مراجعة للعلاقات السعودية البريطانية
لم تكن مراجعة حقيقية، ولكن السلطات البريطانية وجدت
نفسها بحاجة الى تبرير هذه العلاقات الخاصة مع السعودية.
وفي نفس الوقت يمكن قراءة الأمر على نحو مختلف، فإن طرح
المراجعة يدلّ على تضاؤل مكانة السعودية الإستراتيجية
بالنسبة لدول الغرب
عبد الوهاب فقي
أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني
تقريراً مطولاً راجعت فيه العلاقات السعودية البحرينية
مع بريطانيا. اللجنة برئاسة ريتشارد اوتاواي من المحافظين،
مع ثلاثة عشر نائباً آخرين يمثلون الأحزاب الرئيسية بما
فيها حزب العمال والليبرالي الديمقراطي.
فيما يخص السعودية، فإن التقرير راجع العلاقات التاريخية
معها، وأوضح المصالح المشتركة السياسية والعسكرية والإقتصادية
والأمنية وغيرها والعوائق التي تكتنفها.
يقرّ التقرير في موضوع التعاون بشأن مكافحة الإرهاب
بأنه مهم لأمن بريطانيا والولايات المتحدة خاصة ما يتعلق
بشأن الطائرات بدون طيار التي تقصف القاعدة في اليمن،
ولكن الدور الذي لعبته السعودية في هذا الشأن كان مختلطاً
ومتناقضاً حسب التقرير، حيث أكد بأن السلطات السعودية
لم تعط الإهتمام الكافي للتأثيرات الخطيرة المتعلقة بتمويل
الإرهاب، وبترويج الفكر الديني المتطرف خارج الحدود للجماعات
المتطرفة في العالم.
ولاحظ التقرير النشاط السعودي في دول شمال افريقيا
حيث تدعم السعودية نشر المدارس الوهابية وتفتتح المساجد
وتدعم منظمات سياسية، وهي انشطة تؤدي الى عدم الإستقرار
والارهاب. واعتمد التقرير على ما ذكرته وزير الخارجية
هيلاري كلينتون عام ٢٠٠٨ بأن الدعم السعودي يمثل الجزء
الأهم في تمويل الجماعات الإرهابية في العالم بما فيها
القاعدة والطالبان وغيرها. كما لاحظ التقرير ان السعودية
مهتمة بالقضاء على القاعدة داخلها، ولكن محاربتها في الخارج
ليست من اولوياتها الاستراتيجية. وهذه السياسة جعلت مدير
مركز الأبحاث (RUSI) الدكتور جوناثان ايال، ينظر الى الرياض
بأنها (جزء من المشكلة وجزء من الحل).
ونصح التقرير الحكومة البريطانية بأن تعمل على اقناع
السعودية برقابة صارمة على تدفق الأموال منها الى جماعات
تحمل رسائل دينية وسياسية متطرفة. أيضاً نصح التقرير الحكومة
البريطانية بأن توضح للسعودية بأن نشر القيم الدينية لا
يجب أن يؤدي في النهاية الى المساهمة في المزيد من نشر
التطرف، خاصة في دول شمال افريقيا، والباكستان وبنغلاديش
وأندونيسيا.
بيد أن التقرير أكد وجود نقد حاد للحكومة البريطانية
من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني لتعاونها
الأمني مع السعودية التي تعتقل الآلاف من المتهمين بدون
محاكمة لمدد طويلة وفي الإنفرادي. العفو الدولية أفادت
لجنة الشؤون الخارجية بأن السلطات السعودية تستخدم التعذيب
واساءة المعاملة للمعتقلين بصورة كبيرة لتحصيل اعترافات.
لكن رئيس الوزراء البريطاني قال بأن حكومته لا تستطيع
استخدام المعلومات التي يتم الحصول عليها تحت التعذيب.
ومن جهة ثانية فإن موظفي الخارجية البريطانية عبروا عن
قلقهم للسلطات السعودية بشأن الاعتقالات الاعتباطية التي
تقوم بها، وانه بالرغم من ان السعودية قالت انها ستسمح
لموظفي السفارة البريطانية في الرياض بحضور المحاكمات
إلا أنها لم تفعل حتى الآن.
فيما يتعلق بالاصلاحات وحقوق الإنسان، يقر التقرير
ابتداء بأن هناك ملكية مطلقة كنظام حكم في السعودية ولا
يوجد بها نظام تشريعي او أحزاب سياسية، وان من يعبّر عن
مخالفة فإنه يجازف بتعرضه للعقاب. وحسب الايكونوميست انتجلنس
يونيت لعام ٢٠١١، فإن السعودية من حيث الديمقراطية تأتي
في المرتبة ١٦١ من مجموع دول العالم ١٦٧. ومع هذا، وحسب
التقرير، فإلى جانب التظاهرات في المنطقة الشرقية، فإنه
لا يظهر ان هناك حركة سياسية منظمة واسعة ضد القيادة السعودية.
