الكعبة تغتسل دماً
تسعون عاماً منذ الاحتلال النجدي لمكة، ولازال الوهابيون
غير قادرين على إدارة الإماكن المقدسة. فبين فينة وأخرى
نتلقّى خبر فاجعة بين الحجاج والمعتمرين، يقتلون ويدهسون
ويتساقطون، ثم يلقى بالإتهام على آخرين، وليس على الجهلة
الذين سيطرواعلى مقدسات المسلمين وتراثهم وعاثوا فيها
وحوّلوها الى مكان للإرتزاق والترويج لفكر التطرف الوهابي
ناصر عنقاوي
هل كان مجرد حدث عابر؟، هل كان عفوياً، هل كان مدبّراً،
أم لا هذا ولا ذاك، وإنما هو استعراض في صورة طفولية وهمجية،
أدّت الى إشاعة حالة ذعر وسقوط عدد من الجرحى وسفك الدماء.
في 29 مايو الماضي، كان بيت الله الحرام على موعد مع حادث
دموي، وبدلاً من أن تغتسل الكعبة بالماء غسلت بالدماء،
ولولا لطف الله لكانت الدماء تسيل حول الكعبة المشرّفة.
مئات الجنود اقتحموا فجأة حرم البيت الآمن، فور انتهاء
صلاة الصبح جماعة، وشروع الناس في الطواف حول الكبعة،
فدخل هؤلاء بشكل مفاجىء واخترقوا الصفوف بطريقة همجية
وسط جموع الطائفين، الذين لم يتطلب تفريقهم هذا الحشد
من الجنود المدجّجين بالسلاح، ودون حاجة للاقتحام والتدافع
الأمر الذي يؤدي الى وقوع المكروه..وبحسب أحد الشهود:
كان الطواف خفيفاً جداً، وكنا نطوف في وضع طبيعي، اخترقوا
الصفوف على صورة استنفار عسكري لحدث خطير مفاجئ!
لم يعرف أحد سبب هذا الاقتحام المباغت للحرم المكي
ولدفع الطائفين، الى درجة أن من خرج من الحرم او كان في
خارجه قرر الدخول الى باحة الحرم المكي لمعرفة ما يحصل،
فما شهدوه لا يدل على أمر عادي بل قد يذكّرهم بما حصل
في سنوات خلت. أبطل العسكريون شعيرة الطواف حين دفعوا
الطائفين بعيداً عن الكعبة وعن مسار الطواف، وشكّلوا ما
يشبه الحلقة العسكرية حول الكعبة، ثم جاءوا بمنبر آلي
وسط الحشود، ما زاد الأمر حيرة، ودفع الناس للاحتشاد بالقرب
من المنبر لمعرفة ما يجري وبانتظار من يبلغهم بحقيقة الأمر..
والحال، تدافع الناس، وتساقط بعضهم، وتعالت الصيحات
من النساء والاطفال، واختفت أصوات التلبية والدعاء، وشاعت
الفوضى المكان المقدّس، وبات البعض مشغولاً بانقاذ الاطفال
والضعاف من خطر الاختناق وسط الزحام والفوضى. وحدهم الجنود
كانوا مصرّين على إتمام مهمة التحليق حول الكعبة وإكمال
عملية التطويق بأية طريقة، وتنبيه الحجاج والمعتمرين بطريقة
مثيرة للشفقة: امشي يا حاج امشي يا حاج، ممنوع التصوير!
تغير المناخ العام داخل الحرم المكي، إنقطعت أصوات
التلبية والدعاء والصلاة، وساد الخوف وسط المتواجدين داخل
الحرم، فقد فضّ الطواف، فيما قطع آخرون طوافهم مرغمين
بسبب الاختناق والتدافع..تفرق الجمع، وتشتت الحملات، وتفرقت
العوائل، وراح الآباء يبحثون عن أبنائهم، وزوجاتهم، فيما
كان الاطفال يصرخون ذعراً بعد أن تعرضوا للأذى، أو ضيعوا
آباءهم وأماتهم.
كل ذلك، ولايزال الزائرون والمعتمرون والطائفون يجهلون
سبب هذا الاقتحام المفاجىء للبيت الحرام..وهنا جاء الخبر
المفاجىء: حان موعد غسل الكعبة المشرّفة، ما يتطلب إخلاء
المكان أمام المولجين بالمهمة.
ولكن هل ذلك كله يتطلب هذا الاقتحام المفاجىء ما أدى
إلى إسالة دماء بعض المعتمرين ونقل بعض الجرحى الى المستشفيات،
قبل أن يكمل الطواف، بينما كان أحد المعتمرين ممدّداً
على الأرض وقد مزّقت ثيابه الملطخة بالدم.
السؤال الكبير: ألم تكن هناك طريقة أفضل من ذلك لتنفيذ
المهمة دون المساس بأمن ضيوف الرحمن، وإشاعة الرعب وسطهم
وهم داخل بيت الله الآمن.
د. هتون أجواد الفاسي كتبت مقالاً، منعت السلطات نشره
بعنوان: (طقوس غسيل الكعبة وأمن ضيوف بيت الله الحرام)؛
تحدثت فيه بأسى عما يجري في بلاد الحرمين هذه الايام ولاسيما
الحرم المكي؛ حيث يتم نقض كل حجر من احجار الحرم وما حولها،
ما جعل المطاف معلقاً واستحدثت أدوار ومصاعد، لإعادة هندسة
الحرم أجمع لاسيما صحن المطاف وتحويله من شكل بيضاوي.
واعتبرت الفعل من أساسه خاطئاً، ما أدى الى هدم كل
الأروقة التاريخية من عباسية الى عثمانية، خاصة وانه جرى
حسب رأيها (دون استشارة من أي نوع لمسلمي العالم الذين
تتخذ هذه القرارات باسمهم وفي غيابهم). والذي حدث هو حصر
الحجاج والمعتمرين في نطاق ضيّق بعد ان تمّ غرس أعمدة
عملاقة، مضيفة بأن الصورة الإعلامية العليا للحرم التي
تقدمها السلطات للعالم، لا تخفي الواقع المؤلم الذي يحجب
الكعبة، حيث التكدس بسبب المسارات والأعمدة التي تزيد
خنق المعمرين وأدت الى خلق (مضائق ومصائد يتناثر الدم
على أرضيتها؛ ومن نفذ منها كأنه كتب له ولها حياة جديدة).
وتصف هتون الفاسي رد الفعل الشعبي الغاضب على السلطات
في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على الجهات الأمنية
التي (كأنها تفعل ذلك لأول مرة وتفاجأ بأعداد المعتمرين
أو بفضولهم لمشاهدة حدث غسل الكعبة غير المتوقع؟ ثم يأتي
المتحدث الاعلامي باسم شرطة المنطقة ليصرح بأن ما جرى
كان نتيجة طبيعية للتدافع الذي حدث).
د. فائز صالح جمال يلخص صورة التدافع عند باب الكعبة
المشرفة، بأنه أمر ليس بجديد وتزامنه مع الرجبية ليس جديداً،
لكن الجديد هو ضيق الصحن بسبب التوسعة، واجراءات أمن الضيوف
التي أغلقت معظم الصحن، وتساءل: أليس في مسؤولي تنظيم
المناسبة رجل رشيد يضع الثوابت والمتغيرات في الحسبان
لكي يتفادى ما حدث؟
|