إبن نايف والقمع بدعم أميركي
سامي فطاني
أتقن فن الخضوع للكبار، والتودّد لمن هم أعلى منه رتبة
مثل الملك وولي العهد، وطاعة من بيدهم القوة والنفوذ (الأميركيين)،
فكان الابن المطيع لولاة أمره، لا ينقض عهداً، ولا يخالف
أمراً، ولا يسبقهم بقول أو بفعل..
في المقابل، ورث من أبيه التنمّر في ذات السلطة، واعتماد
القمع وسيلة وحيدة في التعامل مع المواطنين، وحتى الجانب
الودّي في شخصيته هو جزء من تكتيات القمع، فهو قمعي بأشكال
مختلفة..
ابتسامة، واحترام، وكلام معسول، هي جزء من (عدّة الشغل)
لدى بن نايف، وفي الشدائد وحين يوضع أمام تحدٍ، يكشف عن
جوهره الصلف، والصارم، والمكتنز حقداً، وكراهية، وضغينة
على كل ما ومن يشكل تهديداً حقيقياً أو متخيلاً لسلطان
آل سعود..
لا يحترم كبيراً، ولا يقيم وزناً لعالم، ولا يرعى حتى
العاجز والمريض أو المرأة والصغير حين يتعلق الأمر بالسلطة.
وقد يعبّر عن احتقار ضيوفه بأشكال مختلفة، تارة باستدعائهم
الى مكتبه فيبقيهم في غرفة الانتظار ساعات طويلة، ولا
يكلّف نفسه حتى بمجرد الاعتذار عن التأخير، وقد يتصل مدير
مكتبه على الضيوف القابعين لأيام في أحد فنادق الرياض
فيبلغهم بأن (الأمير مشغول وسوف نتصل بكم في وقت لاحق).
وقد لا يكون الحال كذلك، ولكنها أحد وسائل الاستهانة بكرامة
الآخرين..
أما في الملف الحقوقي، فإن المساحة المخصصة هنا لا
تكفي لمجرد ذكر واحدة من أساليب القمع والاحتقار والاهانة
التي يتبعها بن نايف، ومن شابه أباه فما ظلم. يكفي أن
عشرات الآلاف من المعتقلين على خلفية التعبير عن الرأي،
أو ممارسة نشاط حقوقي سلمي، أو المشاركة في مسيرة سلمية
للجهر بسوء أصاب بعض المواطنين، أو لإيصال الصوت بمطالب
مشروعة، لايزالون يقبعون خلف قضبان سجون الداخلية، وقد
مضى على بعضهم أكثر من خمس عشرة سنة وربما أكثر من ذلك.
وأغلب هؤلاء المعتقلين لا يخضع لمحاكمات عادلة، أو يتمتعون
بتمثيل قانوني.
من يدخل سجون بن نايف يخضع لقاعدة (الداخل مفقود والخارج
مولود)، فقائمة الإتهامات باتت جاهزة، وبحسب توجّه المعتقل
السياسي والحقوقي والإيديولوجي. والمحاكمات الصورية التي
تعقد للناشطين الحقوقيين لا تنتهي ببراءة أي منهم، بل
هي تضطلع بمهمة واحدة تحديد مدة السجن ونوع العقوبة بعد
أن تتلو جهة الإدعاء قائمة الاتهامات التي تشتمل على كل
ما هو غريب وأحياناً مضحك مثل إزعاج السلطات، والتخابر
مع جهات أجنبية، أو تهديد الوحدة الوطنية، والخروج على
ولي الأمر..وهي اتهامات غير ذات صلة..
لا ننسى أن بن نايف كانت له صولات ضد الاصلاحيين، خصوصاً
بعد تقديم عريضة (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) في يناير
2003، فكان يجول على الإصلاحيين مرغّباً ومرهّباً، في
سبيل إقناعهم بالتخلي عن المطالبة بالإصلاحات عبر العرائض
والظهور الاعلامي، إلى أن قرر هو والده نايف وفي ليلة
مشؤومة إطلاق سيارات الداخلية لتعقّب الرموز الاصلاحية
أينما وجدوا، سواء في البيوت، أو الأسواق، أو داخل حريم
الجامعة من أجل اعتقالهم..
