من يدفع فاتورة الدم؟
السعودية: الدولة المسعّرة للحرب!
محمد قستي
لا تستطيع إقناع الحكومة السعودية برأي الشاعر الجاهلي
زهير بن أبي سلمى:
وما الحربُ إلاّ ما علمتُمْ وذُقتُمُ
وما هو عنها بالحديث المرجّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
وتضرى إذا ضرّيتموها فتضرمِ
فتعرككمْ عَرْكَ الرّحى بثفالها
وتلقَحُ كشافاً ثم تحملْ
فتتئمِ
|
الرياض كانت متحمّسة للحرب الأميركية على سوريا، بل
كانت ولاتزال ـ ربما ـ أكثر المتحمسّين لها، والمحرضين
عليها، والمبدين استعداداً لتمويلها.. لا رغبةً في ديمقراطية
سورية؛ ولا عطفاً على شعبٍ عربي يعاني ويلات الحرب الأهلية
ويتعرض للسلاح الكيماوي؛ ولكن ـ كما يقول السوريون ـ لتوقهم
استعادة نفوذهم السياسي في المنطقة والذي تبخّر أكثره
في العقدين الأخيرين.
السعودية ليست دولة حرب، وإذا ما خاضتها فبأموالها
فحسب.
وصْفُ المواطنين للجيش السعودي بأنه (جيش الكبسة) صحيح.
فهذا الجيش رغم ما يصرف عليه من مليارات تأكل نحو ثلث
ميزانية الدولة، إلا أنه غير مؤهّل لخوض أية حرب حتى مع
دول جوار صغيرة، والسعودية لم تخض حرباً طيلة السنوات
الماضية، بل أرادتها حرباً في ديار الآخر، عبر المؤامرات،
واشعال الفتن، وتمويلها مالياً فحسب، دون دفع فاتورة الدم.
الحرب الحقيقية الصغيرة الوحيدة التي خاضتها كانت مع
الحوثيين قبل نحو أربع سنوات، وقد خسرتها أمام مرأى ومسمع
العالم، وبدلاً من أن تبعد الحوثيين ـ حسب عنتريات نائب
وزير الدفاع السابق خالد بن سلطان ـ عشرات الكيلومترات
الى ما وراء الحدود بين البلدين، قامت السعودية بالفعل
نفسه وبقي الحوثيون مكانهم، حيث تم تهجير مئات الألوف
من المواطنين عن مئات من القرى الحدودية بحجة الحرب، ولم
يعودوا حتى اليوم.
لأنها لم تخضْ حرباً حقيقية، فإنها ركّزت على عنصر
التآمر واشعال الفتن وتمويل الحروب. هذا ما فعلته في الحرب
العراقية الإيرانية، وفي الحرب على العراق واحتلاله، وكذلك
في الحرب على أفغانستان، وأعلنت استعدادها للمشاركة (المالية
فحسب) في الحرب على ايران كما تحكي ذلك وثائق ويكيليكس؛
وهي الآن تدفع باتجاه الحرب على سوريا، ودفع المليارات
للندن وبالذات باريس، رشوةً، من أجل الدفع باتجاهها والاستعداد
لدفع عشرات المليارات الأخرى لتمويل ماكنتها.
التحريض كان حتى لإسرائيل لضرب المفاعلات والمؤسسات
النووية الإيرانية، ولكن التفت الصهاينة لذلك وأعلن ناتنياهو
قبل عامين بأن بلاده لن تخوض الحرب بالنيابة عن أحد، في
إشارة الى السعودية.
هو القتال بالمال إذن، وليس بالدم، بالنسبة لبلد لم
يخض حرباً فيعرف طعمها، وويلاتها، اللهم إلا حروب القاعدة
والتكفيريين الذين تصدّرهم للخارج، ولا يخشى امراء آل
سعود من تمنّي قتلهم في حروب الخارج لمصلحتهم السياسية،
فهذه هي المساهمة التي يمكن ان تقدمها السعودية، وهي تفعلها
كما في سوريا نفسها، حيث استطاعت القوى التكفيرية القاعدية
أن تتصدر مشهد الحرب والمعارضة، ما مكّن الرياض ان تمسك
بزمام المعارضة السورية، ولتهمّش الدور القطري والتركي
الى حد كبير.
