(عضو في حزب الحرب)
بندر يشكل عسكره ويضعف الائتلاف والجيش الحر
فريد أيهم
ذكر روبرت ليسي، في كتابه (المملكة من الداخل) أن الملك
عبد الله حاول قدر استطاعته تفادي العداون الاميركي على
العراق سنة 2003، فيما كان إبن أخيه وسفيره ـ بندر بن
سلطان ـ يقوم بالعكس تماماً. وذكر ديفيد أوتاوي، مؤلف
كتاب (رسول الملك)، والمخصص لسيرة بندر بن سلطان، بأنه
كان يحظى بنفوذ لا حدود له وسط النخبة السياسية في واشنطن،
وأصبح صديقاً حميماً لرؤوساء الولايات المتحدة (وعلىى
وجه الخصوص الرئيس جورج بوش)، وانخرط في عمق العمل الدبلوماسي
الخاص بأزمة العراق منذ العام 1991 وصولاً الى الحرب الأميركية
على العراق في العام 2003.
ينعته أوتاوى بأنه (عضوٌ حقيقي غير معيّن في حزب الحرب
للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة). ويضيف في عرض متكرر
لحرب الخليج 1990 ـ 1991، أصبح ديك تشيني ودونالد رامسفيلد
صديقي بندر المفضّلين ـ إذ في 11 يناير من عام 2003 وبحسب
الصحافي بوب وودورد، أخبر الرجلان بندر عن نيّة بوش في
الذهاب الى الحرب قبل أن يخبرا وزيرا الخارجية كولن باول.
يعلّق ر. ليسي (عادت الحيوية والنشاط الى السفيرر السعودي
بعد سماع أخبار صراع جديد، فأخذ يروح ويجيء بين الرياض
وواشنطن. وعند سؤاله في أرض الوطن قدّم رأيه من دون أيّ
اعتذار ـ سوف تهاجم الولايات المتحدة العراق بغض النظر
عما يقوله الآخرون ـ فلماذا لانستفيد من هذه الخطوة؟).
يقدّم كاتبو سيرة بندر بن سلطان صورة إسطورية عنه،
وفي ثنايا تلك الصورة ما يناقضها، فهو، في نظرهم، ليس
(صانع فرص) وإنما (إنتهازي)، فصورة (السوبرمان) التي يروّج
لها خصومه أكثر من أنصاره مشتقة من الإغراق في تفاصيل
الحوادث الدموية التي تنسب اليه في العراق وسوريا ولبنان..وحقيقة
الأمر، أن قدرة الرجل على اقتراف أقصى ما يمكن أن يصل
اليه البشر من شرور يدعمه في ذلك غطاءٌ ماليُ كثيف، الى
جانب قدرة على اقتناص الفرص المناسبة في الوقت المناسب...
لن نغرق في تفاصيل سيرته، فقد كتب الصحافيون الأميركيون
عنها ما يكفي، ولكن ما يلفت هذه الأيام، أن الرجل الذي
يناصر خيار الحرب على سوريا بات جزءً من المشهد المنقسم
في الولايات المتحدة. فما بات معروفاً عن بندر بن سلطان،
خصوصاً بعد تولّيه رئاسة الاستخبارات العامة، التي تأسست
على خبرات وتقنيات وكالة الاستخبارات المركزية السي آي
أيه، أنه بات شريكاً أساسياً مع الأخيرة في حروبها القذرة.
وما هو معلوم، أنه تكفّل بدفع فاتورة تفجير بئر العبد
العام 1985، كما كشف عن ذلك بوب وود وورد في كتابه (الحجاب)،
ثم افتضاح أمره في (إيران كونترا) العام 1987، والتي أدّت
الى الاطاحة برأس السي آي أيه وليم كيسي، بسبب تجارة الاسلحة
للكونترا مقابل الكوكائين، وتسهيل تجارة المخدرات لتمويل
النشاطات السوداء والحرب السريّة للمجاهدين الافغان، والتي
ثبت فيما بعد تورّط بنك الاعتماد الاماراتي (بي سي سي
آي).
كان بندر في الثمانينات والتسعينيات عنصراً ناشطاً
في العمليات السرية للولايات المتحدة وحروبها القذرة في
الصين وكوريا الشمالية وليبيا والسودان، وراهن على إقناع
الايرانيين بوقف التخصيب مقابل مكافأة مغرية من قبل الغرب،
إلا أن الايرانيين سخروا من محاولاته وطلبوا من الملك
عبد الله استبداله بآخر، كمبعوث وممثل شخصي عنه..
