الحقيقة أين؟
روايتا الحرب والإنقلاب في السعودية
محمد فلالي
سؤال كبير فرضته عودة الملك السريعة الى البلاد، قطع
على إثرها اجازته الخاصة في المغرب.. لأمر ما لا يزال
يثير أسئلة حول السبب من وراء قرار فجائي من هذا القبيل.
نحن هنا أما روايتين، الأولى علنية والثانية سرية وفي
غاية الدقّة.. لأن ثمة تداخلاً وتمويهاً وتزامناً بين
مجموعة وقائع جعلت من إمكانية التمييز بين الخطوط الفاصلة
مسألة بالغة الصعوبة، ولا يكتفى فيها بالتحليل بل تتطلب
معطيات رصينة.
فرواية الحرب ضد سوريا كانت تقوم على عنصرين:
الأول ـ زيارة الاميرين بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات
العامة؛ وسعود الفيصل، وزير الخارجية الى فرنسا ولقائهما
بنظريهيما في الخارجية والامن.
الثاني ـ تقديم الاميرين بندر وسعود تقرير أمني واستراتيجي
للملك عبد الله أدى الى استعجال عودته للبلاد.
وكلا العنصرين وضعا تحت عنوان واحد: منع سقوط حلب.
وكل ذلك كان يأتي في سياق الأوضاع التي فرضها سقوط
مدينة القصير على يد مقاتلي حزب الله، وما أعقبه من حديث
عن ترجيح خيار التدخل العسكري في سوريا، وفي ظل مناورات
عسكرية في الأردن (الأسد المتأهب)، وتحريك أرتال من القطع
العسكرية باتجاه شمال المملكة، وأن ثمة قرارات استراتيجية
تستوجب حضور الملك في البلاد لاتخاذها والإشراف على الخطط.
وفي السياق نفسه قيل عن أن شركة كندية كلّفت بتزويد المملكة
بخرائط الكترونية شديدة التعقيد عن الجغرافيا السورية.
وكل ذلك والكلام لا يزال عن تدخّل عسكري في سوريا،
ولم يلتفت أحد الى أن ثمة حقيقة ثاوية بين المعلن من معطيات
قد تصلح لحياكة قصة مقنعة لمن شاء.
لاشك أن سقوط القصير وجّه صدمة عنيفة للأمراء، وخصوصاً
للأمير بندر بن سلطان، الذي كان يمسك بملفي سوريا ولبنان،
وكان يأمل من خلال حكومة تمّام سلام استعادة النفوذ السعودي
بالكامل في لبنان، يستكمل مع سقوط النظام السوري. ولكن
المأمول لم يتحقق، إذ جاء سقوط القصير على رأس المشروعين
معاً، ولكن هذا يناقش في مكان آخر.
الغيمة الاعلامية الكثيفة التي رافقت سقوط القصير جرى
استغلالها للتغطية على موضوع أخطر.
ولنبدأ هنا بوضع مكوّنات روايتي الحرب (على سوريا)
والانقلاب (الداخلي) ومقارنة دلالاتهما للوصول الى نتيجة،
لأن الحقيقة تكون مغيّبة في ثنايا هاتين الروايتين.
رواية الحرب
تم تقديم معطيات للحرب أكثر من السلام في المنطقة منذ
إذاعة خبر عودة الملك عبد الله من المغرب بصورة استثنائية
وعاجلة بناء على تقرير أمني استراتيجي قدّمه الاميران
سعود الفيصل وبندر بن سلطان.
الكلام عن الحرب هذه المرة سعودي، وليس تركياً أو قطرياً،
فثمة ظروف خاصة شهدتها اسطنبول والدوحة مؤخراً تحول دون
انخراطهما التام والشامل في مشروع حرب. فقد استفاقت السعودية
على صدمة القصير، التي تعاطت معها باعتبارها هزيمة لمشروعها
في سوريا ولبنان. البعد الاستراتيجي لسقوط القصير تحّدث
عنه الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسي فيليب لاليو
(إن سقوط مدينة القصير شكّل نقطة تحول دراماتيكية في الأزمة
السورية، لما يمثل سقوطها من بعد استراتيجي..).
