مصر التي في خاطر آل سعود
سعدالدين منصوري
يحلو لبعض المهجوسين بنظرية المؤامرة أن ينسبوا ما
جرى في 30 يونيو في مصر الى أطراف خارجية، أو بالأحرى
خليجية، وعلى وجه الخصوص سعودية وإماراتية. فقد ذكرت مواقع
صحافية مقرّبة من الاخوان المسلمين في 10 يوليو بأن مصادر
مطلعة كشفت النقاب عن حقيقة الانقلاب العسكري على الرئيس
محمد مرسي المنتخب، والدور الذي لعبته كل من الإمارات
والسعودية في تشجيع العسكر على الإنقلاب ضد الرئيس محمد
مرسي، وذكرت هذه المصادر عددًا من أسماء القادة السياسيين
في الخليج والعسكريين المصريين المساهمين مباشرة في الإنقلاب.
واستندت هذه المواقع الى ما نشره المغرد (مجتهد) من
تغريدات على حسابه الشخصي، وقال بأن الشيخ محمد بن زايد،
ولي عهد أبو ظبي، كان على اتصال يومي مع الفريق صدقي صبحي،
رئيس أركان حرب القوات المسلحة. ونقلت المواقع عن مصادرها
أن عددًا من أعضاء المجلس العسكري كانت مهمتهم تسهيل الانقلاب
ومن بينهم الفريق طيار «يونس السيد حامد» قائد القوات
الجوية، والذي كان يقوم بتأمين الخطة بسرية تامة وتنسيقها
مع بقية ضباط الانقلاب.
وتحدثت المواقع عن دور للامارات في التواصل مع قيادات
رفيعة في القوات المسلحة المصرية وكانت تتلقى اموالاً
من محمد بن زايد، الذي وعد عبد الفتاح السيسي بانعاش الاقتصاد
المصري، كما ذكرت المصادر دوراً للأمير محمد بن نايف،
وزير الداخلية السعودي الذي تكفل بدعم الانقلاب بمبلغ
ثلاثة مليار دولار، بحسب المواقع نفسها.
هذه المعطيات تبدو بلا قيمة ما لم يأت بعدها خبر
التهنئة السريعة التي قدّمتها السعودية والامارات للسيسي
ولعدلي منصور، الرئيس المؤقت.. وزادت المصادر على ذلك
بأن مكالمة هاتفية تمّت بين الملك عبد الله والسيسي (تحدثوا
طويلاً حول الأحداث في مصر) فيما أعلنت الإمارات عن إرسالها
شحنات من الوقود «أولها في قناة السويس وآخرها في دبي»،
وتوالت الشحنات من دول خليجية اخرى مثل الكويت..
في تقديرنا أن هذه المعطيات تبدو بلا قيمة، لأنها
تلغي دور 30 مليون مواطن مصري نزلوا الى الشارع احتجاجاً
على حكم الاخوان ومطالبين بتنحي الرئيس مرسي..
السخط إزاء دور العسكر في مصر من قبل الاخوان له ما
يبرره، وندرك تماماً بأن السيسي كان يتحيّن فرصة تصفية
حساب عسير مع الاخوان، عقب معرفته بأن الجماعة تبيّت نية
التخلّص منه في أقرب وقت، فاعتبر ذلك قضية ثأر شخصي، وهذا
يظهر من المبالغة في العقوبات والاجراءات الجزائية الامنية
والاقتصادية ضد قيادات الاخوان الامر الذي أثار حفيظة
كثير من الناشطين والاصلاحيين في مصر حيث تجاوزت القرارات
حدود التجاذب السياسي والديمقراطي..
غير ذلك، فإن الكلام عن دور سعودي أو إماراتي فهو زائد
ويتجاوز الحقائق على الأرض.. ولنعد الى الحوادث السابقة،
وغير البعيدة. ففي رسالة التهنئة من الملك عبد الله الى
محمد مرسي، بعد انتخابه رئيساً لجمهورية مصر العربية،
جاء ما يلي: (نهنئ الشعب المصري الشقيق ونهنئكم على اختياركم
رئيساً لجمهورية مصر العربية الشقيقة، وإننا إذ نقدر هذا
الاختيار لأشقائنا في مصر نأمل من الله العلي القدير أن
يوفقكم ويسدد خطاكم لما فيه خدمة الإسلام وخدمة مصر وشعبها
الشقيق في سبيل استقرارها ونموها وتحمل دورها الإسلامي
والعروبي).
وفي برقية التهنئة التي بعث بها الملك الى الرئيس المؤقت
عدلي منصور، جاء فيها: (باسم شعب المملكة العربية السعودية
وبالاصالة عن نفسي، نهنئكم بتولي قيادة مصر في هذه المرحلة
الحرجة من تاريخها، وإننا إذ نفعل ذلك لندعو الله أن يعينكم
على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقكم لتحقيق آمال شعبنا
الشقيق في جمهورية مصر، وفي ذات الوقت نشد على أيدي رجال
القوات المسلحة كافة ممثلة في شخص الفريق أول عبد الفتاح
السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق الله
يعلم أبعاده وتداعياته لكنها الحكمة والتعقل التي حفظت
لكل الاطراف حقها في العملية السياسية).
في الشكل لا يبدو هناك فرق كبير بين برقيتي التهنئة،
فالواقعية السياسية تفرض هذا النوع من البروتوكولات الدبلوماسية،
ولكن في المضمون بدا واضحاً أن ثمة رسائل واضحة يبعث بها
الملك عبد الله الى القيادتين السياسية والعسكرية في مصر
بعد عزل الرئيس مرسي.. فقد اعتبر الملك التغيير الجديد
إخراج مصر من نفق، وبارك دور القوات المسلحة..
اللافت أيضاً ما أعلنه عدلي منصور على حسابه في تويتر
بأن الملك عبد الله وعد في اتصال هاتفي بتقديم سبعة مليارات
منها ملياران هدية للشعب المصري.
رسالة الملك بمناسبة قدوم شهر رمضان كانت واضحة، خصوصاً
في توجيه النقد للأحزاب السياسية، في إشارة الى (جماعة)
الاخوان المسلمين، واعتبار دخولهم الى حلبة السلطة مورد
شر.. كانت رسالة واضحة للداخل والخارج، والهدف واضح بأن
ما حصل في مصر هو موضع مباركة ودعم.
في واقع الأمر، أن ال سعود يريدون مصر التي تخضع تحت
تأثيرهم، ولا يرغبون في مصر الديمقراطية، بل مصر التي
يمكن عبر برنامج المعونات المالية والاقتصادية السيطرة
على صناعة القرار، وتوجيه الرأي العام فيها بحسب ما تقتضيه
مصلحة الممولين..
يدرك آل سعود بأنهم لا يستطيعون النفوذ الى مصر من
بوابة شعبها، ولا عبر احزابها السياسية المستقلة، ولذلك
اختارت المؤسسة العسكرية وكذلك الطبقة السياسية القديمة
المرتبطة بالنظام البائد..هي تكره جماعة الاخوان لأنها
تحفز التيار الصحوي في الداخل نحو مشروع الدولة الدينية،
ما يهدد الحكم السعودي..
مصر التي هي في خاطر ال سعود تشبه كل شيء الا مصر وشعبها.
|