لا يعتقد الأمراء السعوديون، بأن حرباً أميركية غربية
اسرائيلية على سوريا، مدعومة بأموال النفط يمكن أن يكون
لها أثرٌ سلبي على دولتهم.
لا يخيفهم كثيراً أن تعركهم الحرب عرك الرحى، إذ يبدو
أن الرياض تخلّصت من بعض مخاوفها، أو أن حساباتها العسكرية
عمياء خرقاء، أو أن حسّ المغامرة لمنْ هم في القيادة اليوم،
خاصة الأمير بندر ـ رئيس الإستخبارات، قد تصاعد الى حدّ
المقامرة.
وكيف لا تُقامر الرياض في الحروب، وهي قد سَلِمَتْ
منها جميعاً، فكل الحروب التي قامت في المنطقة منذ عقود،
وكان للرياض حضور بارز فيها، لم تنعكس سلباً عليها، اللهم
إلا من جهة التمويل.. وغالباً فإن المال وفير لتمويل المؤامرات.
ربما حرب تحرير الكويت هي الوحيدة التي أزعجت الرياض مالياً،
لأنها كانت تعاني من شحّ الموارد بسبب انخفاض أسعار النفط
حينها، ولكنها في المقابل تخلّصت من مئات المليارات من
الدين الداخلي، بسبب ارتفاع أسعار النفط إثر تلك الحرب!
هذه الحرب الجديدة لمَ ستكون مختلفة، يتساءل الأمراء
السعوديون؟
انها حربٌ في ملعب الخصم، والخصم بعيدٌ نسبياً، وهو
غير قادر ـ الحديث هنا عن سوريا ـ على الإيذاء، وكل ما
لديه هو الصواريخ إن أراد الانتقام، ولكن الصورايخ نفسها،
يوجد لها علاج بنظر الامراء، حيث تمّ تركيب العديد من
بطاريات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ عند حقول النفط.
فضلاً عن هذا فإن الحليف الأمريكي وعد التكفّل بحماية
النظام من التهديدات الخارجية، كما أن هناك استعداداً
شعبياً ولو بشكل نسبي لمهاجمة النظام السوري، في ظلّ حمأة
طائفية، وليكن الشعار كما يروّج له الآن: (الدفاع عن السنّة)!
صحيح ان المنطقة تحترق، وتعيش اضطراباً غير مسبوق حتى
بمقاييس الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالعراق
وسوريا وتركيا ومصر واليمن والبحرين وتونس وليبيا وحتى
السودان والصومال، وغيرها، تعيش اوضاعاً مضطربة وتحولات
غير مسبوقة وكلّها جاءت في وقت واحد. لكن.. لمَ لا تشعر
الرياض بالقلق من انتقال الفتن التي تؤجهها الى داخلها؟
المسؤولون السوريون يتحدثون عن عمى استراتيجي سعودي،
ويقولون ان سببه الحقد، الذي تضيع معه الحسابات البديهية.
الحرب بالنسبة للسعودية ليست حرباً على النظام في سوريا.
فالأمراء لا يبحثون عن عقاب محدود على استخدام الأسلحة
الكيماوية كما كانت تقول واشنطن قبل اتفاق كيري ـ لافروف؛
بل أنهم ـ والى جانبهم المسؤولين الصهاينة ـ يريدونها
حرباً (متدحرجة) تبدأ بحجة الكيماوي، ومن ثمّ إسقاط النظام
في دمشق، ثم يأتي الدور على العراق وحزب الله في لبنان،
بحيث لا تتوقف الحرب إلا عند غايتها النهائية التي يتمنونها،
وهي حرب أمريكية ضد إيران، تسقط النظام فيها، أو تشعل
في ربوعها حرباً أهلية إن كان ذلك ممكناً.
