|
|
|
سلمان يلتقي نواز شريف في
اسلام اباد |
|
وفي الصين بحثاً عن صواريخ!
|
السعودية والباكستان
عليلٌ يتّكيء على عليل!
توفيق العباد
لم تكن زيارة ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير سلطان
بن عبدالعزيز الى الباكستان مؤخراً، ولا زيارة وزير الخارجية
قبلها، أمراً مبهماً، فمراقبة وضع المملكة على الصعيدين
الإقليمي والدولي، كما على الصعيد المحلي، يدرك بأن الرياض
ـ وفي عجلة من أمرها ـ تريد ترتيب أوضاعها ازاء المتغيرات
السريعة في المنطقة، كما تبحث عن توجيه رسائل الى أطراف
عديدة بأنها قادرة على توفير الحماية الخارجية لنفسها،
ان كانت الحماية الداخلية غير متوفرة او غير قادرة على
توفيرها.
الجولة التي قام بها ولي العهد، هدفها الأساس الباكستان،
وجاءت زيارة اليابان في سياق جولته الأولى الى الخارج،
ولم تكن ذات أهمية محددة، فالإتفاقيات الإقتصادية القائمة
هي المهم، وهي مستمرة، لن يزيدها توثيقاً زيارة سلمان
لطوكيو ولا حصوله على شهادة الدكتوراة الفخرية من احدى
جامعاتها! اما زيارة الهند، في طريق عودته الى الرياض،
فكانت غير مقررة اساساً، وجاءت بعد زيارة وزير الخارجية
الإيراني محمد جواد ظريف اليها، حيث تتوثق العلاقات الاستراتيجية
الايرانية الهندية يوماً بعد آخر، ولم يكن لدى ولي العهد
السعودي سوى ترتيب اتفاق بشأن العمالة الهندية كان قد
انجزه وزير العمل ووقعت عليه عدد من الدول المصدرة للعمالة
وبينها اندونيسيا والفلبين وسيرلانكا وغيرها. اما زيارة
الصين، فإن الرياض تبحث عن شراء صواريخ باليستية بعيدة
المدى، تحلّ محلّ تلك التي اشترتها منتصف الثمانينات الميلادية،
ولتهيّء نفسها إن أمكن للحصول على شحنات نووية من الباكستان
يتم تركيبها على تلك الصواريخ لتوازي ما تعتقده الرياض
تهديداً ايرانياً.
لماذا الباكستان؟
هناك ثلاث دول رئيسية ـ غير عربية ـ لها تأثير مباشر
على الأوضاع السياسية في المشرق العربي ودول الخليج بالذات،
كانت ولاتزال لاعباً او مرشحاً للعب دور رئيس في المنطقة
العربية. الدول هي: تركيا، ايران، الباكستان، وهي تحيط
بهذا المشرق العربي في نصف دائرة على الأقل، ولها من الثقل
البشري والسياسي والعسكري والتاريخي الشيء الكثير.
الأقرب والأكثر تأثيراً بين الدول الثلاث هي إيران،
بحكم اطلالتها على نصف الخليج من الجهة الشرقية، واتصالها
المباشر مع دوله، وارتباطها بها بحدود بحرية وبعلاقات
تاريخية. لكن ايران حتى في عهد الشاه، ورغم كونها جزءً
من منظومة الاستراتيجية الأميركية لم تكن موثوقة من الرياض،
لأنها في حقيقة الأمر كانت منافساً في موضوع اساس هو ترتيب
(أمن الخليج) والتفوق البحري فيه، فضلاً عن أن الرياض
كانت يومها ولاتزال ترى (شيعية) ايران عاملا سلبياً مؤثراً
في سياستها الخارجية، حيث يلعب المذهب محدداً رئيسيا في
السياسة الخارجية السعودية خاصة في العقدين الماضيين.
اما تركيا فإن ذاكرة الرياض التاريخية مشبعة بالخشية
والقلق منها، كون الدولة العثمانية هي من أرسلت محمد علي
باشا في القرن التاسع عشر ليدمر دولة آل سعود الأولى،
ويستخلص الحرمين الشريفين من أيدي الوهابيين، ويأخذ بعض
أمراء آل سعود أسرى الى الآستانة/ اسطنبول ليعلقوا على
المشانق نظير ما فعلوه من قتل وتدمير ونهب للحجرة النبوية
وغيرها. الذاكرة التاريخية السعودية، بل حتى المفردات
التي تستخدمها الأيديولوجيا الوهابية مشبعة بالتكفير للأتراك،
وتطلق عليهم لفظ (الروم) وتعتبرهم كفاراً شأنهم شأن الإيرانيين
(الشيعة العجم)!
