لعنة سوريا، أم لعنة الوهابية؟
لعبة التلاوم والهروب من المسؤولية
توفيق العباد
في برنامج الثامنة الذي يقدّمه داود الشريان على ام
بي سي في 20 يناير الماضي استضاف فيه الشيخ الدكتور ابراهيم
ميمن، وكيل جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية لشؤون
المعاهد العلمية، وعضو لجان المناصحة، والذي قاله أنه
يخرج يومياً شباب الى سوريا، وهم ما بين 18 ـ 25 سنة.
بل قال أكثر من ذلك بأن السعوديين هم الذين يقودون هذه
الجبهات (داعش) و(النصرة) وغيرها. وقال بأن جماعة (داعش)
أغلب قواتها من السعوديين، وأن (جبهة النصرة)، التي هي
امتداد للقاعدة أغلب من فيها هم شباب سعوديون.
أطلق الشريان الصفارة في الهجوم على المشايخ، إيذاناً
بتنصل الدولة السعودية من مسؤوليتها إزاء خروج الآلاف
من الشباب السعوديين للقتال في سوريا. وصدر الامر الملكي
في 3 فبراير الجاري بناء على طلب أميركي قبل زيارة أوباما
الى الرياض في نهاية آذار مارس المقبل، وجاء وقت الحساب
والعقاب.
انطلق الجدل الداخلي بين المشايخ والاعلاميين المحسوبين
على النظام. وفيما يفرّق مشايخ الوهابية، والمحرّضون على
الجهاد على وجه الخصوص، بين (داعش) و(النصرة) على أساس
أن الاخيرة ملتزمة بخط السير الجهادي، فإن جمال خاشقجي،
الذي عايش تجربة القاعدة وأخواتها والتحوّلات التي شهدتها
في افغانستان.. لا يرى فرقاً بينهما، ويرى بأن مجرد شيطنة
(داعش) في مقابل (النصرة) كما لو أنها خط مقبول هو (بمثابة
خيانة وغدر للفقه الاسلامي، وكذلك لمجتمعاتنا، فالقاعدة
لا تقل سوءًا أبداً).
نلاحظ هنا أن السعودية واعلامها لا يتحدث عن جبهة النصرة
وإنما يشدد النكير على داعش فقط، وذلك لأن جبهة النصرة
حليفة للجبهة الإسلامية التي شكلتها السعودية، ما يعني
ان الرياض يهمها مصالحها السياسية وليس في نيتها الحرب
على القاعدة او التطرف أو ماشئت فسمّه.
صحيفة (نيويورك تايمز) كتبت عما أسمته ارتباك المؤسسات
السعودية بسبب التناقض في سياسة المملكة في سوريا واعتمادهم
على المتطرفين هناك. وكتب روبرت ويرث من الرياض في 7 يناير
الماضي عن تخبط السياسة التي يتبعها حكام السعودية ازاء
الحرب بالوكالة في سوريا بالاعتماد على اسلاميين متشددين
لا يمكن تمييز توجهاتهم وعقيدتهم في معظم الاحيان عن توجهات
(القاعدة) وعقيدتها، حسب قوله. نقل ويرث قصة ذات دلالة
بما نصّه:
ذهب ابو خطاب، وهو اداري مستشفيات سعودي في الثالثة
والاربعين من العمر الى سوريا. كان يقوم بالجهاد في عطلاته
ليطلب أجوبة من قائده المحلي، وهو رجل معروف بوحشيته يدعى
أبو ايمن العراقي. وقد أشار له القائد بأن يترك المسألة
قائلاً أن رجاله قتلوا طفلين (لأنهما غير مسلمين)، حسب
ما تذكر أبو خطاب اخيراً أثناء مقابلة معه هنا (في الرياض).
عندئذ فقط بدأ ابو خطاب يعتقد ان الجهاد في سوريا لا يتفق
تماماً مع ارادة الله. وبحلول وقت عودته الى الرياض، حيث
يتطوع الآن في برنامج لاقناع آخرين بعدم الذهاب، كانت
حكومته قد تغلبت على وازعها من ان تصبح الداعمة الرئيسة
للمتمردين السوريين، بمن في ذلك الاسلاميين المتشددين
الذين كثيراً ما يقاتلون الى جانب المتشددين الموالين
لـ(القاعدة).
يعلّق ويرث بأن خيبة أمل أبو خطاب تساعد في توضيح التحدي
الكبير الذي يواجه حكام السعودية: كيفية خوض حرب بالوكالة
في سوريا متزايدة الدموية والفوضى بالاعتماد على مقاتلي
ميليشيات متعصبين ليس لديهم أي سيطرة عليهم تقريباً.
ويضيف: السعوديون يخشون من تنامي قوة التابعين لـ (القاعدة)
في سوريا، وهم لم ينسوا ما حدث عندما عاد المتشددون السعوديون
الذين قاتلوا في افغانستان الى بلادهم ليشنوا حملة عصيان
في الداخل قبل عقد من الزمن. وهم يحظرون رسمياً على مواطنيهم
الذهاب الى سوريا للجهاد، لكن الحظر لا يطبق.
وبخلاف مزاعم وزارة الداخلية من أنها لا تملك سيطرة
كاملة على المغادرين للأراضي السعودية ولا تعرف وجهة كل
واحد منهم إن كانت سوف تنتهي الى سوريا، فإن الطريق الذي
سلكه ابو خطاب الى سوريا شبيه بدرب كثيرين آخرين هنا وفي
انحاء العالم العربي. يقول: عندما ذهب للمرة الاولى، في
صيف 2012، توجه مباشرة بالطائرة من الرياض الى مدينة انطاكيا
التركية، قرب الحدود السورية، حسب قوله. وقال ان رجالا
سعوديين آخرين في نفس الرحلة الجوية كانوا متوجهين الى
ساحة المعركة، ولم يكن هناك أثر لاي جهد من جانب الحكومة
السعودية لمراقبتهم او تقييد حركتهم. وقال: (إنهم يحبون
السعوديين بصورة خاصة لانهم أكثر استعداداً للعمليات الانتحارية).
وقال ابو خطاب أنه عاد على مدى السنة التالية سبع مرات
أخرى الى سوريا.
السعودية اليوم هي في قلب العاصفة، وإن حاولت الهرب
مجدداً كما تفعل دائماً مع من تقذف بهم في أتون الحروب
العبثية وفي نار المعارك الطاحنة. هناك اليوم قتلى بالمئات
إن لم يكن بالآلاف من السعوديين في سوريا، ولابد أن تسأل
عوائل الضحايا عن الطريق الذي اوصل أبنائهم الى هذه النتيجة.
بل وماهي الأفكار التي لا زالت تسوق آلاف الشباب لأن يموتوا
في حروب بلهاء، فيما يتنصل مشعلو الحرب من المسؤولية.
لابد من طرح سؤال: من المسؤول؟ المموّل، والمحرّض،
والمجنّد، والمدرّب، وووو. حتى تكون الإجابة صحيحة، وشاملة،
وجريئة.
|