تحول استراتيجي أم مواقف تكتيكية؟
تميم يفاجيء الخليجيين بزيارة السعودية
سامي فطاني
فاجأ أمير قطر المراقبين السياسيين بزيارة الى جدّة
التقى خلالها الملك السعودي عبدالله؛ وبعد بضعة أيام،
كان مسؤول سعودي آخر يطوف عواصم خليجية ليطلع مسؤوليها
على نتائج الزيارة.
المفاجأة الأكبر أصابت الصحفيين السعوديين وجيش الإنترنت
التابع لمباحث وزارة الداخلية السعودية، الذي لم يفتأ
يهاجم أمير قطر وأباه وأمه أيضاً. لم تبق سيئة إلا وقيلت
في أمير قطر الحالي والسابق وبينهما الأم (موزة). فهناك
الإتهام بالعمالة لإسرائيل وأميركا؛ وهناك تهم التآمر
على المملكة ومحاولة قلب نظام حكمها؛ وهناك التحريض على
قطر والطعن في مواقفها المتعددة. وفي تويتر لا يكاد يُغلق
هاشتاق ضد قطر إلا ويُفتح آخر، في تنسيق بين مغردي مباحث
الرياض ومغردي مباحث الإمارات، حيث اتفق الطرفان على شنّ
حملة اعلامية لم تتوقف منذ اشهر طويلة، وكان الجميع يؤكد
بأن الرياض لن تتراجع عن مطالبها، وأن لا أمل للدوحة إلا
الإستسلام التام، أو الموت الزؤام!
للتذكير فحسب، فقد أرادت الرياض تركيع قطر من خلال
التنازل في أمور عديدة:
ـ أن تغلق قطر قناة الجزيرة، أو تغيّر ملامحها، بحيث
لا تكون قناة سياسية، بل منوّعة على شاكلة الإم بي سي.
ـ وطلبت الرياض من الدوحة ان تغلق مراكز الأبحاث الغربية
المتواجدة على اراضيها.
ـ وطلبت تغيير سياسة قطر تجاه مصر، اضافة الى طرد القياديين
من جماعة الإخوان المسلمين المصرية من الدوحة.
ـ وأصرّت الرياض على أن تتماشى السياسة القطرية الخارجية
مع توجهات (الشقيقة السعودية الكبرى) لا أن تشذّ عن المجموع
بمواقف مختلفة سواء تعلق الأمر باليمن او سوريا او حماس
او السودان او تونس أو ايران او غيرها.
بمعنى آخر، فإن المطلوب من قطر استسلاماً كاملاً للرياض،
بل وان تتحوّل وزارة الخارجية القطرية الى مكتب تابع للخارجية
السعودية.
مالذي يدعو قطر للإستجابة؟
انه التهديد السعودي، ولكن ما هي أدوات السعودية لتهديد
قطر، بحيث يمكن لها أن تستجيب وتركع؟
هددت الرياض الدوحة بالتالي:
ـ سحب السفراء الخليجيين من الدوحة، وهو ما تم من دولتين
هما الامارات والبحرين اضافة الى الرياض.
ـ الطرد لقطر من مجلس التعاون الخليجي.
ـ اغلاق الحدود البرية الوحيدة لقطر، وتحويلها فعلياً
الى جزيرة مغلقة إلا من البحر.
ـ حرمان قطر من استخدام المجال الجوّي للسعودية وربما
بقية دولة المجلس.
ـ التحريض الإعلامي والسياسي وتشجيع المعارضة داخل
العائلة المالكة وخلقها إن أمكن، كما فعلت في الماضي مدعومة
بقبيلة المرة.
بيد أن هذه الأسلحة تعترضها مشكلتان:
الأولى، ان الرياض لا تمتلك
كامل الأسلحة التي تهدد بها الدوحة، او هي ـ اي الرياض
ـ بحاجة الى مشاركة دول آخرى من دول المجلس حتى يكون السلاح
فعالاً.
الثانية، ان بعض الأسلحة
تلك قد يرتدّ على الرياض نفسها، خاصة في الظروف السياسية
الإقليمية والدولية الحالية وهي سريعة التغيّر.
