لعنة سوريا أم لعنة الوهابية؟
حجم الحضور البشري السعودي في ساحات العنف
عبد الوهاب فقي
كثافة الحضور العقدي والبشري وسط تنظيمات القاعدة بكل
تشكيلاتها.. وهبت مشايخ الوهابية سلطة معنوية ورمزية عليها،
بحيث أن المبادرات التي تصدر عنهم تكتسب صفة إلزامية،
باعتبارهم مكوّناً جوهرياً في البنية التنظيمية والأيديولوجية
للقاعدة. آخر تلك المبادرات صدرت عن الشيخ عبد الله محمد
المحيسني، مواليد القصيم ببريدة، وسط المملكة، المتخرّج
من المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة محمد بن سعود الاسلامية
بالرياض، وقد نفر الى سوريا، وقال حين قام بذلك: (أحمد
الله أن يسّر لي النفير إلى أرض الشام حيث ملائكة الرحمن
باسطة أجنحتها عليها). وقد درس المحيسني على كبار مشايخ
الوهابية مثل: عبد الله بن جبرين، وسليمان العلوان، وعبد
الله الغنيمان، وعبد الرحمن البرّاك، وسليمان الماجد،
ويوسف الشبيلي، وسعد الشثري، وعبد الكريم الخضير، وقد
تحوّل أكثر هؤلاء الى رموز لتنظيم القاعدة ومنظّريها الكبار.
يعتبر المحيسني أحد صقور التحريض على القتال في سوريا،
وألقى خطباً في مساجد المملكة، وذهب بنفسه الى سوريا وكان
يوجّه من هناك نداءات للشباب للإلتحاق بما يسميه الجهاد
في بلاد الشام، ويستنفرهم للهجرة. وكان المحيسني يطالب
بأن ينتقل الدعاة الى سوريا لهداية الشعب السوري، بل وكذلك
المجاهدون أنفسهم، لأن في سوريا حسب قوله: (من لا يصلي
ولا يعرف أموره دينه)، ولا بد من مجيء الدعاة اليهم لتعليمهم
أمور دينهم، ويجب أن يكون هناك من الدعاة في معسكرات المقاتلين
والمجاهدين لتعليمهم امور الدين الصلاة وغيرها. فكان يستنفر
العلماء وطلبة العلم للهجرة الى أرض الرباط للقيام بواجب
الدعوة بين أهل بلاد الشام.
وبعد اندلاع القتال بين تنظيمات القاعدة وخصوصاً بين
(داعش) و(النصرة) والكتائب المنضوية تحت (الجبهة الاسلامية)
وخصوصاً لواء التوحيد وأحرار الشام، تقدّم الشيخ المحيسني
في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي بمبادرة أطلق عليها
(مبادرة الأمة)، وصف فيه وضع الجماعات المسلّحة بالخطير
وقال بأن (الجهادَ اليومَ في الشامِ يمر بمفترقِ طرقٍ
خطيرٍ..)، وفي حال عدم تدارك الوضع سوف يدخل (الجهادُ
في الشامِ في غياهبِ دماءٍ ونزاعاتٍ لا يعلمُ منتهاها
إلا الله).
المبادرة تقوم على تصوّر أن ثمة طائفتين من المؤمنين
متقاتلتين ولا بد من الاصلاح بينهما (فإن بغتْ إحداهُما
برفضِ الصلحِ أو برفضِ القبولِ بحكمِ اللهِ في المسائلِ
المتنازعِ عليها، فعلى المؤمنينَ أن يقاتلوا البغاةَ إذًا
حتى يرجعوا إلى حكمِ الله).
