أريحوا تركي السديري فقد أجزل في التيه
محمد السباعي
لم تجر العادة على أن يخضع شركاء المهنة للنقد والتقييم،
ولكن حين يتطلب الأمر ذلك، أو بالأحرى حين تتعرض المهنة
ذاتها الى انتهاك صارخ، ويغيب النقّاد من خارجها حينئذ
يصبح لزاماً على أصحاب المهنة أنفسهم ممارسة النقد الذاتي
وتصحيح المسار الخاطىء الذي يسلكه من ينتمي لهذه المهنة..
حديثنا هنا وعلى وجه التحديد عن رئيس تحرير صحيفة (الرياض)
تركي عبد الله السديري، الذي تربع على هذا المنصب لعقود
عديدة، وله مقالات وأعمدة بالآلاف، ولكن لسبب ما وربما
لأسباب لا نزال نجهلها أو نجهل بعضها لم تخضع كتاباته
لقراءة نقدية وصادقة، أو قد تكون خضعت ولم نعلم بها ولكن
الحيرة تبقى قائمة: إما أنه لم يصله رأي القراء في ما
يكتب، وإما أنه يتجاهل ما يقال في ما يكتب، أو لا هذا
ولا ذاك وإنما يعيش وهم حكّامنا بأن ما يكتبه يمثّل النوادر
في عالم المعرفة..
تركي السديري، إسم عرفته الصحافة المحلية كرئيس تحرير
لأبرز الصحف المحلية في المملكة، وحتى وقت قريب لم يتسن
لأحد أن يخبر عن رأيه في مقالاته وأعمدته في الصحيفة،
إما بسبب انعدام حرية التعبير والنقد، وإما لكونه من الذوات
التي يتطلب الاقتراب منها قدر من الشجاعة..
|
السديري ينتخب نفسه رئيساً في هيئة الصحفيين الحكومية!
|
كان العالم الافتراضي وحده الفضاء الذي كسر منظومة
محرمات كانت تحول دون ممارسة المجتمع لحقوقه في النقد
والتعبير الحر. ويمكن القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي
وعلى رأسها (فيسبوك) و(تويتر) وفّرت مساحة وازنة لمواطني
مملكة الصمت للبوح بآرائهم في قضايا محظورة، وبات الممنوع
الاقتراب منه، واللامفكر فيه، والمحرّم سياسياً ودينياً
متداولاً بصورة واسعة ومفتوحة على نقاشات متعددة وحرّة..
استوعب العالم الافتراضي كل القضايا وحتى الصحف المحلية
ومحتوياتها جرى استيعابها في هذا العالم، وصار كل شيء
خاضعاً للنقد والتقييم وبلا قيد أو شرط..مقالات الصحف،
خطب المشايخ، تصريحات السياسيين، كلمات العلماء والكتّاب،
وقصائد الشعراء وأشياء أخرى كثيرة باتت اليوم على سرير
التشريح في العالم الافتراضي..
لم يكن الحال كذلك قبل بزوغ شمس الكون الافتراضي، فقد
كان النقاش مقتصراً على المجالس المغلقة أو المنتديات
الموسمية، أما الآن فإن التفاعل مع الحوادث السياسية،
والوقائع الاجتماعية، والكتابات الصحافية والثقافية والسياسية
لحظوياً، الى درجة أن حملات تنطلق بعد دقائق من اطلاق
أحدهم سياسياً كان أم دينياً أم غير ذلك تصريحاً لافتاً
أو صادماً للرأي العام..
مقالات السديري في صحيفة (الرياض) على مدى سنوات طويلة
لم تخضع لقراءة نقدية كما خضعت في العالم الافتراضي. كان
عضو مجلس الشورى السابق، والأكاديمي محمد قنيبيط الأسبق
ربما الى إلفات الانتباه الى كتابات السديري، من حيث ركاكة
المبنى وضياع المعنى. في حقيقة الأمر، أن ملاحظات الدكتور
قنيبيط حول مقالات السديري نبّهت الى أمر بالغ الخطورة،
وهو إغفال النظر في مقالات السديري، حيث لم تخضع لعملية
نقد وتفكيك في سنوات سابقة، والسؤال: هل لقلة أو انعدام
القرّاء أم لغياب الحريات الصحافية، أم لعدم الاكتراث،
أو ربما لحسن الظن بالرجل أن ما يقوله تعجز العقول على
فهمه بسهوله..
