تنجيد شؤون الحرمين
سطو نجدي على سدانة الكعبة
لا يوجد اليوم حتى موظف واحد فقط من آل الشيبي في
رئاسة الحرمين. وكلما يتقدم أبناؤنا لها يتم إبعادهم بطريقة
من الطرق تحول دون تعيينهم، ولا نعرف والله سببا لكل هذه
المكارهة
سعد الشريف
لم تتوقف قط محاولات المؤسسة الوهابية النجدية لمصادرة
كل ما يمت بصلة للحجاز وأهله وتراثه، ولولا إصرار الحجازيين
على حماية ما يعتقدونه واجباً دينياً وتاريخياً وثقافياً
لبسط الزاحفون من الشرق سيطرتهم الكاملة على كل ما تكفلوا
برعايته..
تبنى الحجازيون موقفاً واضحاً في الدفاع عن تراث وآثار
الاسلام في مكة والمدينة، وحين لم يجدوا ما يدفعون به
شرور المعاول الهدّامة، نذروا أنفسهم لحفظ الذاكرة، بتحديد
المواقع الأثرية من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته
وأهل بيته وصحابته، والمواقع التاريخية المشهورة.
|
سادن الكعبة عبدالقادر الشيبي الى اليسار فيما
مشايخ نجد يسيطرون على كامل المشهد الديني
|
سدانة الحرم المكي من بين الوظائف الدينية التي تشرف
الحجازيون بالاضطلاع بها على مدى قرون، وكانت تنتقل من
الأجداد للآباء ومنهم الى الأبناء. وقد تكفّل بنو شيبة
بهذه المهمة الشريفة، فكانت تننقل السدانة فيهم للأكبر
سناً، الذي يقوم بالأمر خير قيام. فكان ابراهيم عليه السلام
هو من بنى الكعبة، وهي بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين،
بعون من ولده إسماعيل عليه السلام، ثم جعل الله سبحانه
وتعالى لبيته الحرام سدنة على مر العصور، فنال بنو شيبة
شرف خدمة الكعبة وحمل مفاتيحها منذ 14 قرناً.
كبير سدنة البيت الحرام الشيخ عبد القادر بن طه بن
عبد الله الشبيبي، وهو الأول من الطبقة الخامسة، وهو الموكل
بأعمال سدانة بيت الحرام التي تخص الكعبة المشرفة من فتحها
وغلقها وكسوتها وتطييبها بالعطر ودهن العود وكل ما يتعلق
بشؤونها من ترميم وغسل وتنظيم الدخول اليها.. يروي قصة
سدانة البيت الحرام ويعود بها الى الى زمن قصي بن كلاب
الجد الخامس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان هو
حاكم مكة وكان ابنه الأكبر عبد الدار فقيراً وكان والده
يعطف عليه كثيراً فاختصه بسدانة البيت، وبعد وفاته آلت
السدانة إلى ابنه عثمان ثم إلى عبد العزى بن عثمان ثم
إلى أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى.
وعندما تم فتح مكة في 20 رمضان عام 8 للهجرة النبوية
الشريفة أخذ النبي عليه الصلاة والسلام مفتاح الكعبة من
عثمان بن طلحة وفتح الكعبة وكسر ما فيها من أصنام وغسلها
وصلى فيها ونزلت الآية الكريمة (إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عثمان
بن طلحة فدفع إليه المفتاح هو وابن عمه شيبة وقال لهما
(خذوها يا بني طلحة بأمانة الله سبحانه واعملوا فيها بالمعروف
"وفي رواية وكلوا منها بالمعروف" خالدة تالدة لا ينزعها
منكم إلا ظالم) وهكذا أصبحت السدانة لبنى طلحة وشيبة حتى
قيام الساعة، ومنذ ذلك الوقت ونحن أبناء بني شيبة نحمل
مفتاح الكعبة كابرا عن كابر.
وعن عملية انتقال السدانة في بني شيبة، يقول الشيخ
عبد القادر الشيبي، كبير السدنة في الوقت الحاضر، بأن
السدانة تنتقل بشكل تلقائي إلى الأكبر سناً في العائلة
وليست بالوراثة، فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم
وهكذا، فالسن هو الذي يحدد "وحيث إني أكبر العائلة سنا
بعد عمي الشيخ عبدالعزيز يرحمه الله توليت حمل المفتاح
من بعده".
