الأمير بندر في الضاحية:
خيار الموت السعودي في لبنان
هاشم عبد الستار
في زيارته الاخيرة للرياض، سمع الوزير في حكومة تصريف
الاعمال وائل أبو فاعور من الأمير بندر بن سلطان كلاماً
واضحاً بخصوص موقف دولته من حزب الله في لبنان، وقال بالحرف
بأنه على استعداد للدخول في مصالحة مع نظام بشار الأسد،
ولكن بخصوص حزب الله فإنه عدو ولا يمكن الدخول معه في
أي نوع من المصالحة.. كلام قال قريباً منه وزير الخارجية
سعود الفيصل خلال زيارة نظيره الايراني صالحي قبل أكثر
من شهر، حيث اعتبر حزب الله عدواً.
ولمن يريد الربط، فإن أوساط حزب الله لم تنتظر الانتهاء
من التحقيقات في تفجير بئر العبد، فقد وجدت مشتركات بينه
وبين تفجير العام 1985 الذي نفذّه لبنانيون بتخطيط استخباري
أميركي وتمويل خاص من الامير بندر بن سلطان، السفير السعودي
في واشنطن حينذاك.
|
تشابه مع تفجير 1985 الممولة
من بندر |
صحيفة (الأخبار) المقربة من حزب الله اختارت في اليوم
التالي من الانفجار مانشيتاً لافتاً (الأمير بندر في الضاحية)،
وأفردت مساحة واسعة لدور الامير بندر في تفجير الضاحية.
بل من يقرأ ما كتبه رئيس التحرير ابراهيم الأمين في تعليقه
على التفجير بأن على الأمير بندر أن يتحسس رقبته بعد هذه
الجريمة وأن بالامكان الوصول اليه في أرض الله الواسعة،
يدرك تماماً بأن بندر بات لدى الحزب عدواً، بالنظر ايضاً
الى دوره في اغتيال رئيس المجلس الجهادي في الحزب عماد
مغنية، حيث تفيد تقارير حزب الله بأن للأمير بندر يداً
في الاغتيال.
الكاتب العسكري والامني في صحيفة (يديعوت أحرونوت)
الاسرائيلية سأل في 8 يوليو الماضي أليكس فيشمان لماذا
الموساد واسرائيل هما المشتبهان دائما في كل انفجار على
الحلبة الشمالية؟، ويضيف: ألا يوجد اليوم جهاز استخباري
يحترم نفسه لا يعمل في سوريا وفي لبنان. الجميع هناك،
الاستخبارات التركية، الاردنيون، السعوديون، القطريون،
الى جانب مجموعة اجهزة استخبارات الادارة الامريكية، اجهزة
الاستخبارات البريطانية، الفرنسية والالمانية، ناهيك عن
الروسية، وهذه مجرد قائمة جزئية.
لفت فيشمان إلى ان (لبنان وسوريا هما جنة عدن للجواسيس
والقوات الخاصة. الجميع يضع يده في الوعاء السوري - اللبناني.
الكل يبنون شبكات، يجمعون المعلومات، يتبنون ويمولون منظمات
مسلحة مع او ضد الاسد، يستخدمونهم لأغراض التجسس والارهاب.
كل دولة ومصالحها. أحيانا، عندما تكون هناك مصلحة مشتركة،
تتعاون بعض الدول أو اجهزة الاستخبارات).
وتابع فيشمان: (خلف معظم عمليات التفجير في لبنان وفي
سوريا تقف اليوم جماعات سنية متطرفة. لهذه الجماعات يوجد
راع بل ويوجد حتى ان لها اسم "المشروع الاساسي" لكبح الشيعة
في العالم العربي. وهذا الراعي هو الامير السعودي بندر
بن سلطان، السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة
ورئيس المخابرات السعودية. ابواب كثيرة جداً لدى الحكومات
الغربية مفتوحة أمامه على مصراعيها).
بحسب فيشمان، فإنه (بواسطة المال السعودي يشتري الامير
بندر الناس، الوسائل القتالية والنفوذ. وهو يمول تلك الجماعات
السلفية العاملة على الاراضي السورية، وهي بدورها تنفذ
العمليات الاكثر فتكاً).
بدت السياسة السعودية في لبنان عارية وعدائية ضد حزب
الله، هكذا يعبر عنها السفير السعودي علي عواض عسيري،
وكذلك قادة فريق 14 آذار وخصوصا صقور تيار المستقبل مثل
فؤاد السنيورة وبهية الحريري وأحمد فتفت وغيرهم.
