ترتيبات زيارة أوباما للرياض
هل يواجه بندر مصير عمر سليمان؟
محمد الأنصاري
كعادته يختفي رجل المهمات القذرة بصورة مفاجئة عقب
كل فشل، حتى بات الاختفاء بحد ذاته دليلاً على فشل المهمة
الموكلة إليه. مستشار في البيت الأبيض وصف بندر بأنه «كارثة»،
فقد غادر وخلّف وراءه تركة من الملفات المتفجّرة. وعلى
حد قوله، فإن الوعد الذي قطعه على نفسه باسقاط نظام بشار
عبر الجماعات المسلّحة المرتبطة بالقاعدة انتهى الى انتشار
غير مسبوق لهذه الجماعات، فلم يعد هناك أحد في هذا العالم
قادراً على ضبطها والسيطرة عليها.
في عمّان كما في أنقرة أحاديث عن بندر المغرور والصلف
والمعتد بنفسه. تنقل مصادر تركية مقرّبة من حكومة أردوغان
أن بندر كان يتصرف في تركيا كما لو أنه في مملكة آل سعود،
فلا يقيم وزناً لأحد مهما علا، ولا يكترث لسيادة تركيا
ولا لقوانينها ولا لحرمة دولتها، فيأمر بنقل الأسلحة وانتقال
المسلّحين وتحريكهم من منطقة الى أخرى، دون حتى مجرد التنسيق
مع القيادتين السياسية والعسكرية، وكان يعتقد بأن المال
وحده السلطة التي يشتري بها صمت المسؤولين الاتراك. تقول
المصادر نفسها أن غضباً عارماً يجتاح الدائرة القريبة
من القرار في تركيا في كل مرة يزور فيها بندر البلاد،
لأن مبدأ السيادة آخر ما يرد في ذهنه، فقد اعتاد اختراق
الحدود بالمال الذي يحمله معه أينما حلّ.
في العاصمة الأردنية، عمّان، ثمة قصة تروى عن خلاف
حاد وقع بين الملك عبد الله الثاني والأمير بندر بخصوص
الدور الذي لعبه الأخير في إدارة العمليات العسكرية من
الأراضي الأردنية. وقد أبلغ عبد الله الثاني الأميركيين
بأن طريقة بندر في إدارة الأمور تفقده كملك السلطة في
بلاده، وأن هناك في المؤسستين العسكرية والأمنية من يعارض
استخدام التراب الأردني منطلقاً لعمليات ضد سوريا بصرف
النظر عن الموقف السياسي من النظام. وتذكر مصادر أردنية
مقرّبة من القصر أن رسالة وصلت الى مالك الفيلا في أحد
ضواحي العاصمة عمّان، والتي أراد بندر شراءها منه لتكون
بمثابة مركز قيادة لإدارة مشروع الحرب على سورية بأن يصرف
النظر عن فكرة البيع.
مسؤول أردني رفيع المستوى أبلغ نظيره في الحكومة السورية
بأن قلوبنا معكم، ولكن لا نقدر على مقاومة الضغوطات الاقتصادية
التي نواجهها، حيث تتكفّل دول الخليج بتسديد رواتب الموظفين
في الأردن. ومع ذلك، فإن بندر أبلغ إبن عمه سعود الفيصل،
وزير الخارجية بأن (هناك معلومات عن الخطط العسكرية التي
ترسم داخل الغرف المغلقة في الاردن تعبر الحدود الى سوريا،
ما يصعّب المهمة علينا). معلومات من مصادر مقرّبة من القصر
ذكرت بأن أحداً ما مقرّباً من الملك عبد الله الثاني كشف
للأمير بندر ما بحوزة الاستخبارات الأردنية من شريط مصوّر
للقاءاته مع المسؤولين الاسرائيليين في العقبة، الأمر
الذي وضع حداً لـ (هيجان) الأمير ونزعته الالغائية إزاء
الآخرين دون استثناء بمن فيهم الملك.
على أية حال، أكمل بندر كل المحاولات الممكنة لجهة
إحداث اختراق في الجبهة السورية تفضي الى زعزعة أركان
النظام فيه، فكانت النتيجة انتشار السلاح والمسلحين على
نطاق واسع، وبات الكلام اليوم عن مخاطر تهدد أوروبا والولايات
المتحدة وروسيا وغيرها بفعل انفلات الارهاب من نطاق السيطرة..