وعن مكانة بني شيبة يذكر في الأثر أن عثمان بن طلحة
منع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من دخول الكعبة حيث
كانت تريد أن تدخل ليلاً، وذهب عثمان إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله إن الكعبة لم تفتح
ليلا لا في الجاهلية ولا في الإسلام ولكن إذا أمرتنى بفتحها،
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (عليك بالحجر
فإنه من الكعبة، وفي رواية أخرى قال لها صلي في هذا الحطيم
فإنما هو قطعة من البيت).
ويقول الشيخ عبد القادر الشيبي: هذه الرواية تؤكد أن
كبير السدنة وحامل المفتاح هو المسؤول وحده عن كل شؤون
الكعبة، وهذا شرف لا يضاهيه شرف ولا يستطيع أحد نزعه منا،
لأنه بأمر إلهي وبوصية نبي هذه الأمة. وسئل الحجاج بن
يوسف الثقفي لماذا لا تأخذ مفتاح الكعبة من بني شيبة حيث
وقفوا أثناء الحرب مع عبد الله بن الزبير فقال: أكون ظالما
في الدنيا، ولكن لا أكون ظالما بنص الرسول.
غسل الكعبة وكسوتها: لم يبق سوى
المفتاح!
ومن الوظائف التي تندرج في سدانة البيت الحرام، غسل
الكعبة، ويقول كبير السدنة الشيخ الشيبي: تغسل الكعبة
مرتين سنوياً إحداهما في 15 محرم والثانية في غرة شعبان
من كل عام، وتغسل بماء زمزم وماء الورد الطائفي والعطور
ودهن العود الكمبودي، ويحضر السادن للغسل قبل موعده بأسبوعين
تقريباً، حيث يقوم بتجهيز المواد الخاصة بغسل الكعبة وعند
مناسبة الغسل يحضر الملك أو ينوب عنه أمير منطقة مكة المكرمة
ويحضر كذلك كبار ضيوف الدولة.
|
سادن الكعبة وبيده مفاتيحها: لم يبق سوى المفتاح!
|
ويتحدث الشيخ عبد القادر الشيبي عن تاريخ كسوة الكعبة،
ويقول بأنها في الماضي تأتي من مصر من طريق المحمل، وبعد
قيام المملكة السعودية سنة 1932 اقترح عبد الرحمن الأنصاري
على الملك عبد العزيز تأسيس مصنع للكسوة في مكة المكرمة
ووافق الملك حينها وأمر ببنائه وكان ذلك عام 1346هـ في
أم الجود ومنذ ذلك الحين والكسوة تصنع هناك، وهي عبارة
عن حرير طبيعي يصبغ باللون الأسود الذي تتلاحم مع خيوط
من الفضة المطلية بالذهب تبلغ كلفته أكثر من 20 مليون
ريال وتعلق عليها في التاسع من ذي الحجة من كل عام.
ويتحدث الشيخ الشيبي عن مكان إقامة السادن خلال فترة
غسل الكعبة، ويقول: كان للسادن قديماً مكان بالقرب من
الحرم يمكث فيه وقت غسل الكعبة وكان مقره على جبل الصفا
ويطلق عليه (بيت المفتاح) والذي بناه أحد الخلفاء العثمانيين
وتم هدمه مع مشروع توسعة الحرم المكي واستبدل بآخر في
حي العزيزية ويعتبر بعيداً جداً عن الحرم، وفي 2011 وقت
غسل الكعبة قام باستئجار غرفة في فندق بجانب الحرم من
أجل أن يكون قريباً للإشراف على تجهيزات غسل الكعبة، وأضاف:
(آمل أن يكون هناك مقر للسادن بجوار الحرم كما كان لنا
في السابق حتى يتسنى لنا القرب من الكعبة المشرفة، فنحن
جبلنا على مجاورتها وعدم البعد عنها).
تلك كانت رواية كبير السدنة الشيخ عبد القادرالشيبي
حول السدانة، وربما أشار فيها الى الدور التخريبي لمشروع
التوسعة والذي أدى إلى إبعاد السدنة عن بيت الله الحرام.
