اللعب بورقة المعارضة في سوريا
التحالف السعودي ـ الاسرائيلي حقيقة
محمد السباعي
في الحروب القذرة لا مكان للمحرّمات الإخلاقية، دع
عنك الشرعية والأمنية والسياسية، فآل سعود كما يقول العارفون
بخباياهم لا يكترثون لأي قيم دينية كانت أم أخلاقية، فالمعادلة
بالنسبة لهم تتفاوت بين حدّي النصر أو الهزيمة وما يسبق
ويعقب ذلك يعتبر ثانوياً، وكذا الحال بالنسبة للوسائل
والمقدّمات فكل ذلك يقع خارج نطاق اهتمامهم..
في سوريا، الثورة الشعبية سرقها آل سعود أخيراً، ووقع
من وقع من قادة الثورة والمفكّرين الكبار الذين لطالما
نقدوا الرجعية العربية ومشيخات النفط والعار، وبتنا اليوم
نتحدث عن حرب أهلية وحروب بالوكالة تقودها قوى اقليمية
وأخرى دولية، أما الشعب فغائب تماماً، ولا صوت له ولا
رأي ولا قرار، وحتى من يتحدثون بإسمه من قادة الثورة الافتراضيين
في الداخل والخارج تقمصوا أدوار مشبوهة، كتلك التي يضطلع
بها ال سعود والقطريون والأتراك..ولا غرابة أن يوجّه رياض
الأسعد، قائد الجيش السوري الحر، انتقادات عنيفة ضد المعارضة
السورية في الخارج ويقول بأن مكانهم السجن، وأنها تمثّل
أسوأ نموذج للمعارضة عبر التاريخ، كما جاء في تصريحات
مصوّرة له في 11 أغسطس الجاري.
لا ريب، أن الشعب السوري هو ضد المشروع الصهيوني، وضد
الاستعمار الاميركي، وضد اغتصاب فلسطين والمسجد الأقصى،
وإن كل ما يقال ويعمل باسم الشعب لا يعني بالضرورة أنه
كذلك.
أسلحة اسرائيلية دخلت الى المعارك في سوريا، ولكن لا
شأن للشعب بها، ولا تعبر عن إرادته، وإن من دفع فواتيرها
وأوصلها الى الداخل السوري هو أولى بها، ويتحمل مسؤوليتها..
الاذاعة الاسرائيلية الاولى ذكرت في 24 يوليو الماضي
أن السعودية اتفقت مع الحكومة الإسرائيلية على تمويل صفقة
لشراء أسلحة قديمة من الجيش الإسرائيلي بقيمة خمسين مليون
دولار بهدف إرسالها إلى (المعارضة المسلحة) في سورية.
ونقلت الإذاعة قول مصادر إسرائيلية مطلعة: إن هذه الأسلحة
التي تتضمن قواذف مضادة للدروع ورشاشات ومدافع وعربات
خفيفة وذخيرة وقطع غيار وأجهزة اتصالات ورؤية ليلية غير
حديثة لن توثر على الجيش الإسرائيلي في حال وقعت في أيدي
الجيش السوري أو ما سمتها الحركات الإرهابية. وقالت الإذاعة:
إن تركيا والأردن أبلغتا (إسرائيل) بموافقتهما على تمرير
هذه الأسلحة عبر أراضيهما.
نشير الى أن هذه الصفقة تأتي بعد تسلّم الأمير بندر
بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة السعودي، إدارة الملف
السوري. تجدر الاشارة الى أن بندر تربطه علاقات وثيقة
مع رئيس الاستخبارات الاسرائيلية الموساد مائير داغان.
وقد تسلّم بندر من الأميركي ملف متابعة شؤون الأزمة
في سوريا، وكتب أحمد زين الدين في (الثبات) في 25 يوليو
الماضي أن ثمة هلعاً يصيب حلف أعداء سورية، بعد أن اختفى
تماماً أي ذكر لحمدَيْ قطر، بحيث لم يعد يُعرف ما إذا
كانا في بلادهما، أو يقضيان أيامهما في إحدى الجزر البعيدة..