كانت التهدئة المفتعلة من قبل الجانب السعودي وحلفائه
في لبنان مع حزب الله بعد تكليف تمّام سلام بتشكيل الحكومة
ريثما يتحقق أمران: استكمال الانهيار المتدرّج للنظام
السوري عبر ضربات عسكرية مفصلية متعاقبة. والأمر الآخر:
نجاح سلام في تشكيل حكومة انتخابات تفضي الى فوز فريق
14 آذار، وتالياً عودة تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري
الى الحكم.
معارك القصير قوّضت مشروع بندر بن سلطان، فلا حكومة
سلام تشكّلت ولا النظام السوري انهار، ما وضع النظام السعودي
أمام مفصل تاريخي بالغ الخطورة، كونه سيواجه استحقاق جنيف
2، الذي سوف يخرج السعودية من المعادلة السياسية، فمن
المؤكّد أن كل إنجاز دون إسقاط النظام السوري هو خسارة
بالنسبة لآل سعود، لأن ما بعد جنيف 2 سوف يكون مختلفاً،
وربما مخزياً، لأن الوعود التي أطلقوها لا تحتمل هذه المرة
التأجيل أو الفشل، فثمة ارتدادات خطيرة سياسية وأمنية
مباشرة على الداخل السعودي.
وحده بندر بن سلطان من شعر بخطر تداعيات سقوط القصير،
ووحده من قرر أن يدفع البراميل الى الأمام في سياق مقامرة
بالدولة، وبالمصير من أجل وقف مسلسل الانهيارات الميدانية
في سوريا لصالح المحور الايراني. وهنا نتوقف عند معطيات
ذات دلالة لافتة:
|
بندر والفيصل في فرنسا
|
(1) المهمة العاجلة والعلنية التي قام بها رئيس الاستخبارات
العامة بندر بن سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل الى
فرنسا في 13 حزيران/ يونيو الماضي كانت واضحة في أهدافها:
تعطيل مؤتمر جنيف 2، وترجيح الخيار العسكري تحت عنوان
منع سقوط حلب في يد المحور الآخر: ايران وحزب الله.. وربما
هي من المرات النادرة جداً أن تكون مهمة بالغة الحساسية
بهذا الوضوح والعلنية، ثم يتم الكشف عن أهدافها بكل صراحة.
وقد اعتاد بندر السريّة في مهماته وجولاته، ولكن كما يبدو
أراد إيصال رسالة واضحة لأصدقاء آل سعود وخصومهم بأنهم
ماضون في حرب شاملة ومفتوحة، وعلى الجميع إدراك ما هم
مقدمون عليه.
(2) عودة الملك بصورة عاجلة الى الديار عقب تقرير أمني
ـ استراتيجي تقدّم به بندر بن سلطان وسعود الفيصل، وما
يترتب عليه من قرارات مصيرية تتعلق حصرياً بالحرب.. الإعلان
المسبق عن خبر وسبب عودة الملك يبدو هو الآخر لافتاً،
فآل سعود أرادوا القول بأن الملك بوصفه القائد العام للقوات
المسلّحة لابد أن يكون حاضراً في الميدان لإعطاء أوامر
العمليات.
(3) تأجيل الحج مدة عامين أو ثلاثة، ليس بسبب مشاريع
التوسعة كما قيل، بل هي الحرب التي سوف تنقل المنطقة والمملكة
السعودية إلى أوضاع استثنائية، وحيث أن الحج يتطلب استنفاراً
من نوع خاص، ونقل جنود بأعداد كبيرة الى منطقة الشعائر
الأمر الذي سوف يؤدي الى تشتت الجهود المطلوبة في أوضاع
الحروب. دعوة تأجيل الحج جاءت في سلسلة بيانات بثّت عبر
فضائية (القرآن الكريم) الرسمية، والتي تبث من المسجد
الحرام، ووصف المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل
الشيخ قرار الحكومة السعودية بأنه (أمر ضروري، ولا بد
من الاستجابة له وتطبيقه، لأنه يحقق مصلحة الأمة على المدى
الطويل). هي دون سابقة في تاريخ المسلمين الحديث..
(4) توزيع (تحذير) صادر عن وزارة الداخلية ويحمل شعار
مجلس التعاون الخليجي موجّه الى المواطنين من تداول أخبار
تحرّك الجهات الأمنية والقطاعات العسكرية، وختم التحذير
بعبارة لافتة: (فلا تكن عميلاً يساعد على خلخلة أمنك القومي).