فالمبادرة تستهدف تحديد المسؤولية في القتال الدائر
بين هذه الجماعات.. وقد التقى المحيسني كما يذكر في المبادرة
(بجميعِ الأطرافِ المتقاتلةِ اليومَ..). وبناء على قبول
الجماعات المقاتلة مبدأ التحاكم الى الشريعة، وضع المحيسني
ما أسماه (النقاطَ على الحروفِ ولتكونَ بإسمِ مبادرةِ
الأمة). وقال بأن مبادرته تستند على حصيلة رجوعه لـ (علماءَ
الأمةِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها..). ولفت المحيسني
الى الكلمة الصادرة عن زعيم القاعدة الشيخ أيمن الظواهري،
والذي وصفه بـ (حكيم الأمة)، وأنه يدعو بمثل دعوته في
وقف القتال بين هذه الجماعات.
ما يجدر الالتفات اليه هنا، هو أن المزاعم بربط (داعش)
بالنظام السوري، أو (النصرة) بالنظام التركي أو غيرها
لا تصدر عن قيادات القاعدة، بل تقتصر على قادة (الجيش
الحر)، بسبب ما تعرّض له الأخير من ضربات من قبل تنظيم
داعش، ولكن بعد أن بدأ الاخير يخوض معارك مع (النصرة)
و(الجبهة الاسلامية) وصمت قيادة القاعدة عن دعوى ارتباط
(داعش) بالنظام السوري، تراجعت صدقية الاتهامات وبات التعامل
مع الأخيرة بوصفها مكوّناً رئيساً في القاعدة، وأن المنتسبين
لها يتقاطعون مع باقي التنظيمات القاعدية.
عودة الى بنود المبادرة، طالب المحيسني بـ (وقف فوري
لإطلاقِ النارِ يسريْ في كافةِ مناطقِ الشامِ)، وتشكيل
(محكمةٍ شرعيةٍ من قُضاةِ مستقلينَ ترتضيْهِم جميعُ الأطرافِ)
.
والجماعات المعنيّة بهذه المبادرة هي بحسب الترتيب
الوارد في المبادرة: الدولةِ الإسلاميةِ في العراقِ والشامِ
- الجبهةِ الإسلاميةِ - جيشِ المجاهدينِ - جبهةِ ثوارِ
سوريا ـ جبهةِ النصرةِ وسائرِ الجماعاتِ الموجودةِ في
الساحةِ الشامية. وكان زعيم القاعدة أيمن الظواهري أطلق
في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي (نداء عاجل لأهلنا
في الشام)، خاطب فيه (كلِ المجموعاتِ الجهاديةِ في شامِ
الرباطِ والجهادِ..)، وقال في مفتتح النداء (تعلمون أني
وإخواني في جماعةِ قاعدةِ الجهادِ نُكنُّ لكم جميعا الحبَ
والاحترام..)..وأشار الى ظاهرة التكفير التي تفشّت وسط
تنظيمات القاعدة ما دفعه لتأكيد على ما أسماه (أخوة الاسلام)
باعتبارها (أقوى من كلِ الروابطِ التنظيميةِ الزائلةِ
المتحولةِ)، وشدّد على حرمة مال وعرض وكرامة المجاهدين
(لا أن تلصقَ به تُهمُ الكفرِ والردةِ.)، موضحاً (أننا
نعتبرُ أن التنظيماتِ الجهاديةِ في شامِ الرباطِ والجهادِ
- التي تضحي بأنفسِها وأموالِها جهادًا في سبيلِ اللهِ
وإعلاءً لكلمةِ اللهِ وسعيًا في تحكيمِ شرعِ اللهِ - هم
إخوانُنا، الذين لا نقبلُ أن يُوصفوا بالردةِ والكفرِ
والمروقِ). وطالب الظواهري بتشكيل هيئة تحكيم شرعية (تفصل
بين المجموعات المختلفة في المظالم، التي تدعيها كل مجموعة
على أختها المجاهدة..).