في مطالعة متأنية على عينة عشوائية من مقالات تركي
السديري، يحار المرء كيف أن الأخير استطاع أن يمرر مثل
هذه المقالات على الرأي العام دون أن يلفت انتباه أحد،
حتى بتنا اليوم أمام قامة صحافية ولكن مصنوعة من خواء
فاحش. قد لا يكون بقية رؤساء التحرير أحسن حالاً منه،
ولكن ما وقفنا عليه في مقالات السديري يمثل نكبة إعلامية
بكل المقاييس.
في مقالة له في صحيفة (الرياض) بتاريخ 20 إبريل الماضي
بعنوان (العصر يفرض التوحّد..لا التقارب فقط) يبدأ مقالته
بفقرة غامضة بما نصّه (لسنا فخورين فقط بوجود تعريفات
إيجابية لنا تؤكد نجاحاً اقتصادياً وحضارياً لفئات ليست
بالقليلة ممن كانوا بالأمس القريب بقايا عصر بداوة..).
ويسترسل في شرح صور التطور ويقول (ونعرف وجود كفاءة المعيشة
بإدراك واقع حقيقة لا يختلف حولها أحد بما يعنيه واقعنا
من جدية ارتباط مواطننا في بلده..). وهذا الغموض القائم
على التلاعب بالكلمات أو الاستسهال في استعمالها دون النظر
في معانيها تكاد تصبغ كل مقالاته.
ويتحدث عن التدين في أشكاله المتعدّدة بناء على تنّوع
أفهام الدين بين المواطنين فيقول ما نصّه (هناك من يأخذ
مفاهيم الدين مثلاً ببساطة متناهية عندما يعتقد أن أرقى
وصول للتديّن يعني وجوده في تكرار ما لديه من بساطة فهم
وتنفيذ، لكنه يقتنع ببساطة مفاهيمه التي يرى بها كفاءة
غاياته..). وهناك فئة ثانية لها مسار آخر حسب قوله (ذات
جهد غير مكلف لإدانة أفكار بعض من هو موضوعي ومتقدم الفكر..
في هذا المجال لا يكون غريباً أن تجد شخصاً متقدم السن
لكنه لا يقرأ الكتب وإنما يتناول سماع ما هو متخلّف من
أفكار أو يعتقد أنه متجهد آراء، بينما ما يمارسه من إساءة
إلى غيره لا يعني طرح فكر أفضل من ذلك الغير..). بطبيعة
الحال، نترك للقارىء تفكيك هذه الفقرات والتأمل فيها،
لأن ما يكتبه السديري لا يفهمه سوى هو والراسخون في الرطانة
العمياء..
|
السديري ورئيس وزراء البحرين: متشبّثان لعقود
بالمنصب |
ثم يأتي دور (الجزالة) التي سكنت السديري حتى صارت
بمثابة شيفرة دافنتشي، حيث تزيد العبارة تبعثراً والمعنى
ضياعاً كقوله (ولولا جزالة وجود الدولة بصفة عامة وكفاءة
قدرة تعددها الأمني لحدث أن تواجدنا في عضوية الخلافات
العربية المؤلمة والشاقة..).
وللقارىء أن يفك لغز المقارنة بين الصين والهند من
جهة والمملكة من جهة أخرى (نحن شعب لم يبتعد كثيراً عن
العشرين مليوناً، لماذا لم نتأمل كيف استطاع صينيون تجاوزوا
البليون دون أساس قدرات اقتصادية في الماضي، وكذا الهند
التي يموت البعض من مواطنيها كحادث طبيعي بسبب الجوع..
