(ولي ولي العهد): مقرن.. ملكاً!
عبدالحميد قدس
احتفالية غير عادية، وغير مسبوقة لموقع كهذا، مبايعة
داخلية وخارجية، تخصيص أيام للمبايعة، وإيصال رسائل للطلاب
المبتعثين في الولايات المتحدة وأوروبا بتقديم البيعة
في أيام محددة.. مالمناسبة؟
في بيان مفاجىء أعلن الديوان الملكي السعودي عن (مبايعة
الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلو منصبي
الملك وولي العهد في وقت واحد). وأضاف: (ولا يجوز بأي
حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي
شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة
الموقعة منا ومن أخينا سمو ولي العهد رقم 19155 وتاريخ
19 / 5 / 1435هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1 /
هـ ب وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ المؤيد لاختيارنا واختيار
سمو ولي العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن ابن عبدالعزيز
بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة).
وبخلاف الأعراف المعمول بها في المملكة السعودية في
تعيين النائب الثاني، استحدث البيان عنواناً جديداً وهو
(ولي ولي العهد) مبقياً على منصب النائب الثاني لرئيس
مجلس الوزراء، ما يشي بخلاف داخل العائلة المالكة حول
منصب ولي العهد بعد تولي الأمير سلمان العرش، برغم من
أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك
في العام 2005 لتفادي استحقاق منصب النائب الثاني.
ما يلفت في البيان أن (منصب ولي ولي العهد) ليس مفتوحاً
ولا يأخذ مسمى القانون أو المرسوم الملكي الثابت، وإنما
يقتصر على الحالتين المنوّه عنهما في البيان.
|
مقرن يقبّل يد أخيه أحمد تعويضاً ربما عن العرش!
|
في كل الاحوال، القرار لم يكن مفاجئاً في حد ذاته،
وإن كان توقيته والاضافة عليه تحمل دلالات ذات أهمية بالغة..
الأمير مقرن، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس
المملكة السعودية، ولد سنة 1945، وتولى عدّة مناصب منها
إمارة منطقة حائل في الفترة ما بين 1980 ـ 1999، ثمّ عيّن
اميراً لمنطقة المدينة المنورة، وفي أكتوبر 2005 عيّن
رئيساً للاستخبارات العامة حتى يوليو 2012، حيث تولى بندر
بن سلطان المنصب، فيما عيّن الملك عبد الله أخاه غير الشقيق،
والمقرّب منه، مقرن مستشاراً له ومبعوثاً خاصاً. وفي الاول
من شباط العام الماضي، 2013، عيّن الملك مقرن نائباً ثانياً
لرئيس مجلس الوزراء، ما يجعله مرشحاً ثابتاً في خط وراثة
العرش.
القرار في حد ذاته يبعث أسئلة مثيرة حول العلاقة بين
الاجنحة المتصارعة على العرش، وعلى وجه الخصوص بين جناح
الملك عبد الله والجناح السديري ممثلاً في الأمير سلمان،
ولي العهد ووزير الدفاع، وأبناء الأمير نايف، ممثلاً في
محمد بن نايف، وزير الداخلية والأوفر حظاً لدى الأميركيين،
وشقيقه سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية.
تقليدياً، يصبح وزير الداخلية الأكثر ترجيحاً لتولي
منصب النائب الثاني وتالياً ضمان فرصته في الوصول الى
العرش، ولكن تحويل مؤسسة الحرس الوطني الى وزارة وتعيين
الأمير متعب بن عبد الله، نجل الملك، وزيراً عليها يجعل
هناك أكثر من وزارة سيادية تشق قناة سالكة نحو الوصول
الى العرش.
صدور القرار قبل يوم من زيارة أوباما الى الرياض قد
يقطع الطريق على أية نقاشات حول ترتيبات جرت بين محمد
بن نايف والمسؤولين الأميركيين خلال زيارته لواشنطن في
الفترة ما بين 11 ـ 13 شباط الماضي، بخصوص دعم واشنطن
له كمرشح راجح في خطة صعود الجيل الثاني لتولي الحكم.
من جهة ثانية، فإن العلاقة الوثيقة التي تربطه بالملك
عبد الله تجعل الأمير مقرن ضامناً لفرصة الأمير متعب بن
عبد الله للوصول الى العرش. إذ لم يكن تأكيد الاعلان على
عدم جواز إجراء أي تعديل على الاختيار مجرد عبارة زائدة،
الأمر الذي يجعل ولي العهد سلمان وهيئة البيعة ملزمين
بالقرار.
في كل الاحوال، حسم الاعلان الجدل حول من سيخلف الأمير
سلمان، في ظل شكوك حول فرصة الأمير مقرن في ولاية العهد،
كونه لا يملك قوة عسكرية على الأرض، بخلاف الملك وولي
العهد ووزير الداخلية. في حقيقة الأمر، تجاوز مقرن عقبات
عديدة منها نسبه كون أمه جارية (بركة اليمانية) فكان ينادى
عليه إبن السوداء، وتجاوز موقع أخيه أحمد بن عبد العزيز،
الذي يكبره سناً، وكان المرشح السديري الأوفر حظاً، ولكنه
فجأة خرج من معادلة التوريث. مقرن الذي يعرف بأنه اختطف
موقعاً من أخيه غير الشقيق، عوّضه بقبلة على يده حين جاء
لمبايعته ولياً ولي العهد.
على أية حال، ضمن الأمير مقرن مكانه في العرش، وقد
يصبح ملكاً في حال خلو المنصبين معاً، وقد لا يكون الموت
وحده سبباً لخلوهما، فخيار التنازل بالتوافق لا يزال سبباً
راجحاً، ما يفتح الطريق أمام مقرن لتولي العرش، وحينذاك
فحسب يكون متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف وغيرهما قادرين
على حجز مقعد في القطار الموصل الى العرش بالتناوب.
|