وكان الشيخ المحيسني، سالف الذكر، كتب في 13 كانون
الثاني (يناير) الماضي عن قتال داعش وعدد من الفصائل القاعدية
في سوريا، ووصفه بأنه (قتال فتنة) ينبغي اعتزاله، وقال
في بيان صوتي ومكتوب (أن القتال اليوم في الشام بين الفصائل
المجاهدة إنما هو قتال فتنة بين المسلمين..)، وقال (فلا
يخفى أن المتقاتلين اليوم من المسلمين، وفيهم الصالحون
السابقون، وفيهم المفرّطون المقصرون، والكل من المسلمين،
وإن تخلل ذلك من عُرف عنه تواطؤ مع العدو ورِدّة من أوباش
وسُرّاق ومتآمرون ونحوهم، إلا أن المعروف والغالب في المتقاتلين
اليوم أنهم من فئات المسلمين..).
وفرّق المحيسني بين الخوض في الفتنة والدفاع عن النفس،
لأن الدفاع ليس من الفتنة، بل يدخل (في باب دفع الصائل،
وإن مما ينبغي أن يُعلَم أن الواجب دفع الصائل بالأخفّ
فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك، فإن
لم يمكن دفعه إلا بالقتل جاز قتله، ولا إثم على القاتل).
ورفض المحيسني فكرة اعتزال أصل القتال في سوريا، بحسب
الدعوات التي صدرت من المملكة بعد انسداد أفق الحرب فيها،
وقال المحيسني (أما ما يتعلق بمسألة رجوع إخواننا عن أرض
الجهاد فأقول: والله ما نفرنا من ديارنا لنعود إليها إلا
منتصرين بإذن الله، فأنّى لنا الرجوع ولم يذُقْ منّا النظام
النصيري الويلات، بل إننا نقول: آن أوان الجهاد آن الأوان
لندُكّ معاقل النصيرية بالصواريخ الراجمات، والمفخخات
المرهبات..). وفي حال فشل سعيه في المصالحة بين الجماعات
فإن خياره هو حسب قوله الانطلاق نحو (الساحل وحمص وغيرها
من ثغور الشام، لنُضرمها على العدو نيراناً، ونفجّرها
عليه بركاناً).
مبادرة المحيسني لقيت أصداء إيجابية وسط التنظيمات
القاعدية، وفي 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، أي بعد
يوم من إطلاق المبادرة، أعلنت (جبهة النصرة) عن ترحيبها
بالمبادرة لوقف القتال بين (داعش) وبقية فصائل القاعدة.
وجاء في بيان لزعيم الجبهة، أبو محمد الجولاني، الذي هو
ليس بسوري الجنسية، ويعتقد أنه من إحدى الدول الخليجية:
(لقد اطلعنا على المبادرة، التي اعلن عنها الشيخ عبدالله
المحيسني حفظه الله، واطلعنا ايضاً على الجهد الذي قدمه
لوقف القتال بين الجماعات)، وأضاف (هذه ـ المبادرة ـ اليوم
بين أيدينا فإنّا لها ندعو ونبارك ونؤيد). وأضاف (نحن
نشهد أن وقف القتال قد اتفق عليه جميع المتنازعين في الساحة
- مع تباين بسيط في الآراء - كما اتفق الجميع على النزول
لحكم الله عز وجل، وإعادة صب الجهود لقتال النظام النصيري)،
في اشارة الى نظام الرئيس بشار الاسد، حيث اصبح استخدام
التوصيف المذهبي والطائفي للنظام السياسي في سوريا، من
اختصاصات الوهابية.
في المقابل، هناك من عارض مبادرة المحيسني ووصفها بـ
(خيانة الأمة)، وكتب السعودي، العضو في تنظيم (داعش) فهد
آل زيدان في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي تعليقاً على
المبادرة (ﻹثبات بطلانها شرعاً وواقعاً) حسب قوله. وخاطب
آل زيدان الشيخ المحيسني قائلاً (يا محيسني قد ناصحناك
حين أُعلنت الجبهة الإسلامية.. وحذرناك منها وبيّنا ذلك
في الوثاق المبين)، وسأل: (أجبني يا محيسني كم قُتل من
المهاجرين غدراً وخيانة من الصحوات ومن الجبهة اﻹسلامية؟
هل أخرجت إعتراضاً واحداً تدين ما فعله المنافقون من قتل
للمهاجرين؟). واعتبر آل زيدان صمت المحيسني عن ذلك إدانة
له برد شرع الله بالكتمان، حسب قوله. وسأله أيضاً: (لماذا
تنادي يا محيسني بمبادرة وأنت لم تقل الحق بين الجماعات..
