بندر الكيماوي
يحي مفتي
هي ليست تسميتنا له، فرئيس الإستخبارات الأمير بندر،
الذي يعدّ من صقور العائلة المالكة، يتمتع بالعديد من
الأسماء والألقاب، ولكن الجناح النجدي المتشدد في الحُكم
يعتقد بأن على يدي هذا الأمير ستستعيد مملكة نجد السعودية
عزّتها ومكانتها، لما تعلم من صفات الخشونة والتآمر التي
يتمتع بها.
الهوس النجدي، والذي يمثله مجموعة كبيرة ممن يزعمون
الليبرالية، لا يهمهم أن يأتي أحد من العائلة المالكة
فينقل الشعب من وضعه السياسي المزري الى آفاق الإصلاح
بجوانبه المختلفة؛ ولا هم يهتمون بمنجز سيحققه بندر على
صعيد قضايا العرب والمسلمين في فلسطين وغيرها؛ ولا هو
بالرجل الذي يتمتع بمواصفات (الوسيط) الذي يداوي الجروح،
فبندر في الأساس جاء لضرب هذه السياسة، واعتماد سياسة
المواجهة مع الخصوم من العرب والعجم.
بندر الذي يعجب به صاحب إيلاف، ومدير العربية، ورئيس
تحرير الشرق الأوسط وأضرابهم، محبوب لأنه خشنٌ في المواجهة..
وليت تلك الخشونة مسنودة بعضلات ذاتية، أو أنها موجّهة
لأحد ممن نعرفه من أعداء العرب والمسلمين.
بندر ـ كما يقول محبّوه ـ شاطرٌ في عقد الصفقات السرية،
وتمويل الأنشطة الإستخبارية بالتنسيق مع الغرب، وفهلوي
في حياكة المؤامرات.
متفجرة بئر العبد عام ١٩٨٣، التي كشف بوب وود ورد في
كتابه: الحجاب، عن ان بندر كان ممولها، وهي التي أودت
بحياة العشرات من الأبرياء بغية قتل محمد حسين فضل؟
تمويل الكونترا وهم مرتزقة في امريكا اللاتينية للإطاحة
بالحكومة النيكاراغوية التي كانت للتو قد أطاحت برجل الغرب
سوموزا في عهد ريغان بداية الثمانينيات؟
صفقة صواريخ مع الصين منتصف الثمانينيات الماضية، والتي
بقيت كحديد خردة؟
تمويل أحزاب اليمين في اوروبا (فرنسا وإيطاليا) للتخلص
من الاشتراكيين والشيوعيين؟
وقبلها ايجاد مخارج لصفقة طائرات الأواكس، بحيث يتم
بيعها للسعودية مقابل تسليم نسخة من المعلومات لإسرائيل
بعد تمرير الصفقة في الكونغرس، ولتصبح تلك الطائرات عمياء
فلا ترى الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف مفاعل تموز العراقي،
وليبقى عملها الأساس في جبهة الحرب العراقية الإيرانية،
بحيث تصل لصدام آخر المعلومات؟
ماذا نعدد من فضائل بندر أكثر؟
التضليل في أحداث ١١ سبتمبر، والتعمية على تمويل القاعدة
من قبل رئيس الاستخبارات تركي الفيصل؟
تحريض اسرائيل على قصف جنوب لبنان وتصفية حزب الله
اثناء حرب تموز، ولقائه رئيس الموساد داغان عدّة مرات
للتنسيق، سواء كان في الأردن او في اوروبا؟
تمويل جند الشام في مخيم نهر البارد بلبنان لينقضوا
على حزب الله، فإذا بالأمر ينكشف بعد تأخر دفع الرواتب،
فيحدث اقتتال داخلي ويتدخل الجيش في حرب ضروس، ويقتل سعوديون
ولازال بعضهم معتقلاً حتى الآن؟
تمويل دولة رفح السلفية نكاية بحماس، بالتعاون مع استخبارات
مبارك؟
تنسيق عمل اللوبيين الإسرائيلي والسعودي في واشنطن
لدفع الإدارة الأميركية الى حرب ضد طهران؟
هذا فضلاً عما يفعله في تمويل القاعدة في العراق وسوريا،
فعملها مطلوب هناك، ومحارب في السعودية وبلاد الحلفاء
كاليمن!
