب، بعد أن اصدر بياناً
يخوّل ولي عهده الامير سلمان تسيير امور الدولة ـ كما
هو معتاد.
بضعة أيام مرّت وإذا به يعود من جديد الى المملكة.
وكان تبرير الديوان الملكي لا علاقة له بالصحة الجسدية
للملك، بل بالظروف والأوضاع الإقليمية التي تتطلب حضور
الملك الى بلاده.
هذا امرٌ نادر فعلاً. ان يقطع ملك زيارته لسبب اقليمي
ويعلن عن ذلك.
إذن لا بد أن تكون هناك قرارات خطيرة ستصدر بشأن إقليمي
ما، فما هي؟
التطور الذي حدث خلال الأيام القليلة التي قضاها الملك
في المغرب برفقة حاشية تصل الى 1950 شخصاً بينهم امراء
ووزراء ومسؤولين وخدم وأفراد عوائل.. التطور كان على صعيد
الجبهة السورية.
لقد قام رئيس الاستخبارات بندر بن سلطان، وبمعية وزير
الخارجية بزيارة باريس، والتقيا بالرئيس الفرنسي ووزير
داخليته. وكان الموضوع السوري هو محور المهمة السعودية.
الهدف كان:
1/ تخريب مؤتمر جنيف 2 لأن المعارضة لا تستطيع الحضور،
لأنها لا تمثل الداخل ولأنها مشتتة، ولأنها منهزمة على
الأرض، وبالتالي فمنتج جنيف ـ هكذا جادل الأميران ـ سيزيد
من تشرذم المعارضة في الخارج، ويؤكد انفصالها وعدم تمثيلها
للمقاتلين في الداخل.
2/ تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعيّة وإن بحجة
إعادة التوازن على الأرض حتى تكون نتائج الحوار مع النظام.
أغرى بندر وسعود الفيصل فرنسا بصفقة ما، فتحركت فرنسا،
فهذا زمن النهب الأوروبي على وقع بيع المواقف. فظهرت قضية
الكيمياوي والأدلة القطعية، وتم حسم التردد الأميركي بشأن
تزويد المعارضة بالأسلحة، تلاه مؤتمر لعلماء مسلمين في
القاهرة يدعو لجهاد الشيعة وايران أعداء الله والإنسانية!
في هذه اللحظة بالذات عاد الملك عبدالله.
ماذا بعد قرار تسليح المعارضة؟ هنا يأتي دور السعودية.
تزويد المعارضة بالأسلحة النوعية (دير شبيغل الألمانية
تحدثت عن أسلحة سعودية من اوروبا الشرقية مضادة للطائرات
في طريقها للمعارضة). المطلوب من السعودية التمويل للمعارك
القادمة، والتسليح، واعادة ترتيب وضع المعارضة السورية
بطريقتها وليس بطريقة قطر ـ تركيا.
تقول مصادر مطلعة بأن أمريكا وقفت مع السعودية بأن
قيادة المعارضة في الخارج والتي يغلب عليها الأخوان اصبحت
عديمة الفائدة، لا بد من تخفيض دور المعارضة الخارجية
واعطاء الأولوية للمعارضة الداخلية بحيث يكون لها الحجم
الأغلب من التمثيل السياسي. هذا متفق عليه كما يقال بين
واشنطن والرياض.
لكن الملك يستطيع ان يأتي توجيهاته بالتمويل والتسليح
دونما حاجة الى عودة الى الرياض. أليس كذلك؟
نعم. لكن القضية اكبر من هذا. هناك احتمالية تدخل عسكري
غربي مباشر في سوريا عبر الأردن، ربما يكون للأردن ودول
الخليج دوراً مهماً فيه ليس في جانب التمويل (فهذا امرٌ
مفروغ منه) وإنما في المشاركة بقواتهم تحت مظلة حماية
الباتريوت.
وأياً كان الحال فإن انغماس الغرب في حرب مباشرة، يعني
توسّع الحرب الى الأردن ولبنان وربما الى تركيا وفلسطين
المحتلة والى السعودية نفسها، فحرب الصواريخ قد تصل حتى
مصافي النفط وليس فقط الى القواعد العسكرية السعودية الشمالية
في تبوك.
الاحتمالات بتوسع الحرب واردة جداً وقد حذّر منها الغربيون
قبل الروس والصينيون والإيرانيون والسوريون أنفسهم.. وقد
يتبين الأمر أكثر في مرحلة ما بعد قمة الجي ـ 8 في لندن.
فالأرجح أن القمة لن تعيد الحياة لجنيف 2، وهناك تسارع
بين تزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، وبين مسارعة
النظام السوري وحلفائه لتحقيق حسم إما في درعا او في حلب
قبل أن يأتي المدد لمعارضيه.
واذا ما فشل الغربيون في أن يحقق تسليحهم في منع تكرار
تجربة القصير (كما اتفق السعوديون والفرنسيون في اجتماع
باريس) فإن من المرجح ان لا يستسلم الغرب بل سيطيل امد
المعركة، وقد لا يأبه بتوسيع نيران الحرب التي اصبحت اقليمية
دولية وطائفية بامتياز. ربما تتدخل قوات غربية حينها،
وتشتعل المنطقة برمتها.
من هنا كانت عودة الملك من المغرب وقطع اجازته ضرورية.
فتداعيات الأزمة السورية أشد خطراً من أي وقت مضى. والسعوديون
غامروا وقامروا بكل ما لديهم لتحقيق نصر على الجبهة السورية،
لا طمعاً في ديمقراطية، ولا ألماً للضحايا البشرية، بل
لأمل يراود الأمراء باستعادة دورهم ونفوذهم الإقليمي،
عبر كسر محور ايران ـ دمشق، باسقاط النظام السوري.
|