محاولة امتصاص الغضب الشعبي بتأجيج الطائفية
التحريض في «مملكة الكراهية»
توفيق العباد
بعد فشلها السياسي وتناقص نفوذها السياسي في الخارج،
وبغية تحصين ذاتها من الاصلاحات والتغيير في الداخل، ومن
أجل تعكير الأجواء على الخصوم، واشعال الفتن بين شرائح
المجتمع، وجدت العائلة المالكة ـ وبحسب تجربتها الطويلة
ـ ان استخدام الخطاب الطائفي والمذهبي يحقق لها كل تلك
الغايات. فالدولة السعودية منذ تأسيسها دولة متمذهبة،
وهي تستخدم الوهابية في اضافة نفوذ سياسي، او محاربة الخصم
وتكفيره وقتله، او لحرف الانظار عن تقديم تنازلات مطلوبة
شعبياً في ميدان السياسة وغيرها.
المملكة الوهابية هي مركز التحريض والتمويل، ومشايخها
هم أساسه. والتحريض لا يشمل فئة مذهبية بعينها، كالشيعة
فقط، وانما كل المسلمين.. فهؤلاء جميعاً ديانتهم فيها
خلل، وفقط اصحاب الدماء الزرقاء من أتباع الوهابية على
الدين الصحيح ويمثلون الفرقة الناجية. لا الأشاعرة وهم
أكثر المسلمين، ولا الصوفية التي يفوق عدد اتباعها اتباع
الوهابية بمئات الأضعاف، ولا غيرهم يعتبرون بنظر الوهابية
والنظام السعودي الحامي لهم مسلمين حق الإسلام. ويرى النظام
السعودي أن الطائفية سلاح سياسي يستخدمه ضد الآخر حتى
وإن كان على حساب النسيج الاجتماعي الداخلي، فآل سعود
يعتقدون بأن تمزيق المجتمع وافتعال المعارك الداخلية يمنع
توحدهم ضد استبدادهم وتسلطهم، سيما اذا اخذنا بعين الإعتبار
ان الوهابية وبعد قرنين ونصف من ظهورها لاتزال تمثل اقليّة
في السعودية نفسها، ولكنها أقلية حاكمة متحكمة يعضدها
عائلة فاسدة مستبدة.
|
خالد العلكمي |
في سياق حملة التحريض على الكراهية وإثارة النزعات
الطائفية، طالب المهندس خالد العلكمي، الخبير الاقتصادي
وأحد المسؤولين في البنك السعودي الفرنسي، والمقرب من
السلطات الأمنية، باستخدام الطائرات بدون طيار في قصف
القطيف بحجة القضاء على الإرهاب والحفاظ على الأمن؛ وهي
ذات الطائرات التي ندد باستخدامها في اليمن.
وتشهد القطيف حركة معارضة واحتجاجات وتظاهرات سلمية
متواصلة منذ فبراير ٢٠١١، أدت الى استشهاد نحو ثمانية
عشر مواطناً قتلوا بالرصاص الحكومي، فيما جرح العشرات،
واعتقل المئات وصدرت بحقهم أحكام قاسية طويلة المدى.
هذا وقد أثارت مطالبات العلكمي باستخدام المزيد من
العنف ضد معارضي النظام السلميين، المواطنين والناشطين
والمهتمين بالشأن العام من صحافيين وغيرهم، فعبروا عن
امتعاضهم وتنديدهم بما قاله، واعتبروه جزءً من الحملة
الرسمية العنفية ضد المطالبين بالإصلاح السياسي وإيقاف
التمييز الطائفي وإرساء أُسس العدالة الإجتماعية.
فقد علّق الكاتب والصحافي في جريدة المدينة، أنس زاهد،
عن مشاعر التقزز من الطائفيين، فيما قال طه الحاجي، رئيس
مركز عدالة لحقوق الإنسان بأن العلكمي يحرض باسم الوطنية
ويشعل الفتنة بإسم التعايش، ورأت الحقوقية نسيمة السادة
بأن الإيجابية في تصريحات العلكمي هي خروج مواطنين يحاربونها.
أما الناشط الحقوقي وليد سليس، فتساءل: اين هي الحكومة؟
واتهم العلكمي بالتحريض بشكل جلي على إسالة الدماء والقتل.
كما وظهرت أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمحاكمة
العلكمي لإثارة الفتنة الطائفية والإستهانة بالإنسانية.
ولما كانت الحكومة السعودية قد أصمت أذنها عن الدعوات
المتكررة لتجريم الطائفية، وسكتت عن فتاوى كبار مشايخ
السلفية في تكفير الاخرين، من منابر رسمية فإن الناشط
السياسي حمزة الشاخوري رأى أن جذر المشكلة والفتنة في
النظام السياسي، واعتبر صمت السلطات السعودية عن دعوات
القتل جريمة.