ملف الانتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية يعدّ الأسوأ
على مستوى العالم، ويفترض أن يضع المسؤول الأول عنه حالياً،
أي بن نايف، في الموقف الذي يستحقه، فهو رجل القمع الأول،
ولابد من ملاحقته في القضاء الدولي، لأسباب عديدة باتت
معروفة منها موت معتقلين داخل السجن، ومنها الاعتقال العشوائي
والتعذيب ضد الآف الناشطين، ومنها مقتل شباب برصاص حي
ومباشر في مسيرات سلمية...
بعد جولة بن نايف الى واشنطن في الفترة ما بين 11 ـ
13 فبراير الماضي، ينظر الناشطون والإصلاحيون بريبة شديدة
وبغضب أيضاً حيال الغطاء الأميركي لمرحلة قمع قادمة يقوم
بها وزير الداخلية بحجة محاربة الإرهاب. وإذا كانت الداخلية،
وبن نايف شخصياً، تمارس القمع وانتهاك حقوق الانسان في
ظل صمت الحليف الكبير، أي الولايات المتحدة، فإن الممارسة
القمعية سوف تكون هذه المرّة بغطاء أميركي، ونخشى أن تزداد
وتيرة مصادرة الحريات العامة، وإحكام الخناق على الناشطين
والمدافعين عن حقوق الانسان، والمناصرين للإصلاح..
ذراع الدولة العميقة باتت الان أطول، بعد عودة وزير
الداخلية من بلاد العام سام، فقد حصل على جرعة دعم مكثفة
تسمح له بفعل أكثر مما فعله في السابق. تسلّم ملف سوريا
من رجل المغامرات بندر بن سلطان، وبات قلق الإنجاز يلاحقه
في كل مكان، فهو لا يريد أن يقع ضحية فشل آخر، فتلاحقه
لعنات سلفه...
جولة من القمع في الداخل، وتحت مظلة الدعم الاميركي،
الذي سوف يكون شريكاً كاملاً في أي قمع للحريات يطال الناشطين
والمدافعين عن حقوق الانسان. بدت مؤشرات توغل الدولة العميقة
في الاعلام الذي بات أداة رئيسية فيها، حتى صار المواطن
يتعرف على تدابير القمع من بعض كتّاب الصحف المحلية وهم
يردحون هياماً في أمن الوطن المفقود..ومن الاعلام تتمدد
الدولة العميقة الى كل أرجاء مملكة الصمت..
تكتسب الدولة العميقة تأييد واشنطن لأن صديقها المطيع
يمسك الآن بالملف السوري، ولأنه كذلك فهو يجيز لنفسه ضرب
الناشطين والاصلاحيين على وجه الخصوص، ببساطة لأن بركة
واشنطن تحيط به، وحتى موعد زيارة الرئيس أوباما يصبح لكل
حادث حديث.
على أية حال، فإن تداخل ملفات الداخل والخارج، والإرهاب
بالحريات وحقوق الانسان، يعقّد الوضع الداخلي، ويدفع البلاد
الى مرحلة من الاضطرابات الأمنية والسياسية وسوف لن يكون
هناك وقت كاف يعطى لهذه الدولة التي تحوّلت الى مولّد
فعال للأزمات والمشاكل، وأن الحلول الأمنية لأزمات صنعت
من قبلها، ويراد تدفيع المواطن أثمانها، كما في كل مرة
تتورط فيها الدولة السعودية في قضايا خارجية، ويراد استغلال
الحل كيما يشكل كل خصومها في الداخل، أي الإصلاحيين والناشطين
الحقوقيين..وهذا أمر لن يمر بسهولة هذه المرة.
|