ولكن ذلك رأس الخيط، فثمة معطيات ظهرت لاحقاً حول محاولات
النظام السعودي والمؤسسة الدينية النجدية لجهة سحب البساط
من الحجازيين ومن بني شيبة على وجه الخصوص. فقد كشف الشيخ
عبد القادر الشيبي في 27 سبتمبر 2013 في تصريح لصحيفة
(الحياة) عن مخطط لتقليص صلاحيات بني شيبة. وأكّد بأن
صلاحيات بني شيبة في دخول الكعبة وفتحها وغسلها سُحبت
منهم، فلم يعد لهم سوى "المفتاح" وهو رمز لسدانة بني شيبة.
ونفى الشيبي في الوقت ذاته تسلمه أي تعميد من أية جهة
في شأن تغيير قفل الكعبة، لافتاً إلى أنهم يتقاضون مخصصات
لا تتعدى 680 ريالاً شهرياً منذ ربع قرن. وشدد على أنه
وقبيلته لن يتنازلوا عن سدانة الكعبة، ولن يقبلوا بأي
تغيير عن المتعارف عليه منذ القدم في شكل وأسلوب فتح الكعبة
المشرفة، بل سيظل يعتمد على مفتاح واحد ليست منه نسخة
لدى أية جهة أخرى، رغم أن السدنة أصبحت مثل البوابين،
على حد قوله.
تواطؤ رسمي
وقد ظهر بأن الحكومة السعودية وبالتواطؤ مع الرئيس
العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن
السديس يعملان على سحب البساط من الشيخ عبد القادر الشيبي
وتقليص صلاحياته، وقد انتشرت أخبار الخلاف بين كبير السدنة
والشيخ السديس على خلفية محاولات الأخير بتحويل بني شيبة
الى مجرد رمزية معطلة، فيما ينتقل كل ما كان بنو شيبية
يضطلعون به على مدى قرون الى رئاسة الحرمين، أي الى الشيخ
السديس. وقد تعرّض الشيخ عبد القادر الشيبي لضغوطات من
قبل السلطات السعودية عقب تصريحه حول سحب الصلاحيات منه
ومن عائلته والمتعلقة بالسدانة بكل تفاصيلها، ما اضطره
الى نفي وجود خلاف مع السديس.
وفي 7 أكتوبر 2013 أصدر السديس والشيبي تصريحاً مشتركاً
لصحيفة (عكاظ) ينفيان فيه وجود خلاف بينهما ويصفان ما
تردد بالزوبعة الإعلامية. وجاء في تصريح اعلامي مشترك:
نفى كل من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي
الدكتور عبد الرحمن السديس وكبير سدنة الكعبة المشرفة
الشيخ عبد القادر الشيبي، ما تردد عن وجود خلاف بينهما
حول تغيير أقفال الكعبة، واصفين ما تم تدواله بأنه زوبعة
إعلامية. وجاء التصريح الاعلامي المشترك وفقاً لصحيفة
(عكاظ)، خلال مراسم تسليم كسوة الكعبة بأم الجود في غربي
مكة المكرمة.
وبالرغم مما قيل عن تسوية الخلاف أو بالأحرى الزوبعة
الاعلامية بين السديس والشيخ الشيبي، إلا أن الأخير كشف
عن معطيات تدل على أن ثمة خلافاً عميقاً، حيث أجرى الكاتب
الحجازي عمر المضواحي المهتم بقضايا التراث والاثار في
الحجاز، مقابلة مع الشيخ عبد القادر الشيبي في 29 سبتمبر
2013، ونقل المضواحي حالة الشيخ الشيبي بقوله: (كان وجه
الرجل يعكس ملامح حنق وغضب كامنين. وظل يحاول رسم بسمة
ترحيب بضيوف يراهم أول مرّة. جاء إلى صالون بيته يتهادى
على ساعد إبنه البار عبدالله. كانت قدماه تضطرب في خطواتها،
وبدا أنها بالكاد تحمل سنواته السبعين. وقفنا لمصافحته
وهو يمدّ يمينه التي غسلت جدران الكعبة المشرفة مرارا
وتكرارا. فاح العود والورد وعطور أريج الكعبة المشرفة).