فرق كبير بين ما يزيد على البليون وما يتوقف عند العشرين
مليوناً تقريباً.. مما يجعلنا نفترض سهولة التألق لو تواصلت
جهود التوعية من ناحية والابتعاد أكثر عن واقع العالم
العربي). هل نجح أحدكم في استخراج الدروس والعبر من هذه
المقارنة الفذّة؟!
في مقالة أخرى له في (الرياض) بتاريخ 24 إبريل الماضي
بعنوان (الدين عبادة لا وسيلة سيادة)، بدأها السديري بفقرة
غامضة كما هي العادة (ربما لاعتقاده بأن الفلسفة تعني
غموض المعنى واندساسه في كلمات كبيرة) يتحدث عن ماضي المملكة
بقوله (بالنسبة لماضينا فإن لنا أكثر من مجال يشهد بحقائق
الخروج من بداية الفقر وضآلة عدد من يجيد القراءة ومحدودية
ما يمكن أن يوصف في البداية بأنه مرحلة تعليم..) ويتابع
(سنوات طويلة تتابعت خلف بعضها ولم نكن قريباً من عصر
البدايات الذي عايشه الأجداد.. نجزم أننا سنصل إلى مرحلة
وضوح تقدم أو أن نحلم بعضوية منافسة..). وحده السديري
الحافظ للمعنى والأمين عليه، فهو يكتب لنفسه وعلى القارىء
أن يسلم بما يكتبه لأنه مؤتمن على جزالة غموضه.
وحول صعود المد الاسلامي بعد الربيع العربي والتي يعتبر
مشكلة ليست طارئة وكانت متوقعة، ويعلق على ظاهرة الحزبية
الاسلامية بالقول (يأتيك إحساس بأن تعدد مراحل الفشل في
محاولات تعدد نوعيات الحكم جعلت التوجه إلى ظاهرة ادعاء
الخصوصية الإسلامية وسيلة جديدة لم تعلن ذاتها من دولة
عربية واحدة ولكنها تواجدت في أكثر من دولة عربية..)،
لا تسأل عزيزي القارىء عمّا يقصده السديري فقد يقصد غير
ما يكتب، والعكس صحيح، فهو إن صدق الظن يحاول القول بأن
الاحزاب السياسية الاسلامية حكمت عدداً من البلدان الاسلامية
لا على سبيل الخصوصية الاسلامية وإنما على أساس التنافس
من أجل الوصول الى الحكم..بطبيعة الحال، ليس هذا التفسير
نهائياً فقد نكون مخطئين، لأن المعنى في قلب السديري وحده،
والله جلّ وعلا المطلع على أسرار عباده..
وحتى لا نهوّل على القارىء الكريم نتركه أمام النص
اللاحق فقد يفسر ما عجزنا عن تفسيره (نواحٍ أخرى تتصل
بتعدد الادعاء الإسلامي سياسياً كما في اليمن ولبنان وسوريا
والعراق وليبيا وفشل في مصر..الكل كمَن استيقظ من نوم
طويل الأمد كي يرفض هيمنة حاضره الجديد..تغيير رغم القسوة
له مظهر طرافة.. وذلك بوجود سرعة التحول من أنظمة عسكرية
وادعاءات حزبيات سياسية إلى تنوعات انتماء إسلامي لكن
بأفكار مذهبيات سياسية خاصة.. والطريف أيضاً أن القوى
التي اجتمعت حالياً بشعار إسلام هي جاهزة لو انتصرت للدخول
في صراع مذهبيات). ولا نقول الا: الله ورسوله أعلم حيث
يضع سره ويجعل رسالته!
|
مع ولي أمره سلمان وزميله خالد المالك المعمّر
هو الآخر في (الجزيرة)! |
في مقالة له بعنوان (يقين يتجّه إليه الكل) نشر في
(الرياض) في 27 إبريل، ويبدأ بالعبارة الفلسفية السادرة
في غموضها فيكتب ما نصّه (يجيد الإنسان كفاءة وجوده الاجتماعي
بما هو يهبه لنفسه من كفاءة في تنوع القدرات..وتميز الذاتية
الخاصة بما هو عليه من مصداقيات مكاسب تأتي بها نزاهة
علاقات..) إن أحد فهم شيئاً من هذه الفقرة له مني ومن
كل المنغمسين في عالم القلم كل الدعاء. هو قد يريد أن
يقول بأن التقدم لا يكون على مستوى الشخص بل على مستوى
المجتمع، وهذا هو التقدّم الحقيقي، ولكن نزعة الجزالة
تحول دون ايصال الفكرة بسيطة وواضحة.