اليوم، بات يمسك بالملف السوري، وبدأ منذ توليه رئاسة
الاستخبارات العامة بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية
بوضع كل الخطط الكفيلة باستغلال الجماعات القاعدية بكل
فروعها في الحرب الطاحنة في سوريا. وكما في نهر البارد،
العام 2007، بات بندر الراعي المالي والتنظيمي لجبهة لنصرة،
وما الائتلاف الوطني السوري سوى الواجهة التي يتلطى وراءها
لإخفاء العمليات الارهابية التي يقوم بها عناصر النصرة.
|
الجربا السعودي |
بندر وعودة لرواية الكيماوي
في العدد الماضي من (الحجاز) ذكرنا بعض تفاصيل
رواية الكيماوي بحسب ما نشرتها تقارير سرية أفصحت عن جانب
جوهري منها صحف امريكية مثل (ذي دايلي كولر) ونوّاب في
الحزب الديمقراطي رفضوا الرواية المبتورة عن الكيماوي.
وهنا نحاول استكمال تلك التفاصيل، ففي سياق تقاذف الاتهامات
بين المعارضة والنظام في سوريا، ثمة تجاذب شرس يحتدم في
مراكز القرار في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه
الخصوص، كونها الطرف المعني بقرارات الحرب والسلم في الغرب.
من الواضح، أن الأطراف الفاعلة في صناعة القرار الأميركي:
الخارجية، البنتاغون، السي آي أيه، منقسمة على نفسها فيما
يخص قرار الحرب على سوريا. وقد تمفصل هذا الإنقسام على
أغلب الدوائر والمجالات بما في ذلك الكونغرس، ونزولاً
الى الاعلام والنخب الفكرية وجماعات الثينك تانك، ومؤسسات
المجتمع الأهلي.
كان واضحاً وفي ضوء التقارير السرية التي كشفت الصحف
الاميركية عنها أن ثمة اتجاهاً داخل الادارة الاميركية
وهو الذي ينتمي اليه بندر بن سلطان كان يخطط لاستدراج
ادارة أوباما الى الحرب. ولمن يفكر في خيار الحرب، ليس
هناك من أفضل من هجوم مزيف تقوم به القاعدة أو جبهة النصرة
لاستدراج الولايات المتحدة الى حرب. ولكن لخصوم الحرب
رأي آخر.
في 26 أغسطس الماضي، نشر موقع (فورين بوليسي) وثيقة
تتّهم الاستخبارات العسكرية الاميركية بالضلوع في مجزرة
بالسلاح الكيميائي في حلبجة في شمال العراق، في آواخر
الحرب العراقية الايرانية سنة 1988، عبر إخفاء معلومات
عن مخطط صدام حسين باستعمال السلاح الكيميائي لمنع ايران
من تحقيق انجاز استراتيجي في الحرب.. وبحسب وثائق السي
آي ايه التي أفرج عنها مؤخراً أن الولايات المتحدة كان
لديها الدليل القاطع على هجمات كيميائية عراقية تبدأ في
1983.
ما يعني في القصة هو توقيت نشرها، لاسيما في ظل حشد
الأدلة المشرعنة للحرب على سوريا، وبنفس الذريعة، أي استعمال
السلاح الكيميائي.
ومن الواضح أن ثمة تياراً داخل الادارة الاميركية،
يقوده أوباما، يرفض قرار الحرب، وهو يخوض (حرب الأدلة).
استعمال وثائق السي آي أيه له مغزى محدد، فالوكالة هي
من قدّمت تقريرها الانتقائي والموجّه حول الهجوم الكيميائي
في الغوطة الشرقية.
والى جانب ما نشرنا بعضه في العدد السابق، توافرت معطيات
أخرى تشير الى تورّط بندر بن سلطان في الهجوم الكيماوي.
ففي 11 سبتمبر نشر موقع (وورلد نت دايلي) وثيقة سرية تكشف
العثور على أسلحة كيميائية في بيوت إسلاميين معتقلين.
وذكر الموقع بأنه حصل على وثيقة من الجيش الأميركي تفيد
بمصادرة غاز السارين في بدايات هذا العام، 2013، من أعضاء
من جبهة النصرة، وهي الجماعة المقاتلة الأكثر نفوذاً في
سوريا.
وتذكر الوثيقة بأن غاز السارين الذي كان بحوزة القاعدة
في العراق ووجد طريقه الى تركيا تمّت مصادرة بعضه، وأن
البعض الآخر قد يكون جرى استعماله في مارس الماضي ضد المدنيين
والجنود السوريين في حلب.
