انزور : فيلم «ملك الرمال» يفضح الفكر المتطرف الذي
يحكم السعودية
الرياض تلعب بجينات المنطقة
هيثم الخياط
لا يخفي المخرج السوري نجدت انزور هدفه الأساسي من
انتاج فيلم «ملك الرمال» موضحاً انه «البحث عن جذور فكر
الارهاب والتطرف الذي يضرب بعض دول العالم العربي، خصوصاً
سوريا» واتهم انزور المملكة السعودية، وتحديدا الفكر
الوهابي السلفي، بأنه «منشأ التطرف والتعصب في العالمين
العربي والاسلامي، وخصوصاً التعصب العرقي والطائفي والمذهبي»
موضحاً ان الفيلم «يفضح الفكر المتطرف الذي يحكم السعودية
منذ انشائها على يد الملك عبد العزيز آل سعود.
واتهم انزور السعودية بأنها «تلعب بجينات هذه المنطقة
وتحاول تخريبها لخلق مخلوفات جديدة مشوهة ليس لها أي انتماء
فكري أو انساني تأكل لحوم البشر».
«الحجاز» التقت المخرج السوري نجدت انزور وأجرت معه
هذه المقابلة:
س: هل تحدثنا عن فكرة الفيلم؟
ج: يتحدث الفيلم عن حياة الملك عبد العزيز آل سعود
ومسيرته من الكويت الى شبه الجزيرة العربية وتأسيس ما
بات يعرف بالمملكة العربية السعودية.
الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية،
Inspired by true events كما كتبنا في مقدمته.
وهو نوع من تسليط الضوء على منشأ الفكر الارهابي
وجذوره وكيفية صياغة هذه الافكار المتطرفة وتصنيعها لتسويقها
عالمياً. والفيلم بالتالي نوع من ردة الفعل على هذا الواقع
المشوه.
فهذا الفكر الذي جاء به الملك عبد العزيز لا يؤدي إلا
الى القتل والتطرف والدم والمزيد من الانقسام، وأخطر
ما فيه التمييز الطائفي والمذهبي.
وعلى رغم ان عرض الفيلم، بالأفكار التي يحملها، تزامن
مع ما يحدث في المنطقة، خصوصاً في سوريا، إلا ان الفيلم
عمل فني متوازن رغم كل الانتقادات التي يمكن ان توجه اليه
لأنه يحترم عقل المشاهد. فالفيلم يفضح الفكر المتطرف
الذي يحكم المملكة منذ تأسيسها.
عبد العزيز يعشق الدم
س: ما الذي جذبك في شخصية عبد العزيز؟
ج: شعرت ان شخصية عبد العزيز درامية بامتياز، فيها
صعود ونزول، خط بياني يمكن ان نعمل منه عملا فنياً درامياً
مهماً. والصفة المميزة في هذه الشخصية عشقه للدم وولعه
بالجنس وجمع المال وتجميع الناس من حوله، كما هو مثبت
في كتابات المؤرخين، العرب والمستشرقين. وفي الوقت
نفسه هو شخص قاس جداً برغم ما كان يحاول اظهاره من انسانية.
س: هل كنت تؤول الأحداث التاريخية لتتلاءم مع فكرتك
الشخصية عن المملكة السعودية أم ترى ان الأحداث جرت في
شبه الجزيرة كما صورها الفيلم تماماً؟
ج: لم نقم بتأويل الأحداث التاريخية في الفيلم، بل
اعتمدنا مصادر ومراجع كبيرة اجنبية وعربية.
س: يستعرض الفيلم جانباً من الاتفاق والحلف الذي تم
بين الوهابيين وآل سعود لتقاسم السلطة والحكم في شبه الجزيرة
العربية، فهل لذلك علاقة تعيشه المنطقة العربية
من افرازات سلفية ومتطرفة وجهادية؟
ج: صحيح. تم هذا الحلف حين كان محمد بن سعود أمير الدرعية
في ذلك الوقت قبل نحو 300 عام، وما زال قائما. وما نراه
اليوم في بعض بلداننا العربية هو من افرازات هذا الحلف
الذي اعتمد الوهابية فكراً للحكم، كما ستستمر هذه التداعيات
في المستقبل ايضاً.
