دولة المـوت
في أغسطس الماضي كشف النقاب عن برقيات أميركية سرية
تعود الى عام 2009، وتتحدث عن علاقة العراق بجيرانه، ووصفت
إحدى البرقيات بأن السعودية هي (التحدي الأكبر والمشكلة
الأكثر تعقيداً للعراق).
مجموعة برقيات سرية بعثها السفير الأمريكي السابق في
العراق (كريستوفر هيل)، إلى وزارة الخارجية الأمريكية،
ونشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية في 9 أغسطس الماضي،
تفيد بأن (السعودية تشكل التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر
تعقيداً بالنسبة إلى الساسة العراقيين، الذين يحاولون
تشكيل حكومة مستقرة ومستقلة، وسبب ذلك هو المال السعودي
ومواقفها المعادية للطوائف الأخرى، وهواجس تعزيز نفوذ
بعض بلدان المنطقة إقليمياً).
البرقيات كشفت عن أن السعودية كانت (ترعى التحريض الطائفي،
وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل أتباع الطوائف
الأخرى)، وأضاف هيل في برقيته المؤرخة في 24 سبتمبر 2009،
وهي تتناول علاقات العراق مع الدول المجاورة الرئيسة،
مثل السعودية والكويت وسوريا وتركيا، أن (المسئولين العراقيين
يرون أن العلاقات مع السعودية من أكثر مشكلاتهم تعقيداً)،
مبينا أنهم (يؤكدون سماح القيادة السعودية بصورة دورية
لرجال الدين السعوديين بصب جام غضبهم الطائفي على طائفة
معينة والتحريض ضدها).
واستطرد السفير الأمريكي السابق بالقول: (لقد نظر السعوديون
نظرة تقليدية إلى العراق، كحاجز ضد النفوذ السياسي الإيراني)،
ولفت هيل في برقيته إلى أن (مصادر مخابراتية أفادت بأن
السعودية تقوم بجهد في دول الخليج، لزعزعة حكومة رئيس
الوزراء العراقي نوري المالكي، كما تموّل هجمات تنظيم
القاعدة في العراق).
تثير البرقيات السرية قلقاً لدى الدول العربية المجاورة
للمملكة السعودية التي تقوم بتحصين نفسها بأسوار الكترونية
منعاً لأي اختراقات حدودية، ومع ذلك تسمح لنفسها بأن تتدخل
في هذه الدول عبر تمويل عمليات الموت والدمار فيها. فمن
أجل منع النفوذ الايراني في العراق تقوم بإشاعة الموت
والخراب في كل أرجائه، حتى بات العراقيون من كل الطوائف
على دراية تامة بأن ثمة جهاز استخبارات سعودي يقف وراء
السيارات المفخّخة والعنف المتفشي في كل محافظات العراق.
هناك حضور للسعودية في الدول المصنّفة في خانة الخصوم،
ومن أجل أن تنعم هي بالاستقرار.. تدفع بفائض العنف في
الداخل كيما يفرغ خارج الحدود، حتى باتت نسبة السعوديين
المشاركين في الارهاب في العراق هي الأعلى.
رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، وبصرف النظر عن
الموقف من سياساته المحلية، فإنه تقدّم بدعوة علنية لزيارة
المملكة لحل مشكلة بلاده مع النظام السعودي من أجل تجنيب
بلاده ويلات العنف المتنامي، ولكن لم تلق دعوته أي رد
سعودي، وكأن الجنون السعودي بات اليوم يحصد أرواح الابرياء
دون هوادة، إرضاء لمصاصي الدماء من المرضى في جهاز الاستخبارات
السعودية أو من أمراء الدماء والكراهية.
شباب في عمر الورد وبدلاً من أن يفاد منهم لإعمار اوطانهم
ورفاهية شعوبهم، يتحولون بفعل المال السعودي الى قتلة
وانتحاريين بإسم الجهاد الذي تشوّهت صورته وأغراضه.. وصار
العنصر السعودي حاضراً اليوم في دوامة العنف في العراق
وسوريا ولبنان واليمن.. ومن أجل من، ولأي غاية؟
الأنكى، أننا بتنا اليوم أمام واقع جديد بحيث أصبحت
اسرائيل عضواً في تحالف عربي يضم دول مجلس التعاون الخليجي
بقيادة السعودية الى جانب الاردن، ويستهدف نقل المواجهة
من ساحة النضال العربي الحقيقي الى ساحات جانبية، في عملية
تشويه تقودها السعودية والكيان الاسرائيلي بتحويل الصراع
الى سني شيعي، بعد أن كان عربي اسرائيلي، ويصبح آل سعود
هم حماة الاسلام والمدافعون عن أهل السنة والجماعة..
إن دوامة العنف التي تقودها السعودية والتي انتقلت
الى طرابلس شمالي لبنان، والتي تنذر باندلاع حرب أهلية،
وأقحام المخيمات الفلسطينية في لبنان لتوسيع دائرة الفوضى
لاخفاء عجزها في الميدان السوري، يهدد كل المنطقة بالفوضى
لمنع أي تسوية سياسية توقف مسلسل الموت الرخيص والدمار
المنتشر في كل أرجاء سوريا، فيما تهدد السعودية بوضع العراق
ولبنان ضمن دائرة مواجهة داخلية واسعة، عبر السيارات المفخخة
التي كشفت التحقيقات عن ضلوع الاستخبارات السعودية فيها
سواء في لبنان أو في العراق.
وما يبعث على الأسى، أن تكون دماء العرب ثمناً للمقايضة
السياسية الهابطة، كالتي يقوم بها الامير بندر بن سلطان،
رئيس الاستخبارات السعودية وآخرها في زيارته لروسيا، ولقائه
بالرئيس فيلادمير بوتين، حيث ينقل معه كمية الدماء التي
سفكها في سوريا ولبنان والعراق كيما يبادلها بمواقف روسية
جديدة، وحتى صفقات اٍلأسلحة التي اشترتها السعودية من
الأخيرة لحساب مصر لم تكن من أجل عيونها وإنما من أجل
منع الديمقراطية من أن تولد في مصر بعد انقلاب الثلاثين
من يونيو الماضي.
السعودية اليوم باتت موغلة في سفك الدماء، وترفض مجرد
الاصغاء لنداءات العقل والدبلوماسية وترى بأن لا خيار
أمامها سوى اقتراف المزيد من دماء الابرياء في البلدان
المجاورة كما في اليمن، والعراق، أو خلف البحار كما في
السودان، أو في بلدان عربية اختلفت معها بعد حلف طويل
فقررت الانتقام بالدم والهدم على طريقة الجماعات التكفيرية
التي خرجت من عباءة شيوخها ومؤسساتها الدينية.
سوف يكتشف آل سعود كم هم واهمون حين اعتقدوا بأن التاريخ
يمكن إعادته للوراء، وأن الدماء التي تسفك سوف تجف وتنسى
آثارها، فالضحايا والمكتوون بحرقة فقد الأحبة عبر فرق
الموت الأهوج سوف يكون لهم يوم ينتقمون فيه ممن حرمهم،
وظلمهم، وأمات الابتسامة في شفافهم.
|