الرياض كما تل أبيب تريدان من واشنطن القيام بالأعمال
القذرة أو الحروب القذرة نيابة عنهما. فأمريكا تدفع فاتورة
الدم، والرياض وشقيقاتها تدفع فاتورة السلاح.
بهذا التبسيط السعودي يمكن أن يخرج كل الحلفاء للغرب
راضين مرضيين!
واشنطن وحدها اكثر ادراكاً بتعقيدات الحرب، والأكثر
استشعاراً بمرارتها وخسارتها وهي لاتزال تدفع ثمناً لها
في العراق وافغانستان، ولذا فهي أكثر حذراً تجاه عدم انتشارها
الى السعودية أو اسرائيل. أية حرب مع سوريا، ستكون احتمالات
المشاركة الإيرانية المباشرة فيها كبيرة.
في هذه الحالة، أين ستضرب إيران؟ اليس شرق السعودية
حيث حقول النفط ومنشآته؟ هل أخذت الرياض ضمانة من واشنطن
بأن الحرب لن تصيبها بأيّ من شررها؟ وفي هذه الحالة ما
هو وقع الحرب على الإقتصاد السعودي واقتصاديات المنطقة
بل والعالم؟ الرئيس الأمريكي عقد جلستين مع خبراء في شؤون
النفط ليقيّم ما إذا كانت أسعار النفط سترتفع في حال جاءت
الضربة لسوريا، أما السعودية فكفاها الله عناء التفكير
فهناك من يفكّر عنها، واكتفت هي ومؤسستها الدينية بـ (التكفير)!
السعودية اليوم ـ ومرة أخرى معها اسرائيل ـ مستاءة
من أن طبول الحرب قد خفتت، فالأحلام السعودية باستعادة
المكانة والنفوذ، ومعاقبة الخصوم الى حدّ الإلغاء، يمكن
أن تتبخّر؛ لكن الرياض لن تعدم وسيلة لإثارة الفتنة من
جديد، وإيجاد أي وسائل لإعادة الإعتبار بضرورة شن حرب
على النظام السوري، رغم أن الرأي العام العربي الرسمي
والشعبي ليس مع الحرب، وهذا ما أوضحه اجتماع وزراء خارجية
العرب الأخير في القاهرة، واصرار مصر على معارضتها لأي
حرب ضد سوريا، فاكتفى ذلك الإجتماع بإدانة النظام دون
توفير غطاء الحرب كما اراد سعود الفيصل.
لا تريد السعودية حلاً سياسياً للأزمة السورية على
قاعدة أنه يستحيل على المعارضة والنظام إلغاء الآخر؛ وهي
قد عملت على إفشال جنيف ٢، بل أن بندر بن سلطان قال للرئيس
الروسي في زيارته الأخيرة لموسكو بأن جنيف ٢ مات. لكن
الآن يمكن لجنيف ٢ ان يحيا من جديد، فالسعودية مهما بالغت
في دورها تظلّ مجرد راكب في مقطورة غربية، قيادتها الحقيقية
بيد أوباما، أي أنها ليست بلداً مقرراً للحرب والسلم،
ولكنها تؤثر بنسبة ما في صناعة قرار الحرب والسلام.
مرة أخرى، فإن السعودية تريد أن تحقق من خلال البوابة
السورية كل طموحاتها وآمالها ومصالحها السياسية. وإيقاف
الحرب، والقبول بحلول وسطى، يعني أنها ستخرج من المولد
بلا حمّص!
بالنسبة للرياض فإن الحرب في سوريا فرصة لا تعوّض،
أو هكذا تتوهّم، ولكنها إن وقعت قد تكون أكبر الخاسرين.
إذ قد مضى زمن الانتصارات الأمريكية السهلة، ونظن أنه
ـ إذا ما وقعت الحرب في سوريا ـ فسيكون قد مضى الزمن الذي
لا تدفع فيه الرياض فاتورة الدم الى جانب فاتورة المال.
|