الوثيقة المصنّفة في خانة (classified) والتي حملت
عبارة (Not for foreign distribution)، صادرة عن
مركز الاستخبارات الأرضية الوطنية التابع للمجتمع الاستخباري
الأميركي، والمعروف بإسم NGICK، وقد حصل الموقع
على نسخة منه.
وكشفت الوثيقة أن كميات من غاز السارين المنتجة من
قبل القاعدة في العراق انتقلت الى تركيا، حيث تمّ اعتقال
عناصر أساسية في العراق وتركيا في نهاية مايو الماضي.
وقامت قوات الامن التركية باكتشاف ومصادرة كيلو غرامين
من غاز السارين حين كانت تقوم بالتفتيش في بيوت مقاتلين
سوريين من أعضاء القاعدة المرتبطين بجبهة النصرة، بعد
اعتقالهم الاحتياطي في المناطق الجنوبية أدنا ومرسيا التركييين.
وقد أطلقت عليهم قوات مكافحة الإرهاب الخاصة في تركيا
بأنهم (الذراع الأشد عداونية والناجح) للثوار السوريين.
عملية المصادرة جرت عقب الهجوم بالأسلحة الكيميائية
في مارس الماضي على خان العسل في ريف حلب السورية. وكان
الهجوم عبارة عن صاروخ جاء من مناطق تسيطر عليها المعارضة
وتقع بالقرب من الحدود التركية. وقد ألمحت الوثيقة السرية
الى أن مصدر الصاروخ هو المعارضة السورية.
الوثيقة التي يصل عدد صفحاتها الى 100 صفحة، تشير الى
أن غاز السارين القاتل تمّ تصنيعه في مناطق خاضعة، بحسب
التصنيف المذهبي، للسنّة في العراق، وتمّ نقلها الى تركيا
لاستعمالها من قبل المعارضة السورية، على علاقة تنظيمية
مع مجموعات القاعدة.
|
زهران علوش |
وتوجّه الوثيقة اتهامات لقيادات بعثية مرتبطة بأحد
قيادات الاستخبارات العسكرية في النظام العراقي السابق
وهو على علاقة بنائب الرئيس العراقي الأسبق عزّت الدوري.
المهم في الوثيقة أن غاز السارين المستعمل في الهجوم على
حلب، جرى تحضيره من قبل جنرال عراقي سابق في الصناعات
العسكرية العراقية يدعىى عدنان الدليمي، ومن ثم تزويد
مقاتلين أجانب على صلة بالبعث العراقي، وآخرين من جبهة
النصرة المدعومين من السعودية، بالتعاون مع تركيا عبر
مدينة انطاكيا التركية في منطقة هاتاي. نشير هنا الى أن
الدليمي كان لاعباً رئيسياً في مشاريع انتاج الاسلحة الكيميائية
في نظام صدام حسين، وكان يعمل في المناطق المتمرّدة والخارجة
عن نطاق سيطرة النظام الحالي، ويقوم بتصنيع غاز السارين
القاتل.
في ضوء ما توافر من معطيات هنا، تبدو فرضية ضلوع بندر
بن سلطان في كيماوي الغوطة الشرقية واردة وقوية، مع استحضار
ما ورد في بداية المقال بأنه عضو غير معيّن في المحافظين
الجدد، ومن التيار المناصر للحرب على سوريا، والأهم دور
السي آي أيه في كل ما جرى وعلاقة بندر بها..