تخيل ان بلداً سميت قبل مئة سنة باسم عائلة!؟
فكيف تطالب بتغيير انظمة عربية وتدعو الى دمقراطية
وأنت تسمي كل شعب الجزيرة العربية باسم عائلة آل سعود؟
هذه السلطة في شبه الجزيرة العربية لا تنتمي لا الى
الدمقراطية ولا الانسانية ولا الاسلام الحقيقي. للأسف
هم موجودون في مكان طاهر يضم الحرمين الشريفين الكعبة
في مكة ومسجد الرسول في المدينة، لكنهم بعيدون تماماً
عن الطهارة.
وعندما بدأوا يشعرون بأن التغيير سيطالهم، وان موعد
رحيلهم قد حان، أخذوا يسعّرون من مؤامراتهم. لكنني اعتقد
ان مدة صلاحية (Expiry Date)
حكمهم قد انتهت.
ضغوط وإغراءات
س: فيلم ملك الرمال عمل جريء في طرحه، خصوصاَ
بسبب تحديه سطوة ونفوذ البترو دولار الخليجي المسيطر على
الفن والفكر والاعلام في العالم العربي. فهل واجهت ضغوطا
أو اغراءات للتراجع عن تنفيذ هذا الفيلم؟
ج: نعم، واجهت بعض الضغوط بالاضافة الى اغراءات. لكن
الهدف الاساسي من انتاج هذا الفيلم كان البحث عن جذور
فكر الارهاب ومن أين أتى هذا الفايروس الذي يشل العالم
العربي حتى بات يؤثر على العالم كله.
للأسف هذا النوع من التطرف تجد الغرب يقف الى جانبه
احياناً، ويقف ضده أحياناً أخرى وفقاً لمصالحه السياسية
والاقتصادية، فيما نحن ندفع الثمن.
هناك من يلعب بجينات هذه المنطقة ويحاول تخريب
هذه الجينات لخلق مخلوفات جديدة مشوهة ليس لها أي انتماء
فكري أو انساني تأكل لحوم البشر.
هذا البحث المضني وراء هذا الموضوع قادني الى
عمل هذا الفيلم.
س: من تقصد بالتحديد بأنه وراء هذا الفكر التخريبي؟
ج: أقصد المملكة العربية السعودية. وتحديداً الفكر
الوهابي السلفي هو الذي جر المنطقة الى هذا النوع
من التطرف والانفلات والتعصب، والأخطر هذا التعصب العرقي
والطائفي والمذهبي الذي يشل العالم العربي ويمنعه
من التطور والتقدم باتجاه المستقبل.
س: هل كان التطرف الوهابي السلفي تحديداً هو الدافع
الأساسي لانتاجك هذا الفيلم؟
ج: المنطقة تخضع لمزاج وضغوط السعودية وحلفائها. والفيلم
محاولة للدفاع عن النفس ودرء هذا الخطر وإبعاده. فهذا
الفكر الوهابي المتطرف يشل كل المنطقة. وما يحدث في العراق
أفضل مثال. فالعراق منذ سنوات يعاني يومياً من الضربات
الارهابية التي تقتل وتجرح المئات بهدف جر هذا البلد الى
أتون حرب طائفية ومذهبية يغذيها هذا الفكر السلفي المتطرف،
وهذا يشل قدرات المجتمع ويمنع هذا الجيل من التطور
والتفكير في المستقبل. وهذا ما نخشاه على الشعب
السوري والمصري والليبي وغيرهم من الشعوب التي تقع تحت
تأثير هذا الفكر المتطرف.
الشعب العربي يعيش مخاضاً وكأنه تم وضع كل هذا
الافكار في خلاط ما أنتج مخلوقاً عجيبا غريبا لا ينتمي
الى الماضي ولا المستقبل، ويتعامل مع الحاضر فقط من
منظور طائفي ومذهبي.
س: ما هي الضغوط والاغراءات التي تعرضت لها، وهل مصدرها
سعودي؟ وهل صحيح انك تلقيت تهديدات بمقاضاتك قضائياً
بجرم التشهير والإساءة لشخصية وعائلة ملكية؟
ج: واجهت اغراءات بشراء حقوق الفيلم من جهات تحاول
ان تظهر انها غير سعودية لكنها معروفة لدينا، وشراء
الشركة المنتجة للفيلم ويصبحون بالتالي اصحاب القرار في
عرض الفيلم أو عدم عرضه.
أما الضغوط فتراوحت بين ضغوط قانونية وتهديدات للممثلين
والطلب منهم بادلاء معلومات عمن يقف وراء العمل،
ومن هو المخرج وما هي فكرة هذا الفيلم واين تم التصوير.