محدودية القدرة السعودية
فيما يتعلق بالمسألة الأولى، فإن الرياض لا تستطيع
التصرّف في مجلس التعاون وكأنه ملكٌ لها، وأن الأمر لا
يعدو أمرها. ولهذا رأينا ان سحب السفراء لم يلقَ استجابة
لا مِنَ الكويت ولا من مسقط. الكويت تعللت بأنها تلعب
دور (الوسيط) الذي لا يمكن ان ينحاز ببجاحة الى طرف دون
آخر. في حين ان مسقط لا تقبل بالمقاربة السعودية من أساسها،
وتعتقد بأن توحيد مواقف مجلس التعاون الخليجي على الصعيد
الخارجي، بحاجة الى تغيير في النظام الاساسي لمجلس التعاون
الخليجي نفسه. ثم ان العقاب لقطر لا يستندّ الى ايّ من
مقررات مجلس التعاون، بل لا يوجد في قانون المجلس ما له
علاقة بالموقف والإجراءات السعودية. وعليه فإنها ولأسباب
أخرى عديدة، لم تتماشَ مع مقررات الرياض، وهذا ما جعل
دول المجلس منشقّة على نفسها، فهناك ثلاث دول في اتجاه
(السعودية والامارات وتابعتهما البحرين)، وثلاث أخرى لهما
مواقف مختلفة وهي قطر وسلطنة عمان والكويت. وعليه فإن
الإجراءات السعودية وهي في بدايتها، قد أفرزت انقساماً
في المجلس اعتبره البعض أسوأ في مضارّه وتداعياته مما
قيل عن تجاوزات قطرية.
ولذا، لا يُعتقد بأن الكويت او مسقط ستتجاوبان مع مشاريع
سعودية تجاه قطر تنحو باتجاه التصعيد، كقطع العلاقات،
والطرد من مجلس التعاون، وفرض حظر جوي عليها، وربما ايقاف
التعامل الإقتصادي معها. فمثل هذه الإجراءات يستحيل ان
تُلزم الرياض بقية دول المجلس بها، اللهم إلا البحرين
والى حدّ ما الإمارات، وبشكل جزئي أيضاً.
وينبغي التنبيه، الى أن الكويت، وخصوصاً سلطنة عمان،
تتخذان مواقف سياسية في بعض القضايا تختلف عن موقف الرياض،
أقلّه ان علاقاتها مع طهران قويّة وفاعلة، بعكس ما تبتغيه
الرياض. وتالياً فإن القبول بمعاقبة قطر، يعني قبولاً
بخضوع الكويت ومسقط اكثر فأكثر للهيمنة السعودية.
ايضاً ينبغي التذكير، بأن نفوذ الرياض في دول مجلس
التعاون لازال في انحدار. والسبب في جانب أساس منه يعود
الى رغبة دول المجلس في التفلّت من هيمنة ال سعود، ورعونة
السياسة السعودية بشكل عام مع اصدقائها وحلفائها وحتى
مع من يسمون بـ (أشقائها). ان انهيار النفوذ السياسي السعودي
في المحيط الخليجي كما الإقليمي العربي والإسلامي، وتضاؤل
مكانة السعودية الاستراتيجية بنظر حلفائها الغربيين، يجعل
الرياض غير قادرة على فرض ارادتها على الآخرين ولو كانوا
من (الأشقاء الخليجيين) كما هو الحال مع قطر. ذلك ان دول
الخليج جميعاً تشعر بضعف الرياض، وبالتالي فإن تهديداتها
لقطر كان يصعب تحقيقها على أرض الواقع.
تفكك مجلس التعاون
في المسألة الثانية، المتعلقة بارتداد قرارات الرياض
الى نحرها، إن هي واصلت سياسة المواجهة مع قطر، فإن معاقبة
الأخيرة وفق التهديدات السعودية، يعني انهياراً كليّاً
لمجلس التعاون الخليجي كمنظمة اقليمية. فخروج قطر سيؤدي
وفي وقت قصير الى خروج سلطنة عمان، وربما غيرها، وبالتالي
فإن الرياض لم تكن لتغامر بالذهاب بعيداً في عقوباتها،
خاصة وأن قطر يمكن أن تتحول من دولة داخل المجلس، الى
دولة في حلف اقليمي آخر يطعن النفوذ السعودي في الصميم،
وفي مجلس التعاون نفسه.
ان خنق قطر برياً وجوياً ـ كما هددت السعودية ـ سيجلب
عداءً سياسياً بين شعوب الخليج، مع الاعتراف بأنه ـ لو
تم ـ لن يكون خانقاً كثيراً، خاصة فيما يتعلق بالمجال
الجوي. هذا عدا التداعيات الاقتصادية والاستراتيجية التي
ستترتب على القرار السعودي.
لهذا، رأينا الرياض ـ وبعد أن روّجت مقولة ترويض قطر
ـ تصمت وتتوقف عن التصعيد، لأن ليس بيدها كامل اوراق الضغط
من جهة، وليس مفيداً لها استراتيجيا من جهة أخرى. لكن
الحمق السياسي قد يؤدي الى تغليب الصراع الشخصي، واتخاذ
قرارات وحيدة الجانب، مع تبعية البحرين، وربما ـ جزئياً
ـ الإمارات.
