دولـة الصبر
تبدأ موعظة الصبر بالقسمة التقليدية التالية: الصبر
على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على البلاء...
وهناك صبر رابع نضيفه نحن المبتلون هو الصبر على آل سعود..
والسبب في ذلك، أنّه صبر بدون أسباب، كالذي يملك المال
الوفير ويتواجد بالقرب من مطعم وليس هناك ما يمنع دخوله
اليه وتناول طعام، ثم يشكو الجوع، أو الذي يعيش في بلد
نفطي يكاد المدخول المالي من بيعه يغطي مساحة البلاد من
كل أرجائها ومع ذلك يطلب منك الحاكم الصبر على الفقر والعوز.
يطالبك الواعظ والحاكم بالصبر على فقرك وبطالتك وحرمانك
من السكن المحتشم والحياة المعيشية الكريمة مع أن لا أسباب
لذلك كله، سوى أن ثمة اختلالاً في ميزان العدل، أو تفشي
الفساد الى الحد الذي أضاع حقوق الشعب..
يتذكر المواطنون زيارة الملك عبد الله، حين كان ولياً
للعهد، في رمضان العام 2002، الى حي الشميسي في الرياض،
ووقف على معاناة سكّان الحي، وأزمة السكن التي يعاني منها
الملايين في هذا البلد. تعهد الملك حينذاك بحل سريع، تبعه
الوليد بن طلال بإطلاق وعد ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية..
ولكن بعد عشر سنوات لا زالت أزمتا القفر والسكن على
حالهما بل أسوأ مما كانتا عليه سابقاً، إذ لا يزال 78
بالمئة من السكّان يعيشون في بيوت مستأجرة، فيما يعيش
3 ملايين مواطن تحت خط الفقر، وهناك مليونا عاطل عن العمل،
ولم نسمع عن خطة طوارىء أعلنت عنها الدولة لمعالجات حاسمة
لمثل هذه المشكلات التي من شأنها أن تطيح حكومات وتدق
ناقوس الخطر في الدول التي يحكمها القانون..
ما لفت انتباهنا، أو بالأحرى ما صدمنا، هو أن ينبري
الأمير سلمان، ولي العهد وبمناسبة اليوم الوطني، الذي
تحوّل الى يوم إطلاق الوعود المؤجلة، ويطالب المواطنين
بتجنب ما وصفه (الإحباط أمام قضايا السكن والخدمات الأخرى)،
ويقول في كلمة له في 22 سبتمبر، أي قبل يوم من الاحتفال
باليوم الوطني أن (التركيز على النقائص والعيوب بوجه يفوق
المحاسن والمزايا مهما عظمت أمر معتاد، لكن لا يجب أن
يسيطر هذا الشعور المحبط فيمنعنا من العمل والإنتاج).
يبدو أن الامير يعيش في زمن خارج التاريخ، ونسي أن
المآسي التي يعاني منها المواطنون لم تدع لهم مجالاً للتفكير
في الرفاه، بل هبط سقف توقعاتهم الى مجرد البقاء على قيد
الحياة. ومن غريب كلام الأمير الذي أتقن الوعود بأن (الدولة
تجتهد دون كلل في تحقيق رفاهية المواطنين وتتلمس مواطن
القصور في قضايا الإسكان وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية
وجودة التعليم وكفاءة عمل الأجهزة الخدمية فلنمنحها الوقت
والفرصة، ولنعينها على التطوير بالنقد القويم وبالمشورة
والرأي لا بالهجوم الهادم، وليكن معيارنا أداء المؤسسة
وإنتاجها لا الأشخاص والأسماء، فهذا ليس من خلقنا ولا
تعاليم ديننا).
ونتساءل إذا كانت الدولة تجتهد حقاً وهذا ما جنته على
شعب باكمله فقراً وحرماناً من السكن والوظيفة والعيش الكريم،
فإن بقاءها يغدو كارثة في الاحوال المتردية، إذ لا يمكن
تركها وشأنها وهي تقترف كل يوم جريمة ضد شعبها في كل المستويات.
ومن طامات الأمير سلمان توضيحه: (لا أبيح سراً إذا
قلت لمواطني المملكة الأعزاء إن هموم المواطنين، خصوصا
فئة الشباب، تحتل اليوم المساحة الأكبر والاهتمام الأكبر
من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي تؤرقه قضاياهم، هموم
كتوفير الوظيفة اللائقة ورفع مستوى الدخل وتيسير السكن
الكريم والرعاية الصحية الكاملة لهم ولأطفالهم ولهذا فإن
التركيز والاستثمارات في المشاريع الحالية والخطط المقبلة
تتوجه لمعالجة هذه القضايا والتغلب على هذه التحديات).
ولا نعلم على من يكذب بهذا الكلام، ومن يشتريه في الأصل،
ونخشى أنه يحدث نفسه فيكذب ويصدق كذبته، فمن يقول عنه
هذا الكلام هو نفسه من زار حي الشميسي في الرياض قبل عشر
سنوات وأطلق الوعود من هناك بحل مشكلة الفقر، والسكن..
ولكن الحال ازداد سوءً على سوء، فيما بقي الأمير يهدي
وعوده الفارغة لكل من زاره، وضاع الشعب بين (إصبروا) السلمانية
و (ابشروا) السلطانية، وبينهما لم يقبض الشعب من عبد الله
لا حشفاً ولا طيناً.
من حق المواطنين أن يكفروا بهذه الدولة وبمن يقوم عليها
وبمن يبرر لها اخطاءها، فقد تفجّرت خزائن الأرض وأخرجت
كل خيراتها وبلغ حجم الرصيد المالي المتراكم من موازنات
العام 2003 حتى العام 2013 ما مقداره (2245 مليار ريال)
أي ما يعادل 600 مليار دولار. فهل يعقل أن يطالب ولي العهد
المواطنين بالصبر، وهل خزينة الدولة فارغة، أم أن الالتزامات
المالية المفروضة عليها من الخارج تحول دون معالجة مشكلات
الناس؟
أموال طائلة تراكمت، ولكن من المؤسف إما أنفقت في الخارج
لتمويل صفقات عسكرية مشبوهة الأهداف، أو دخلت في جيوب
الأمراء عبر عناوين شتى، أو وضعت في خدمة الحروب والفتن،
أما الشعب فعليه الصبر، وقد صبر حتى ملّ الصبر من صبره،
كيف وأن لا مبرر مطلقاً لهذا الصبر الذي يفرض عليه كي
ينسى حقوقه الضائعة بين جشع بعض الأمراء ونزعة حروب أمراء
آخرين، ولكن للصبر حدود.. ولا بدّ أن يكسر الشعب قيد صبره،
وكما يقول المثل (والحرّ يأكل بمخلابه).
|