هذه خيانة لله).
وتحدث آل زيدان عن أمور أخرى قد لا تكون معلومة للإعلام
مثل اغتصاب المهاجرات من قبل الصحوات، أي (الجبهة الاسلامية)
وقال بـ (أنها بالعشرات وأكثر، ولم يدن المحيسني هذه الحوادث)،
وكذلك (قتل المهاجرين، واغتصاب نسائهم من قبل الصحوات،
وقتل الرجل الثاني في داعش العقيد حجي بكر)، وعدم إدانة
المحيسني لمقتله.
آل زيدان اعتبر مبادرة المحيسني وما تتضمنه من دعوة
الى التحاكم الى شرع الله هو تعطيل له، وأن الذي يفعله
هو (مخالف للقران والسنة)، وثانياً (لم تعترف بالشرع واعتبرته
فتنة).
واستنكر آل زيدان طلب محيسني من (داعش) التحاكم للشرع
بينما هو لم يتبرأ من الصحوات (ﻷنك يا محيسني صدّيت بدعوتك
للتحاكم لكتاب الله عن كتاب الله بإقرارك للصحوات..)،
ونداءه للمبادرة (هي بمثابة إدانتك لجهاد الدولة ـ أي
داعش ـ وهي تعمل بكتاب الله وتنفذه..). واعتبر آل زيدان
المبادرة (مخالفة صريحة للشرع)، فإن كان يعلم مخالفتها
(فهذه خيانه منك للمسلمين). وطالبه بالإعلان عن البراءة
من (طواغيت الخليج ومن علمائهم الفسقة). كما تساءل آل
زيدان عن عدم تأييد المحيسني لمبادرة زعيم داعش ابو بكر
البغدادي لوقف القتال بين الجماعات المسلّحة، وتوحيد الصف..
واتهم المحيسني بخضوعه تحت تأثير مشايخ الخليج (الذين
قدّسوا طواغيتهم) حسب قوله. وتحدى آل زيدان أن يقدر المحيسني
على القول أن في عنق الجولاني بيعة للبغدادي. فيما اعتبر
آل زيدان إشراك المحيسني جماعات مصنّفة كافرة، أو موالية
للكفار مثل سليم إدريس، رئيس أركان الجيش الحر، وعمّار
الواوي، أمين سر الجيش الحر، وزهران علوش، قائد (الجبهة
الاسلامية)، وجمال معروف، قائد (جبهة ثوّار سوريا)، خيانة
وممالأة للكفار.
وخاطب آل زيدان، المحيسني باللغة العقدية التي يفهمها،
وقال له أنك تضرّ بالجهاد والمجاهدين (وتفتن الناس في
عدم معرفتك بالحق)، وذهب الى أنه في حال أصرّ المحيسني
على دعوة تشكيل هيئة قضائية من المحايدين التي يعتبرها
آل زيدان دعوة لصنم، أو دعوة التحاكم قبل البراءة من الشرك
وأهله (فإنك متهم في دينك وعقلك)، وفي حال واصل الدعوة
فإنه (جاهل أو متعمد) وبالتالي ينفّذ (أجندة الخليج والكفر).
وطالبه بالتوبة، لأن توبته أعظم من توبة الصحوات، لأنه
يعلم بأنه يضل الناس بمبادرته، ولا بد من البراءة من (طواغيت
الكفر والنفاق ومن جبهات الشيطان).
نشير الى أن المعارك التي خاضتها داعش منذ الثالث من
كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى السادس والعشرين من
الشهر نفسه والتشكيلات الأخرى من شبكة القاعدة بما فيها
(جبهة النصرة) و(الجبهة الاسلامية) قد أدت إلى مقتل نحو
1400 شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان في الاول
من شباط (فبراير) الجاري.