لهذا دخل السعوديون في تحالف مع بريطانيا ضد الدولة
العثمانية حتى سقطت وانكفأت عن المشرق العربي، وبقيت العلاقات
محدودة منحصرة في الجانب الاقتصادي، رغم ان البلدين السعودية
وتركيا حلفاء للغرب، ومع هذا لم تكن الرياض لتثق في تركيا
رغم علمانيتها وتغرّبها، وإنْ ساورها بعض الأمل من أن
تقوم اسطنبول بالتصدي للنفوذ الإيراني على خلفية طائفية،
بشكل يتيح للرياض فرصة البروز ثانية بعد انكفاء وتراجع
دام نحو عقد ونصف.
ولكن هذا الأمل لم يتحقق بل ثبت لدى الرياض ان تركيا
لا يمكن ان تكون حليفاً موثوقاً لديها، فحين جاء خلفاء
العثمانيين (أردوغان وحزبه) الى الحكم، وإزاء الإنسداد
السياسي باتجاه الغرب الاوروبي والفشل في الإنضمام الى
الاتحاد الاوروبي، وجد اردوغان ان الساحة السياسية العربية
فارغة معطلة القوى، ما اغراه الى الإتجاه جنوباً بحثاً
عن موقع لبلاده يتعدّى المصالح الإقتصادية، ويتعدّى ما
تطلبه السعودية وحتى مصر من أن يكون ظهيراً لهما ازاء
المنافسة الايرانية القادمة من الشرق، فكانت بوابته فلسطين،
وليس مواجهة ايران، الحليف الاقتصادي القوي لتركيا. لهذا
لم تكن العودة ـ العثمانية ـ مرحباً بها في السعودية،
او مصر.
ومنذ ذلك الحين، قبل نحو ثمان سنوات، لم تظهر كلمة
ترحيب سعودية بتركيا، ولم تظهر مقالة في صحيفة سعودية
تؤيد النهج السياسي التركي، بل ان معظم المقالات ان لم
يكن كلها ـ خاصة تلك التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط،
او التقارير التي تمت تغطيتها في قناة العربية، وهما اللتان
تعكسان بشكل امين السياسة الخارجية السعودية ـ إلا مشككة
في الدور التركي، حتى مع التوافق الذي ظهر بين البلدين
بشأن سوريا.
فقد لاحظت الرياض أن الدور التركي ينتقص من نفوذها،
او هو يتغذّى على نفوذها، بحيث اصبح الدور التركي في الساحة
العربية ـ من وجهة نظر الرياض ـ كارثياً شأنه شأن الدور
الإيراني. ومن هنا نظرت الرياض الى الحلف القطري التركي
بعين الشك، وعوّقت الدور التركي في البحرين وأحبطت وساطتها
بين المعارضة والحكم، وحين أسقط حكم الأخوان في مصر، ردت
الرياض بصورة غير مباشرة على تصريحات اردوغان عن الحكم
الجديد في القاهرة، بل شنت هجوماً عليه حين هاجم بشكل
مباشر بعض دول الخليج دون ان يسميها لوقوفها مع السيسي.
لا غرو اذن ان تؤيد طهران دوراً تركيا على ساحة الشرق
الأوسط، لأنها تدرك انه لن ينافسها، ولا يستطيع ذلك، ولكنه
سيضعف السعودية أكثر فأكثر، وطهران تؤمل في النهاية قيام
تحالف ثلاثي يلملم شؤون المنطقة مكون من ثلاثة اضلاع تمتد
من القاهرة الى انقرة الى طهران.
تبقى القوة الثالثة وهي الباكستان، التي لا تمثل مشكلة
ايديولوجية دينية ولا منافساً سياسياً للرياض. فالباكستان
تأسست ـ كما هو معلوم ـ عام 1947 حين انفصلت عن الهند
غداة استقلالها عن التاج البريطاني، وكان الاستقلال مبنياً
في الاساس على خلفية دينية (اسلامية)، وكان الباكستانيون
بحكم التأسيس يجدون انفسهم قريبين للبلد الذي يحتضن الحرمين
الشريفين، اياً كان حكم ذلك البلد، وهذا ما دفع الرياض
لتوثيق علاقاتها مع هذه الدولة الوليدة، وهي البلد الذي
استثمرت فيه الرياض كل امكانياتها (الدينية/ المذهبية،
والسياسية) منذ زمن بعيد يمتد الى اواخر الخمسينيات الميلادية.
