مملكةٌ تودّع منها
حين غضب العرب والمسلمون على امريكا، لهجوا بالدعاء
عليها وعلى ربيبتها اسرائيل. فقال الأمراء هذا تدخل في
السياسة، والصحيح عدم ادخال الدين في السياسة، ووزعت وزارة
الشؤون الاسلامية على الخطباء بأن يلتزموا بالدعاء لولي
الأمر، وأن يسألوا الهداية للبشرية. لكن الدعاء كسلاح
سياسي لم تنفك العائلة الحاكمة عن استخدامه، ففي معركتها
اليوم تلهج الألسن بالدعاء على الشيعة حتى المواطنين منهم،
وعلى الحكومات في سوريا وايران والعراق، وحتى على الإخوان
المسلمين. هذا حلال سعودياً على الأقل الى حين يغيّر النظام
من مواقفه. فإذا تغيّر الموقف السياسي تحوّل الدعاء باتجاه
آخر، إلا ان تكون ضد امريكا واسرائيل والعياذ بالله.
الدعاء سلاح المواطن المظلوم الذي فقد او لم تتوفر
له أدوات دفع البلاء عن نفسه فضلاً عن استحصال حقوقه.
وحتى هذا السلاح الإلهي يريد الأمراء تجريد المواطن منه،
حتى ولو كان بينه وبين ربّه! فقد أفتى لنا جملة من المشايخ
بأنه لا يجوز الدعاء على المسؤول حتى وإن كان ظالماً!
كما يقول المتلاعبون بالدين والكرامة الإنسانية.
* * *
ما مدى اعتزاز المواطن بانتمائه لبلد تسمّى (المملكة
العربية السعودية). كثيرون إن لم يكن الأكثرية تقول بأنهم
لا يعتزّون بانتمائهم هذا، وهو أمرٌ صار معلوماً بالضرورة،
إما على خلفية أداء سلطة العائلة الحاكمة وفشلها في توفير
احتياجات المواطن والحفاظ على كرامته وحقوقه، وإما على
خلفية سياسية ترى أن من المعيب ان ينتسب المواطن الى مُسمّى
عائلة حاكمة مستبدّة.
كان المواطن قبل عقد او أكثر يظن بأن بلده متقدماً
وأنه يعيش أفضل من غيره. ويومها ظهر لنا أحدهم بشعار:
(يا بلد ما مثلك بلد)؛ وظهر لنا خالد الفيصل صادحاً بعنصرية:
(ارفع راسك انت سعودي/ غيرك ينقص وأنت تزودي). لكن مع
الإنفتاح التكنولوجي اكتشف المواطنون عبر المقارنة مع
الدول المجاورة، ان كذبة كبيرة بل خديعة عظمى قد مرّت
عليهم. اليوم يكتشف المواطن أنه ليس مواطناً بحق، وأنه
لا يوجد ما يفخر به، كما لا يفخر بانتسابه لعائلة حاكمة،
ولا بأدائها السياسي، ولا بسلوك أمرائها الشخصي.
المقارنة مع دبي او قطر في التنمية يكاد يخنق النظام
(ويجلط ـ نسبة الى الجلطة) المواطنين قهراً وغيظاً على
أمرائهم!
مواطنون كثيرون حين يُسألون في الخارج عن جنيستهم فإنهم
ينتسبون الى دولة اخرى، منعاً لكراهيتهم او استغلالهم.
صار المواطن إما إرهابياً، أو صيداً ثميناً غبياً. احدى
المواطنات كتبت: (لا والله الا استحي أني سعودية، وأتفشّلْ
وينقطع وجهي. بَعَدْ سعودية مْنَتَّفَهْ كيف تصير؟).
خاطب أحدهم زملاءه: يكفيكَ ذلاً وعاراً أن اسمك سعودي!
* * *
وزارة العدل بدأت بمحاكمة المحامين الذين يغرّدون على
تويتر خلافاً لأوامرها. عبدالله المقحم شاعر اتحفنا بقصيدة
طويلة ضد الوزارة، جاء فيها:
وزارةُ عدْلِنا مهلاً علينا
بربّكِ أين هذا العدلُ أينا؟
تركتِ مشاكلَ الثقلينِ طُرّاً
وجئتِ تُرينَ في الأحرارِ
شَيْنا
بربّكِ كيفً تتهمينَ قوماً
عرفنا منهمُ وَرَعاً وزَيْنا
فخلّي عنكِ تلفيقَ الرزايا
فلنْ تُعمي عن الإصباحِ
عَيْنا
محامونَ استبدَّ بهم قرارٌ
ونحنُ اذا قسى القاسي أَبَيْنا
وليس الى تويترَ من سبيلٍ
إليهم في التحاكم أو إلينا
فما والله ما في العيشِ خَيْرٌ
اذا يوماً لِذُلِّكُمُ ارتضينا
|
* * *
قد يكون صحيحاً ما قاله استاذ علم اجتماع سعودي، بأن
أكثر من ٧٤ بالمائة من الشعب السعودي مريض نفسياً. ولعل
المرض النفسي مصاحب لمرض أخطر وهو الجهل الى حدّ الإعاقة.
من نموذج ذلك أن جامعة خاصة بالفتيات أقامت سباقاً لهن
بعيداً عن أعين الرجال الوقحة! فاشتعل تويتر، لأنّ إحدى
الطالبات رأت في ذلك تغريباً خطيراً، لكنها لم تتورّع
عن نشر صور لبعض الفتيات وهنّ يركضن بملابس محتشمة، حتى
انها صورت أقدامهن، وكان ذلك قمة الإغراء واعتبرته مدعاة
للتحرّش!
تلقّف شيخ سلفي، هو محمد الشنار، خبر الماراثون مفجوعاً:
يا للهول! والله لا أكاد أصدق ما أرى!: وداعاً للحياء!.
وبدأت المعركة حول المرأة والرياضة، إذ لا يوجد مثيرٌ
هنا للعقول المتخلّفة سوى هذا الموضوع.
وداعاً لهذه العقول فقد تُودّع منها!
في القرن العاشر الميلادي وهو القرن الذي مثّل أوج
الحضارة الإسلامية، قال المتنبي: (أغاية الدينْ أنْ تَحْفوا
شوارِبَكُم/ يا أمّة ضحكتْ من جهلها الأممُ).
في القرن الواحد والعشرين الميلادي، ما عساه سيقول
لذات الصنف من الجهلة؟
* * *
نشرت وول ستريت جورنال بأن السعودية تعتبر ثالث أسوأ
دولة في العالم في تعاملها مع أوضاع المرأة.
استاء المواطنون على تويتر وقالوا أن هناك مؤامرة،
فالسعودية يجب أن تكون الأولى، فالمملكة لا تقبل إلا أن
تكون سبّاقة وفي المقدّمة!
المغرد الممتع عبدالله بن عباد عدد أسوأ ثلاث دول في
احترام حقوق المرأة: (الدولة السعودية الأولى ـ الدولة
السعودية الثانية ـ الدولة السعودية الثالثة)!
ومن التعليقات:
ـ هناك غش بل مؤامرة. فمن استحقّ المركز الأول؟
ـ شدّوا حيلكم ياجماعة، ما باقي شيء عن المركز الأول.
ـ قهر. حتى بهذي ما أخذنا المركز الأول؟
|