في 5 أكتوبر نشر موقع (روسيا اليوم) عن مصادر دبلوماسية
روسية قولها أن الاستفزاز باستخدام السلاح الكيميائي في
الغوطة في سورية كان من تدبير مجموعة خاصة أرسلها سعوديون
من الأراضي الأردنية .وقال أحد المصادر في 4 أكتوبر أنه
«بناء على المعلومات التي حصلنا عليها من مختلف المصادر،
تتكون لدينا صورة تدل على أن الاستفزاز الإجرامي في الغوطة
الشرقية نفذته جماعة خاصة أرسلها (الى سورية) سعوديون
من الأراضي الأردنية. وهي كانت تعمل (في سورية) تحت جناح
مجموعة «لواء الإسلام». من جانبه قال مصدر آخر إن «الجهوم
الكيميائي في الغوطة الشرقية يوم 21 أغسطس/آب الماضي والتطورات
اللاحقة للأحداث تسببت في حالة من الغليان في المجتمع
السوري، ولاقى كثيرون باشمئزاز التفسيرات المشوهة لما
حدث التي ظهرت في وسائل الإعلام وتصريحات الساسة».وأضاف:
«ولذلك فان السوريين من ذوي مختلف الآراء السياسية، وحتى
بعض مقاتلي المعارضة يحاولون إبلاغ الدبلوماسيين وموظفي
الهيئات الدولية الذين يواصلون العمل في سورية، بكل ما
لديهم من معلومات بشأن هذه الجريمة والقوى التي وقفت وراءها
ومولتها». والهدف بطبيعة الحال من وراء الهجوم هو توفير
مبرر قوي للتدخل العسكسري، وكما يقول أمين سر هيئة التنسيق
في المهجر ماجد حبو في حديث لقناة روسيا اليوم، إن هناك
أطرافاً إقليمية وبالتحديد السعودية وقطر وتركيا تسعى،
باتجاه الحل العسكري للأزمة السورية، موضحا أن دعم هذا
الخيار يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
الحرب أو لا جنيف 2
راهن بندر بن سلطان على خيار الحرب دون سواه، وأحرق
كل المراكب من ورائه، وفي الحقيقة ورّط عائلته المالكة
في مثل هذه المغامرة، كما بدا واضحاً منذ اللحظة التي
أطفأت الولايات المتحدة محركات اساطيلها البحرية والجوية
وإلغاء الضربة العسكرية. كان حال آل سعود مربكاً للغاية
وباتوا تحت وقع صدمة جديدة كتلك التي عاشوها في 2003 حين
انهار النظام العراقي وقطفت ايران ثمار الحرب الأميركية
على العراق، وراح وزيرالخارجية سعود الفيصل يندب حظ بلاده
لأن واشنطن فرّطت في وقوف دولته الى جانبها في الحرب العراقية
على ايران.
اشتغل بندر على قاعدة أن الحرب على سوريا حتمية، ولا
مجال للتراجع، وأراد من العملية الكيماوية تسريع وتيرة
الاستعدادت للحرب وتقصير أجل انتظار اللحظة المناسبة قبل
أن يحين موعد جنيف 2.
أظهر الروس والايرانيون وحزب الله إصراراً لافتاً على
مواجهة التهديدات الاميركية وأوصولوا رسالة واضحة بأن
الضربة المحدودة تساوى تماماً الحرب المفتوحة، وسيتم التعامل
مع أول صاروخ يسقط على دمشق بأنه اعلان حرب إقليمية. ونجحوا
في ذلك، عبر رسائل عديدة أشرنا الى بعض منها في العدد
السابق. ولذلك جاء الرئيس الأميركي باراك أوباما الى قمة
بتراسبورغ ويحمل معه مبادرته بتعطيل الضربة بعد خطوة تمهيدية
بنقل المهمة الى الكونغرس، وأراد من الروس تبني المبادرة.
طلب أوباما تأجيل الاعلان عن المبادرة حتى مغادرته الاراضي
الروسية، وخرج وزير الخارجية الروسي لافروف عقب اجتماعه
مع وزيرالخارجية السوري وليد المعلم ونائب وزير الخارجية
الايراني عبد اللهيان ليعلن عن مبادرة وضع الكيماوي السوري
تحت تصرف المجتمع الدولي كثمن لوقف الضربة العسكرية الأميركية.
كان الجانب السعودي مذهولاً أمام هذا التحول المفاجىء،
وانتظر أياماً قبل أن يعلن عن موقفه، من أن القضية مع
النظام السوري لا تقتصر على الكيماوي، رغم أن هذا الكيماوي
أريد له أن يكون شرارة الحرب على سوريا، بل وعلى المعسكر
الايراني برمته. خسر بندر رهان الحرب، وكرّت الخسائر منذ
أن بدأ الحديث عن تقارب أميركي إيراني بعد زيارتي المبعوث
الدولي فيلتمان، وسلطان عمان قابوس بن سعيد، وما أحدثه
الرئيس الايراني حسن روحاني في نيويورك من صدمة إيجابية
في المجتمع السياسي الأميركي، رغم الهنّات والمشاغبات
على الجانبين الأميركي والإيراني..
|
صنعوا الجربا،
فهل يحرقوه؟ |
في هذه الأجواء الانفتاحية، بدأ الحديث عن جنيف 2،
وكان يعني بالنسبة لرجل المهمات القذرة بندر بن سلطان
انتحار سياسي، لأن نجاح المؤتمر يعني تقويض لمشروع سعودي
خصّص له ميزانية مفتوحة، وقامر بسياسة وربما حتى بمستقبل
الدولة السعودية من أجل تحقيق هدف واحد وهو اسقاط بشار
الأسد.
