حلّ الخلاف؟.. لم يحل!
الدوحة والباب الدوار الخليجي
محمد شمس
قصة تسوية الخلاف القطري من جهة والثلاثي السعودي والاماراتي
والبحريني من جهة أخرى باتت بمثابة اللغز المحيّر، الذي
ما إن يعلن طرف ما عن حله، حتى تنهمر التصريحات المتضاربة
ابتداءً ثم النافية لاحقاً لقرب التسوية لتجعله أكثر تعقيداً
من ذي قبل.
القطريون، بوصفهم المتضرر الافتراضي من الخلاف، يشيعون
أجواء متفائلة بعد كل اجتماع على مستوى وزراء الخارجية
في دول مجلس التعاون الخليجي أو على مستويات أدنى من ذلك،
وكان العماني يتبرع في كل مرة بالاضطلاع بدور من هذا القبيل
منذ بدايات الأزمة وحتى آخر اجتماع عقد وزراء خارجية دول
المجلس في جدة.
جرت أحداث استوجبت تأجيل التصعيد أو حتى تجميد التسوية،
وكان آخرها بروز خطر «داعش» حيث قيل عن طلب أميركي من
الحلفاء الخليجيين أن يضعوا خلافاتهم جانباً والتفرغ لمواجهة
«داعش». وكان اجتماع وزراء الخارجية الأخير في جدة قد
أوحى في البداية بقرب نهاية الخلاف واغلاق الملف تماماً،
ولكن فوجئنا بعد ذلك بعودة التصريحات المتضاربة وأن لا
حل في الأفق وأن الخلاف على حاله.
تحدث القطريون عن شروط إضافية فرضتها الرياض عليهم،
وتمس هذه المرة أيضاً حسب قولهم بالسيادة القطرية. في
المعلن من الأخبار أن الرياض طلبت من الدوحة تقديم مساعدات
لمصر، ربما كترضية أو عربون لعودة الدفء الى العلاقة المتوترة
بين البلدين، أو ربما تعويض لما لحق بالنظام المصري من
تشويه لصورته، الا أن القطريين رفضوا الشرط السعودي وواصل
إعلامهم الهجوم على النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي،
في المقابل تمسّك الأخير بمبدأ تجريم العلاقة مع قطر،
وفي 6 سبتمبر الجاري تمّ تقديم محمد مرسي، الرئيس المخلوع،
للمحاكمة بتهمة التخابر مع قطر، بما يلمح الى أن الأخيرة
لا تزال مصنّفة في خانة العدو لدولة مصر..
وعلى خلاف العادة، انفردت جريدة «الشرق الأوسط» بنشر
حقيقة المواقف الخليجية من الاجتماع الوزراي الأخير، وكتبت
في 31 أغسطس الماضي حقيقة ما جرى. وبدّدت الأجواء الإيجابية
التي أعقبت الاجتماع الوزاري الخليجي في 30 أغسطس الماضي
نتيجة تصريحات مسؤولين خليجيين حول حل الخلاف مع قطر.
مصادر خليجية نقلت عنها الصحيفة أفادت بأن عودة السفراء
ما زالت معلقة. واستدركت بأن اللجان الفنية الخليجية المنبثقة
من “اتفاق الرياض”، أعطيت ضوءاً أخضر لمواصلة سير العمل
حول متابعة تنفيذ قطر لالتزامات اتفاق الرياض، وفسر ذلك
على أنه منح مزيد من الوقت للعمل على حل الخلاف. ونسبت
الصحيفة الى مصادر دبلوماسية قولها بأن الخلاف الخليجي
ــ القطري لم يحل حتى الان، خاصة “أن قطر لم توقع على
محضر اللجنة الفنية لمتابعة اتفاق الرياض بما يعني استمرار
الخلافات الاساسية التي تمنع الوصول الى حل نهائي”.
نشير الى صدور تصريحات من وزيري خارجية الكويت وعمان
بعد الاجتماع بشأن امكانية عودة سفراء السعودية والأمارات
والبحرين الى الدوحة، إلا أن المصادر الدبلوماسية الخليجية
نفلت للصحيفة ذلك و أكدت أنه “لايوجد قرار بإعادة السفراء
لأن الخلاف لم يحل أصلا”.