في المعلومات، تذكر المصادر القريبة من الجماعات المسلّحة
أنه في 12 كانون الثاني (يناير) الماضي نفّذ (داعش) حكم
الإعدام في أمير جبهة النصرة في مدينة الرقة أبو سعد الحضرمي
مع أكثرِ من 100 أسير لديه من (الجبهة الإسلامية)، كما
أعدم ما يصل الى 100 مقاتل من (جبهة النصرة). وكان (داعش)
أسر هؤلاء في بلدة تل أبيض على الحدود مع تركيا ومدينة
الرقة قبل أن يعدمهم رمياً بالرصاص، ونقل المرصد السوري
ان (نحو 70 جثة معظمهم أطلق الرصاص على رؤوسهم نقلوا الى
مستشفى الرقة العام)، وقام (داعش) بتفجير واحراق جميع
البيوت التابعة لعناصر (الجبهة الاسلامية) في مدينة تل
أبيض الحدودية بعد سيطرته بشكل كامل على المنطقة ومن جهته،
خسر (داعش) 1000 عنصر في بداية كانون الثاني (يناير) الماضي،
بحسب ما جاء في جوال خاص بقتيل سعودي في العراق ينتمي
الى (داعش).
وبسبب خسائر (النصرة) انضم كثير من المقاتلين السعوديين
الى الدولة، حيث بات (داعش) يسيطر على المناطق الحدودية
مع تركيا، وهو ما دفع الجولاني لطلب وساطة الظواهري لفض
الاشتباك، ولكن زعيم (داعش) أبو بكر البغدادي رفض الوساطة
وكذلك قرار الظواهري بنفي أي صلة للقاعدة بـ (داعش)، وقال
أنه (سيتم الأمر أو يهلك دونه).
على أية حال، فإن الترحيب العلني بمبادرة المحيسني
من قبل أغلب تشكيلات القاعدة لم ينعكس على الأرض فقد احتدمت
المعارك بين (داعش) و(جبهة النصرة) وفصائل (الجبهة الاسلامية)
وأدّت الى سقوط العشرات من عناصر (لواء التوحيد) وقائدها
في الاول من فبراير الجاري بعد أن تعرّضت مخازن الأسلحة
لتنظيم داعش في ريف حلب لتفجير ضخم ما اعتبره التنظيم
عدواناً ماكراً عليها.. كما قام (داعش) باحتلال كل مقرات
(النصرة) في دير الزور، وقتل العشرات من عناصرها في ريف
حلب، فيما شهدت التنظيمات القاعدية انشقاقات نتيجة النزاع
على الغنائم.
حينئذ فقط، اضطرت قيادة (القاعدة) لنفي علاقتها بتنظيم
(داعش) وأفعالها. وجاء في بيان صدر في 3 شباط (فبراير)
الجاري عن القيادة العامة لتنظيم القاعدة (تعلن قاعدة
الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة داعش). وأضافت: (لم نخطر
بإنشائها ولم نستأمر فيها ولم نستشر ولم نرضها، بل أمرنا
بوقف العمل بها). وأكّدت أن داعش (ليست فرعاً من قاعدة
الجهاد.. ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة
مسؤولة عن تصرفاتها)، وأوضح البيان أن (أفرع الجماعة هي
التي تعلنها القيادة العامة وتعترف بها).
نفي الصلة بالتنظيم جاء كرد فعل على عدم التزام تنظيم
الدولة بمبادرة المحيسني ونداء الظواهري، وكان يرد إسم
(داعش) في كليهما بكونه جزءاً من التنظيم، وبالتالي فإن
نفي قيادة القاعدة علمها بنشأة التنظيم ولم تستشر في أعماله
مجرد موقف متأخر يرتبط بسلوك التنظيم في حربه مع فروع
القاعدة مثل (النصرة) وبعض تشكيلات (الجبهة الاسلامية)
خصوصاً بعد مقتل قادة (لواء التوحيد) و(كتائب أحرار الشام)،
و(لواء فجر الإسلام)، و(لواء العزّة)، و(لواء أنصار الإسلام)،
وأسر أكثر من 150 عنصراً من (جبهة النصرة).. وقد بعث تنظيم
داعش وسيطاً للمصالحة مع (الجبهة الاسلامية) فقام بتفجير
نفسه في مقرها وأدى الى قتل عدد من قياداتها.