من المفارقات الملفتة، أنه في اللحظة التي تم الإعلان
فيها عن ترتيبات لمؤتمر جنيف 2، انفجرت ظاهرة الانشقاقات
في الجماعات المسلّحة، وبرز إسم السعودية باعتبارها وراء
هذه الظاهرة. صحيفة (التايمز) اللندنية تحدثت في 3 أكتوبر
الحالي عن توحّد 40 تنظيم إسلامي بدعم سعودي لمحاربة الأسد.
الصحيفة قالت بأن هدف هذه التنظيمات محاربة القاعدة، ولكن
حقيقة الأمر أن (جيش الاسلام) الذي أنشأته السعودية،
وهو مظلة ينضوي تحتها مقاتلون من أكثر من تنظيم إسلامي،
تحت قيادةة (لواء الإسلام) وهو التنظيم الأكثر قوة يقف
وراء استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية، هو في حقيقة
الأمر لمواجهة الجيش الحر الذي بات في عهدة الأميركيين
وهو الطرف الأكثر تأهيلاً وترشيحاً للدخول في مفاوضات
جنيف 2. ولذلك، جاء إعلان قيادة الجيش الحر في 5 أكتوبر
الجاري بدعوة الجماعات المسلّحة غير السورية بمغادرة الاراضي
السورية وأن تتخلى الجماعات المسلّحة السورية عن الأسماء
الاسلامية.
هناك من أراد تضييع الهدف من وراء تشظي الجماعات المسلّحة
أو بالأحرى إنشاء (جيش الإسلام). حيث ذكر قياديون في هذا
الجيش بأنهم (تجمعوا بمبادرة سعودية، حيث بدأت المملكة
تقلق من تنامي نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق
والشام» الذي تمخض عن تنظيم القاعدة في العراق. وقد بدأ
القلق السعودي يتنامى بسبب سيطرة مقاتلي القاعدة على مناطق
قريبة من العاصمة دمشق).
صحيفة (التايمز) أشارت الى إن (عجز الغرب عن تقديم
دعم عسكري، قد أضعف القوى العلمانية وأدى إلى تقوية الإسلاميين)،
واوضحت إن (مقاتلي القاعدة أصبحوا يشاهدون علناً وهم يجوبون
الغوطة، على بعد أميال من القصر الجمهوري).
لكن ماذا سيكون رد فعل الغرب لبهذه المبادرة السعودية
التي ستؤدي إلى تقوية القوى السلفية؟، تنسب الصحيفة الى
محلل الشأن السوري تشارلز ليستر القول (إذا تأكدوا أن
المعارضة ليست كما تصورها ربما اقتنعوا أن هذا شكلاً من
اشكال مقاومة التطرف). ولفت الى إن (جيش الإسلام قائم
على اساس السلفية، ويتراوح أعضاؤه في مبادئهم بين المعتدلين
والمتطرفين، وهدفهم هو التخلص من نظام بشار الأسد، بنيما
هدف القاعدة هو إقامة دولة إسلامية تصل إلى قلب الشرق
الأوسط).
وفي الحديث عن القاعدة والدور السعودي، ثمة مسعى لتقويقة
الاسلاميين المنافسين المرتبطين بالرياض، وقد نجحت في
أواخر سبتمبر الماضي في تقوية مجموعات مسلّحة حول دمشق
بقيادة شخصية مدعومة من قبل السعودية. وقد يؤدي ذلك الى
تقوية المعارضة عسكرياً، في ظل انتشار الانشقاقات في صفوف
خصوم الأسد، فيما تحاول القوى الدولية لتنظيمهم في محادثات
مع الحكومة.
مصادر دبلوماسية ومسلّحة قالت بأنها السعودية التي
دفعت ألوية المسلّحين للعمل في وحول دمشق والاعلان عن
توحّدهم تحت قيادة واحدة مؤلفة من 50 مجموعة يصل تعدادها
الى آلاف المقاتلين. تشكيل جيش الاسلام في شرقي العاصمة
تحت قيادة زهران علوش، قائد مجموعة لواء الإسلام، أضفى
قوة على السلفيين الجهاديين الذي يوالون الرياض ضد الدولة
الاسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) وفرع القاعدة
والذي نجح في الاسابيع الأخيرة من انتزاع السيطرة على
منطقة كانت خاضعة تحت قوى اسلامية في أجزاء من شمالي وشرقي
سوريا.
فيما يحارب السسلفيون المحليون من أجل حكم ديني في
سوريا، فإنهم عموماً لا يشاركون الطموحات الكونية لجهاديي
القاعدة، وكثير منهم من الاجانب، الذين يريدون إخراج الغربيين
من الشرق الأوسط وتوحيد المسلمين في دولة واحدة.