اجتماعات وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي التي عقدت
اكثر من مرة لحل الإشكال، لم تأتِ بفائدة كبيراً، اللهم
إلا تجميد الموقف. لكن الرياض ـ وربما صوناً لماء الوجه
ـ كانت وعلى الدوام تقوم بتسريب بعض الأخبار التي تفيد
بأن قطر تنازلت، وانه تمّ تقريع وزير خارجيتها، وأنه عمّا
قريب سيشهد الخليجيون تحولات في السياسة القطرية تنعكس
على اعلام قطر (الجزيرة خاصة) وعلى مواقف سياسية محددة
تتعلق بأوضاع مصر.
وفعلاً.. انتظر الكثيرون، وراقبوا مواقف قناة الجزيرة،
ولكن لا تغيير يذكر، على الأقل فيما يتعلق بالشأن المصري.
وانتظر الكثيرون ترحيل قيادات مصرية اخوانية ـ قيل
انها الى لندن ـ ولكن ذلك لم يحدث، بل ظهر جدل بشأن مطالب
قطرية مقابلة بضرورة ضبط الرياض والإمارات كتابهما وصحافييهما،
ومشايخهما ان كانوا من المواطنين الأصليين، وطرد غير الأصلاء
الذين مُنحوا جنسيات اماراتية وسعودية.
لأكثر من شهر ونصف، هدأ الوضع السياسي على السطح، ما
خلا الاعلام السعودي الإماراتي الذي اعتاد الهجوم من طرف
واحد؛ وما خلا جنود تويتر التابعين لمخابرات البلدين المعاديين
لقطر.
الزيارة المفاجئة
فجأة جاءت زيارة أمير قطر الى جدّة، في خضم الحرب الإسرائيلية
على غزّة.
البعض رأى ان الحدث الغزّاوي فرض على الطرفين التفاهم
والتنسيق. وهذا غير مقنع البتة.
ذلك أن الموقف القطري يناقض تماماً الموقف السعودي؛
وفي حين اتجه الجهد القطري للبحث عن حل سياسي مع دعم اعلامي
للمقاومة؛ فإن الرياض ـ وحسب تصريحات اسرائيلية حتى من
نتنياهو ـ قد اقتربت اكثر من اي وقت مضى من تل أبيب، وطلبت
منها انهاء حماس الى الأبد. وفيما كان الاعلام القطري
يغطي الحدث صحافة وقنوات فضائية؛ كان الإعلام السعودي
متصهيناً حسب المغردين السعوديين، وكان كثير من الكتاب
السعوديين التابعين للنظام يشمتون بحماس ومن يدعمها، ويسخرون
بالمقاومة، ويحملونها مسؤولية تردي الأوضاع ونشوب الحرب.
إذن لم يكن الموضوع يتعلق بغزة، خاصة وان كلا الطرفين
بقيا على موقفيهما حتى بعد الزيارة، ولم يظهر اي تنسيق
حتى الآن بين الطرفين، وإن كانت الرياض قد عدّلت نظريا
من موقفها بعد أن تصاعد الاحتجاج الداخلي على الموقف الرسمي.
ترى هل جاء تميم للإعتذار مثلاً عن مواقف سابقة اتخذها
والده الأمير سابقاً؟ لا نظنّ ذلك، خاصة وأن قطر تحمّل
السعودية مسؤولية محاولة انقلابية للإطاحة بنظام الحكم،
وهي قضية معروفة.
أم هل جاء تميم ليقدّم عرضاً معيّناً لاستعادة العلاقة
بين البلدين ضمن اطارها القديم؟ ربما يكون هذا صحيحاً،
ولكن حتى الآن لم يتم الكشف عن التفاصيل، وإن بدا ان الرياض
قبلت العرض، ورأت اطلاع حلفائها خاصة في الإمارات والبحرين
عليه.
السؤال هو: الى أي حد يمكن لقطر ان تتنازل؟ آخذين في
الإعتبار حالة السيولة السياسية في المنطقة عامة، ما يجعل
الموضوع القطري بالنسبة للرياض مجرد جزئية صغيرة، في وقت
تواجه آل سعود مشاكل متعددة داخلية وخارجية تغنيها عن
فتح جبهات اضافية. ولذا فإنه إن كان هناك من تنازل او
عرض تنازل قطري قدّمه امير قطر، فلن يكون ذي قيمة حقيقية،
بمعنى أن قطر لن تقبل بالتهديد بطردها من المجلس، ولن
تقبل بتحويل وزارة خارجيتها الى ملحق لوزارة الخارجية
السعودية. ولكنها ستكون حريصة على تقديم ثمن ما لإعادة
السفراء الخليجيين الثلاثة الى الدوحة.
|