أراد تطبيق فكرة التقدم الجمعي على الملك عبد الله
فقال عنه وبغموض منقطع النظير (لم يبحث عن مغريات امتداح
تخصه عباراتها وما يوجد بها من ثناء.. هو وصل بكفاءة حضور
إلى انفراد متميز ورائع لم يحصل عليه غيره في أي بلد مجاور
أو بعيد.. متخلّف أو متقدّم.. الملك عبد الله استقر في
العقول والأذهان وهو واقع وحقائق منطلقات شعب خرج من البداوة،
ثم من محاولات التعرف على غيرها، ثم أيضاً محاولات استفادة
مما شاهد وعرف ثم أخذته جزالة معطيات الملك عبد الله المتنوعة
ومتعددة الجزالة حضارياً واقتصادياً وعلمياً وسياسياً
وشموليات أمن لكي يرى كل مواطن ذاته - وبشواهد يدركها
هو لا بتعريف من غيره - أنه أصبح جزل الانطلاق نحو واقع
الشعوب المتقدمة..) صدقوني ليس تكرار الجزالة مني فارجعوا
الى أصل المقالة كيما تتثّبتوا مما كتب، وإن لم يكن غير
قابل للتصديق.
يطرح السديري سؤالاً كبيراً لا نفهمه بالضرورة ولكن
من غموضه يبدو كبيراً: نريد أن نحصل على ضمان سلامة المستقبل..
كيف يمكن أن يتوفر هذا الضمان؟.. يجيب بكل اطمئنان (أليس
بجزالة ما يجب أن يكون عليه المجتمع من يقين قناعة بما
هو فيه من خصوصية واضحة بعيدة عن أي تخلّف آخر..وأن مهمة
الوصول إلى التكامل يجب أن تُسند أولاً بوجود تكامل «مفاهيم»
و«نوايا» و«يقين» قدرات جماعية في ضرورة جماعية ما يجب
أن يكون عليه الجميع من مضمون إرادة يتجه إليها.. الكل..).
بصراحة كشف السديري عن عبقرية معرفية فذّة، وكيف غاب عن
حكماء العالم مثل هذه الدرر التي يندر الحصول عليها الا
في كل قرن مرة واحدة. في مقالات السديري ليست القاعدة
هي أن تفهم ما يقول بل أن تقبل ما ما يقوله دون نقاش،
لأن الفهم آخر ما يمكن أن تحصل عليه بعد الفراغ من قراءة
كل مقالة بل وكل فقرة.
في مقالة أخرى عن الملك عبد الله نشرتها صحيفته (الرياض)
في 3 مايو الماضي بعنوان (مع خادم الحرمين تعدد نموذجيات
واقعنا)، في تعليقه على كلمات الملك في ملعب الجوهرة التي
وصف فيها شعب المملكة بالشقيق، ولكن السديري أزال كلمة
الشقيق واكتفى بعبارة (شكراً لكم أحبابي شعبنا السعودي..).
والآن الى تعليق السديري: «هذه المصداقية في جزالة عمق
العاطفة وواقعية من له تميز فردي بمضامين تعددات الجهد
وما هو فيه من مصداقيات العاطفة.. لا يستطيع أن يقولها
بواقعية يخدمها الجميع أي رجل قيادة في عالمنا الثالث..عموماً
كل قيادي مشغول بافتعال إبراز قدرات ذاته كي يطلع عليها
من يمكنه الوصول إلى شيء من قناعاته..). هل فهمت عزيزي
القارىء ما يقصده السديري؟ ولا أنا.