ويضيف المضواحي: (كان صدره يغلي كمرجل وهو يردد: لم
يبق لنا غير المفتاح.. لم يبق لنا غير المفتاح!)؛ ثم كشف
عن خلافه مع السديس كما ينقل المضواحي حين توجّه الشيخ
الشيبي بالسؤال إليه: (هل عرفت ما صنع السديس! أجبته لهذا
أتيت!).
ثم لمعت ابتسامة في وجه السادن قبل أن يشير بسبابته
للسماء وراح يروي قصة خلافه مع السديس وما فعله في سياق
مصادرة صلاحياته وقال ما نصّه: (تصدق بالله، لم يحدث قطّ
أن وقف غير أسلافي السّدنة موقفه على أعتاب باب الكعبة.
ولا أعرف ما هو قفل باب الكعبة الجديد، ولا طريقة عمل
مفتاحه. ظللت أفكر طويلا بالأمر، مدينة العلوم والتقنية
ورئاسة الحرمين؟ ثم تساءلت هل هو بتقنية البصمة أم بأرقام
سريّة مثلا؟! ربما سيكون مفتاح "السديس" مزوداً بتقنية
تحكم خاصة "ريموت كنترول" ليفتح باب الكعبة عن بعد؟!).
وعن السبب من غضبه لتصرفات السديس قال الشيخ الشيبي:
(تكرر استفزاز الرجل لنا بلا سبب نعرفه. ومسّ خصوصية وظائف
سادن البيت الحرام مرّة تلو أخرى. أحسنّا الظن مرات ومرات،
واستغربنا جرأته وتماديه مرات أخرى. لكن أن يصل الأمر
إلى وقوفه على أعتاب الكعبة، فهذا كثير ولا ينبغى علينا
السكوت عنه. لقد وصل إلى صميم يقيننا نحن السّدنة من آل
شيبة، أن السديس يعمل على إخلاء وظيفة سدانة الكعبة المشرفة
من جميع واجباتها، وجعلها تختصر على حمل مفتاحها لا أكثر!).
وتساءل الشيخ الشيبي: (هل السديس لا يعرف مهام ووظائف
رئاسة الحرمين وهو رئيسها العام؟ ألم يقرأ أول بند في
قرار إنشاء الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد
النبوي؟ ألم يفهم بوضوح أن البند الأول ينصّ صراحة باستثناء
وظائف سدانة الكعبة وإخراجها من كل موضوعات مهام الرئاسة
وصلاحياتها وأعمالها؟ أيضا، ألم يقرأ وهو رجل دين وعلم
ومنصب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وقف بين
عضادتي باب الكعبة، حيث وقف السديس، فقال النبي: "ألا
كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قَدَمَيَّ
هاتين إلا سقاية الحاجّ وسدانة الكعبة، فإني قد أمضيتهما
لأهلها على ما كانت عليه؟).
|
الأمراء يغسلون الكعبة نيابة عن السدنة ويدعون
المغنين بدلا منهم! |
يضيف الشيخ الشسيبي: (ما قام به السديس تجاوز ليس لأمور
شرعيّة فحسب، بل ولأخرى تنظيمية وإدارية تحمل إمضاء ولي
العهد السابق الأمير سلطان بن عبدالعزيز بصفته الرئيس
العام للتنظيم الإداري للحكومة السعودية).
المثير في الأمر، أن الحكومة السعودية وعلى عادتها
في إبقاء المسائل عالقة وخاضعة لتفسيرات عدّة، لم تضع
إطاراً تنظيمياً وإدارياً لعمل السدانة، فإن كبير سدنة
بيت الله الحرام لم يتم ترسيمه من قبل الدولة، بل أبقت
الباب مفتوحاً أمام أي طارىء تماماً كما حصل في المشكلة
الحاصلة مع السديس الذي صادر امتيازات السدانة من أهلها
وتصرف على أنه المعني بإدارة شؤون الحرمين. وإن مجرد صدور
بيان نفي من الشيبي والسديس لا يعني نهاية المشكلة بل
يعني تجميدها، لأن السديس ومن ورائه المؤسسة الدينية الرسمية
وأمراء من آل سعود لن يكفوا عن تكرار المحاولات من أجل
مصادرة كل شؤون الحرمين وتنجيدهما بصورة كاملة، بما فيها
حمل مفتاح الكعبة ان استطاعوا.