تزامن هذا التحذير مع انتشار صور عن ارتال دبابات وآليات
عسكرية تتحرك باتجاه المناطق الشمالية من المملكة، المحاذية
للأردن. نلفت هنا الى مناورات (الأسد المتأهب) المشتركة
التي جرت في الأردن في مطلع يونيو الماضي بمشاركة السعودية
والولايات المتحدة، وتخللها نصب صواريخ باتريوت ووضع طائرات
إف ـ 16 على أهبة الاستعداد في القواعد العسكرية الاردنية.
ونشير هنا أيضاً الى أنه وبعد خسارة السعودية لمعبر
القصير، أصبح التركيز منصباً على الجبهة الاردنية التي
سوف تكون القناة الأكبر والأكثر حيوية بالنسبة لنقل السلاح
والمسلّحين، وقد يمنح الأردن دوراً أكبر في المرحلة المقبلة،
كونها ستكون منطلق الجيوش البرية وممراً جوياً للطائرات
الحربية الأميركية والاسرائيلية لقصف المنشآت السورية،
وكل ذلك بحسب رواية الحرب.
(5) تصعيد الخطاب الطائفي الى الحافات القصوى، من ذلك
نشر فتاوى تكفيرية صريحة في الصحف المحلية، من بينها فتوى
الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، في صحيفة
(المدينة) في 7 حزيران (يونيو) بتكفير الشيعة. فتاوى أخرى
مماثلة صدرت عن المفتي ومشايخ وهابيين في الداخل والخارج.
دعاة سعوديون يجوبون الخليج وبلاد العرب للإضطلاع بمهمة
الشحن المذهبي، على طريقة الداعية الأراجوز محمد العريفي
الذي زار مصر قبل الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد
مرسي وألقى خطباً عمياء حول (الخطر الصفوي) على أطفال
(أهل السنة والجماعة)، وانعقاد مؤتمر في القاهرة بحضور
الشيخ القرضاوي وآخرين تحت عنوان الدعوة للجهاد في سوريا.
لعبة الغرائز باتت مكوّناً من تحضيرات الحرب. نستحضر
ما تحيكه السعودية لمصر من مخططات لجهة تحويلها الى مرتع
للنعرات الطائفية، كما برز في كلمات مؤتمر علماء دين في
القاهرة في 14 يونيو الماضي والذي تكفّل بمهمة الدعوة
للجهاد في سوريا لمواجهة الخطر الشيعي!
تزامنت هذه المعطيات مع موافقة واشنطن وباريس على تزويد
المعارضة السورية بالأسلحة، وإتهام النظام السوري باستعمال
السلاح الكيماوي، والحديث عن إقامة منطقة حظر جوي في محافظة
درعا المحاذية للأردن. المؤتمر الصحافي المشترك لوزير
الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره البريطاني وليام هيج
في 13 يونيو الماضي لا يخرج عن إطار توزيع الأدوار، وطالما
أن فاتورة الحرب سعودية، فثمة فرصة أمام مصانع السلاح
في الولايات المتحدة وأوروبا للمساهمة في معالجة الركود
الذي تعاني منه اقتصادياتها منذ سنوات طويلة.
أبلغت السعودية حلفاءها الأميركيين والأوروبيين بأنها
على العهد كما كانت في حرب الخليج الثانية، وهي على استعداد
لدفع فاتورة الحرب المقبلة. ومن المصادفات غير الباعثة
على الغرابة، أن يكون بندر بن سلطان هو ذاته عرّاب استقدام
القوات الأميركية والأوروبية الى الخليج في حرب (عاصفة
الصحراء) سنة 1991، يعود اليوم ليكون بطل استدراج حرب
جديدة وسمسار استقدام قوات أميركية وأوروبية الى المنطقة..
يستقوي آل سعود بالأميركي والأوروبي لتصفية كل أشكال التدخل
الأجنبي، ولا ضير في صدور فتاوى تبرر ذلك، ونشر مقالات،
وإلقاء خطب عصماء، وأحاديث في القومية والاستقلال والتحرر
الوطني تجيز الاستقدام. فليس كل ما هو أجنبي أجنبياً!