تأسيس جيش الاسلام من قبل بندر بن سلطان عقب
تصريح مشترك من قبل المجموعات، وبصورة رئيسية في شمال
شرق ولكن يشمل ذلك لواء الإسلام، الذي وافق على القتال
من أجل حكم إسلامي وأيضاً رفض سلطة المعارضة المدعومة
من الغرب والسعودية في المنفى، أي الإئتلاف الوطني السوري.
زهران علوش، المؤسس لمجموعة لواء الإسلام، مع والده
عبد الله، هو رجل دين سلفي سوري أقام في السعودية، تحاشى
التصريح بمعارضته الشخصية للقاعدة أو للإئتلاف الوطني
السوري. ولكنه انتقد الفشل في توحيد المجموعات المسلّحة
في سياق توضيحه لإنشاء هذا التشكيل:
(لقد شكّلنا هذا الجيش..لتحقيق الوحدة بين وحدات المجاهدين
وتفادي الآثار الناجمة عن الانقسامات داخل الائتلاف الوطني)
بحسب ما صرّح لتلفزيون الجزيرة، في إشارة الى المعارك
التي اندلعت بين الجماعات الدينية المسلّحة. ويضيف (إن
جيش الاسلام هو نتيجة تسريع الجهود لناحية توحيد الوحدات
القتالية العاملة في الوطن الحبيب).
وفيما يخص الارتباط بالسعودية، فإن لواء الإسلام، والمؤلف
من عدّة آلاف من المقاتلين، هو من بين المجموعات الأكبر
والأكثر تنظيماً، والذي يحظى باحتراك بينن المقاتلين غير
الاسلاميين بسبب فعاليته. علوّش لم يشأ التعليق على الدور
السعودي في وحدته. وكذلك المسؤولون السعوديون لا يعلقون
على عملياتهم في سوريا، رغم أن بندر بن سلطان يعمل بلا
كلل بمساعدة أخيه غير الشقيق سلمان بن سلطان لدعم الجماعات
المسلحة بهدف الاطاحة بنظام بشار الأسد.
مهما يكن، فإن مصادر دبلوماسية وأخرى من الجماعات المسلذحة
ذكرت بأن السعودية التي تقدّم السلاح والاموال لخصوم الأسد،
كانت وراء تشكيل جيش الإسلام. وأن قائد وحدة تمرد الاسلامية
في جبهة المعارضة لدمشق من قاعدة الجيش لعمليات في الشرق
قال بأن شخصيات سعودية كانت على اتصال مع مجموعات سلفية
مختلفة في الاسابيع الأخيرة، تقدّم لها الدعم في مقابل
تشكيل جبهة مشتركة للحيلولة دون تمدّد القاعدة حول العاصمة،
كما تشير الدلائل الى ذلك.
يقول القائد الذي يطلق على نفسه إسم أبو مصعب (الشخصيات
القبلية السعودية كانت تقوم بالاتصالات الهاتفية بالنيابة
عن الاستخبارات السعودية. وأن استراتيجيتهم هو تقديم الدعم
المالي في مقابل الولاء ـ للسعودية ـ والبقاء بعيداً عن
القاعدة).
وفيما يتمنى المسؤولون السعوديون تفادي أي تصادم مع
الجهاديين الزملاء، فإنهم يختبرون إرادة المقاتلين السلفيين
المحليين في الانضمام للتشكيلات المدعومة من السعودية،
بما يشمل الجيش الوطني السوري المقترح. وهذا، كما يقول
أبو مصعب، قد يعارض القاعدة بنفس الطريقة التي كانت جماعات
الصحوة المموّلة من الولايات المتحدة، والمؤلفة من عناصر
قبلية سنيّة حاربت القاعدة في العراق سنة 2007.
دبلوماسي غربي قال عقب النزاعات بين الجماعات المسلّحة
بأن (السعودية تشعر بعدم الارتياح وبصورة متزايدة مع انضمام
مقاتلين لجماعات القاعدة. وأن التقدّم العسكري الذي أحرزته
الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام مؤخراً قد تسببت
في إحراج السعوديين وأن التحالف الجديد يظهر أنه مصمّم
لوقف القاعدة من اكتساب المزيد من النفوذ). وقال بأن الاستراتيجية
السعودية كانت تسير على خطين متوازيين: دعم الشخصيات الاسلامية
الأقل تشدّداً في المنقف مثل الائتلاف الوطني السوري،
ومساندة الألوية السلفية على الأرض بالسلاح والمال. ويقول
بأن (الكثير من هذه الجماعات السلفية تزدري الائتلاف الوطني
السوري)، ولكن (لا يرى السعوديون في ذلك بكومنه تناقضاً
طالما أنهم سوف يبقون بعيداً عن القاعدة).