لم يكن للباكستان إرث سياسي (استعماري حسب وجهة النظر
القومية، كما هو الحال مع تركيا) ولا هي قريبة مثل إيران
ومنافساً في ملفات كثيرة؛ كما أنه لا حدود لها مباشرة
مع اي دولة عربية، كما هو الحال مع تركيا وايران، ولم
يبدُ ان لدى الباكستان طموح للعب دور مستقل او حتى غير
مستقل في الشؤون العربية، بمعنى أنها تقبل بأن تلعب دور
التابع او المكمل لسياسة آخرين كالمملكة السعودية.
والباكستان كانت النموذج الواعد لنقل السلفية اليها،
وهي قوة بشرية وعسكرية لا يستهان بها، ثم انها مشغولة
بملف الصراع مع الهند على كشمير وغيرها.. وزيادة على هذا
كله، فهي ايضاً دولة تتبع المعسكر الغربي الذي تنتمي اليه
السعودية نفسها، بعكس ايران الحالية. ولهذا كله، وجدت
الرياض ان الباكستان خير حليف ممكن لحماية امنها الإقليمي
وقت الحاجة، وليس ايران او تركيا.
ولكن ـ كالعادة السعودية المعروفة ـ فإنها لا تقصر
استثماراتها السياسية دون ان يردفها استثمار مذهبي/ وهابي،
ظهرت نتائجه واضحة في العقود الثلاثة، على شكل تطرف وارهاب
وصراع محلي طائفي دموي لازال مستمراً بسبب تغلغل الفكر
الوهابي، وسيبقى هذا الإستثمار السعودي المذهبي مؤلما
لباكستان في المستقبل بعد ان تم اضعاف القوى الاسلامية
المعتدلة فيه كالجماعة الإسلامية لصالح القوى الوهابية
السلفية المتطرفة التي فجرت الوضع الداخلي والصراع الطائفي
البيني.
ماذا تريد الرياض من الباكستان؟
في التجربة التاريخية السعودية، فإن الرياض لم تقبل
ان تُختطف الباكستان منها، ضمن مشروع حلف السنتو/ بغداد
اواخر الخمسينيات الميلادية الماضية، والذي ضمّ الدول
الثلاث: تركيا وايران والباكستان اضافة الى العراق. وضمن
التجربة التاريخية فإن العلاقات السياسية كانت وثيقة الى
حدّ اصبحت فيه الرياض لاعباً رئيسياً محلياً، فهي قد دعمت
الانقلاب على رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو اواخر السبعينيات
الميلادية، ورفضت التدخل الى أن تمّ تعليقه على المشنقة
على يد حليف الرياض الجنرال ضياء الحق. لم يكن بوتو يميل
الى علاقة قوية مع الرياض التي كانت تبادله الشك لعلمانيته
وشيعية جذوره المذهبية!. والرياض فوق هذا، اضحت جزء من
الحلول السياسية المحلية، فكثير من الإتفاقيات بين الخصوم
السياسيين تجري على اساس استقبال الرؤساء او رؤساء الوزراء
المنفيين والعيش فيها.
لكن الأهم هو ان الرياض ورّطت الباكستان عميقاً في
الشأن الأفغاني، وتحديداً في نشوء القاعدة، ومن ورائها
الطالبان الأفغانية ودعمهما، وذلك بالتنسيق المباشر بين
الاستخبارات السعودية والإستخبارات العسكرية الباكستانية.
وفي الجزء العسكري، فإن الباكستان ومنذ الستينيات الميلادية
الماضية، اشرفت على تدريب العديد من القوات السعودية،
خاصة القوات البحرية، وبقيت تقوم بهذا الدور بصفة مكثفة
حتى الثمانينيات الميلادية الماضية، وان تباطأ بعد ذلك
لكنه لم ينته.
