بلد (قطع الرؤوس) و (الفالنتاين)!
خمسة شبان من عاصمة التطرف الوهابي (بريدة) احتفلوا
في فبراير الماضي بعيد الحب (الفالنتاين) فحُكم عليهم
بما مجموعه ٣٩ عاماً وثمانية آلاف جلدة، فتظلموا وطلبوا
الإستئناف ولكن الحكم لم يتغيّر. في ذات الوقت فإن محكمة
الإستئناف قضت بسجن خمسة آخرين مدة ١٧ عاماً، بتهمة التقصير
في قضية سيول جدة التي أودت بحياة العشرات المواطنين،
وتدمير مئات المنازل وآلاف السيارات! ولنا ان نقارن بين
الحُكمين.
يغضب آل سعود ومشايخهم المتطرفين وقضاتهم الفاسدين
حين يتهم قضاؤهم بالفساد، بل ويسجنون من يقول ذلك. ترى
بأي قانون ديني او وضعي يصبح الحكم ٣٩ سنة سجن وثمانية
آلاف جلدة؟ فالزاني غير المحصن يحكم عليه في الدين بالجلد
مائة جلدة، وهؤلاء ليسوا متهمين بالزنا أصلاً، بل محتفلين
بعيد الحب أشعلوا شموعاً حمراء كما في الإتهام!!
ويذكرنا المعلقون السعوديون بذلك الشيخ الوهابي (فيحان
الغامدي) الذي اغتصب ابنته وقتلها، ونال ثمان سنوات سجن.
اما الصحفي ابراهيم القحطاني فيذكرنا بحكم قضائي على أفغاني
اغتصب اطفالاً وحكم عليه بالسجن لسنة وبألف ريال غرامة
والجلد خمسين جلدة، فهل هذا قضاء يوثق به؟ والغريب أن
آل سعود والقضاة أنفسهم يرفضون تقنين الأحكام، حتى لا
يأتي هؤلاء بأحكام من اهوائهم تجعل الحليم حيراناً!
استثير المواطنون، والكتاب، وحتى بعض السلفيين بمثل
هذا الحكم القضائي؛ واذا كان المواطنون قد دُهشوا من أحكام
قضاة وزارة الداخلية السعودية التي حكمت على مغردين بعشر
وخمس عشرة سنة وأكثر، ووصمت المحكومين بالإرهاب، فإن الألسن
هذه المرة لم تتوقف عن التنديد في موضوع لا علاقة له بالسياسية.
المغردة المشهورة لاما القطيفي قالت لو ان خمسة الفالنتاين
المحكومين، كانوا قد قطعوا كم رأس بشري، واحتفلوا مع عشيقاتهم
او جواريهم على الطريقة الداعشية، لكان أفضل لهم من حيث
الحكم القضائي (كان جاءكم حكم مناصحة وكم سنة سجن)! ووجهت
سعاد الشمري كلامها للملك ووزيرا الداخلية والعدل: (لا
تشتكوا بعد هكذا احكام من فكر داعش)!
اما المحامي المعروف عبدالرحمن اللاحم فعلق: (قلناها
مراراً: تقنين المواد الجنائية هو الحل. لا بد أن يحدد
السلوك المجرم والعقوبة في نص جنائي واحد). واستغرب آخر:
(انهم يسجنون من يحتفلون بالحب، ويعفون عمّن ذهب لقطع
الرؤوس حين يعودون ويتوبون)! اما الكاتب وائل القاسم فيسخر
حيث اعتبر الحكم مخففاً (للأسف) والواجب سحلهم ثم قتلهم
صعقاً بالكهرباء، وصلبهم في الميادين (فقضاؤنا هو الأنزه
عالميا) مشيراً الى مزاعم وزير العدل وتصريحاته في هذا
الشأن.
سليمان الطريفي المحسوب على التيار السلفي اعتبر الحكم
صادماً جداً، ويخلص الى حقيقة ان القضاة المتطرفين والدواعش
هم بأفعالهم من يشجع على الإرهاب (فلا تسأل بعدها كيف
نشأ الإرهاب، وأيضاً لماذا ينتشر الإلحاد) ان كان امثال
هؤلاء القضاة يؤتمنون على دين الناس وحقوقهم.
وتقارن مغردة بين احكام الدواعش وآل سعود: (احكام هذا
الوطن الجائر لا تختلف ابداً عن أحكام داعش الدموية. لا
تنكرونها، إنها وليدتكم وابنتكم الروحية. من يحتفل بيوم
الحب يسجن تسعة وثلاثين عاماً، اما من يقتل ويفجر ويفخخ
مؤخرته فيُعفى عنه لأنه مغرر به. انه حكم داعش في السعودية).
وفي الاتجاه نفسه، تعلق المغردة المشهورة رغد الفيصل:
(نضحك على القوانين الداعشية وما شفنا حالنا. يا حْلَيْلْهُمْ!
على الأقل حدّهم الجلد).
الصحفي الكويليت اهتم بالسمعة السيئة التي يولدها هكذا
حكم: (سيتصدر هذا الخبر صحف ووكالات العالم والمنظمات
الحقوقية والإنسانية. مبرووووك). أما احمد فيسخر بأن العقوبة
مخففة ذلك ان المتهمين باحتفال الفالنتاين أشعلوا شموعاً
حمراء!
نعم.. لا يجب أن نستغرب ونسأل لماذا شباب الوهابية
السعوديين ينتحرون في صفوف داهش فيما هم يحلمون بالحور
العين! ففي هذه البلاد المُسعودة ـ تقول معلّقة ـ يُحكم
عليكَ بالسجن إن حملت ورداً أحمر، أما ان تزيل رأس آدمي،
فيطلقون سراحك بعد بضعة أشهر من المناصحة ضمن برنامج وزير
الداخلية ابن نايف.
ومن التعليقات خفيفة الدم (مع ألمها) قول احدهم أنه
من حسن الحظ أن القاضي لو تحمس قليلاً لكان يمكن ان يحكم
عليهم بالقصاص!
القضاة داعشيون، مثلما هم خطباء المساجد، مثلما هم
اعضاء هيئة كبار العلماء، مثلما هم خريجو جامعات آل سعود
الوهابية؛ فتعميم فكر داعش الوهابي خرّج لنا العاهات،
رغم أقلية الوهابيين. لقد اصبحت داعش او القاعدة جزءً
من حياتنا بتفاصيلها منذ أن خُلقنا، كما أنها جزء من قضاء
آل سعود، ومع هذا فإن الغرب لا يريد مواجهة مفرخة الإرهاب
الأصلية ويضرب في الأطراف، وأحيانا يستفيد من التطرف الوهابي
لصالح تدمير بلداننا.
ويوجه المفكر محمد علي المحمود، في تعليقه على الحكم
الداعشي على شباب الفالنتاين الخمسة، السهام الى التراث
المريض: (الفرح لم نسمع به عن أسلافنا، اما حزّ الرؤس
وجزّ الرقاب فقد رُوي عن سلفنا الصالح: خالد القسري، والحجاج
والمعتصم). ويضيف ساخراً: (يجب معاقبة كل من يتم القبض
عليه متلبساً بالفرح فالله لا يحب الفرحين، ثم إن في هذا
تشبهاً بالكفار) ويكمل السخرية: (الإرهابي قد يتوب وإن
عاد يتوب ايضاً، اما الذي اشرب قلبه حب الفرح فهيهات)!
|