ممثل أمير تبوك في (الهيئة) وعضو نادي أدبي!
العطوي أمير (شرعي) في (جبهة النصرة)
محمد شمس
كل شيء يمكن توقّعه في مملكة العجائب، وفي ظل التيه
العام الذي عكس نفسه في أزمات عديدة: أزمة الهوية، أزمة
الثقافة الدينية، أزمة الدولة الشمولية التسلّطية. أصبح
المواطنون كما لو أنهم على مركب مختطف، فيسير بهم كما
يشاء الخاطفون، وقد يخضع المخطوفون تحت تأثير خطابات قهرية
مفروضة عليهم.. ولكن هناك من ألف تلك الخطابات وهضمها
وتصرّف على أساسها.
سلطان بن عيسى العطوي، مثقف وأديب وعضو في نادي تبوك
الأدبي، قرّر في صيف 2013 ان يغادر البلاد باتجاه (أرض
الرباط!) في سوريا، ولم يمض عليه وقت طويل حتى أصبح أميراً
في (جبهة النصرة)، وصار يبشّر بأفكارها ويدعو لدعمها،
وينشر بياناتها المنشورة على حسابها (المنارة البيضاء)،
والأنكى أنه تحوّل الى مكفّراتي من الطراز الأول، فصار
يقسّم خلق الله الى مؤمن وكافر، وصار (شرعياً) بحسب الوصف
القاعدي، لمن يضطلع بمهمة الإفتاء داخل التنظيمات القاعدية.
نشرت صحيفة (الوطن) السعودية في 6 فبراير الجاري مقالاً
من مسقط رأس العطوي (تبوك)، تناول فيه الكاتب عبد القادر
عياد جوانب من حياة العطوي، وقال بأن محيطه الخاص عرفه
بأنه (شاعر مهتم بالأدب)، كما عرف لدى عموم الناس بأنه
(موظف في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة
تبوك، ومسؤول عن ملف الجرائم المعلوماتية فيها)، أما السوريون
فله هوية أخرى يعرف بها وهي كونه (قيادي في جبهة النصرة).
يرجع الكاتب تحوّل العطوي من الأدب والاحتساب الى القتال
في سورية الى 29 حزيران (يونيو) من العام الماضي، وهو
اليوم الذي غاب فيه عن الانظار. بطبيعة الحال، كان تبرؤ
النادي الأدبي في تبوك من العطوي خطوة متوقّعة وضرورية
من أجل الحفاظ على سمعة النادي وإبعاد شبهة الضلوع في
(تمجيد) الارهاب، أو تخريج متطرفين.
أقرباء العطوي تحدّثوا عن سفره اللافت، حيث (ذهب للقتال
قبل 29 يونيو مع مجموعة من الشباب)، أي أنه لم يسافر بمفرده،
ما يسقط مزاعم الداخلية حول استحالة مراقبة كل مسافر،
فالعطوي سافر بصحبة مجموعة.
بعد سفره الى سوريا، راح العطوي يروي سيرته الذاتيه،
بدأها بالثناء على جبهة النصرة عبر حسابه في (تويتر)،
وقال بأنه انتقل في صغره إلى منطقة القصيم، وتلقى فيها
العلم الشرعي، فيما كان يعمل مؤخراً إماماً وخطيباً في
جامع (أبي سلمة) في حي الروضة بتبوك.
صحيفة (السفير) اللبنانية تتبّعت هي الأخرى تفاصيل
عن العطوي، وكتب عبدالله سليمان علي مقالاً في 1 شباط
(فبراير) الجاري عن العطوي الذي وصل في فترة قياسية الى
(موقع كبير داخل جبهة النصرة، ليصبح أحد أبرز القادة الشرعيين
فيها)، إلى جانب أبو حسن الكويتي، وتركي الأشعري الذي
قُتل في ريف حماه.
يثير ارتقاؤه السريع في مراتب القيادة في (جبهة النصرة)
علامات استفهام كبرى، فمن المعروف أن بلوغ رتبة قيادية
يتطلب تأهيلاً طويلاً، وخصوصاً لجهة استلام منصب (شرعي)،
وكونه عضو سابق في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا يؤهّله لتولي هذا المنصب الرفيع، أي المتكافىء مع منصب
مسؤول إفتاء. ولكن لأسباب لا تبدو واضحة تماماً تولى منصب
(أمير شرعي) بارز، ومن أكثر الأمراء الشرعيين نشاطاً،
خصوصاً بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين (داعش) وبقية
الفصائل المسلّحة.
ما يلفت في سيرة العطوي، أنه كان عضواً في هيئة تبوك
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفته ممثلاً عن أمير
منطقة تبوك فهد بن سلطان بن عبد العزيز (ومن يعرف العطوي،
لا يذكره إلا بعلاقته مع الأمير فهد، وكيف أنه كان يستقوي
على الضعيف والفقير ويكيل لهما العقوبات، ولا يبالي أن
يكون تصرفه هذا فيه ما فيه من اختراق لتعاليم الإسلام
وأحكامه، فكان همه الأوحد أن يرضى عنه الأمير) كما يقول
مقربون منه.