وأهم أمرٍ لافت في العلاقات الأمنية العسكرية بين البلدين،
جرى اواخر السبعينيات الميلادية الماضية، حين شعرت الرياض
بخطر وجودي ازاء التحولات السياسية في ايران، والتي ادت
الى اسقاط نظام الشاه هناك. يومها استنفر الرئيس الأميركي
جيمي كارتر البيت الابيض واعلن بأن (امن السعودية جزء
من الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية) وارسل عشرات
الطائرات من طراز اف ـ 15 لاجراء مناورات اتخذت من قاعدة
الظهران العسكرية شرق المملكة منطلقاً لها، لتشتري الرياض
بعدها ستين طائرة منها. في ذات الفترة، طلبت السعودية
من الباكستان ارسال ثلاثين الفاً من قواتها العسكرية لتبقى
في اراضيها على اهبة الاستعداد في حال تطورت الأوضاع في
ايران في غير صالح الرياض؛ التي لم تهدأ إلا بعد اندلاع
الحرب العراقية الإيرانية، فتنفست الصعداء، ليصار لاحقاً
الى تخفيف عدد القوات وإعادتها في حدود منتصف الثمانينيات
الميلادية. وقد نُشر حينها انزعاج الرياض المتوترة مذهبياً،
من وجود عناصر شيعية في الجيش الباكستاني كضباط او كجنود،
معبّرة عن عدم الثقة بهم لمجرد انهم على غير المذهب الوهابي.
ولكن الباكستان لم تقبل بإبعاد بضعة آلاف من جيشها في
السعودية، لأن ذلك يفجّر الطائفية في الجيش الباكستاني
نفسه، ويؤثر على اللحمة والإندماج الوطنيين في الباكستان.
الآن، وفيما الرياض تمرّ باهتزاز في الثقة بنفسها وبكفاءة
جيشها الذي جرّبته في معارك صغيرة مع الحوثيين وفشلت في
صدّهم او القضاء عليهم رغم مواجهة الحوثيين للجيش اليمني
في ذات الوقت.
الآن، وفيما الرياض تواجه تحولات اقليمية غير مسبوقة
بسبب الربيع العربي، وخسارة مواقعها في اكثر من بلد عربي،
وحيث النفوذ المتسع لإيران على حسابها، واحتمالات التصعيد
السعودي مع كافة الدول القوية شمالاً: ايران والعراق وسوريا.
الآن، وفيما الولايات المتحدة تريد التخفّف من وجودها
العسكري في الشرق الأوسط، عبر حلحلة ـ ولو جزئية ـ للملفين:
النووي الإيراني؛ والفلسطيني بما يضمن صفقة سياسية لقيام
دولة يهودية لم تمانع الرياض في تأييدها. تشعر الرياض
بأنها وحيدة سياسياً وعسكرياً، وان الحلفاء الغربيين يكادون
يتخلّون عنها، لانشغالهم بقضايا أهم في جنوب شرق آسيا؛
وبالشكل الذي يجعل ايران محور السياسة في الشرق الأوسط.
الآن، وفي ظرف المشاكل الداخلية السعودية؛ والمشاكل
التي في الجوار حتى مع دول خليجية ومع الأكثرية الشعبية
اليمنية.. تستشعر الرياض مرة أخرى بخطر وجودي يتهددها،
حتى من قبل حلفائها الذين يلوّحون لها مهددين بملف دعمها
للإرهاب القاعدي، الأمر الذي فاخر بفعله بندر بن سلطان
علناً وتهديده مباشرة لروسيا وبريطانيا في لقائه مع بوتين
ومن قبله مع رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير. ولذا
نرى الرياض واقعة تحت ضغط التهديد الروسي بفتح ملف السعودية
في مجلس الأمن واعتبارها دولة داعمة للإرهاب، بل وايضاً
تحت ضغط الإبتزاز الغربي مستثمراً ملفي دعم القاعدة، وتوفير
مظلّة الحماية التي بدأت تتقشّع قليلاً، بغية نهب الرياض
عبر صفقات اسلحة وعقود انشاء واستثمارات وغيرها. هذا ما
يُفهم في صفقاتها خلال الأشهر الماضية وهي كثيرة مع بريطانيا
(سبعة مليارات ونصف المليار دولار) ومع كندا (اربعة مليارات
ونصف)؛ ومع المانيا (نحو اربعة مليارات) ومع فرنسا بعدة
مليارات من الدولارات، وحين يأتي اوباما الى الرياض اواخر
الشهر، سيوقع ـ على الأرجح ـ صفقة تسلح مع السعودية، غير
تلك التي وقعت خلال العامين الماضيين (60 مليار دولار
صفقة طائرات اف 15 معدلة؛ وستين مليار اخرى صفقة أسلحة
بحرية).
