الزمرة والفأر الأبيض
د. حسن العجمي
الفأر مخلوق ينبذه الجميع، ولا يكاد يخلو منزل في المملكة
العربية السعودية من فأرٍ أسود أو جرذٍ أشهب!
وما لا يعرفه الناس هو أن الفأر الأبيض، مخلوق لطيف
ومسكين جعله حظه العاثر حبيس الأقفاص وصريع المشارط والفيروسات
في المختبرات (مسكين).
حين أتجول في طرق المملكة، وفي مستشفياتها، وأتابع
أخبار الوزارات عبر وسائل الإعلام، وأطَّلع على قرارات
الوزارات (الخدمية خاصة).. أكتشف أن المواطن السعودي (أجلّه
الله) هو الفأر الأبيض في هذه البلاد، لأنه محل تجارب
جميع المسئولين والفنيين والمختصين، فالأطباء الجاهلون
(من حول العالم) يتعلمون في جسد المواطن السعودي! وأنصاف
المهندسين يُعمِلون تجاربهم في شوارعنا وتخطيط مُدننا!،
أمَّا الوزراء فحدث عن تجاربهم الفاشلة (ولا حرج)!، بل
إن تعيينهم في مناصبهم (أحياناً) هو (أصلاً) من باب التجارب!،
إذْ يقضي بعض الوزراء في منصبه (ردْحاً من الزمن) كلها
تجارب فاشلة، ومحاولات قاصرة، ثم يُغادر منصبه بمثل ما
استُقبل به من حفاوة وتكريم! وكأن الناس الذين أضاع هذا
الوزير أعمارهم وبلادهم ومستقبلهم من فصيلة (الفأر الأبيض!).
من يستطيع من هؤلاء الزمرة (وبعد ثمانين عاماً من النفط)
أن يُقنعني بأن الأزمات المُتكررة في حياة المواطن (بطالة
ـ سكن ـ أسهم ـ شعير ـ مياه ـ حديد ـ إسمنت) هي أزمات
عادية وليست تجارُب مُفْتَعلَة؟!.
من يستطيع من هؤلاء الزُمرة (وبعد ثمانين عاماً من
النفط) أن يُقنعني بأن استجداء المواطن السعودي للعلاج
ولقمة العيش أمر منطقي؟!
من يستطيع من هؤلاء الزُمرة وبعد (ثمانين عاماً من
النفط) أن يُقنعني بأن عدم حصول المواطن السعودي على سكن
قضية منطقية؟!، (أقصد) المواطن السعودي وليس الموظف الحكومي!.
هل يستطيع أحدٌ من الذين (يُدبِّرون أمرهم بليل) أن
يُقنعني بأنَّ كُل ما يستحقه (المواطن المُعطَّل) من غلَّة
ثمانين سنة نفط، هي فقط الألفين ريال وبشكل مُهين؟!
هل يستطيع أحدٌ من هؤلاء أن يُقنعني بأن التعويض الذي
يُصْرفُ (إنْ صُرِف) للمواطن السعودي حين يتعرض لخطأٍ
طبي أو إداري هو تعويض يتناسب مع ما لحق به من أذى؟!
من يستطيع من هؤلاء أن يُقنعني بجدوى السنة التحضيرية
(حسب النسخة الحالية) إذا كان القائمون عليها شركات (ربحية)
وأساتذتها دون المستوى؟!.
من يستطيع من هؤلاء الزُمرة أن يُقنعني بجدوى اختبار
القدرات إذا كانت نتائجه لا تقتُل إلَّا أحلام البُسطاء؟!.
هل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الزمرة أن يُقنعني بجدوى ساهر
إذا كانت آلية تطبيقه ديكتاتورية ومُستفِزة ولا تمُت إلى
المنطق بصلة؟!.
هل يستطيع وزير البلدية أن يُقنعني بأن الحُفَر الموجودة
في شوارعنا الرئيسية هي لتصريف المياه، وليست لقهر الرجال؟!.
هل يستطيع وزير الصحة أن يُقنعني بأن الفلبينيين والهنود
والأردنيين أولى من المواطن السعودي بالعمل؟!.
هل يستطيع مسئول (في الدنيا) أن يُقنعني بأن وجود عشرة
آلاف أجنبي في جامعاتنا، مع بطالة ثلاثة آلاف مواطن أكاديمي..
قضية منطقية؟!
هل يستطيع مُدير جامعة الملك خالد أن يُقنِع حتى (عجائز
الديرة) بأن سبعة آلاف طالبة، هنّ من الفئة الضالة ومن
مُثيرات الشغب، وأنه هو وزبانيته فقط من يخدمون العملية
التعليمية؟!
هل يستطيع أحدٌ (من كبار العُلماء) أن يُقنعني بأن
الشريعة تقول: إذا تخرَّج فيكم الشريف (وظفوه)، وإذا تخرّج
الضعيف (عطِّلوه)؟!
إذا كان ما ذكرتُه صحيحاً (ولمْ يُقنعني أحد) فهذا
يعني أن المواطن السعودي في نظَر كثيرٍ من المسئولين ليس
إلَّا فأراً أبيضاً لا حقوق له!
ختاماً : اللهم ألهمنا صبراً كصبر أيوب لأن الموضوع
(بصراحة) تحوَّل إلى قهر.
|