ولكن السديري أراد توضيح ما كان يقصده، واليك الشرح
(الملك عبدالله..الرجل التاريخي المتميز الكل يعرف له
خصوصيات قدراته البارزة والتي لم تتوقف عندما يخص ذاته
ولكن انطلقت تعددات تنوع تميزات الأفكار والمنجزات توجهاً
بالتحديث من مدينة ومن قرية..من تنوع أساليب التعليم العالي
وتنوع منطلقات الاقتصاد ومع كل ذلك منذ كان ولياً للعهد
واكب المواطن بمختلف مستويات قدراته مختلف نوعيات معلوماته..)
لا تقل لي عزيزي القارىء لم تفهم الآن؟ فقد كان السديري
شديد الوضوح هذه المرة.
|
السديري إذا أجزل.. نال الجوائز! |
يتحدث عن الاحتفالية الرياضية في الجوهرة بمشاركة الملك،
ويصف مشاهداته (نحن نرى ونسمع احتفالات الصوت والكف بتواجده
يحتضن كل ماهم فيه من صدق وقدرات وعمومية اخلاص..هم أبناء
ماضي قريب وبعيد جعلهم في مواصلة التطور.. تماماً مثلما
هو الحال عندما خرجت مدن لها كفاءات التميز..الدمام مثلاً..
تبوك.. جازان.. أبها والرياض طبعاً.. خرجت وبتواصل عبر
أعوام ليست بالقليلة لكي يصل بها.. الرجل التاريخي.. الآن..
إلى تنوع كل ما يمكن أن يسمى بمنطلقات السيادة الاقتصادية
والعلمية التعليمية التي هي في الواقع الذي لا ينكره أحد
واضحة الايجابيات بتعدد الاختلاف ايجابياً عن أي مجتمع
عربي آخر..). بمثل هذه الفقرات والعبارات يجعلك السديري
تكره اللغة العربية التي عجزت عن أن تكون طوع قلمه إذ
لم تعنه على إيصال المعنى بأقل قدر من الكلمات وبمنسوب
أدنى من الغموض.
يصر السديري على استخدام مفردة (جزالة) صعودا ونزولاً
وفي كل المناسبات، وهذه واحدة أخرى (الكل فوجئ ثم ابتهل
بجزالة ما وجده من جماعية تامة انطلق بها من تواجدوا في
أرقى ملعب.. اتساعاً.. ونوعيات تكوين.. وارتفاع عدد الحضور
إلى ستين ألف مشاهد متى حدث ذلك.. ذلك الكل.. ابتهاجه..
سعادته.. تواصل جماعية الرقص الشعبي البديع الأداء.. نفس
الشيء ذلك التداخل بين عدة فئات وطنية فلم يعد اختلاف
اللهجات عائقا بجماعية الرأي حيث أصبح الرأي المجيد وفاء
وحباً جزيلاً لتأكيد التوجه نحو كل ما هو منطلق تطوير
لوطن جزل الاتساع وجزل القدرات..ويختص بمصداقيات ولاء
المواطنة..). وحين أراد تلخيص كل ما سبق ذكره جاء مجذوماً،
أعني مجزولاً (إنها شواهد وحدة اجتماعية عامة، من ناحية
أخرى شواهد جزالة وعي عام).
في 4 مايو الماضي، كتب السديري مقالة بعنوان (أين..وأين)
ليتحفنا بكل ما هو غامض وغريب المعنى. المقدمة الفلسفية
تدهم وعيك البسيط بما نصّه (يمنحك فرح الانبهار ما تجده
من تعددات تطور متنوع في بلادك، فلا تحدد خصوصية مسار
وجدت فيه الكثير من المعطيات الحضارية لأن هناك أكثر من
مسار يأخذ غيرك من مواطنيك إلى ما تريده رغباتهم من واقع
تطور لذاتهم..) فهمت عزيزي القارىء؟ ومن هذه المقدمة يطّل
على مدينة جدة، ليتحدث عن ماضيها التليد، باعتبارها الحاضنة
لملعب الجوهرة. يصف السديري مدينة جدة على النحو الغامض
المعهود «فهذه المدينة وقبل ألفي عام كانت موقع تنوع المسار
نحو كثير من اتجاهات مختلفة شمالاً وجنوباً.. الطفل..