يضيف زين الدين، بأن ثمة نوع من العودة إلى البداية
في الحرب على سورية، وعليه أصبح الأمل الوحيد المتبقي
عند السيد الأميركي هو العودة إلى «الأمير الذهبي»، الأمير
بندر بن سلطان، الذي يبدو أنه فرض نفسه على عمه الملك
وأبنائه بقوة الإرادة والإدارة الأميركية التي يبقى أمرها
الوحيد المطاع، لأنه في الوقت الذي تصفَّى مراكز القوة
التي خلفها أبوه الأمير سلطان وأخوه الأمير خالد في وزارة
الدفاع، يتقدم هو ليكون الآمر الناهي بقوة ترؤسه المخابرات
العامة السعودية من جهة، وبسبب علاقاته البعيدة الراسخة
مع الـ”C.I.A” منذ أن زُرع سفيراً للرياض في واشنطن.
مع مطلع الألفية الثالثة، ووصول صديقه جورج بوش الابن،
تعاظم دور الأمير الأسمر الغامض، فأوحى لربيبه المتطير
في البيت الأبيض بالحرب العالمية على العراق، بحجة التنسيق
مع «القاعدة» من جهة، وبذريعة أسلحة الدمار الشامل من
جهة أخرى، وفي الوقت الذي تبين ألا أثر للثاني، كانت قوافل
«القاعدة» بمختلف الأسماء والجنسيات تدخل إلى بلاد الرافدين
مع الجحافل الأميركية، لتبدأ حرب التكفير والتهجير والقتل،
وتدمير وتقسيم العراق.
هكذا يعود الأميركي إلى أميره الأسمر وعلاقاته في الحرب
على سورية.
تفيد علاقاته بأنها متشعبة ومتعددة، وتمتد في كل الاتجاهات،
خصوصاً مع خلايا «القاعدة» القديمة ومتفرعاتها الجديدة
من «جبهة النصرة» و «لواء التوحيد» و«دولة العراق الإسلامية»،
وهلم جرا.. على أن أهميته الاستثنائية وضرورته القصوى
صارت أكثر إلحاحاً بعد معركة القصير..
هكذا، اتُّخذ قرار تلزيم السعودية والأمير الأسمر ملف
متابعة الحرب على سورية، وهذا التلزيم بمنزلة الوكالة
عن «تفليسة» الآخرين؛ كل الآخرين في حربهم على سورية..
وغايته ببساطة إمساك الرياض من قبل سيد حلف أعداء سورية
بملف متابعة الحرب على سوريا، بعد أن استهلك المعسكر الغربي
كل وسائله وأساليبه وخبراته لإسقاط الدولة السورية..
هل ستنجح مملكة الذهب الأسود حيث فشل الآخرون؟
سؤال طرحه زين الدين بحثاً عن اجاابة شافية، فهو يرى
بأن من الواضح أن الأميركي والغرب بقتفون السيرة الاستعمارية
الدائمة، ففي الوقت الذي يحاولون فيه تطوير أشكال التدخل
في سورية والمنطقة، يمارسون أوسع سياسة كذب ونفاق لم يشهد
التاريخ مثيلاً لها، إذ إنهم في الوقت الذي يدعمون كل
وسائل الإرهاب المسلَّح في سورية وفي أكثر من مكان العالم
يُصدرون قرارات ولوائح الإرهاب تزامناً مع خوض مفاوضات
سرية مع «حركة طالبان» و»القاعدة» في الدوحة.
أمام هذا، يعود السيد الأميركي إلى الأمير السعودي
الأسمر بندر بن سلطان، للاستفادة من خبرته واندفاعته وعدائه
لايران وسوريا وحزب الله وحماس. ولهذا فالأمير الذي تمرّن
على العمل السياسي في لبنان، حينما كان يأتي مفاوضاً منذ
أواسط العام 1983، بعد الاجتياح الإسرائيلي له عام 1982،
وكان من «ثمرات وساطته» تفجير بئر العبد سنة 1985 الذي
استهدف موكب الشيخ محمد حسين فضل الله، يبقى لبنان ذات
أهمية استثنائية بالنسبة إليه، بسبب تداخل الحدود اللبنانية
– السورية ليس بمعنى الجغرافيا، إنما بمعنى السياسة والأمن
والاقتصاد والاجتماع.
|