في خضم كل هذا.. الى من تلجأ الرياض، خاصة وانها لا
تريد ان تكف عن سياستها التصادمية في المنطقة مع اكبر
الدول العربية (العراق وسوريا والسودان والجزائر وحتى
تونس) اضافة الى الدول الإسلامية بما فيها تركيا وايران؟
نعم لا يوجد سوى الباكستان، التي يمكن لنا تسميتها
بـ (الدولة الملجأ) للسعودية. مثلما هم الساسة الباكستانيون
ـ بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي نواز شريف ـ لم يجدوا
سوى الرياض ملجأ سياسياً لهم ريثما يقفزون عائدين الى
بلدهم: اما باتجاه السجن كما حصل لمشرف، او باتجاه رئاسة
الوزراء، كما حدث لنواز شريف نفسه!
السعودية طلبت مرة اخرى من الباكستان ارسال ثلاثين
ألفاً من جنودها الى السعودية، بحجة التدريب الأمني والعسكري،
وأعلنت ان هناك فعلاً على الأرض بضعة آلاف من الجنود الباكستانيين
يمارسون مهاماً أمنيّة، موجودون منذ سنوات عديدة.
وتزعم الرياض أنها ستتعاون مع الباكستان في انتاج أسلحة
بينها طائرات مقاتلة وما أشبه. والحقيقة ان الباكستان
كما الرياض تتزودان بالطائرات من الولايات المتحدة الأميركية
واوروبا؛ وهي انما ارادت التعمية على الهدف الأساس من
استقدام تلك القوات. ايضاً قيل أن الرياض ستتعاون مع الباكستان
في المجال النووي، في رسالة موجهة الى الغرب تحديداً.
تقول الرسالة: ان السعودية لا تقبل بأي اتفاق نووي بين
الغرب وايران (لأنه يطلق يد ايران ويوسّع نفوذها اكثر
فأكثر على حسابها ويجعلها قوة عظمى مهيمنة في الخليج لا
يمكن للسعودية منافستها).. وهنا تتذرّع السعودية بتصاعد
الخطر النووي الإيراني الذي كان يفترض ان يكون كبيراً
قبل الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وليس بعده كما ترى
السعودية، ولذا فحجتها ضعيفة حتى بين حلفائها الغربيات،
ولذا اقرت اللجنة الخارجية في البرلمان الأوروبي قراراً
في بداية فبراير الماضي، حمل توصيات للسعودية عديدة من
بينها الدعوة الى تفاهم مع ايران حول مشكلات المنطقة،
وإيقاف دعم السعودية التطرف الذي تتغذى عليه القاعدة في
شمال افريقيا وفي مالي، وغير ذلك.
وتحسّباً للقضية النووية، فإن السعودية استثمرت ـ مالياً
ـ في القنبلة النووية الباكستانية؛ وحاولت منذ سنوات ان
تحصل على صواريخ بعيدة المدى برؤوس نووية باكستانية، لكن
الترسانة الباكستانية النووية تحت نظر الغرب، وقد وجّه
تحذيراً لكلا البلدين (السعودية والباكستان) ـ حسب ويكيليكس،
بعدم خرق الاتفاقات المتعلقة بالإنتشار النووي؛ وقد اعلنت
الباكستان انها لا تنوي اعطاء السعودية شيئاً له علاقة
بالسلاح النووي.
ماذا تعني هذه الخطوة السعودية.. أي التوجه الى الباكستان
غير تهدئة القلق الوجودي السعودي؟
اولاً ـ تريد الرياض ان تقول لحلفائها الغربيات انها
تستطيع ان تجد لها من يحميها ـ بالمال ـ في حال تخلّت
الدول الغربية عن ذلك. والحقيقة ان الغرب لن يترك محميته
السعودية، ولكنه ليس بذاك الحماس القديم الذي كان عليه،
وهو ما شعر به الامراء السعوديون. ومع هذا، فإن التوجه
السعودي الى الباكستان طلباً للحماية يعني إقراراً سعودياً
بأن الرياض لا تستطيع توفير الحماية لنفسها، رغم ما تنفقه
من عشرات المليارات على السلاح، وهي هنا تعترف ايضاً بأن
جيشها غير كفوء، في حين ان بعض المحللين العسكريين يعتقدون
بأن الرياض في الأساس لا تريد بناء جيش قوي، وذلك خشية
ان يؤدي ذاك الى إسالة لعابه للقيام بانقلابات.