الخطاب السياسي والديني والاعلامي لدى السعودية منذ
معركة القصير لا يمت بصلة الى ما هو وطني، فكل ما فيه
يشير الى الحرب، بل الى معركة مصير. ولذلك ما يبرره، من
وجهة نظر العائلة المالكة على الأٌقل، فهي تشعر بأن خسارة
الحرب في سوريا تعني رجحان احتمالات تقسيمها، فالغرب لن
يراهن على خاسرين، وإن أفاد منهم عقوداً طويلة، كما لن
يعوّل على بؤر توتّر فقدت وظيفتها، وأن التسوية الروسية
الأميركية قد تفضي الى إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط
على قاعدة تفاهمات متبادلة، وليس بالضرورة على خلفية صدامات
سوف تدفع فيها الأطراف كافة أثماناً باهظة.
وفق هذه المعطيات، ما لا يمكن تكّهنه أن الحرب هذه
المرة، بخلاف الحروب السابقة، لا حدود لها، فقد تكون شرارتها
في سوريا، ولكن لا يعلم سوى الله خواتيمها، والمديات الزمنية
والمكانية التي يمكن أن تصل إليه، وقد تكون توقّعات نعوم
تشاومسكي بأن سايكسو بيكو تنهار وقد يبدأ رسم خارطة شرق
أوسط جديد.
تبدو عناصر رواية الحرب متقنة الى حد كبير، وتصلح كغطاء
للتمويه على قضايا أخرى، ولكن هل يا ترى تمتلك هذه الرواية
الختم النهائي بحيث يمكن اعتبارها المفتاح نحو الحقيقة
الغائبة.
ما جرى في وقت لاحق لم يشر الى أن عودة الملك لها علاقة
بالحرب، فلا الجيوش تحركت، ولا الطائرات انطلقت، ولا الصواريخ
تدافعت نحو الفضاء باتجاه المواقع الاستراتيجية السورية،
فما لذي حدث اذن؟
رواية الإنقلاب
رواية الانقلاب تسترعي عودة الى الوراء قليلا، فثمة
قرارات متعاقبة صدرت عن الملك عبد الله تدور حول عملية
تقاسم السلطة بين أجنحة محدّدة في العائلة المالكة، بدأت
بإقالة الامير أحمد بن عبد العزيز من منصبه كوزير للداخلية
وتعيين الأمير محمد بن نايف بدلاً منه، ثم إقالة خالد
بن سلطان من منصبة كنائب لوزير الدفاع، والمرشح الافتراضي
بحكم التقاسم السابق للسلطة والمواقع السيادية لمنصب وزير
الدفاع، وتالياً إقالة الأمير محمد بن فهد من منصبه كحاكم
على المنطقة الشرقية وهو الذي تولاها منذ عام 1985.
هذه المتغيرات وصفها سركيس نعوم في صحيفة (النهار)
في 27 يونيو الماضي على أنها (معالم التغيير)، وأضاف اليها
تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً، وأن ذلك
سوف يفتح أبواب مواقع أعلى في السلطة، ويضاف الى ذلك أيضاً
تعيين الأمير متعب بن عبد الله رئيساً للحرس الوطني بمرتبة
وزير، ثم تحويل الحرس نفسه الى وزراة بما يسمح له خوض
المنافسة نحو العرش.
السؤال الذي طرحه نعوّم حول ردود الفعل على الإقالات
والتعيينات، فكان الجواب الكلاسيكي: قد تحصل خلافات. لكنها
لن تصل إلى حد الافتراق والاقتتال أو الانتحار الذاتي.
حسناً، مثل هذا الجواب يستحضر سوابق الخلافات في العائلة
المالكة التي غالباً ما يلفّها الكتمان ويسترها الخوف
المشترك، ولكن ليس الأمر دائماً على هذا النحو، فقد شهدت
البلاد انقساماً حاداً في زمن الملك سعود، وحدثت اصطفافات
سياسية علنية لصالح الأمير فيصل وشارك العلماء في حسم
الخلاف السياسي.
قبل أعوام، اختفى الأمير بندر بن سلطان عن المشهد السياسي،
في غياب لا يمكن وضعه في الحال الصحية للأمير لأن مثل
هذا الوضع له بروتوكولاته ومقارباته التقليدية المألوفة،
ولكن ما قيل عن محاولة اغتيال دبّرها الأمير بندر مع عدد
من القادة العسكريين ضد الملك عبد الله له وجه. حينذاك،
كانت الحال الصحية للأمير سلطان بلغت مستوى خطيراً من
التدهور وكان على وشك الاختفاء من المشهد السياسي.