في موضوع حقوق الانسان، بيّن التقرير نماذج من المعاهدات
الدولية التي ترفض الرياض المصادقة عليها، وان سجل الرياض
الحقوقي بائس جداً، حيث مثار القلق بشأن التعذيب، وغياب
حكم القانون، والقيود الشديدة ضد المرأة، وغياب حرية التعبير
والتجمع، وكذلك القيود على حقوق الأقليات والعمالة المهاجرة،
اضافة الى الانتهاكات المرتبطة بالعمليات الأمنية في المنطقة
الشرقية، حيث الأكثرية الشيعية وحيث الصناعة النفطية.
يواصل التقرير، موضحا انه من المستحيل تسجيل منظمات
حقوقية كي تعمل، وان الناشطين الحقوقيين يجري تجريمهم
وسجنهم. وكانت شهادة الحقوقيين واضحة بشأن القمع حيث يذكر
التقرير ان ١٤ شخصاً قتلوا بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢ في مظاهرات
المنطقة الشرقية. ويؤكد معدّو التقرير بأن حقوق الإنسان
في السعودية لازالت سيئة، وأن هناك غياباً للحقوق المدنية
والسياسية في البلاد، وان السلطات تستخدم العقوبات الصارمة
في ظل نظام قضائي سيء، ومما يثير القلق ايضاً وضع المرأة
والأقليات.
وتقول الحكومة البريطانية بأنها ناقشت اوضاع حقوق الانسان
مع الحكومة السعودية علنا وسراً، وانها وضعت السعودية
ضمن الدول التي يثير سجلها القلق، وان وزارة الخارجية
تراقب الأمر وتوضح موقفها في تقريرها ربع السنوي بشأن
حقوق الإنسان، كما انها أصدرت عام ٢٠١٣ خمسة بيانات علنية
بشأن قضايا سعودية حقوقية.
لكن التقرير يعترف بأن حكومة ديمقراطية مثل بريطانيا
تواجه تحدياً في مواصلة العلاقة مع أنظمة غير ديمقراطية
ولكنها مهمة لمصالحها.
التقرير الذي اعدته لجنة الشؤون الخارجية، دافع عن
سياسة بريطانيا، وافرد مساحة واسعة لمقولات الحكومة السعودية
ومبرراتها والتي عبر عنها نواب بريطانيون مقربون من الرياض،
وصحفيون يعملون لصالحها، وحين خرج التقرير فإنه لم يرض
الصحافة ولا المنظمات الحقوقية، رغم النقد الناعم.
صحيفة مورننغ ستار قالت بأن أعضاء برلمان اتهموا بتبييض
سياسة الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط. ونقلت عن منظمات
حقوقية قولها بأن اللجنة فشلت بشأن المعايير المزدوجة
لبريطانيا في تعاطيها مع النظامين السعودي والبحريني.
ونقلت عن تيم هانكوك مدير الحملات في العفو الدولية قوله
بأنه اصيب بخيبة امل حقيقية بأداء لجنة الشؤون الخارجية
في البرلمان. أما منظمة الحملة ضد تجارة السلاح (كات)
فذهبت أبعد من ذلك واعتبرت التقرير (تبييضاً) لسياسات
بريطانيا السوداء. وانتقدت تعيين ويليام باتي سفير بريطانيا
السابق في الرياض مستشاراً مختصاً للجنة المعدّة. وزادت
كات بأن ابدت تحفظاتها بشأن لقاءات غير رسمية بين اعضاء
اللجنة وشركة بي أيه إي الموردة للسلاح البريطاني للرياض.
وقالت آن فيلثام المنسقة في كات بأنه ولسوء الحظ تم إقحام
شركة السلاح ومصالح المؤسسة الرسمية في قلب التحقيق في
العلاقات بين السعودية وبريطانيا، واضافت بأن اللجنة قدمت
بتقريرها غطاءً للحكومة البريطانية لمواصلة سياساتها التوددية
لأنظمة منحطة رغبة في توسيع مبيعات السلاح.
وتواصل النقد للتقرير من صحيفة التايمز ايضاً التي
اتهمت البرلمانيين بانهم لم يكونوا أمينين فيما يتعلق
بحقوق الإنسان في السعودية.
اما صحيفة الغارديان فركزت على نقطة في التحقيق تقول
بأن على الحكومة البريطانية ان توضح أكثر لشعبها موقفها
بشأن الأوضاع السياسية والحقوقية في السعودية، وقالت بأن
بريطانيا تعاني من مشكلة في المصداقية في ادعائها دعمها
للإصلاح في السعودية، التي وصفها عضو برلمان بأنها من
أدنى الدول ديمقراطية في العالم، مع سجل حقوقي بائس.
|