غادر الامير المشهد السياسي ووراؤه أسئلة عن سبب الغياب
المفاجىء، وطول مدته، وهل سوف يعود في الأصل؟
مصادر مقرّبة من البيت الأبيض ذكرت بأن مدّة غياب بندر
سوف تطول هذه المرة، فيما لمّحت الى إمكانية اختفائه مرة
واحدة والى الأبد. أحدهم لمّح الى سيناريو عمر سليمان،
رئيس الاستخبارات المصرية السابق، الذي قضى نحبه في ظروف
غامضة في أحد المستشفيات الأميركية..
|
بن نايف وكيري: تفويض اميركي بتنظيف مخلّفات بندر!
|
ذكرت المصادر نفسها أن الحال الصحية للأمير بندر تسمح
لتنفيذ سيناريو من هذا القبيل، فقد عاد الى الادمان على
الكحول وبشكل غير مسبوق، الى درجة أنه كان يغادر غرفة
الاجتماعات المغلقة لأكثر من مرة لتناول جرعات زائدة.
تضيف المصادر، أن الامير بندر بدا غاضباً في الاسابيع
الأخيرة قبل مغادرته البلاد للعلاج. وكان يصرخ في وجوه
من حوله، وكان يردد دائماً عبارة (ألم نعطكم المال) فماذا
فعلتم؟ عادة انتقلت الى (فخامة رئيس) الائتلاف السوري
المعارض احمد الجربا الذي كان يحمل معه حقيبة مليئة بالأموال
وكان يعرض على الصحافيين في جنيف المال من أجل الدعاية
لشخصه وللوفد المعارض..
في النتائج، يعيش بندر أياماً بائسة فقد خسر رهانه
الأخير في الوصول الى العرش، فيما صعد نجم كل من وزير
الداخلية محمد بن نايف، المقرّب من المؤسستين والسياسية
والأمنية في الولايات المتحدة، ومقرن بن عبد العزيز، النائب
الثاني لرئيس مجلس الوزراء، والأمير عبد العزيز بن عبد
الله، وكيل وزارة الخارجية والموفد الشخصي للملك، والمستشار
الخاص للأخير خالد التويجري..
الزيارة التي قام بها محمد بن نايف، وزير الدخلية،
الى واشنطن في الفترة ما بن 11 ـ 13 شباط (فبراير) كانت
بمثابة نقل مسؤوليات، وهي أقرب الى الاستدعاء منها الى
الدعوة، فقد دخل بن نايف في جلسات مكثّفة مع مدراء أجهزة
الأمن الاميركية (وزارة الأمن الداخلي، وكالة الاستخبارات
المركزية السي آي أيه، وهيئة التحقيقات الفيدرالية الاف
بي آي، ومجلس الأمن القومي، واللجان المعنية بالأمن في
كل من وزارة الخارجية والكونغرس) الى جانب مستشاري الرئيس
في شؤون الأمن ومكافحة الارهاب.
وهنا لابد من الاشارة الى دور وكالة السي آي أيه في
تفويض بندر في المرة الأولى لناحية إدارة الملف السوري
بالاتفاق مع مدير الوكالة السابق ديفيد بتريوس، بعد لقاء
علني مع الملك عبد الله في جدة في 9 تموز (يوليو) 2012
بحضور رؤوساء الأجهزة الأمنية (وزارة الداخلية، الاستخبارات
العامة، مجلس الأمن الوطني). في المرة الثانية، تولى الأمير
محمد بن فهد، وزيرالداخلية، إدارة الملف السوري بتفويض
أيضاً من وكالة الاستخبارات المركزية خلال لقاء مع مديرها
جون برينان، مدير السي آي أيه، الذي أشاع الإعلام السعودي
عن إسلامه!
ولابد من التوقّف هنا عند معطى على درجة كبيرة من الأهمية
برغم من أنه لم ينل اهتماماً من وسائل الإعلام، وهو تحذير
وزارة الخارجية الأميركية في 12 شباط (فبراير) المواطنين
الأميركيين الراغبين في زيارة السعودية بتوخي الحذر بسبب
(وجود تهديدات أمنية باستهداف مصالح سعودية وأمريكية)،
وهي دعوة جاءت بعد يوم من لقاء جون كيري مع محمد بن نايف،
الذي لا يزال حينذاك يواصل لقاءاته مع كبار المسؤولين
السياسيين والامنيين.
المستور في الرواية يكمن في التباين الحاد في مقاربة
الملف السوري بين وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية
ووزارة الخارجية. وهذا التباين يعود الى عهد الوزير هيلاري
كلينتون التي كانت تتمسّك بدعم الجيش الحر وصولاً الى
مرحلة انتقال سياسي في سورية، فيما كانت مقاربة السي آيه
أيه ممثلة بمديرها ديفيد بترايوس وبالتنسيق مع بندر بن
سلطان تنزع نحو دعم الجماعات المسلّحة كافة بما في ذلك
القاعدة من أجل إطاحة النظام السوري ثم التخلّص من هذه
الجماعات على التراب السوري.
