حين لا يكون عنف الدولة مفيدا
ميزة عنف الدولة أنه عنف (مشروع) ضمن حدود. حين يتخطاها يصبح عنفاً
غير مشروع، ويتساوى من حيث النتيجة والإدانة بعنف المعارضين. التوسع
في العنف خطر على الدولة وعلى النظام، فهو ينتقض المشروعية ويوسع رقعة
السخط ويزيد أحياناً من التعاطف مع الضحايا خاصة إذا ما فقد التبريرات
المنطقية أو إذا ما أصاب الأبرياء في مواجهة غير متكافئة.
وميزة العنف أيضاً أنه وسيلة (ردع) وحين يتم التوسّع في استخدامه،
يخرج عن هدفه الردعي الى هدف استئصالي شمولي، فإنه مؤشر الى أن الدولة
أو النظام السياسي او كليهما يمرّان بمعركة حياة أو موت، وهو ما قد يحدث
في الفترة القادمة في المملكة، في ظل تصاعد عمليات العنف والتفجير وربما
تتوسع الى الإغتيال ومهاجمة المسؤولين وأمراء العائلة المالكة.
بين الهدف الردعي والهدف الشمولي الإستئصالي تتوسع دائر العنف الرسمي
والعنف المضادّ، ويصبح الطرفان بنظر الجمهور في حال متساوية، أي أنه
يسحب شرعية عنف الدولة (المحدد) كجزء من فعل سيادي، الى عنف أشخاص يتحكمون
بالدولة ضد معارضيهم.
إمكانية انزلاق العنف الحكومي ليشمل كل ممارسي الفعل السياسي السلمي أمرٌ ممكن بل ومتوقع جداً. ولكن العنف وبمجرد أن يخرج عن دائرة الردع، الى الشمول، يصبح غير رادعاً رغم أنه يصبح أكثر تركيزاً وإيلاماً وخروجاً عن القانون. شمولية العنف تفقده صفة الردعية، وبالتالي تكون فائدته محدودة، وتتحول الحرب الى مذابح استئصالية حسب التعريفات المتداولة دولياً.
والمملكة التي تقدم رجلاً بعد أخرى نحو الإصطدام العنيف مع كل شرائح شعبها، وليس دعاة وممارسي العنف فحسب، يجدر بالعائلة المالكة التي تهدد بسيف مؤسسها الأملح، وتنذر شعبها بالسلاح والسيف بدل الحوار، وتكتم الأنفاس وتقطع الأرزاق وتمنع من السفر الى غير ذلك.. يجدر بها أن تعلم أن هذه الممارسات لم تعد مقبولة في هذا الظرف، وإذا كانت هذه السياسة رادعة في زمن مضى فهي اليوم تصبح أداة تحريض أكثر على النظام. أما إذا أضافت الى ذلك المزيد من العنف والقسوة وهي تفعل بصورة متصاعدة منذ نحو عامين أو أكثر، فإنها بحاجة الى أن تدرك التالي:
الأمر الأول، العنف الحكومي لن يكون مفيداً كثيراً إذا ما كانت أجهزة الدولة غير مفعّلة وتميل الى التفكك. لا يمكن للعنف أن يأتي بخير إذا كانت أجهزة الدولة تسير باتجاه عكسي في غير صالح المواطن. لقد مارس آل سعود العنف المحدد بفئات ومناطق فترة طويلة من الزمن، وكان المؤشر الإقتصادي للدولة في ارتفاع. أما اليوم فإن أسوء ما يمكن للحكومة أن تقوم به هو المزيد من العنف. إنه التداوي بالداء. والسبب بسيط وهو أن الأجواء المحلية والخارجية غير مهيئة لتحمّل المزيد من الضغط الرسمي، إذ يكفي المواطنين ما هم فيه من مشاكل. يجب أن تكون هناك على الأقل جزرة تقدم للمواطنين، في مقابل القمع للمعارضين! او في مقابل اصطفاف المواطنين مع الحكومة ضد المتطرفين والعنفيين!
الأمر الآخر هو أن العنف الحكومي يأتي في مناخ دولي يرفض انتهاكات حقوق الإنسان، والحكومة السعودية اليوم تتعرض لحملة واسعة من النقد بسبب إمعانها في الإنتهاكات لحقوق مواطنيها الأولية وحرمانهم من حقوقهم المدنيّة. ولذلك فإن ثمن العنف الحكومي هو المزيد من سوء السمعة التي تجرّ الى المزيد من الضغوط الخارجية.
الأمر الآخر هو أن العنف الحكومي يأتي في مناخ دولي يرفض انتهاكات حقوق الإنسان، والحكومة السعودية اليوم تتعرض لحملة واسعة من النقد بسبب إمعانها في الإنتهاكات لحقوق مواطنيها الأولية وحرمانهم من حقوقهم المدنيّة. ولذلك فإن ثمن العنف الحكومي هو المزيد من سوء السمعة التي تجرّ الى المزيد من الضغوط الخارجية.
العنف بلا خيارات سياسية أخرى مفتوحة يفقد قيمته. إنه يستدعي المزيد من العنف بلا أفق للنهاية وبلا مقدرة على التراجع وبلا إمكانية لتجربة حلول فجّة غير مدروسة. عنف السلطة ضد ممارسي العنف مقبول ضمن حدود القانون، وقد تجاوزت العائلة المالكة حدود القانون في أكثر من موضع، بل تجاوزت قانون السماء بأن لا تزر وازرة وزر أخرى، ووصلت بأذاها الى أهالي المتهمين واعتقلت نساءهم وأقرباءهم.
في ذات الوقت فإن العائلة المالكة التي تواجه العنف لم تخفف من قبضتها ضد ممارسي العمل السياسي السلمي ولم تقبل بدفع الخطوط الحمراء بالنسبة للصحافة المحلية الا قليلاً وعلى كره. وحتى هذا الهامش قابل للنقض والتراجع لأنه لا يستند إلا الى الحالة الظرفيّة، وليس على قوانين مكتوبة، بل أن تلك القوانين أو لنقل الأوامر والتعميمات في تضادّ شديد مع الحريات العامة.
العائلة المالكة محاصرة بالسخط والغضب والأحقاد. إنها عائلة تعيش عالمها الخاص بها دون أن تفهم ما يجري حولها. فهي مأخوذة بأن يدها الحديدية قوية وتصل الى الجميع. لم يبق أحدٌ من الأمراء لم يهدد المرة تلو الأخرى خلال الأسابيع الماضية بالمزيد من القمع، ابتداءاً بالملك المقعد، وانتهاءً بالأمراء الصغار، مروراً بولي العهد ووزير الدفاع ووزير الداخلية وسلمان امير الرياض وغيرهم، هذا عدا أمراء المناطق والمشايخ الرسميين والكتاب السلطويين. الجميع يعزف نغمة الإستئصال والقوة وغير ذلك. وهذا مؤشر نهاية الأمن والسلام في المملكة، وبدء مرحلة أشد وأسوء من سابقاتها.
الحكومة العاقلة هي التي لا تعتمد العنف كحل وحيد.
والحكومة العاقلة هي التي تستخدمه ضمن حدوده الدنيا.
والحكومة العاقلة هي التي تستخدمه بملاحظة الظروف الشعبية السياسية والإقتصادية والنفسية.
والحكومة العاقلة هي بكل تأكيد ليست الحكومة السعودية.
لو كانت كذلك لما وصلنا الى هذا المأزق.
|