عبد الله الوهيط، السعودي المقاتل في تنظيم (داعش)
خصّص تغريدات عديدة للحديث عن العطوي وعلاقته بالأمير
فهد بن سلطان، وإطرائه المتكرر للأمير نايف، وزير الداخلية
الأسبق، في إشارة إلى (وجود علاقة بين قيادة جبهة النصرة
وبعض الأمراء السعوديين، وأن بعض قيادات النصرة مثل العطوي
يرفعون تقارير بما يجري على أرض الشام إلى أمرائهم).
ويرجع الوهيط في ذلك الى مقالة كان العطوي كتبها في
14 تموز (يوليو) 2012 بعنوان (الديكتاتورية الليبرالية)
حمل فيها على الليبرالية عموماً وعلى التيار الليبرالي
في المملكة على وجه الخصوص، وخلص الى أنه رسب في امتحان
(تقبل الآخر)، وقال (واليوم في بلداننا صورة طبق الأصل
من هذه الدكتاتورية الليبرالية لكن ليست سلطة تنفيذية،
بل سلطة إعلامية!). وعلّق على الاعلام السعودي قائلاً:
(لدي لمحة أخيرة لإعلامنا السعودي: هل تتسلط الليبرالية
فيه على منافذ الإعلام لتفرض رأي الأفراد على الأغلبية
الساحقة؟). وأجاب: (يتبين في نظرة واحدة لإعلامنا لتتأكد
من مدى الاستبداد الفكري الخارج عن دين المجتمع والمخالف
لسياسة الدولة!).
وختم مقالته بالترحّم على: الأمير نايف حين وجه قوله
لصحيفة مشهورة قائلاً: أنتم لكم توجهات غريبة! فما وجدت
تلك المقولة قبولاً بين ليبراليينا، فغصّ بها كتابها ومنظروها؟
و كان أحسنهم حالاً وأمثلهم طريقة يؤول المقولة ويحوّرها.
مع أن قائلها هو هو في مكانته
هذه المقالة ومعطيات أخرى، من بينها علاقته الوثيقة
بأمير تبوك فهد بن سلطان، ترسم علامات استفهام كبيرة على
قصة العطوي ووصوله الى الأراضي السورية، ومن ثم استلامه
بسرعة قياسية إمرة (شرعية) في (جبهة النصرة).
من جانبه، خصّص العطوي حسابه على تويتر للرد على (داعش)
الخصم المباشر له، فمثلاً راح يتحدث عما جرى بينه وبين
(داعش) حول قضية معمل الغاز وتوعد مقاتلي الجبهة بالقتل.
وخاطب العطوي شباب (داعش) قائلاً: (إذا كان الخارجي أبو
مصعب التونسي شرعي دير الزور لدى الدولة ويكفر الظواهري
شيخ المجاهدين؛ بالله أتثق وتسلّم للدولة بعدها؟).
تنظر اليه (داعش) على أنه فاسد العقيدة، فيما يسخر
العطوي ومن ورائه (جبهة النصرة) من تحوّل العقيد في نظام
صدام (حجي بكر) الى شيخ ومجاهد!
بعد اعلان الظواهري عدم ارتباط (داعش) بالقاعدة والتبرؤ
من منهجها، دعا العطوي (المهاجرين وخصوصاً الجزراويين
ـ الاسم البديل عن السعوديين ـ بأن يكونوا شجعاناً بترك
الدولة!) والانضمام الى النصرة. واعتبر اعلان الظواهري
(خطوة كبيرة جداً في إنجاح المشروع الجهادي الذي لا يرضى
بأي انحراف ولا يجامل أبداً).
وأشاد العطوي بمبادرة الشيخ عبد الله المحيسني وقال
عنه بأنه: (أدّى الذي عليه، وصدع بالحق، ونصح وصدق في
نصحه! وكلامه ـ وربي - حجة على مجاهدي الشام لاسيما المهاجرون!).
يعتقد بأن لقلمه مهمة أخرى، غير تلك التي كانت عليه
حين كان عضواً في النادي الأدبي، فهو هنا في أتون النار،
ولا بد أن تكون المهمة منسجمة مع الواقع الجديد الذي يعيشه:
(لحظة وضعي لقلمي، هي لحظة إغمادي لسيفي، وهي لحظة مقتلي
بعون الله)؛ ويضيف: (إن الحروف التي تخضبها الدماء وتُخط
على خطى سيد الأولياء، هي نور ينير الدروب ويهدي القلوب!،
والمجاهد بقلمه إن صدَق وصدّق يحشر مع المجاهدين). وله
رسالة هنا أيضاً لأن (القلم أمانة) تحقق بنصرة الدين،
والا أصبح خائناً.