وكانت البروفيسورة، في كنغز كوليدج بلندن، مضاوي الرشيد
قد قالت بأن السلطات تحاول عزل الحراك الشيعي عن القضايا
الحقوقية المدنية والسياسية، من أجل زيادة النظام الحشد
ضده على خلفية طائفية، وبحيث تصبح القطيف بؤرة تمتص الغضب
الشعبي على النظام. ورأت أن هناك بعض الإصلاحيين يترددون
في الدفاع عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون الشيعة
خشية أن يدخلوا في مواجهة مباشرة مع تيارات طائفية متشنجة
أفرزها النظام ذاته.
حملة رسمية مضادّة
وكما يفعل الشعب في التعبير عن رأيه على مواقع التواصل
الاجتماعي، كذلك الحكومة السعودية تفعل، فهي لا تكتفي
بما لديها من اعلام ورقي ولا رقمي ولا فضائي، بل لا بدّ
من دخول العالم الإفتراضي أيضاً، وهناك جيش من المخبرين
من الجنسين، يراقبون ويشاجرون ويصارعون المخالفين للنظام،
ويسميهم المغردون بـ (الدبابيس) أو (البيض).
هؤلاء اقترحوا وسماً (هاشتاق) بعيد كلمة للملك عبدالله
قبل نحو شهر، تعرّض فيها بدون ذكر الإسم للإخوان المسلمين،
اعتبر فيها معارضيه من المتطرفين والمحرضين على الفتنة
الذين يجب إيقافهم، ومن هنا ولد هذا الهاشتاق.
لكن من هم دعاة الفتنة هؤلاء؟ هل هم الفقراء والمساكين
أم الوزراء والمسؤولين؟ وما هو تعريف الفتنة؟ مغردة تقول
بأن تعريف الفتنة بالمفهوم السعودي هو: (كل ما يُغضب ولاة
الأمر، ويستفزّ كبرياءهم، ويخدش كرامتهم المقدسة). ورأت
أخرى بأنها الطبقية والفقر والبطالة والفساد الذي نعيشه.
أما التحريض فإن الفقر أول محرض ومهدد للأمن والإستقرار،
كما يرى البعض. فعندما أطلب حقاً من حقوقي ـ يقول
رشيد الزيد ـ أو أرفض الفقر، وعندما أرفض تقسيم المجتمع
الى أغنياء وفقراء، فهل أنا أحرض على الفتنة؟
نعم تكون حينها قد حرّضت على الفتنة، حسب مفتي البيت
الأبيض، فمطالبتك بحقك او رفضك للفساد يجعلك عدواً للوطن.
وينبهنا الصحفي خالد الناصر بأن دعاة الفتنة هم الذين
يستغلون مناصبهم ونفوذهم بالسرقة وإفساد البلد، وإفقار
الناس، في حين ان شذى الجبر تقول بأن المجرم والمغتصب
لحقوق المواطنين هو الذي يعدّ مطالبة المواطنين بحقوقهم
(فتنة وتحريضاً). إن ما يفعله بعض المسؤولين من فسادوتعطيل
مشاريع، أكبر فتنة، كما يقول محمد الصالح.
لكن الدبابيس لهم رأي مختلف. فالمحرضون على الفتنة
هم الشيعة والإخوان المسلمون والقاعدة والمعارضون السياسيون
والناشطون الحقوقيون، أي كل من له صوت مختلف. ولذا يدعو
عليهم مطبل حكومي فيقول:(نسأل الله أن يشلّ يد كلّ متطاول
على بلادنا وحكومتنا وملكنا. نحن رهن اشارته)!
أحمد المحرزي، اماراتي وجد نفسه في الهاشتاق موجهاً
الى جانب البيض: (نريد وطناً عربياً خالياً من الروافض
وأتباع ايران ومن اولئك التكفيريين والفكر الاخونجي ودعاة
الضلال). وزاد: (أول شيء إمسكوا رؤوس الأفعى من الإخوان
المسلمون والتكفيريين واقطعوا عليهم اجتماعاتهم السرية).
بالطبع مثلما فعلت حكومة الإمارات. لا يعلم المحرزي ان
جماعتنا أشطر وأقسى في هذا الشأن!
صحيفة عكاظ قالت ان دعاة الفتنة هم من يتحدثون من خلف
الكيبورد في الإنترنت. وصاحب العقيدة الصافية يرى ان اصحاب
الفتنة يمثلهم الشيخ سلمان العودة لأنه يجالس أهل البدع
والزندقة والفساد، بعكس ولي الأمر الذي يجالس المؤمنين
في البيت الأبيض!
الصراع مع الظالم لكف ظلمه يصبح صراعاً لحماية الوطن.
او كما يقول الشيخ عبدالعزيز الطريفي بأن موسى دعا فرعون
لاتباع عقيدة الحق وترك البغي، ولكن فرعون جعلها صراعاً
مع الوطن (أجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يا موسى). المهم
هو طاعة ولي الأمر، فهي من طاعة الله، فمن عصى آل سعود
فقد عصى رسول الله، ومن عصى الرسول عصى الله!
(الا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين).
|