تنحية بندر عن الملف السوري يعتبر انتصاراً لمقاربة
الخارجية الأميركية، وإن تحذير الأخيرة للمواطنين الأميركيين
هو بمثابة (تسجيل موقف) ضد السي آي أيه وبندر، وأن ما
حذّرت منه الخارجية قبل سنتين من انتشار خطر الارهاب بات
الآن حقيقة على الأرض. وهنا نستكمل الرواية حول موضوع
اللقاء بين كيري ومحمد بن نايف من أنها تناولت (الالتزام
المشترك في مكافحة الارهاب والمجموعات المتطرفة في المنطقة)
بحسب (الحياة) في 13 شباط. كما تناولت المحادثات مفاوضات
جنيف 2 (والدعم المشترك للمعارضة والقلق من مجموعات متطرفة
تستخدم النزاع في سورية لنشر ايديولوجيا الارهاب والتطرف).
إذا، المهمة التي جاء بن نايف من أجلها لم تكن مجرد
تفويض أميركي له بإدارة الملف السوري فحسب، بل والطريقة
التي يجب أن يدار بها في المرحلة المقبلة، وهي تشكّل تمهيداً
إلزامياً لزيارة أوباما للمملكة نهاية آذار، والتي سوف
تؤسس لمرحلة جديدة منها وفي مقدّمها إقرار التسوية الاسرائيلية
الفلسطينية القائمة على الاعتراف بيهودية الدولة، والتي
يجري الترويج لها بكثافة هذه الأيام في عواصم أوروبا.
بخصوص زيارة أوباما الى الرياض، ينتظر من الأخيرة إنجاز
مجموعة مهمات داخلية تتعلّق بترتيبات البيت الداخلي أولاً،
وإرساء أسس جديدة لإدارة الملف السوري والتركيز على رفع
مستوى الجهوزية لدى الجيش الحر في مقابل الجماعات القاعدية
التي سوف يتولى بن نايف الإشراف على خطط الحد من أخطارها
وصولاً الى التخلّص منها إن أمكن.
من جهة أخرى، وخليجياً، تبلّغ البيت الأبيض شكاوى من
الكويت وعمان وقطر بخصوص إصرار السعودية على المضي في
النهج نفسه لناحية التعامل مع ملفات المنطقة.
الكويت شكت من دعم السعودية لتيار سلفي متشدّد يهدد
بانتقال الإرهاب الى أراضيها، وقد حذّر نوّاب كويتيون
من عودة المقاتلين الخليجيين عبر البوابة الكويتية، ما
قد يفتح الباب لشر مستطير يعم المنطقة..
سلطنة عمان عبّرت هي الأخرى عن سخطها من الطريقة السعودية
باختطاف إرادة مجلس التعاون بفرض عداوة قهرية مع ايران
قد تضر بمصالح الدول الأخرى الأعضاء في المجلس. عمان التي
لعبت دور الوساطة بين واشنطن وطهران، أغضبت السعودية كونها
لم تكن على علم بالوساطة قبل الإعلان عنها.
قطر التي تخوض نزاعاً حاداً مع الشقيقة الكبرى قرّرت
عدم مسايرتها في كل ما تريد، بعد أن كشف بندر النقاب عن
تصوّر عائلته لدولة قطر بأنها (مجرد 300 شخصاً وقناة تلفزيونية
وهذا لا يشكل بلداً)، وقد ردّ عليه وزير الخارجية القطري
حينذاك. الجديد هو التصعيد السعودي غير المسبوق الذ يستبطن
تهديداً بعمل عسكري ضد قطر، على خلفية اتهامات سعودية
للأخيرة بدعم المشايخ المحسوبين على جماعة (الإخوان)،
والاصرار على معارضة (الانقلاب) العسكري في مصر..
في المسألة البحرينية، رسالة أميركية وصلت الى السعودية
بأن بقاء الحال السياسي على ما هو عليه بات مستحيلاً،
ولابد من تغييرات في تركيبة السلطة تقوم على استبعاد رئيس
الوزراء خليفة بن سلمان ودعم ولي العهد سلمان بن حمد.
لقاءات بين مستشارين للرئيس أوباما مع قيادات في جمعية
الوفاق البحرينية تلفت الى تغييرات شبه جوهرية في الموقف
الاميركي من المسألة البحرينية ويأتي في سياق متغيرات
كبرى في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والعالم.
استحقاقات عديدة أمام المنطقة قبل وبعد زيارة أوباما،
وتأتي في غياب رجل المتاعب وعرّاب الفوضى الخلاّقة، بندربن
سلطان، ويبقى الميدان سيد الحلول.
|