يغضب العطوي من المغرّدين الذين يخالفونه الرأي ويتهكم
عليهم بالقول: (بعض المغردين يريد أن أكتب التغريدة ثم
أذهب إلى بيتهم وأعرضها عليه ثم أنشرها كما يحب هو! يا
أخي لا يملي عليّ أحد علامة ترقيم فضلا عن حرف). حسناً،
هو يضمن حرية الرأي لنفسه، ولكن يا ترى هل يبادل ذلك الآخرين،
أي هل يعترف بحرية الآخرين في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم،
أم أن الحرية حق حصري للعطوي وأهل دعوته، أو بالأحرى لعناصر
جبهة النصرة؟
العطوي كفّر رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا، برفض
تحكيم الدين للدولة، ونعت الأخضر الابراهيمي بـ (السافل)
و(المحقوق بالزندقة مسبقاً) لأنّه قال لصحافي عراقي سأله
عن سير المفاوضات: (ادع لنا في النجف وكربلاء)، وقال عن
الببكا (حزب العمال الكردستاني) أنهم مرتدّون.
ولكن في المجال القاعدي، فإن الموقف من الجماعات المسلّحة
المحسوبة على القاعدة على اختلاف تلاوينها مختلف تماماً،
فهو يقول عن داعش مثلاً بأن (نعال أصغر مقاتل في الدولة
ـ أي داعش ـ أشرف من ألف كلب كالجربا عميل الغرب ونعال
العملاء..).
وله موقف من الديمقراطية واضح نقله عن الشيخ عبد الله
المحيسني، صاحب (مبادرة الأمة) للصلح بين تنظيمات القاعدة،
يقول فيها: (لو كانت الديموقراطية تأتي بإسلام لقبلوها
في مصر؛ فبالرغم من تنازلات الإخوان وتمييعهم لدين الله
ورضاهم بالقروض الربوية وقسمهم على الدستور أُسقطوا).
وهذا يشي بالموقف القاعدي من جنيف 2، والذي نعته العطوي
بالجيفة وقال: (جنيف بجيفه كلها وبما يتفق عليه المتآمرون
مرفوض لدينا! قضيتنا واضحة: جهاد غايته إسقاط العدو النصيري
وكل أنصاره ثم بناء دولة إسلامية سُنيّة!).
وعرّض بـ (الجبهة الاسلامية) التي ينعتها عناصر (داعش)
و(النصرة) بالصحوات، وينظرون الى عناصرها بأنهم (أحفاد
عبدالله بن أبي)، وهم كُثر، حسب قوله. والموقف بالنسبه
للنصرة واضح كما يقول العطوي: (نحن لا نعترف إلا بالإسلام
والإسلام فقط، وكل حلّ غير الإسلام مرفوض لدينا، نحن لسنا
نقاتل لأرض أو شعب، نحن نقاتل للأمة ولا نتنازل عن إسلامنا).
ولذلك هو يرفض الحوار، ويعتقد بأنه أضحوكة. فهو يتحدّث
عن معركة مع الكفرة، بحسب وصفه، وأنها لن (لن تتوقف إلا
بكسر شوكتهم أو ارتدادنا عن ديننا).
وينظر العطوي الى الظواهري باعتباره (حكيم الأمة)،
وهو النعت الذي أطلقه الشيخ عبد الله المحيسني أيضاً عليه،
ويسهب العطوي في وصف الظواهري خصوصاً بعد إطلاقه نداء
لتنظيمي (داعش) و(النصرة) بوقف القتال واعتبر ذلك من (الدرر
التي نثرها حكيم الأمة الشيخ القائد الظواهري، واجب على
قادة الجهاد كلهم أن يلتقطوها وينظموها عقوداً تعلّق على
نحور الكتائب والتنظيمات كلها)!.
يعارض العطوي اتفاق جنيف بكل بنوده، خصوصاً الحديث
عن دولة القانون، ويعلّق (يا مؤتمر جنيف ليس لدينا إلا
السيف! أتفاوضون باسم الشعب وتتآمرون على الإسلام وتضعون
أياديكم النجسة بأيد القاتلين؟! والله لن يحكم غير الإسلام).
ويختصر ذلك بالقول: (كافرون بجنيف ومؤمنون بالدين الحنيف).
للعطوي قائمة من القادة الذين يرى فيهم علماء الأمة،
ويدعو للتأمل فيما كتبوه وهم: عبد الله عزام، وأسامة بن
لادن، وأيمن الظواهري، وعطية الله الليبي أي أبو عبد الرحمن
جمال بن إبراهيم بن اشتيوي، وخبير أمن الاتصالات عبد الله
العدم، وأبو يحيى الليبي، المسؤول الثاني في تنظيم القاعدة
بعد الظواهري. يقول العطوي: (تأمّل ما كتبوه ستجده إن
شاء الله منسجما مع منهج جبهة النصرة). ويمتدح الجولاني
ويغرّد في هاشتاق (#الجولاني_رجل_بأمة) ويقول: (وإني لأرى
الجهاد الشامي إن مضى على يده ومكّنه الله، سيكون هناك
تحول كبير للأمة جمعاء).
يمتدح العطوي الانتحاريين بالسيارات المفخّخة في الأحياء
السكنية ووسط المدنيين، ويتحدّث عنها بزهو (وفي عقر دار
الوثنيين عباد القبور أولياء اليهود حزب اللات تتوالى
الانفجارات وتضرب المفخخات! والتوقيع: جبهة النصرة في
لبنان. اللهم زد وبارك)!
|