ما هو ثابت، أن هناك خلافات حادة وعميقة داخل العائلة
المالكة، هذا على الأقل ما تعكسه تصريحات وأحاديث الأمير
طلال بن عبد العزيز، وأمراء آخرين بما في ذلك تلميحات
الأمير الوليد بن طلال، وأميرات مثل سارة والى حد ما بسمة،
رغم كونها قد تلعب دوراً مزدوجاً.
بدأ المقرّبون من الأمراء يلمسون في الآونة الأخيرة
أن ثمة تململاً لدى الاجنحة المهمّشة ولابد من أفعال استثنائية
تحول دون احتكار السلطة من قبل أجنحة ثلاثة. ولا شك أن
أبناء سلطان وفهد شعروا بفداحة الخسارة، لأنهم حتى الأمس
القريب يعدون أنفسهم حكاماً فعليين، وأنهم شركاء دائمون
ورئيسيون في العرش.
|
خالد بن سلطان: طرد من الدفاع
وتحت الإقامة الجبرية |
المستبعدون من معادلة العرش هم من السديريين، الجناح
المرشح لوراثة العرش الى أمد غير منظور، ولكن في عهد الملك
عبد الله فقد هذا الجناح مصادر قوته الرئيسية (فهد، سلطان،
نايف)، ومن تبقى جرى إما استبعاده (أحمد/ عبدالرحمن) أو
جرى موازنة قوته بإدخال عناصر أخرى الى مواقع حساسة عسكرية
وأمنية..
ندرك تماماً خلفية اقالة قيادات عسكرية وتعيين مقرّبين
من الملك، من بينها قرار تعيين قائد جديد للقوات الجوية
الفريق الركن محمد بن عبد الله العايش في 10 مايو الماضي،
وسبق ذلك تعيين عواض بن عيد اللوي قائداً للقوات البرية
في فبرابر الماضي، إضافة الى تعيين نائب جديد لوزارة الدفاع
مكان خالد بن سلطان وهو الأمير فهد بن عبد الله بن محمد.
شعر خالد بن سلطان ومحمد بن فهد وعمهما أحمد بن عبد
العزيز بأن البساط سحب من تحت أقدامهما، وأن فرصهما في
العرش تلاشت للأبد، وأن حالهما كحال الانتقال من القصر
الى القبر. أي أن الخسارة صافية، ولا شيء يحول دون بلوغ
مستوى من السوء أفدح مما وصلت اليه.
لا نعلم كيفية رد الفعل بتفاصيله، ولكن ثمة معطيات
حصلت إثر قطع الملك عبد الله إجازته الخاصة في المغرب
وعودته السريعة. العنوان كان منع سقوط حلب، والتأهب لعمل
عسكري واسع النطاق، والحقيقة في مكان آخر.
ولدينا معطيات بعضها منشور في الصحف وأخرى شبه سرية.
المتداول منها يبدأ بنبأ فرض الاقامة الجبرية على الأمير
خالد بن سلطان بعد محاولته الانقلاب على عمه الملك، وأن
نجله الأمير متعب هو من أجهض المحاولة في المهد.
يقول الخبر المنشور في 15 يونيو الماضي أن قرار فرض
الاقامة الجبرية جاء عقب اكتشاف هيئة استخبارات وأمن القوات
البرية عن حركة غير اعتيادية بين عشرات الضباط المقربين
من خالد بن سلطان، موزعين على سلاح المدفعية وسلاح الإشارة
وسلاح النقل.
يضيف المصدر أن التحريات التي قامت بها الاستخبارات
العسكرية ولجنة سداسية مؤلفة من أعضاء في رئاسة الاستخبارات
العامة وجهاز المباحث السياسية التابع لوزارة الداخلية،
وجود اتصالات مباشرة تربط بين الضباط المشتبه بتخطيطهم
لعملية انقلاب وبين الأميرين خالد بن سلطان ومحمد بن فهد
المتواجد في الولايات المتحدة الأمريكية منذ شهور بعد
اعفائه من منصبه في أمارة المنطقة الشرقية.
