هل حقاً تمنع السعودية الحريري من العودة؟
عبدالحميد قدس
كتبت ميسم رزق، الصحافية في جريدة (الأخبار) اللبنانية
في 30 يوليو الماضي مقالة بعنوان (السعودية تمنع الحريري
من العودة)، وقالت بأن سعد الحريري ملّ المكوث طويلاً
بعيداً عن تياره، أو بالأحرى ملّ من ضيافة أسياده السعوديين،
ولو كان الأمر بيده لعاد مع أول طائرة آتية الى لبنان،
فلم يعد الخطر الأمني يحول دون رغبته في العودة، ولا أزمته
المالية تحدّ من رغبته، ولكن السعودية تريد إطالة إجازته..ولكن
لماذا؟.
تقول رزق بأن الحريري يرى بان إدارة تيار المستقبل
من خلف الحدود خلف مجدية، ولكن هذه الرؤية تتعارض مع الرؤية
السعودية حول دوره، الذي لم يحن، ولا مجال أمامه كيما
يقرر بمحض إرادته العودة الى لبنان..الحاصل حتى الآن أن
(من بيدهم الأمر) يرفضون عودته وزادوا مؤخراً عدداً من
عناصر الحراسة الشخصية، وكانت تلك رسالة له بأن «إجازتك»
لم تنته مدّتها بعد. جاءت الرسالة رداً على رغبة الحريري
في الرجوع إلى لبنان في أسرع وقت، حيث «لم يعُد يرى في
الحجج الأمنية عائقاً أمام وجوده في وادي أبو جميل». قالها
السعوديون له: «لن تعود إلى لبنان ما دامت السعودية غير
موجودة فيه».
ماذا يفهم تيار الحريري من هذه الرسالة؟ ببساطة أن
الدعم لن يصل الى هذا التيار طالما أن المملكة ليست موجودة
في لبنان. بعض المسقبليين لحظ بأن آل سعود غائبون عن لبنان
منذ شهور، بل إن حماستهم للعودة اليه تراجعت كثيراً، وتفسيرهم
في ذلك حسب رزق أن «البلد الذي لا تدفع فيه المملكة، لا
تحكمه»، أو الأصح «البلد الذي تسحب السعودية يدها من فمه،
ليس موجوداً على جدول أعمالها السياسية». ويمدّ هؤلاء
في أفق تفسير الغياب السعودي عن لبنان بالقول أن «المملكة
في مكان آخر. سوريا، مصر، أو أي بلد عربي، إلا لبنان.
ليس لأن الأخير لم يعُد يغريها سياحياً، بل لأن الثمار
السياسية باتت تُجنى من حقول أخرى». يتساءلون: «كيف يُمكن
بلداً بحجم المملكة أن يكون لبنان في قائمة أولوياته في
ظل الظروف الدقيقة التي يمُر بها، ويسمح لسفيره علي عواض
العسيري بأخذ عطلة مدّة شهرين»؟
لم يتحمل الحريري إخفاء مبررات مكوثه عند أسياده، وهي
مبررات كما يقول بعض مصادره بأنها مبنية على تقارير أمنية
وأخرى سياسية تجعل من عودته غير مجدية في هذه المرحلة،
وأنه شكى أمام وفد من أنصاره في جدة وقال لهم بأنه غير
مقتنع بالخطر الأمني المحيط به، كما لا يرى في أزمة شركته
(سعودي أوجيه) المالية، التي لن تحل، سبباً في البقاء
مدة أطول بعيداً عن جمهوره. ولكن أسياده السعوديين يريدونه
البقاء. وحقيقة الأمر، أن سعد الحريري ليس أكثر من مجرد
ورقة يلعب بها آل سعود ويستخدمونها في الوقت المناسب،
وهم يقررون هذا الوقت وليس هو.
الاسئلة التي كانت تتصاعد داخل تيار المستقبل عن سبب
غياب الافطارات الرمضانية التي عادة ما كانت مناسبة للقاء
«الزعيم» بجمهوره منذ أيام الحريري الأب، إلى أن تخلّى
عنها الإبن قبل سنتين توقفت بعد أن اختار سعد يوماً مناسباً
لمائدة الافطار، وهو اليوم الذي يلقي فيه حسن نصر الله،
امين عام حزب الله، خطبته في يوم القدس العالمي. في هذا
الإفطار أطل سعد الحريري على جمهوره، وكان متعطّشاً للقائه
كنوبات العطش التي كانت تنتابه خلال كلمته اللاهبة!. أطلّ
الحريري الابن عبر شاشة من جدة الى جمهوره في ست مناطق
في الشمال والجنوب والوسط والبقاع، ولم يجد موضوعاً يتحدث
عنه سوى الهجوم على خصمه السياسي حزب الله. كانت كلمة
مكتوبة حتى في الفقرات المخصصة للكلام باللهجة اللبنانية
كانت مكتوبة على الشاشة التي كان يلقي منها، بما في ذلك
الآه والتأوّه والتنهيد..بكلام آخر لم يوفّر كاتب الكلمة
أي تفصيل يمكن أن يحتاجه الحريري الإبن في كلمته إلا زوّده
به، ولو كان بإمكانه أن يضع لساناً آخر غير لسانه لفعل،
حفاظاً على رمزية الزعيم والصورة الافتراضية والمطلوبة
التي يرغب فريق مستشاريه ان يظهر فيه.
لم يلتزم الحريري الإبن حرفياً بنصائح هاني حمود وباسم
السبع وغطّاس خوري ولكنه فعل أقصى ما يمكن للخروج بمظهر
يليق بتيار يريد قيادته، وعين فؤاد السنيورة تلاحقه بغيرة
لا يقدر على إخفائها، فيما تبدي عمّته بهية الحريري سروراً
ماكراً وهي ترمق إبن أخيها يغرّد في خطبته هجوماً على
حزب الله، الذي اقتنص فرصة ذهبية أغاضت السعوديين قبل
المستقبليين في قطف ثمار مواجهة غبية خاضها الشيخ الأسير
مع الجيش اللبناني..
وبخلاف التوقعات بما في ذلك المصادر النيابية التي
رجعت اليها رزق، لم يكن (خطاب الحريري تصالحياً) على الإطلاق،
بل إن الخطاب يقدّم دليلاً وحيداً على أن الرجل فارغ من
أي مشروع سياسي أو حتى من مبادرة سياسية جديّة. لهجته
الحادّة ضد حزب الله كانت رسالة بأن خيار العودة بالنسبة
له مؤجّل، وتأكد ذلك حين قطع الطريق على فكرة قبول 8 آذار
بعودته رئيساً للحكومة، الأمر الذي يعني رفض أي مبادرة
تصالحية. المبادرة الطفولية التي أطلقها في الخطبة بعزل
تياره وحزب الله عن الحكومة، لم تتسم بالحد الأدنى من
الذكاء، وليس بهكذا مقاربات تحل أزمة الحكومة، خصوصاً
وأنها تلتقي مع رغبة سعودية وأخرى غربية، فلم يكن ثمة
حاجة الى طرح مثل هذه المبادرات غير المسؤولة وغير الراشدة.
خالف الحريري الابن كل توقعات جمهوره وجمهور خصومه
وحتى المواكبين من الاعلاميين لنشاطه، فمن يحصد قطاف خطابه
الرمضاني يجده حشفاً وأبخس وزناً.. فلا عودته قريبة، ولا
خطابه تصالحي، ولا مبادرته استثنائية. كل ما في الأمر
أنه أراد التواصل مع جمهوره، الذي (اشتاق اليه ومكتر)
بالتعبير اللبناني.
|