وكل هذه الأمور مثبتة لدينا.
وأما عن مزاعم الاساءة والتشهير فأقول ان عبد العزيز
آل سعود شخصية تاريخية عامة أثرت على المنطقة. ومن حقنا
التعاطي فنياً مع هذه الشخصية، تماماً كما يعرض فيلم عن
الأميرة «ديانا» او تشرشل من دون ان يعني ذلك اساءة الى
العائلة المالكة البريطانية او الى بريطانيا العظمى.
لذلك تم انتاج الفيلم بسرية تامة لتفادي الضغوط التي
ما زالت مستمرة حتى الآن.
وكل هذه الضغوط لم تؤثر فينا، لأننا اصحاب قضية،
ونحن في معركة وجود مع هذا الواقع السيء الذي نرفضه ونعمل
على فضحه.
كما نأمل ان يكون هذا الفيلم فاتحة خير لكسر هذا الجدار
الحديدي الوهمي بيننا وبين هذا التاريخ الذي يمس حاضرنا
ومستقبلنا، ونأمل ان يكون مشجعاً للآخرين لانتاج أعمال
اخرى يمكن ان تكون أهم وأكبر من فيلم «ملك الرمال»،
ولكن يسجل لنا على الأقل اننا أول من اقترب من معالجة
هذا التابو.
الوهابية و11 سبتمبر
س: لماذا اخترت 11 سبتمبر للعرض الاول للفيلم؟
ج: هذا اليوم أثّر على كل العالم، وغيّر وجه الأرض،
وأعطى للغرب الحجة والدافع كي يتدخل في كل تفاصيل الحياة
اليومية لكل بلد، بل ومواطن عربي، ويهدم هذه الحياة ويعيد
بنائها بالطريقة التي تناسب مصالحه السياسية والاقتصادية.
بالاضافة الى ذلك، فان هذا اليوم (11 أيلول) مرتبط
بهذا الفكر الوهابي المتطرف، وتنظيم القاعدة نتاجه الأساسي.
والمملكة هي مهد هذا الفكر تعبث في جينات هذه المنطقة
في محاولة لتشويها، بينما نحن معنيون بمحاربة هذا الفكر
المتشدد، وندعو الى مجتمع تعايشي كما كان المجتمع السوري.
س: يوجه الفيلم أصابع الاتهام إلى التطرف الديني، ما
هو تأثير ما يجري حالياً في لعالم العربي في ابراز هذا
الجانب؟
ج: ما يحدث اليوم في العالم العربي له تأثير مباشر
على حياتنا. الفيلم نوع من تسليط الضوء على هذا الفكر
الارهابي وجذوره وكيفية صياغة هذه الافكار المتطرفة وتصنيعها
لتسويقها عالمياً. والفيلم بالتالي نوع من ردة الفعل على
هذا الواقع المشوه.
هذا الفكر لا يؤدي إلا الى القتل والتطرف والدم
والمزيد من الانقسام، وأخطر ما فيه التمييز الطائفي والمذهبي.
س: هناك من يرى ان فيلم ملك الرمال يجسد فكرة
غلبة السياسة على الفن وربما التاريخ ايضاً، بماذا ترد
على منتقديك؟
ج:السياسة جزء من حياتنا اليومية، ولا يمكن ان نعزل
تأثير السياسة عن تفاصيل حياتنا. والسياسة تسير مع الفن
بشكل متواز، لا تؤثر عليه، خصوصاً وان الفيلم مستوحى من
احداث حقيقية . فالسياسة جزء اساسي من الفيلم، لكن انتاجه
لم يتم بدافع سياسي، بل بدافع انساني وأخلاقي.
س: هل للعلاقة المتوترة بين سوريا والسعودية أي دور
في انتاج الفيلم؟
ج: أؤكد لك انه لا علاقة لسوريا ولا لأي طرف
سوري بالفيلم، ولم أتلق أي دعم سوري له. وقد تمت كتابة
السيناريو وتصوير الفيلم قبل بدء الأزمة السورية،
حينما كانت العلاقات بين سوريا والمملكة ممتازة بل وتمر
في شهر عسل. لكننا كنا نستقرئ المستقبل ونرى خطورة
الفكر المتطرف الذي يحكم السعودية والذي لا بد ان يصطدم
بكل ما هو مختلف عنه.
