الدولة الطائفية
ما لا تسمعه على ألسنة السياسيين وتقرأه في مقالات
الصحافيين ليس في عالم العرب فحسب، بل وفي العالم بأسره،
تجده في مملكة آل سعود، حيث يحاكم المواطنون سياسياً بحسب
معتقداتهم، ومن لم يكن على دين الدولة فهو في دائرة الاتهام
حكماً، وفي السياسة يصبح خصماً..
في هذه الدولة يتم تكفير غالبية الشعب، وينشأ الأبناء
في مرحلة مبكرة من الحياة الدراسية على الكراهية على قاعدة
دينية، ولا تتردد الصحف الرسمية في نشر فتاوى تكفيرية
ضد هذا المكوّن السكاني أو ذاك.
في هذه الدولة أيضاً، لا يتردد إمام المسجد وخطيب الجامع
والمحاضر، وكل هؤلاء معيّنون من قبل الدولة، عن إلقاء
خطب نارية تنضح فتنة وتحريضاً على النبذ والاقصاء والاستئصال،
ولا قانون يجرّم أفعالهم، ولا قضاء يحقق معهم فيما رموه
أو قذفوه..
في تطوّر خطير، أن عدم اعتناق مواقف السلطة الحاكمة
يبرّر الجنون الطائفي، حتى صار لزاماً على المواطن أن
يقدّم شهادة براءة ذمة لوطنيته عبر تبني سياسات الدولة،
التي تصنع غالباً من أشخاص، وليس عبر هيئات تشريعية أو
دستورية، بل هي أهواء أشخاص لا يلزمهم قانون ولا يردعهم
وازع أخلاقي أو ديني..
الكاتب والاعلامي جمال خاشقجي، المقرّب من آل سعود،
كتب مقالاً استفزازياً بعنوان (لا أريد أن أكون طائفياً..
ولكنك لا تساعدني) نشر في (الحياة) في 22 يونيو الماضي،
ووضع الموقف من النظام السوري مقياساً لمن هو طائفي وغير
طائفي، فمن ليس مع النظام السوري هو بالضرورة غير طائفي
وكل ما عداه، حتى أولئك الذين لا شأن لهم بالسياسة أو
لم يحسموا أمرهم من هذا النظام لاعتبارات لا صلة لها بالضرورة
بالدين أو الأيديولوجيا، وربما قد يكون عدم قناعة بأن
آل سعود جديرون بأن يكونوا في موقع الداعم للديمقراطية
وحقوق الانسان في سوريا، وهم الذين حاربوها في اليمن والبحرين
ويحاربونها في تونس ومصر عبر الفوضى والفتنة..على أية
حال، فإن خاشقجي استعار من العم بوش الإبن عبارته الشهيرة
(من لم يكن معنا فهو ضدنا)، في تنزيه فارط وقبيح للذات.
أدان خاشقجي ليس المكوّن الشيعي في المملكة، في إطار
حكم العموم الذي ابتلت به الأمة حين عاشت أحلك عصورها
لأنها لجأت الى العقاب الجماعي والتأثيم الجماعي لمجرد
اختلاف زوايا الرؤية.. مصيبة الخاشقجي، شأن كثير من أقلام
النظام وألسنته، أنهم يرون العالم من زاوية واحدة، وأن
من لا يجهر بموقفه الداعم لمشروع آل سعود في سوريا، فهو
مع نظام بشار الأسد، وبالتالي يستحق كل إجراء جزائي بحقه،
بما في ذلك إتهامه في وطنيته، وربما في حقه في الحياة..
رغم أن هناك قسماً كبيراً ووازناً في الامة يرفض آل سعود
وبشار معاً، ويرى أن ما أصاب الأمة من سوء ليس الا نتيجة
بقاء مثل هؤلاء، وأن خلاص الأمة يكمن في زوال الاثنين
معاً..
وحين يعتدل ميزان الرؤية يصبح القتلة أمام محكمة العدل
سواء، فمن يريد إدانة بشار على قاعدة تحقيق الحق وإقامة
العدل لا يتردد في إدانة آل سعود وما فعلوه في العراق
واليمن ولبنان وحتى سوريا عبر ارسال الانتحاريين والسيارات
المفخخة وتمويل المسلّحين الطائشين، رسل الموت المجاني
والسادي، على خلفية طائفية..
يوجّه خاشقجي اللوم لعلماء ووجهاء الشيعة في المملكة
لأنهم حسب قوله سكتوا (عما يجري في سوريا)، ولأنه ثبّت
تهمة بأنهم سكتوا رغم أن الشيخ نمر النمر، المعتقل في
السجون السعودية، له خطبة واضحة ينتقد بشدة نظام بشار
الأسد، والخطبة محفوظة في اليوتيوب بعنوان (ماذا قال الشيخ
نمر النمر عن سوريا وبشار الأسد؟) وهي تعود لخطبة الجمعة
في 5 صفر 1433هـ). ونتمنى لو أن ما قاله النمر نسمعه من
غيره، لأنه قال كلام حق في نظامي آل خليفة وآل الأسد.
كان ردّاً متوازناً ما قدّمه الكاتب توفيق السيف في
مقالته (كن طائفيا أو كن ما شئت.. لكن لا تضحي بوطنك)
المنشور في (الاقتصادية) في 25 يونيو، وقد لخّص مقالة
خاشقجي في عبارة (يا صديقي الشيعي كن معي في موقفي وإلا
سأكون ضدك)، وفي الترجمة العملية هو يريد من كل الشيعة
الوقوف ضد ايران وحزب الله، وهي جوهر المسألة، وليس (حق
الشعب السوري في صناعة مستقبله بحرية..). وهذا صحيح تماماً،
لأن ما يشغل بال خاشقجي، هو ذات الذي يشغل بال أسياده
من آل سعود، الصراع في سوريا ليس من أجل الحرية والديمقراطية..
الكاتبة بدرية البشر في تعليقها على مقالة الخاشقجي،
كتبت مقالاً بعنوان (ربما ـ أين يقودنا تبرير الطائفية؟)،
المنشور في (الحياة) في 29 يونيو الماضي، حيث وضعت كل
النقاشات التي تطغى على صفحات الصحف هو في جوهره (تقاتل
على السلطة).. وهذا يختصر بدقة متناهية جوهر الخلافات
الدائرة حول ليس الموضوع السوري فحسب، بل أكثر القضايا
الخلافية..
حمد الباهلي، كتب في صحيفة (اليوم) مقالاً بعنوان (نصف
طائفي..نصف وطني؟) في 30 يونيو الماضي، اعتبر فيه هذه
المرحلة من تاريخ البلدان العربية من أشد مراحل التصادم
الطائفي. وعلّق الباهلي على مقالات خاشقجي وردي السيف
والبدر بأنه يعكس مستوى التدهور الذي وصلت اليه النخب
الاعلامية حيث (إعادة انتاج الطائفية بلباس وطني مموّه).
|