قصص بندر لا تنتهي..
الأمر الوحيد المؤكد منه، هو أن السياسة الخارجية السعودية
لم تنتفع بأعماله، اللهم إلا الإضرار بالخصم، دون أن ينعكس
ذلك على شكل منفعة مباشرة للسعودية نفسها.
المؤكد أنه منذ تحوّل السعودية من (وسيط) الى (خصم
ينحاز الى طرف) في كل القضايا التي تهم العالم العربي،
فإنها لم تحقق منجزاً. غنيّ عن القول بأن التحوّل هذا،
كان لبندر بالذات دوراً أساسياً فيه.
اولئك الذين يعتقدون بأن بندر سيأتي لهم بالعجائب عبر
نشاطاته وعلاقاته الإستخبارية بواشنطن، عليهم أن يثبتوا
أنه حقق للرياض منجزاً واحداً، غير تنفيس بعض أحقادهم
وهم يشهدون أنهار الدم في أكثر من بلد عربي. عليهم أن
يلحظوا مؤشر مكانة السعودية طيلة العقدين الماضيين، هل
هو في ارتفاع أم الى انحدار مستمر. وعليهم فوق هذا أن
يدركوا بأن بندر ـ والسعودية ككل ـ مجرد برغي في ماكنة
ضخمة تسيّرها أمريكا وتوجهها الوجهة التي تريد. بندر والسعودية
ككل ليسا لاعبين مستقلين، وإنما مجرد ركاب في عربة يقودها
الأمريكي.
تبدو السعودية في الأشهر الثلاثة الماضية وكأنها حققت
منجزات كبيرة.
في مصر.. تمت الإطاحة بالديمقراطية وبحكم الإخوان،
وهو ما تريده الرياض وهي التي ما فتئت تحرّض على الثورات
وعلى الإخوان بالذات. وقد اعتبرت الرياض ما تحقق منجزاً
لها، لكنها لم تستطع ان تصرفه في أي بنك، وما أدل على
ذلك إلا موقف مصر الأخير والحاسم في رفضها الهجوم الأمريكي
على سوريا، رغم محاولات سعود الفيصل، ولقائه وزير الخارجية
المصري. يصعب تصوّر ان تعود مصر لأحضان السعودية بالشكل
الذي كانت عليه في عهد مبارك.
الأمر الآخر الذي جعل الرياض تفتل شوارب بندرها! هو
سيطرتها على المعارضة السورية، أو لنقل هيمنتها على قرارها
بعد أن كان بيد الدوحة وأنقرة، والذي تجسد في تعيين سوري
مُسَعْوَد رئيساً لائتلافها وهو (الجربا). ما كانت الرياض
قادرة على أخذ مقعد الثنائي التركي القطري، إلا لأن القاعدة
(النصرة/ دولة العراق والشام) امتلكت ناصية القرار على
الأرض، بدعم مباشر من السعودية، مقابل دعم الجيش الحر
والإخوان المسلمين السوريين من قبل أنقرة والدوحة.
لكن السؤال: ماذا بعد؟
تستطيع السعودية أن تثّمر سيطرتها على المعارضة السورية
على شكل رفض للحوار والحل السلمي. وهذا أمرٌ لا يتطلّب
جهداً، فالمعارضة وبشكل مؤكد، ستخسر من أي حلّ سلمي، بل
أنها ستتقزم وتتمزّق داخلياً وخارجياً بمجرد الجلوس على
طاولة المفاوضات في جنيف.