يوم الخميس الماضي.. فيصل بن عبدالرحمن الغامدي.. كان
هو نجم الحفل الأول بممارسة مهمة صعبة جداً على شاب صغير
في سن الثانية عشرة.. لا أعتبر الصعود إلى أعلى المعجزة..
مع خطورته..هو الأهم وإنما أعتبر صعوده.. وحده..بتنقل
هادئ.. ليكون أمام الملك عبدالله الذي يحيط به مئات الحاضرين
والطفل آت بمفرده..سلم بجرأة عقلانية.. ثم تحدث.. واستقبل
هدية خادم الحرمين..). قد تكون هذه الفقرة رغم غرابة معانيها
الأوضح في عبارتها. فعلى القارىء الكريم أن يتعوّد على
الاكتفاء بالوضوح منه على جزالة المعنى.
نموذج آخر في كتابات السديري مقالته في 21 مايو الماضي
بعنوان (الكويت وكفاءة ما حدث). وللانصاف هو من بين قلة
نادرة جداً من مقالات السديري التي يحاول قدر جهده أن
يكون واضحاً في العبارة وحريصاً على إيصال معنى ما الى
القارىء الكريم. انظر الى هذه العبارة على سبيل المثال
(عالمنا الخليجي الذي لا يعيش طبيعة مشاكل العالم العربي
المحرجة والمخيفة، وبالتالي فهو الأكثر انطلاقاً نحو أفكار
يؤمل أن تكون ذات موضوعية في كل تناول..). هنا تبدو نسبة
الغموض أقل وتظهير المعنى أكبر، دعك من صدقية ما يقول،
فذاك أمر ندعه لقراءة أخرى، لأن كون الاعلام الخليجي لا
يعيش مشاكل العالم العربي لا يعني بتاتاً انطلاقه نحو
أفكار موضوعية، فأين هو هذا الاعلام الخليجي..؟! ولكن
الدقة تفرض علينا التوقّف هنا والعودة الى النص فهو يقول
(يؤمل أن تكون)، فهي ليست كائنة حتى الآن..كبير يا تركي؟
ويستدرك السديري لاحقاً ليشرح معوّقات تحقيق هذه الفكرة
بقوله (نعرف أن هناك محاذير نعمل على الابتعاد عنها في
عالمنا الخليجي، وأن هناك - في نفس الوقت - مبررات وجود
أكثر من انطلاق نحو تعدد مكاسب في كثير من المجالات، ولا
يجد الإعلام الخليجي مخاوف حول ذلك..) للأسف عاد الغموض
ليكسوا الكلام الجميل، ما يتطلب جهداً استثنائياً لفهم
النص، فقد تداخلت الموضوعات وازدحمت في فقرة واحدة، فلا
ندري هل الحديث عن محاذير أم مبررات أو مكاسب أو مخاوف،
وفي نهاية المطاف ما هو الموضوع حتى نضع الإصبع على مكان
الخطأ.
خلاصة الأمر، أن تركي السديري القامة الصحافية على
مدى عقود بات خارج الخدمة، وعليه أن يترجّل لأن ما يكتبه
يشي بدكتاتورية بشعة في الصحيفة، لأن من غير المعقول والممكن
ألا يكون أحد في صحيفة (الرياض) سواء سكرتير الصحيفة،
أو مدير التحرير، أو حتى أحد المحررين قد قرأ مقالاً أو
أكثر من مقالاته ليكتشف بعد ذلك كم هو كارثي نشر هكذا
مقالات لا يخرج القارى بعد الفراغ من قرائتها سوى بدوخة
رأس، أو ضياع أو كراهية لكل ما ينشر..باختصار ما يكتبه
السديري مجرد صف كلمات كيفما اتفق، لا يجمع فيما بينها
لا مبنى صحيح ومتماسك ولا معنى متين..فاستعن بالله يا
تركي واستقل.
|