دبلوماسي آخر في الشرق الأوسط قال بأنه (شهدنا في الاسابيع
القليلة الماضية بأن كل مجموعة رئيسية تبذل جهوداً لزيادة
نطاق نفوذها. وأن تحالفاً مثل هذا ـ أي التحالف الذي تدعمه
السعودية ـ لن يأخذ مكانه بدون مباركة سعودية). يقول بأن
(لواء الإسلام وحلفائه لم يشعروا بالارتياح إزاء القاعدة
وهي تؤسس قاعدة لها في الغوطة، ولذلك التقت مصالحها مع
مصالح السعودية)، في إشارة الى ريف دمشق حيث تقوم القوات
المسلّحة بالتمتمرس في وحول المدينة.
تجدر الاشارة الى أن الحركة السلفية في الاسلام، تأسست
على قاعدة التعاطي مع النصوص المبكرة للإسلام بصورة حرفية،
وهي حركة مقرّبة من المدرسة الوهابية وه مرتبطة بنظام
آل سعود. وقد خضعت القاعدة تحت تأثير التعاليم السلفية
الوهابية، ولكن مؤسس القاعدة أسامة بن لادن انقلب على
السلفيين الذي نظر إليهم باعتبارهم حلفاء للنظام الملكي
السعودي الفاسد.
ويبدو أن جيش الاسلام يريد تفادي القتال مع القاعدة
الآن. وعقب أن صرّح رجل يدعى سعيد جمعة، وصف بانه قبطان
في جيش الاسلام، لقناة تلفزيونية معارضة بأنهقد يكون هناك
نزاع مفتوح مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد
الشام في حال (استمرت هذه الفوضى)، فإن زهران علوش شجب
على صفحته في تويتر هذا التصريح.
تعليقات جمعة كانت (خطيرة) كما يقول علوش، وأنهها مصّمة
لخلق (نزاع بين المسلمين). كما تفادىى جيش الإسلام أي
خلاف مع الائتلاف الوطني السوري وقال (نحن لا نصنع أعداء
من أولئك الذين ليسوا هم أعداء لنا)، كما يقول الناطق
بإسم جيش الإسلام علوش.
مهما يكن، فإن المجموعة تتقاسم مع الآخرين انتقاد الائتلاف
الوطني السوري لجهة وجوب خضوعه تحت إدارة المقاتلين داخل
سوريا، وليس قيادات في المنفى.
إذا كان هدف الرياض هو إعاقة خصوم القاعدة من خلال
دعمالاسلاميين السوريين المحليين على غرار ما قامت به
واشنطن مع الصحوات القبلية السنية في العراق، فإنها قد
تخطأ في حساباتها، كما يقول حازم أمين. وبخلاف ما كان
عليه مقاتلو القاعدة، كما يقول، فإن السلفيين السوريين
يعتنقون والى حد كبير وجهات نظر راديكالية قريبة من القاعدة.
وكتب حازم الأمين في (الحياة) في 29 سبتمبر الماضي
مقالاً بعنوان (ألوية «السلفية» في دمشق صورة مشتهاة لـ
«صحوات» بغداد)، انتقد فيه أولئك الذي يرسمون خطاً فاصلاً
بين السلفية والقاعدة، على أساس أن السلفية يمكن أن تأخذ
شكلاً وطنياً في مواجهة القاعدة ومشروعها الكوني. ويعلّق
قائلاً (والحال أن توسل السلفية الوطنية في مواجهة السلفية
الجهادية العالمية، يُغفل أولاً طبيعة السلفية كرافض لأي
مضمون وطني للنزاعات، ويغفل ثانياً تحولات جوهرية أصابت
السلفية السورية في سنوات الثورة، وقبل الثورة أيضاً،
أي في سنوات المنع والتوظيف البعثية. فانتقلت السلفية
المُشار إليها من سلفية مدينية دمشقية في الأساس إلى سلفية
ريفية وأخرى بدوية وعشيرية. وهذا التحول هو الذي يُفسر
الضعف الميداني الملحوظ لجماعة «الإخوان المسلمين» السوريين
في مساحات النزاع السورية. فالجماعة نشأت في المدن، وهي
تمت بقرابة أكيدة لسلفيات المدن السورية التقليدية، فيما
السلفية المنبعثة مجدداً والمتمثلة ميدانياً بـ «أحرار
الشام» ولوائي الإسلام والتوحيد سلفيات ريفي حلب وإدلب
بالدرجة الأولى، مضافة إليها ألوية غير مركزية منتشرة
في ريفي دمشق ودرعا).