صحيح أن الظواهري ألغى في 18 نوفمبر 2013 تنظيم (داعش)،
أي الدولة الاسلامية في العراق والشام، على أن يستمر العمل
بالدولة الاسلامية في العراق، فيما تصبح (جبهة النصرة
لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة
العامة)، موضحاً ان الولاية المكانية لدولة العراق هي
العراق، فيما الولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هي سوريا
وقد رفض زعيم (داعش) أبو بكر البغدادي ما قاله الظواهري،
مؤكّداً بقاء التنظيم في العراق والشام.
لكن (داعش) فرضت نفسها ميدانياً، وفي الاعلام وتحوّلت
الى كائن شعبي يتخذ شكل الأراجوز، ويستقطب أتباعاً من
خارج الحدود، وصار يتمدد بطريقة الاخطبوط ويجتاح مناطق
نفوذ واسعة في (أرض الملاحم) التي هي بالنسبة له أرض العراق
والشام، ويبشّر أتباعه باسترداد الحقوق المغتصبة الى المسلمين،
وتطبيق شرع الله بقيام دولة الخلافة. وتتولى مجموعة مواقع
التعريف بتنظيم (داعش) من بينها: (أنصار دولة الاسلام)،
و(مؤسسة اعتصام)، و(مؤسسة أجناد للانتاج الاعلامي)، و(أسود
دولة الاسلام) و(صقور دولة الاسلام).
وتخصص مواقع التنظيمات القاعدية أناشيد ذات دلالات
خاصة والمحرّضة على القتال، مثل (سور للأخوة)، و(طغى الجبناء)،
و(يا جراحي)، و(أمتي كانت لا ترضى الوهن). ويسبغ تنظيم
(داعش) على مقاتليه صفات عديدة مثل الأسود والليوث، ويخاطبهم
(أما لهم من وثبة نحو الجهاد تفك قيد العانية). ويقوم
التنظيم عبر حساباته على الشبكة بتجنيد العناصر من كل
الأصقاع.
وقد حظيت (داعش) بدعم مشايخ الصحوة والتحريض الطائفي،
فأفاد التنظيم في استقطاب أعضاء جدد وتأييد معنوي. العريفي،
على سبيل المثال، الذي ينظر الى العراق من زاوية مذهبية
خالصة، اعتبر حملة الجيش العراقي على (داعش) في الأنبار
بأنها (استهداف للسنّة في العراق من قبل قوات المالكي).
وكتب في تغريدة له على حسابه الخاص بموقع تويتر (ما يقع
في الأنبار العراق من أعظم المصائب..)، وقال في تغريدة
أخرى (أهلنا في العراق على صفيح ساخن، نُصرتهم واجبة،
هم بين القتل والتشريد والتجويع).
لقد اعطى العدد الأكبر من المقاتلين السعوديين في صفوف
تنظيمات القاعدة، قوة اضافية للمرجعية الوهابية في الداخل
السعودي، وأصبحت كلمتها ومواقفها مؤثرة في تحديد مسارب
الدعم البشري والمالي والعقدي. لكن أيضاً، فإن مقتل المئات
من السعوديين في حروب الفصائل العقائدية، جرّ عليهم سخطاً
حاولت السلطة السعودية تتجيره لصالحها واعلان براءتها
من ذلك. الحضور السعودي المكثف في تنظيمات القاعدة، كقادة
وانتحاريين وشرعيين فضلاً عن الحضور المالي السعودي والعقدي
الفكري الوهابي، يجعل تلك التنظيمات أقرب الى التوصيف
بأنها سعودية، وليست عابرة للأطر الحدودية القطرية فحسب.
|