لا يتردد السفير عسيري في استعمال لغة طائفية في بلد
يعاني من انقسام طائفي حاد، فقد أتقن لغة يدرك الجميع
بأنها أداة في صراع ولا صلة لها بالعمل الدبلوماسي الذي
يفترض أن يكون عسيري متقنا له، فوظيفته تنسيج وبناء العلاقات
وليس هدمها وتمزيقها..
كان تصريحا مستغرباً من سفير يطالب فيه طرف سياسي محلي
بمراجع سياسته تجاه طرف سياسي آخر، ومع ذلك لا يكف عسيري
عن ترديد المقولة المملة والممجوجة (المملكة تقف على مسافة
واحدة من جميع الأفرقاء)..
الصحافة اللبنانية كسرت الجرة مع التدخلات السعودية
السافرة في الشأن اللبناني، فكتبت (السفير) في 3 يوليو
تقريراً بعنوان (عسيري يتوغل في الجرح اللبناني)، واعتبرت
تدخله في موضوع/ أزمة تشكيل الحكومة بمثابة توغل في الجرح
(وكأنه لم يكن يكفي الساحة الداخلية عبث الاطراف الداخلية..)،
واعتبرت الصحيفة تدخل عسيري بأنه ( خارق للأصول والقواعد
الديبلوماسية المتعارف عليها..)، ومتخلياً عن خطاب معتدل
كان قد اشتهر به في وقت سابق، ولكنه كأي عبد مأمور، فقد
بدل عسيري جلدته على وجه السرعة وبات يمارس دورا جديداً
يهدم من خلاله كل الجسور الممتدة مع الجميع، وسحب الايدي
المفتوحة مع كل القوى فإذا به في لحظة تخل يوجّه إتهاما
مباشراً لحزب الله بأنه يعرض لبنان والطائفة الشيعية للأخطار.
|
ابو فاعور: بندر قال: مستعد
للصلح مع الأسد اما حزب الله فعدو |
صحيفة (السفير) حفظت لعسيري تصريحاً أدلى به لها بعد
زيارته للجنرال عون في الرابية حيث أكد أن (المملكة العربية
السعودية تجمع ولا تفرّق، وهي تعمل لما فيه مصلحة لبنان
واستقراره). ولكنه خالف تصريحه بكلام لـ(الوكالة الوطنية
للإعلام) حين قال بأن هناك (مخاوف جدية من المشكلات المتنقلة
بين المناطق اللبنانية من طرابلس الى عكار وعرسال وصيدا
والتي لها ارتباط مباشر بتدخل حزب الله في الأحداث السورية).
وأضاف: (من المصلحة العامة أن يعيد حزب الله النظر في
السياسة التي يتبعها تجاه الطائفة السنية والطوائف الأخرى)،
مشيراً الى أن (الممارسات التي يقوم بها الحزب بحق لبنان
واللبنانيين تزيد من الانقسام وتعرّض البلاد لأخطار لن
تكون الطائفة الشيعية بمنأى عنها).
اللافت أن هذه التصريحات صدرت عن عسيري قبيل لقائه
العماد عون ما فتح الباب أمام تأويلات عديدة، كان يريد
عسيري تركها للرأي العام والاعلام.
قيادات حزب الله التي كانت تتردد في الرد على مواقف
السعودية وتصريحات مسؤوليها ضد الحزب، خرجت عن صمتها حيث
انتقد النائب عن حزب الله نواف الموسوي تصريحات عسيري
وقال عنها بأنها تفتقر للحد الأدنى من الدبلوماسية ومخالفة
للأعراف وهو ما ردده نائب الامين العام لحزب الله الشيخ
نعيم قاسم في وقت لاحق.
تطورات أمنية محلية أخرجت السعودية من صمتها، خصوصاً
بعد أن خسرت الرهان، فيما كانت تعول على أن تكسب معركة
عبرا التي قادها الشيخ المتهور أحمد الأسير بدخوله في
مواجهة مسلّحة مع الجيش اللبناني إنتهى بقرار تصفية الظاهرة
الأسيرية في مدينة صيدا، وبدا من ردود فعل حلفاء السعودية
في لبنان، وخصوصاً فريق 14 آذار، وعلى وجه أخص تيار المستقبل
أن ما حصل في صيدا كان هزيمة لمشروع جرى الاعداد له في
مواجهة حزب الله، وقد يعتبر أحد البدائل الاستراتيجية
لمعركة القصير.