والفيلم من انتاجي الخاص حاولت من خلاله تكريس وتتويج
فكرة عملت عليها طويلا، وهي موضوع الارهاب، كما في مسلسلاتي
التلفزيونية العديدة التي عرضت في العالم العربي، حاربنا
فيه هذا الفكر الظلامي المتطرف المعادي للتطور والتقدم.
س: هل تعتقد ان الفيلم يساهم في التعرف على بعض جوانب
وخلفيات الأزمة السورية؟
ج: نعم. الفيلم يساهم في التعرف على بعض جوانب وخلفيات
ما يجري في سوريا. فالكثير مما يجري في بلدي حالياً نتاج
فكر دخيل لا علاقة له بالمجتمع السوري، ساهم فيه البترودولار
والأفكار المتطرفة ما أدى الى تمزيق الوحدة الوطنية والتعايش
بين ابناء الشعب السوري.
وهذا الفيلم هو أحد النتاجات الثقافية التي يمكن ان
تساهم الى حد كبير في إزالة الغمامة عن أعين هذا الجيل
كي يفهم ان هناك أياد خفية تحاول العبث في هذا النسيج
السوري.
وأنا كسوري أفخر بأنني استطيع ان ارد على الأقل على
ما يحصل حالياً في بلدي ولجمهوري السوري الذي يعاني اليوم
من ويلات هذا الفكر السلفي المتطرف الوافد الينا من المملكة.
فانظر الى الحدث الآن، كيف ان مجلس الأمن الدولي يصدر
قرارا يدعو الى تحقيق السلام في سوريا وعقد مؤتمر جنيف،
فيما تدعو المملكة الى التسليح واستمرار القتل. فما يقوم
به الحكام السعوديون في سوريا يرقى الى درجة المؤامرة.
وعندما بدأوا يشعرون بأن التغيير سيطالهم، وان موعد رحيلهم
قد حان، أخذوا يسعّرون من مؤامراتهم. لكنني اعتقد ان مدة
صلاحية (Expiry Date) حكمهم
قد انتهت.
س: هل يمكن لفيلم ملك الرمال ان يجد طريقه الى
العرض في قاعات السينما في العالم العربي، ام ان حظوظه
في ذلك محدودة جدا؟ ومن هو الجمهور الأساسي للفيلم؟
ج: الجمهور الاساسي لفيلم ملك الرمال هو الغرب في الدرجة
الاولى ثم العرب، ولذلك استخدمنا اللغة الانكليزية في
الفيلم مع ترجمة باللغة العربية. والسبب الاساسي
هو أنه في العالم العربي لا توجد فرصة لمثل هذه
الأعمال الحساسة كي ترى النور، بل انها توءد كما كانت
توءد البنات في الجاهلية.
هذا العمل هدفه الخروج من هذا الاطار القمعي الاستبدادي
في العالم العربي.
ونحن نعلم ان جميع الانظمة العربية ستجامل النظام السعودي
ولن تعرض هذا الفيلم الذي لن يجد سوقاً له في العالم العربي،
ربما باستثناء بلدين أو ثلاثة كالعراق مثلا. أما السوق
العالمية فهي الأنسب والأفضل لهذا الفيلم.
س: بعد العرض الخاص للفيلم في 11 أيلول الماضي, ما
هي خططك لتوزيع الفيلم وتسويقه؟ هل تلقيت عروضاً من شركات
تجارية لتسويق الفيلم؟ أم هناك صعوبات تواجه تسويقه؟
ح: حجم الصعوبات في الانتاج كان كبيراً، وكنا نتوقع
صعوبات أكبر في التوزيع. وبرغم الضغوط الكبيرة، هناك فرص
مهمة لنشر هذا الفيلم عالمياً، سواء عرضه على الشاشات
الكبرى والتلفزيون والمشاركة في مهرجانات عالمية وعروض
خاصة لجميع الجاليات العربية في الخارج والجامعات والمعاهد،
بالاضافة الى توزيعه على دي في دي وعلى يوتيوب ووسائل
التواصل الاجتماعي.
س: ما هو العمل الفني الجديد الذي انت بصدد انتاجه؟
ج: لدي فكرة لعمل جديد حول الازمة السورية وتداعياتها
وتأثير هذا الفكر على هذه الأزمة. وتدور الفكرة حول زيارة
صحافيين اجانب الى سوريا لتغطية الازمة ويقوم كل
واحد بنقل الصورة من وجهة نظره وحسب مصالحه وما يراه.
|