لكن: هل تستطيع السعودية ـ وعبر رئيس استخباراتها بندر
ـ أن تجبر أمريكا والعالم على خوض حرب حرب مباشرة اقليمية
دولية لمجرد ارضاء نزقها؟
هذا ما يعتقد بندر وسعود الفيصل أن بإمكانهما فعله.
ويعتقدان بأن المال يمكن أن يغيّر اتجاه الريح لصالح رؤية
بلدهما.
حين لم يحدث ذلك، تركّز الجهد على افتعال حدثٍ يبرر
الحرب. فكان الكيمياوي.
هذا ما يقوله الآخرون. كلا الخصمين لا يبدوان أنهما
يتورّعان عن استخدام الكيماوي، وكلا الطرفين لديهما امكانيات
في ذلك، وهناك معلومات متواترة عن امكانيات كيمياوية لدى
جبهة النصرة، وقد استخدمت في خان العسل، ورفضت أمريكا
والغرب التحقيق في الأمر، مع ان السفير الروسي في بيروت
يقول بان بلاده قدّمت نحو ١٠٠ صفحة من الوثائق على تورط
المعارضة في ذلك. كما أن تركيا ألقت القبض على معارضين
كان لديهم غاز السارين، ووصلت الى واشنطن معلومات من موسكو
بأن هناك اسلحة كيمياوية لدى المعارضة التي سيطرت بالفعل
على بعض معامل انتاجها.
الحديث يدور اليوم حول احتمال راجح وهو ان السعودية
ومن خلال بندر زودت القاعدة (جبهة النصرة بالتحديد) بكبسولات
من السلاح الكيمياوي (تحوي غاز السارين او غيره)، واستخدامه
بغرض إشعال الحرب.
ولذا اشارت العديد من المصادر الى بندر بالذات بأنه
(بندر الكيمياوي).
لكن إنْ كانت السعودية قد نجت من مسؤوليتها عن هجوم
١١ سبتمبر ٢٠٠١ رغم تورط ١٧ سعودياً من أصل ١٩ مهاجم..
فكيف لا توفّر واشنطن لحليفها سُبُل النجاة ان هي قامت
بفعلتها الكيماوية؟ بل هل يمكن ان تتورط السعودية وبندر
بالتحديد في هذا الأمر، دون أن تعلم واشنطن او تعطي اشارة
الموافقة على الهجوم؟
لكن وكما قلنا سابقاً، فإن افعال السعودية البندرية،
لا يعني أنها ستستفيد منها، ومن بينها الموضوع الكيمياوي
هذا.
ففي النهاية، ومع تراجع الدعوات الى الحرب، يبدو المستفيد
الوحيد هو اسرائيل التي ـ وبعد نجاح المبادرة الروسية
ـ لن تخشى مستقبلاً من السلاح الكيمياوي السوري، الذي
يُنظر اليه كسلاح توازن مع الترسانة النووية الاسرائيلية.
بماذا ستخرج السعودية من (المُولِدْ)؟
لا شيء إلا بسوء السمعة، فهي والى جانبها بضع دول تافهة
في الخليج، وحدها تبدو خارج القطيع، الذي يحرّض على الحرب
بين العرب وغير العرب!
ولا تبدو قصة حماية المدنيين إلا شمّاعة سعودية. فالذين
يقتلون على يد منظمات التكفير بعشرات الألوف أيضاً ولأتفه
الأسباب. وقد سبق أن خرست السعودية حين ضرب صدام حسين
مدينة حلبجة الكردية بالكيمياوي، وغطت ذلك كما الاعلام
الغربي بأن ايران هي التي قامت بذلك. ولكن حين قلب صدام
لهم ظهر المجنّ، أدانوه من جديد بحلبجة!
لا يهم بندر والسعودية المدنيين، لا من سوريا ولا من
العراق ولا من مصر ولا السودان، ولا حتى من أبناء السعودية
نفسها.
المهم هو بقاء العرش السعودي ـ الذي يعيش خارج التاريخ
ـ وبأيّ ثمن.
لكن هل يبقى؟
|