اكتفى الشيخ الشيبي بأن الدولة لم تتدخل في موضوع السدانة
على أساس أنها مقتصرة على بني شيبة، وأنهم يتوارثونها
في الجاهلية والاسلام حتى اليوم، وكونه الأكبر سناً فهو
المخوّل بتولي منصب كبير السدنة. يقول الشيبي: (لم نتعود
أن يتم ترسيم السادن من قبل الدولة. لأن هذه ولاية نتولاها
كابراً عن كابر. لكن جرت العادة أن يرفع لولي الأمر أن
السدانة انتقلت بعد وفاة أي سادن إلى الذي يليه، ويباركها
ولي الأمر بتعميد الجهات المختصة). ولكن هذا العرف يخضع
للتبدل، خصوصاً فيما يتعلق بالصلاحيات والامتيازات، بالرغم
من أن سدانة البيت الحرام شرف وتشريف، وليس فيه ما يمكن
الاستنفاع به مادياً.
بدا الشيخ الشييبي غاضباً، الى حد أنه رفض الاتصال
بالسديس، بعد انتشار خبر المفتاح الجديد للكعبة، وقال:
لم ولن أتصل بالسديس. ولماذا أتصل به. إذا كان لديه تعميد
من الملك بصنع قفل جديد لباب الكعبة فهل يعقل أن أتصل
به أنا لأسأله عن تعميد لم أعرف بصدوره. أم من الواجب
عليه هو أن يتصل بنا ليبلغنا بصدور التعميد السامي لو
حدث ذلك؟ علما أنه لديّ كسادن أربعة وكلاء رسميين مسجلين
في رئاسة الحرمين ومع ذلك لم يبلغ أي أحد منهم بخصوص القفل
الجديد، وقد استفسرت منهم فرداً فرداً بشكل مباشر. هل
يعقل أن السديس أو أي مسؤول في الرئاسة لم يجدوا دقيقة
واحدة فقط لإشعارنا وإطلاعنا على أمر القفل والمفتاح الجديد.
ونفى الشيخ الشيبي وجود خلل في المفتاح الحالي الامر
الذي تطلب استبداله بمفتاح آخر، وأشار الى أن مفتاح الكعبة
بحوزته ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن واجه مشكلة عند فتح
باب الكعبة. لو كان في المفتاح عيب أو خلل، لبادرت شخصياً
بطلب تجديده كما جرت العادة في كل احتياجات خدمة الكعبة
المشرفة ظاهراً وباطناً. وأشار سادن الكعبة إلى أن هذه
أول مرة تحدث هذه الأشياء فيما يتعلق بمفتاح الكعبة.
وفي حج العام 1433 الموافق 2012، امتنع الشيخ السديس
عن إمضاء عادة إحرام الكعبة، قبل أن تعود العام 1434هـ/2013
إلى ما كانت عليه سابقا؛ وقال الشيبي: أن السديس هو من
رفض إحرام ثوب الكعبة جرياً على هذه العادة التقليدية
في كل مواسم الحج منذ القدم لمنع الحجاج من قص أجزاء منها.
وقيل إنه رأى بعدم صحة هذه العادة. في السابق كانت تتم
عملية تغيير الكسوة القديمة بالجديدة تحت إشراف كامل من
السدنة، بالتعاون مع إدارة الحرم المكي قبل أن تتطور الى
رئاسة شؤون الحرمين. طبعاً تغير الحال وسحبت الرئاسة هذه
الصلاحية أيضاً. فهي الآن التي تقوم بتركيب الكسوة والإشراف
على عملية تغييرها في شكل كامل، بينما يتولى السادن فتح
باب الكعبة فقط بهذه المناسبة.
أوضح الشيخ الشيبي بأن علاقة سدنة بيت الله الحرام
مع رئاسة شؤون الحرمين محصور في أمرين إثنين فقط. الأول
استلام شيك منها بقيمة تعويض لكسوة الكعبة المشرفة بمبلغ
مليون ريال سنوياً فقط. قبل أن أتولى توزيعها على أكثر
من 400 فرد من أسرة آل الشيبي بواقع 2500 ريال فقط لكل
شخص أي 208 ريالات شهرياً. ومن المعروف تاريخياً أن كسوة
الكعبة كانت بالكامل للسادن، وكان السدنة يقومون ببيعها
والاستفادة من ثمنها. يعلق الشيخ الشيبي (الآن نحن لا
نبيع قطع كسوة الكعبة، ولكنها متوفرة في الأسواق لمن يريدها).