ورغم كون الأسير يتلقى تمويله ودعمه من القطريين، إلا
أن المراقبين في لبنان لم يتوقفوا عند هذه التفاصيل غير
المهمة، وقد اعتبروا قتل عناصر الجيش اللبناني في عبرا
جريمة مزدوجة (قطرية سعودية). وبحسب المراقبين فإن ثمة
حسابات استخبارية عربية لاسيما في السعودية وقطر تعوّل
كثيراً على نجاح مهمة الاسير في صيدا. فقد أغضبت أوساط
الجيش اللبناني بل ومراقبين محايدين تصريحات الحكومة السعودية
التي أعربت (عن بالغ القلق إزاء ما تشهده مدينة صيدا من
أحداث، داعياً الجميع إلى وقف الاشتباكات وعدم تصعيد الموقف).
وكان واضحاً في هذا التصريح أن الحكومة السعودية لم تلزم
نفسها بموقف واضح، ولم تدن قتل عناصر الجيش، وتعاملت مع
الجيش وجماعة الاسير وكأنهما على حد سواء جماعتين مسلحتين
وليس بين جيش نظامي مسؤول عن حماية الدولة ومؤسساتها،
وبين جماعة مسلحة قامت بتفخيخ حتى صناديق التبرعات.
في رؤية تحليلية جريئة كتب رئيس تحرير (السفير) في
8 يوليو بعنوان (السعودية «اللبنانية»: خروج على التقاليد؟!)
تحدث فيه عن مشروع انقلابي يتم تحضيره وهو قيد الانجاز
ومن شأنه أن يبدّل ويغير في خريطة التحالفات والمخاصمات
بين أطراف الصراع الذي كان سياسياً ويراد دفعه الآن في
اتجاه الاشتباك الطائفي بل المذهبي.
وأبرز مكوّنات هذا الانقلاب هو (خروج السعودية على
تقاليدها في العمل من خلف ستار، وبصمت، وتقدمها إلى واجهة
المسرح، في لبنان، بذريعة مواجهة «إيران الشيعية» ثم في
الاندفاع إلى تأييد الثورة الثانية في «مصر السنية»، بسرعة
لافتة، والاندفاع في مواجهة النظام السوري إلى حد إبداء
الاستعداد لتزويد معارضاته بالسلاح الثقيل، وأوله الصواريخ
المضادة للطائرات، ومن ثم وضع اليد على قيادة هذه المعارضات
«بالبدوي» من شمر عاصي عويجان الجربا الآتي من الحسكة،
والتي لها ثقلها في المملكة المذهبة إضافة إلى العراق..).
لم يتحدث سلمان عن الشخص الذي يقف وراء الخروج على
التقاليد، ولا يتطلب الأمر الى جهد كبير، ويعود الى بيان
اليوم التالي من حرب تموز 2006 الذي وصف فيه المصدر المسؤول
عملية خطف الجنديين الاسرائيليين بالمغامرة، ولم يكن هذا
المصدر المسؤول سوى الأمير بندر بن سلطان الذي يعتبر الخارج
الأول على تقاليد المواربة والمداورة والصمت التي امتازت
بها السياسة الخارجية السعودية منذ عقود.
السعودية اليوم تخوض معاركها بصورة مكشوفة وجريئة تصل
الى حد الوقاحة، ولا تتردد حتى في تحمل مسؤولية ذلك ان
تطلب الأمر. في لبنان، بحسب طلال سلمان، وخلافاً لأسلوبها
التقليدي وصمتها (قد تقدمت إلى واجهة المسرح ليس فقط عبر
تسميتها المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، بل وعبر العمل
لإعادة نسج شبكة تحالفات سياسية جديدة تمهد لتبديل جدي
في المشهد السياسي الراهن...)، والهدف هو كما يراه سلمان
(إخراج «حزب الله» من الحكومة العتيدة) ويرد ذلك الى (تحالفه
الثابت مع النظام السوري إلى حد المشاركة في القتال معه،
ونيابة عنه..).
|
عسيري: عبر يديه يمرّ جزء
من المؤامرات |
لفت سلمان الى مجموعة مواقف كشفت عن تبدّل في أسلوب
تعامل السعودية مع ما يجري في المنطقة وما حولها من أحداث
بدءاً من الثورة المصرية التي أعلن الملك تأييده العلني
لها واعلان الحرب على جماعة الاخوان في بيان بمناسبة قدوم
شهر رمضان المبارك.