التحريات، بحسب المصادر المتداولة، كشفت عن ضلوع ضباط
في قوات الدفاع الجوي ضمن الشبكة المرتبطة بنائب وزير
الدفاع خالد بن سلطان، وأن الملك عبد الله أمر فور علمه
بهذه التطورات وهو في مقر أقامته بالمغرب قبل أن يقرر
العودة المفاجئة، بفرض الإقامة الجبرية على الأمير خالد
بن سلطان في منزله، ومنع الأمير محمد بن فهد من العودة
إلى السعودية حتى إشعار آخر.
في تقرير صحافي آخر، أعطي الأمير أحمد بن عبد العزيز،
وزير الداخلية السابق، الدور المركزي في المحاولة الانقلابية،
وذكر مصدر صحافي بأن الشكوك تحوم حول تورط وزير الداخلية
السابق الأمير أحمد بن عبد العزيز في المخطط الانقلابي
الذي لم تسنح له الفرصة لتكتمل فصوله.
في سياق قريب منه، نقلت مواقع الكترونية عن تقارير
استخبارية دولية أن تنظيمات جهادية في الخليج واليمن اضافة
لمقاتلي جبهة النصرة العائدين من سوريا تخطط لشن هجمات
قد تطال الامن السعودي ورجال الجيش والشرطة والمصالح الدبلوماسية،
مستغلة حركة السفر المكثفة خلال موسم الحج، وهو ما يفسر
طلب السلطات السعودية من مسلمي العالم تأجيل موسم الحج.
عودة الى قطع الملك إجازته في المغرب، التي جاءت بعد
24 ساعة من قطع الملك المغربي محمد السادس إجازته في فرنسا
والعودة للإلتقاء بالملك واطلاعه على ملخصات ونصائح شخصية
وهواجس مقدمة من قبل الحكومة الفرنسية نتيجة تطور الأوضاع
على الأراضي السورية، واتجاه وضع المعارضة السورية المسلحة
المدعومة من قبل آل سعود والحكومات الغربية للهزيمة، سبقتها
تفاصيل لتقرير استراتيجي أمني قدمه وزير الخارجية الأمير
سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان الذي يدير حلقة الاتصال
والتخطيط مع قيادات الجيش السوري الحر.
عودة الملك سبقها تحليق لطائرات الأواكس وطائرات الشحن
العملاقة فوق أجواء الحدود الشمالية وتحريك بعض الوحدات
العسكرية الثقيلة عبر أوامر شفهية مباشرة من الملك عبد
الله. لقد فهم البعض أن هذا الإجراء له علاقة بالأزمة
السورية، والاستعداد للحرب الافتراضية. والحال، أن تلك
الاوامر صدرت في اطار الاجراءات الوقائية بعد إجهاض المحاولة
الانقلابية وأن التركيز على الشمال هو لوجود قاعدة تبوك
التي تضم قيادات عسكرية في قاعدة الملك فيصل الجوية، موالية
لبيت سلطان.
|
محمد بن فهد: من لصوصية الشرقية
الى الاسترخاء بأمريكا |
نتوقف هنا قليلاً مع خالد بن سلطان، الشخصية البطل
في رواية الانقلاب، فمنذ صدور قرار اعفائه من منصبه كنائب
لوزير الدفاع في 20 إبريل 2013 وتعيين أمير مقرب من الامير
سلمان، ولي العهد ووزير الدفاع، بدأ الكلام عن خلافات
حادة بينه وبين اعمامه. طريقة إعفاء خالد بن سلطان اعتبرت
مهينة كونها لم تختم بعبارة (بناء على طلبه)، ما أشار
الى أن الاعفاء كانت نتيجة خلافات بين خالد بن سلطان وعميّه
سلمان وعبد الله، وكان خالد يطمح بأن يرث منصب والده،
بحسب معادلة تقاسم الحصص التي استقرت منذ وصول الملك عبد
الله الى العرش في العام 2005.