ثانياً ـ إن اللجوء السعودي الى الباكستان يعني ان
الرياض مصرّة على مواصلة سياستها الصدامية مع دول الجوار
بما فيها بعض دول الخليج، اي انها لا تزمع ـ وهي في ظل
الخوف والأزمة ـ القيام بتفاهمات مع من تعتقد انهم يهددون
أمنها القومي، مثل ايران، كما انها لا تريد تهدئة بؤر
التوتر القريبة منها او المشاركة بفعالية فيها، عبر القبول
بأنصاف الحلول، كما هو الحال في تشددها تجاه الملف البحريني،
والملف السوري، والملف العراقي، والملف المصري حيث الحرب
السعودية مفتوحة على الإخوان المسلمين أينما وجدوا، ولا
حتى بشأن الملف اليمني او التونسي الذي تريد من خلاله
تحويل تونس الى دولة فاشلة. عكس ذلك هو الصحيح، فالرياض
التي لم تفلح في معظم ان لم يكن كل هذه الملفات، تصرّ
على فتح المزيد منها بلا أفق لحل سياسي، وبلا قدرة على
ابتداع حلول سياسية، ولنا في تفجير الأزمة الأخيرة مع
قطر وسحب السفير السعودي منها، شاهدٌ اضافي على ما نقول.
ثالثاً ـ ان الرياض التي تقلصت مكانتها الاستراتيجية
لدى حلفائها الغربيات، ستواصل سياستها الخاصة بها في سوريا
ومصر والعراق والخليج عامة، حتى وان كان خلاف الرأي الغربي،
وهذا بالتحديد ـ وهو امر جديد بالنسبة للسعودية ـ يعني
تحولا دراماتيكياً في سياستها الخارجية، ويتوقع لعلاقاتها
مع الغرب المزيد من الاحتكاك وربما التدهور، في وقت لا
يوجد لدى الرياض حلفاء اقليميين أقوياء، حيث يعول كثيراً
على مصر، التي هي في وضع لا تستطيع فيه مد يد العون الى
السعودية لا سياسيا ولا عسكريا. ولذا تريد الرياض ـ وبعجلة
كبيرة ـ طي صفحة الثورة المصرية وتثبيت حكم العسكر بالتعاون
مع الفلول، وانهاء قوة الاخوان في مصر وغير مصر، وذلك
حتى يمكن لمصر ان تتفرّغ ولو قليلاً لمساندة السياسة السعودية.
وهذا غير محتمل الحدوث ان تهدأ مصر، ولا أن تتماشى مع
السعودية كما تريد الأخيرة في حال هدأت. مصر بحاجة الى
سنوات طويلة حتى تستقر، ولن تستقر بالطريقة التي تريدها
السعودية والعسكر عبر القمع والشدة.
يبقى سؤال أساسي: الى أي حد تستطيع الباكستان خدمة
السياسة السعودية؟
السعودية تؤمل ـ حسب ما يرشح من الكتابات في الصحف
السعودية ومن صحافيين مقربين من العائلة المالكة ـ ان
تساندها الباكستان عسكريا في حال وقعت حرب ايرانية سعودية،
معتمدة في ذلك على تصريحات خاصة من بعض ضباط القيادة في
هيئة الأركان الباكستانية. فهل يعقل ان تفتح باكستان حرباً
مع جارتها ايران؟ لا يعتقد ذلك. والأصح ان حرباً كتلك
التي في مخيلة آل سعود لن تقع في الأساس.
هل ستستفيد السعودية من خبرة باكستان العسكرية في تطوير
جيشها؟ لو كان هذا سيحدث لظهر مع تولي الأميركيين والغربيين
تسليح وتدريب الجيش السعودي والحرس الوطني لعقود طويلة؟
فالإشكال ليس في المُدرِّب (بكسر الراء) بل في المُدرَّبْ
(بفتح الراء)!
نعم تستطيع الباكستان بحضورها العسكري في السعودية
معاونة الرياض في مواجهات محدودة في الجنوب لو حدثت مع
الحوثيين، او في القمع الداخلي كما يخطط له. عدا عن ذاك
تبقى الباكستان ذاتها في أزمة اقتصادية وسياسية لم تبارحها
من منتصف الثمانينيات الميلادية الماضية، حيث يعصف بها
العنف والتطرف والحرب الطائفية اضافة الى التدخل الاميركي
في اجوائها والى جوارها افغانستان.
باكستان دولة مريضة، بل هي دولة فاشلة، معلولة..
فكيف يتكّيء العليلُ السعودي على العليل الباكستاني؟
ذاك هو السؤال!
|