ينظر سلمان الى دور بندر بن سلطان الذي بات شريكاً
في القرار السعودي (لاسيما في ما خص لبنان) وليس مجرد
منفّذ بدا جلياً في أزمة الحكومة اللبنانية: سقوطها المفاجئ،
ثم التكليف من خارج التوقع، والذي كان أول من بشر به وليد
جنبلاط.
ويضيف سلمان الى ذلك الخروج على التقاليد تحرر السفير
السعودي من تحفظه في التصريحات وأبرزها تعرضه المباشر
لمواقف حزب الله وخصوصاً وهو في طريقه الى العماد عون
وكأنه يعبر عن تمنيات بأن يستكمل الأخير رحلة الخروج من
التحالف مع حزب الله.
نشير هنا الى الدور المركزي الذي يلعبه وزير الطاقة
في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل، صهر العماد ميشال
عون، والذي يعتبر مهندس العلاقة مع السعودية وقد عمل منذ
أكثر من عامين على مد جسور التواصل مع السعوديين، حتى
أنه قرر أن يجعل ذلك على حساب التفاهم مع حزب الله. وقد
قام باسيل بحركة غامضة كادت تتسبب في أزمة بين التيار
الوطني الحر وحزب الله، حين أبلغ فريق التنسيق في الحزب
للوزير باسيل قرار الحزب بالموافقة على التمديد لقائد
الجيش العماد جون قهوجي لاعتبارات محددة أبلغها الحزب
للجنرال، ولكن باسيل أخفى الأمر عن الجنرال عون، الذي
تبنى مواقف تصعيدية لافتة وأثارت شكوكاً لدى قيادة حزب
الله، وتبين في وقت لاحق أن باسيل لم يبلع عون برؤية الحزب
بهدف إحداث خلاف بين التيار والحزب واستكمال مسيرة التقارب
مع السعودية.
ولكن تبين فيما بعد أن قيادات الحزب والتيار قادرة
على استيعاب أخطاء القريب والبعيد، وبالرغم من أن باسيل
يحظى بثقة عمه العماد عون، ويعتبر حافظ سره، والأقرب الى
قلبه الا أنه تنبّه في وقت متأخر الى أن الثقة لا تمنح
بالمطلق.
على أية حال، فإن طلال سلمان يضع تصرفات السعودية في
لبنان على أنها تندرج في سياق انقلاب ترعاه بهدف فرض وصاية
كاملة على لبنان، (ولكنها وصاية سلَّم بها الجميع ثم آخذوا
بها اللبنانيين ومن أصدقائهم قبل الخصوم؟!).
لم يمض وقت طويل على الكلام عن انقلاب سعودي حتى فاقت
الضاحية الجنوبية في 9 يوليو على انفجار هزّ وسطها، ولحسن
الحظ أن الانفجار لم يسفر عن ضحايا رغم أن العبوتين المتعاقبتين
في التفجير كانتا تستهدفان إيقاع أكبر عدد من القتلى.
اعتبر المراقبون التفجير الارهابي في بئر العبد الترجمة
العملية لخطاب التصعيد على الحزب بوتيرة متواصلة، وثانياً
إسباغ بعد مذهبي غير مسبوق على الحملة ضد حزب الله، وتصوير
ما يجري على أنه صراع سني شيعي، وبدا واضحاً تساهل بعض
الأفرقاء اللبنانيين استعمال هذه اللهجة المذهبية بطريقة
طفولية ورخيصة. التلويج بخيار استدراج الخارج لضرب حزب
الله، وهذا الخارج لم يعد واحداً، أي بالأحرى ليست اسرائيل
وحدها من يراد منه التدخل بل هناك أطراف عديدة بما فيها
جبهة النصرة وتنظيمات القاعدة.