ينفي الأمين عن السلفية السورية امتدادها لأنواع السلفية
الاجتماعية، ويؤكد على (إنها سلفية حركية، وهي في جوهرها
«جهادية» وسائرة نحو التكفير على نحو ما أصاب قريناتها
في الدول والمجتمعات المجاورة).
ويرى الأمين بأن البنية التنظيمية للمجموعات السلفية
ريفية، بعد أن زحفت المجموعات السلفية وباقي المجموعات
القاعدية وغيرها من الأطراف الى المركز ولم تختلف في نزوعاتها
وأهدافها وحتى تكتيكاتها عن الموديلات السائدة خلف الحدود
سواء في أفغانستان او اليمن او العراق أو باكستان، فبالتالي
فإن الحديث عن سلفية متناقضة أو مختلفة عن باقي السلفيات
يمكن التعويل عليها في تشكيل مستقبل سوريا الوطني والديمقراطي
هو حديث طوباوي ورهان خاسر. وكذا الحال، بالنسبة للتعويل
على مجموعات جيش الاسلام من أن تتحول الى صحوات لمواجهة
القاعدة، فإن ذلك ضرب من الخيال بل من المغامرة القاتلة
لأن النسيج الاجتماعي السوري يختلف عن نظيره العراقي،
وأن هذه المجموعات ليست بالمتناقضة عقدياً ورؤيوياً مع
القاعدة.
في المقابل، تعمل السعودية على تقويض بوادر تشكل جهة
عسكرية يمكن أن تمثل المعارضة في جنيف 2، من خلال تفجير
نزاعات مسلّحة بين الجماعات العاملة في الساحة السورية.
فقد شجّعت القتال بين دولة الاسلام في العراق وبلاد الشام
والجيش السوري الحر في عدد من المحافظات. وتأتي هذه المواجهات
عقب تقارير عن تواصل قيادات في الجيش الحر مع النظام السوري،
حيث عملت المخابرات التركية والسعودية على تعويق أي تواصل
مستقبلي بين الجيش الحر والنظام السوري، ودفعت المخابرات
السعودية بعناصر تكفيرية بمهاجمة مواقع الجيش الحر في
أكثر من مكان، وخصوصاً في ريف حلب القريب من الحدود التركية.
في الوقت نفسه، استطاعت الجماعات السلفية التكفيرية
المرتبطة بجيش الاسلام، بتقوض القوة العسكرية الضاربة
للمخابرات التركية في شمال سورية والمتمثلة في (لواء التوحيد)،
خصوصاً بعد تراخي الاتراك في تقديم التسهيلات الأرضية
واللوجستية للجماعات المسلّحة وهو ما دفع بتنظيم (داعش)
لتنفيذ عمليات تفجير داخل الأراضي التركية لتنبيه حكومة
استانبول من أن الضغوطات التي تمارس على القاعدة قد تدفعها
الى تنفيذ عمليات قد تصل الى استانبول وإنقره، كما ورد
في بيان للتنظيم في 5 أكتوبر.
بندر بن سلطان الذي يدير تحالف جيش الإسلام، عمل على
إضعاف المجموعات والألوية التي تعمل خارج مظلته، وركّز
دوره في تقويض قوة الجيش السوري الحر.
تشير معلومات متوافرة من مصادرة عديدة الى أن الأميركيين
يعملون حالياً الى تقوية دور الجيش الحر، باعتباره وحده
الذي يمكن الرهان عليه في أية ترتيبات مستقبلية، وهو ما
يثير مخاوف لدى السعوديين من أن تستكمل واشنطن عملية التخلي
عن حليفها السعودي في الموضوع السوري ما دفعها لأن تدير
معركتها في هذا الملف منفردة، خشية من أن تخرج من الموسم
السوري بلا حمص.. فبعد أن خسر رهان الضربة العسكرية الأميركية
على سوريا، يخشى بندر بن سلطان أن يخسر أيضاً الرهان على
التسوية التي قد تفرض عليه رهانات من نوع آخر، قد يكون
من بينها تحريك القاعدة، رغم ما ينطوي عليه رهان من هذا
القبيل من مخاطر لن تخرج منها الرياض معافاة، وقد جرّبت
ذلك في أوقات سابقة..وقد كانت رسالة التحذير التي بعثت
بها القاعدة مؤخراً الى وزير الداخلية محمد بن نايف من
أن محاولة الاغتيال الفاشلة التي أخطأته قد تتكرر بنجاح
في المرة القادمة.
|