لم يستطع خالد بن سلطان أن يرى تراث والده يضيع أمام
عينيه، فبعد موت والده سلطان كان يتوقع انتقال تركة الدفاع
اليه. وما زاد من غضبه أن لا يصيب أبناء نايف ما أصاب
أبناء سلطان، بل على العكس أصبح محمد نايف وزيراً للداخلية
خلفاً للأمير أحمد في حركة تشبه استعادة لارث والده الأمير
نايف. وبحسب (القدس العربي) في إبريل الماضي فإن خالد
بن سلطان لم يستطع التعايش مع كونه لم يحصل على منصب وزير
الدفاع عقب تعيين عمه الامير سلمان في ولاية العهد، وانه
كان من المتوقع ان يتنازل عن منصب وزير الدفاع ولا يحتفظ
بالمنصبين، مما زاد من شعور الامير خالد بالغبن، خاصة
وان القرار الملكي تضمن جملة (وبناءً على ما عرضه علينا
سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بكتابه
رقم..)، وهو ما يرجح وجود خلافات بين الامير خالد وعمه
الامير سلمان، مما يرجح ان الاعفاء جاء بناء على طلب ولي
العهد الامير سلمان.
ويتابع المراقبون ان ما زاد شعور الامير خالد بالغبن
هو تعيين الامير محمد بن نايف في منصب وزير الداخلية وتعيين
نجل الامير متعب في منصب وزير البلديات مكان والده، خاصة
وانه كان للأمير خالد دور كبير في الحرب على الحوثيين
وفي عقد صفقات تسليح للجيش السعودي زادت من قدراته.
ويرى اخرون ان الملك يريد ان يكافيء الامير فهد بن
عبد الله على النجاحات التي حققها في وزارة الطيران المدني
من تحديث ورفع لمكانة الخطوط السعودية.
وبالعودة الى التدابير الفورية التي أعقبت عودة الملك
عبد الله الى الديار. فقد عاد الملك من المغرب يوم الإربعاء،
وفي اليوم التالي تم إغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية
والجوية مدة 6 ساعات، وتم فرض سلسلة من التدابير الطارئة
منها:
|
قطع رحلته بسبب انقلاب داخلي
او لإعلان حرب؟ |
ـ تجميد عطل العسكريين.
ـ منع العسكريين من السفر.
ـ إغلاق قاعدة تبوك مدة ثلاثة أيام، وكذلك قاعدة الملك
فيصل الجوية.
ـ وقف كافة الرحلات الجوية من وإلى المملكة مدة ست
ساعات، بما في ذلك طائرات الأواكس التي تقرر تجميد وظيفتها
بعد عودة الملك.
ـ تحريك أرتال عسكرية نحو الشمال خشية اندلاع حركة
تمرّد من قاعدة تبوك الجوية..
وهنا نتوقف عند المكوّنين الرئيسيين في رواية الحرب،
زيارة الاميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان الى باريس
والتي كان فيها موضوع سوريا ومنع سقوط حلب عنواناً للزيارة،
بينما تكشف مصادر أخرى بأن الفرنسيين حصلوا على معلومات
شبه مؤكّدة عن مخطط يعدّه بعض الأمراء من بينهم الأمير
خالد بن سلطان والأمير محمد فهد لتغيير معادلة السلطة
القائمة في المملكة، ما تطلب وجود الأمير بندر بن سلطان،
رئيس الاستخبارات العامة للإطلاع على طبيعة المعلومات
المتوفرة لدى الجانب الفرنسي. ولعل وجود الأمير بندر بن
سلطان في الزيارة ضرورياً لأسباب وظيفية وأخرى اعتبارية،
فقد أراد بيع الملك عبد الله موقفاً يعوّض فيه عن مخطط
كان قد دبّره قبل سنوات لاغتياله.
الملك عبد الله بعد عودته الى الديار في 15 يونيو الماضي،
بناء على تقارير فرنسية سلّمها الأميران بندر وسعود له
عن وجود مخطط انقلابي يديره الامراء خالد بن سلطان ومحمد
بن فهد وأحمد بن عبد العزيز، أرسل نجله الأمير متعب في
اليوم التالي الى تركيا ومن ثم الى فرنسا في 20 يونيو
للإطلاع على تفاصيل المخطط. لم تحمل زيارة متعب الى تركيا
جديداً، بل قد تأتي في سياق التمويه على الدور الفرنسي
في كشف الانقلاب، عبر الإيحاء بالتنسيق السعودي التركي
في الملف السوري.