استحضر سكان الضحايا حادثة بئر العبد في 8 مارس 1985،
حين تزلزل شارع بئر العبد الرئيسي بانفجار عبوة ناسفة
استهدفت الشيخ محمد حسين فضل الله ، وقد أودى التفجير
بحياة 90 مواطناً من سكان المنطقة. بعد سنوات كشفت المصادر
اللبنانية عن الجهة المسؤولة عن التفجير، حيث نشر للمحقق
الصحافي الأميركي الشهير بوب ودوورد في كتابه (The Veil)،
الكثير من أسرار الاستخبارات المركزية في عهد وليام كايسي
بين عامي 1981 و1987. وكان من بين تلك الاسرار مجزرة بئر
العبد. حيث يروي الكاتب كيف حصلت السي أي إيه على تمويل
لعدد من عملياتها في تلك الفترة من المملكة السعودية،
وبتعليمات من الملك فهد. وكان صلة الوصل بين النظام السعودي
والاستخبارات الأميركية في ذلك الحين سفير الملك في واشنطن،
بندر بن سلطان (مدير الاستخبارات السعودية حالياً)، الذي
حوّل مبلغ 3 ملايين دولار إلى حساب مصرفي سري في سويسرا
لتمويل العملية بعد الاتفاق عليها بين الطرفين.
الكاتب جان عزيز، مدير البرامج السياسية في قناة أو
تي في، المقرّبة من التيار الوطني الحر، كتب في (الأخبار)
مقالا في 11 يوليو بعنوان (ماذا تفعل السعودية في لبنان؟)
تحدث فيه عن سلوك السعودية في بيروت، وماذا تريد من السنّة
اللبنانيين، وماذا تفعل بهم وبالآخرين في وطنهم وبوطنهم؟
لفهم دواعي السؤال، بحسب عزيز، استعراض المأزقين اللذين
دفعت الرياض ناسها إليهما في بيروت، حكومياً وبرلمانياً.
في الاول، لاحت للسعودية في اذار الماضي فرصة لتصحيح موازين
القوى بعد انفراط عقد س ـ س في ديسمبر 2011، فسارعت الى
استغلالها وجاءت بوليد جنبلاط وطلبت منه التلاعب بنجيب
ميقاتي، فاستقال المسكين على وقع وعود موفدي المختارة
وتطمينات بعبدا، ليستفيق لاحقاً خاسراً أرض طرابلس وجنة
الحكم، فاقداً أصدقاءه وغير مسترض للخصوم. بعدها تابعت
الرياض مبادرتها، ففرضت تمام سلام لتكليف الحكومة. وافقت
الثنائية الشيعية، وانفرجت معالم المشهد الحكومي. أطل
السفير السعودي عبر شاشة حزب الله، وبدا أن ربيعاً لبنانياً
يتبلور. ولكن ماذا حصل لاحقاً؟ يقول عزيز: فجأة أعطت الرياض
أوامرها: لا وجود لحزب الله في الحكومة العتيدة، ولا تمثيل
نسبياً للقوى المقبول مشاركتها فيها. والسبب بحسب عزيز
مركب؛ لا حلحلة على خط طهران الرياض، فيما الأخيرة بالغت
في تقدير تفوقها، كما أفرطت في تقويم ما اعتبرته خسارة
الفريق الآخر، فولد المأزق الحكومي. فهل يمكن تمام سلام
أن يحقق اليوم، في ظل الموازين الراهنة، ما عجز عن تحقيقه
السنيورة والحريري في ظروف أفضل؟ وخصوصاً أن فرصة أكيدة،
لكن أخيرة، تلوح الآن، في ظل التموضعات الجديدة لكل القوى
السياسية، بحيث لم يعد هناك فعلاً فريقان متقابلان، ولا
وسط مزعوم بينهما. وفي كل حال، إذا لم تتلقف السعودية
هذه الفرصة، وتسمح لفريق سلام بالتقاطها، فمن يكون الخاسر
الأكبر في استمرار شلل السرايا الكبيرة؟
يرى عزيز بأن السعودية أمام فرصة لتحقيق نجاح وقد يكون
الرهان السعودي مفهوماً، وإن غير مقبول قطعاً، في حالتين:
إذا كانت الرياض لا تزال تعتقد بسقوط بشار الأسد، بما
ينهي حزب الله لبنانياً، أو إذا كانت تعتبر أن تمايز ميشال
عون سيذهب حتى قلب الموازين. وفي الأمرين وهم مطلق.
وفي النهاية، على السعودية أن تختار اليوم بين النموذجين.
وعلى الزعامة السنية في لبنان، لبنان أولاً، أن تكون حاسمة
في خيار التلاقي، مع ميشال عون ووليد جنبلاط وحتى مع حزب
الله. إلا إذا كانوا يرون في طاولة مجدليون تجسيداً لكل
الوطن، عندها ألف مبروك!
|