والثانية: استلام قيمة شراء مستلزمات مراسم غسيل الكعبة
(مرتان في كل عام) وفق فواتير مفصّلة للمشتريات ثم نقدمها
لرئاسة الحرمين لدفع قيمتها وهي عادة لا تتجاوز مبلغ 75
ألف ريال فقط. هذا كل ما يتعلق بعلاقتنا مع رئاسة شؤون
الحرمين. أما من جانبها فحدث ولا حرج عن التدخلات ونزع
الصلاحيات ومنع الحقوق الخاصة بوظائف كبير السدنة أو العامة
لأسرة السدنة من آل الشيبي وهي أكثر من أن تحصر. ويضيف:
(وقد رفعنا لأولياء الأمر تفصيلا بكل شيء، ونأمل النظر
فيها والتوجيه بما يراه المقام السامي).
وكان الشيخ الشيبي قد رفع برقيات للملك عبد الله وولي
العهد الامير سلمان وأمير مكة، وأوضح في هذا السياق: (رفعنا
توضيحاً لما حدث حسب وجهة نظرنا، فمن المعروف بشكل لا
لبس فيه أن الحرم المكي يتبع الكعبة المشرفة لا العكس.
وأننا قرأنا في مواقف وتصرفات السديس تعدياً على حقنا
غير المنازع عليه. وبأننا لا نعلم عن هذا الأمر شيئاً.
كما اقترحنا فيها تشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء لأخذ
رأيهم في الوظيفة الدينية التي يحملها سدنة الكعبة من
آل الشيبي وحصرها فيهم. وبيان أنها وظيفة مستقلة ومنفصلة
عن دور ووظائف وصلاحيات رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد
النبوي الشريف، حتى لا تختلط الأمور والوظائف بينهما).
وبدا الشيبي كما لو أنه مدرك لحجم الضغوطات التي تحيط
به في إطار تكريس الثابت التاريخي والديني بتولي بني شيبة
مهمة السدانة، ولكنه اكتفى بالقدر المتيسر من الدفاع عن
حقه وحق اسرته حسب طاقته وقدرته والظروف التي تحيط به.
ولفت الى تمدد نفوذ وسلطة رئاسة الحرمين النجدية، فقد
(كانت إدارة الحرم المكي سابقاً والتي تمثلها الآن رئاسة
الحرمين، إدارة بسيطة في مبنى صغير. وكان أغلب الموظفين
من بيت الشيبي. وكان لا يزيد عدد موظفي إدارة الحرم التي
كان يرأسها السيد عبدالقادر نائب الحرم، وقبله والده عن
10 أو 12 موظفا فقط من العائلات المعروفة في مكة. وكانت
جميع مسؤوليات إدارة الحرم ينفذها شباب مكة، حتى عمال
النظافة منهم وفيهم).
أما الآن فقد تغيّر الحال، فغلب العنصر النجدي وبات
هو من يدير شؤون الحرم، وحسب قول كبير السدنة الشيخ الشيبي:
(الآن لو رأيت مبنى رئاسة الحرمين في مكة تصاب بالفزع
من حجم أدواره ومساحة مكاتبه ومواقف سيارته وعدد موظفيه
من خارج مكة. وبالرغم من كل ذلك، لا يوجد اليوم حتى موظف
واحد فقط من آل الشيبي في رئاسة الحرمين. وكلما يتقدم
أبناؤنا لها يتم إبعادهم بطريقة من الطرق تحول دون تعيينهم.
ولا نعرف والله سببا لكل هذه المكارهة).
الشيخ الشيبي ينبّه الى الاجتياح النجدي للحجاز ومخطط
تنجيد ما تبقى من المؤسسات العامة التي تعمل في منطقة
الحجاز، وتهميش أهلها، واستبعاد ابنائها، وهو ما بات معروفاً
لدى أهل الحجاز ويستشعرون خطره.. ولا بد من غضبة حجازية
توقف هذا التمادي على هوية، وحقوق، وتراث، وإرث الحجازيين.
|