مناقشة الروايتين
كلتا الروايتين تخضعان للمناقشة، وفيهما عناصر ضعف
وقوة. بالنسبة للمغرّد (المتجهم) وهو المكافىء لـ (المجتهد)
الذي باتت هويتاهما مكشوفتين، فقد نفى أن تكون عودة الملك
للديار ذات صلة بالإنقلاب، رغم أنه نفى أن تكون هناك أسباب
خارجية ملحة تفرض هذه العودة السريعة وإنما هي أسباب داخلية.
ونفى المتجهم أن تكون السعودية في وارد القيام بعمل عسكري
ضد النظام السوري أو أن تعلن الجهاد (كما يزعم بعض الحمقى
الذين يجهلون حقيقة النظام السعودي أو يتعمدون ذلك!!)
حسب قوله.
ولذلك يرفض المتجهم ما يصفه (العودة الأسطورية للملك)،
ولكن هناك أسبابا أخرى جعلته يعود فكانت فرصة لإعطاء زخم
كبير للدور السعودي. وهنا لا يختلف المتجهم معنا في أن
ثمة تمويهاً فرضه الأمر الذي وقع في الداخل واستعمل الملف
السوري كغطاء له، وأيضاً لامتصاص الاحتقان الشعبي بعد
أحداث القصير الأخيرة وصمت النظام السعودي وغيره.
ولكن المتجهم ينفي روايتي الحرب والانقلاب، ويضع رواية
أخرى وهي الوضع الصحي للملك بناء على معطيات منها: أن
الملك قبل سفره للمغرب وعلى الرغم من هشاشة وضعه الصحي
بالمجمل، إلا أنه كان شبه مستقر لولا ضيق التنفس بين الفينة
والأخرى.
يوفّر المتجهم عناصر مشوّقة لروايته هذه، منها معلومات
حصل عليها في وقت متأخر (بسبب بعض الظروف ...)، دون أن
يحدّدها، وهذه المعلومات تفيد بأن (ضيق التنفس ظل ملازما
للملك مما استدعى الطبيب المرافق أن يضع له كمامة الأكسجين
أكثر من ست مرات في أول ثلاثة أيام). يضاف اليه الألم
المزعج الذي بدأ يظر أسفل ظهره مما جعل الطبيب المرافق
يعطيه بعض المسكنات إلى حين العودة للعناية الطبية الفائقة.
وتمسّك المتجهم بروايته حيث اعتبر ترؤس الملك لمجلس
الوزراء (لا يعني أن صحته على ما يرام بل على المسكنات..)،
وربط ذلك بتراجع ظهوره العلني في المستقبل القريب. ويوضح
ذلك بالقول (هذه الفترة سوف يظهر الملك وبشكل متكلف تماشياً
مع الهالة الإعلامية السعودية حول الموقف السعودي وبعدها
سوف يقل ظهوره تدريجياً).
وتحدّث المتجهم عن خالد بن سلطان بعد إعفائه عن منصبه،
وقد يصلح كمكون في رواية الانقلاب. يقول المتجهم بأن خالد
بن سلطان أصيب بعد إعفائه من منصبه بخيبة أمل كبيرة (بل
إنها صدمة لم يكن ليصدقها! كيف لا وهو الذي لا يكل ولا
يمل من الثرثرة عن المستقبل!!) على حد قوله. يضيف المتجهم
بأن خالد بعد الإعفاء تم إجباره على الإقامة في منزلة
لفترة، بعدها خف التشديد عليه حيث قضى بعض الوقت في مزرعته
بتبراك.
يضيف المتجهم بأن ليس لخالد أي نفوذ كما كان في السابق
(والحقيقة أن خالد ليس له أي ولاء في الدفاع والكل فرح
بزوال نجمه). ويضيف من عنده معلومة: (وبحسب ما عرفت فإن
خالد ينوي القيام بجولة على بعض بلدان أوربا منها سويسرا
وفرنسا وبريطانيا والهدف منها الترفيه والابتعاد عن البلد
قليلاً).
على أية حال، بدا أيضاً أن رواية الوضع الصحي غير رصينة
وغير مقنعة، تماماً كما هي رواية الحرب، لأن المعطيات
اللاحقة كشفت عن وهن الروايتين، فيما تبقى رواية الانقلاب
صامدة ولا تزال، ما لم نحصل على معطيات أخرى وازنة تزيل
كل الشكوك المشروعة.
|