وبذلك، فإن المجلس الوزاري الخليجي الذي أنهى دورته
الـ132 في جدة في 30 أغسطس الماضي، لم يتوصل إلى حل ملموس
للخلاف الخليجي.
مصادر دبلوماسية كويتية تحدثت لها الصحيفة بدت أكثر
واقعية ومتواضعة في توقعاتها حيث اكتفت بالقول بأن “أهم
ما جرى التوصل إليه هو فتح قنوات من المصارحة للوصول إلى
المصالحة النهائية من خلال الحوار المباشر”، وأبقت باب
الأمل مفتوحاً على حل شاملل للخلاف، وقالت بأن مجرد فتح
قنوات المصارحة “مؤشر لحل الخلافات الباقية قريبا جدا”.
وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الصباح استخدم لغة
دبلوماسية تنطوي على موقف تشاؤمي غير ملفوظ حول ما تمّ
الاتفاق عليه بما يشير الى تعقيدات كثيرة في الملف وقال
“اتفقنا على وضع أسس ومعايير لتجاوز ما علق في العلاقات
الخليجية من شوائب في أقرب وقت ممكن”. وألمح الى الفشل
في التوصل الى حل حتى الآن بقوله أن دول الخليج متألمة
للوضع الذي جرى، و”علينا الاستعجال لمتابعة تنفيذ الاتفاقات”.
ولكنه لم يعط موعداً زمنياً للاتفاق النهائي، ولكنه أبقى
على لغة التفاؤل وقال: “لا تستغربوا من عودة السفراء في
أي وقت”.
كلام الوزير الكويتي عن الشوائب كشفت عنه الصحيفة في
استصراحها لمصادر كويتية تحدّثت اليها وقالت بأنها تتمثل
في تقديرات اللجان الفنية لالتزام قطر ببنود “اتفاق الرياض”،
وهي تقديرات متفاوتة تطالب الدوحة ببذل مساع أكبر، في
حين يطالب المسؤولون القطريون بالمزيد من الوقت.
في المقابل، وعلى غير العادة أيضاً، جريدة «العرب»
التي تصدر من لندن بتمويل إماراتي سعودي والمقرّبة من
أجهزة استخبارية خليجية وأوروبية، والتي كانت تتعقب الخلاف
بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين من جهة وتتسقط
كل قصص الخلاف بينها، تبنّت هذه المرة موقفاً تصالحياً،
وقالت في حل الخلاف بين هذه الدول ما لم تقله أكثر الصحف
السعودية التصاقاً بالداخلية.
الجريدة عنونت تقريرها بعد يوم من اجتماعات وزراء الخارجية
في 31 أغسطس الماضي في جدة: «دول الخليج تنهي الخلاف مع
قطر وتتفرغ لملف الإرهاب” ونقلت عن وزير الخارجية العماني
يوسف بن علوي قوله: “أن مشاكل قطر مع دول الخليج قد حلّت،
ومصادر تتوقع عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين
إلى الدوحة الأسبوع المقبل”.
ووقعت الجريدة في مطب المصداقية حين أكلت الطعم عبر
مصادرها الخاصة من جدة وذكرت في مطلع خبرها: علمت “العرب”
أن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قد جرى
في أجواء ودّ وتفاهم، وأنه تم حل الخلاف بين السعودية
والإمارات والبحرين من جهة وبين قطر من جهة ثانية، وذلك
بتطبيق نص اتفاق الرياض حرفياً.
ونقلت الصحيفة عن مصادر خليجية إن الزيارة التي أدّاها
وفد وزاري سعودي رفيع المستوى إلى الدوحة والمنامة وأبوظبي
قد وضعت اللمسات الأخيرة على اتفاق لعودة العلاقات بين
الدول الخليجية الست إلى ما كانت عليه، وأن عودة سفراء
السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة ستكون الأسبوع
القادم.
وسمّت الصحيفة الوفد السعودي وأنه ضم كلا من وزير الخارجية
السعودي الأمير سعود الفيصل، ورئيس الاستخبارات العامة
الأمير خالد بن بندر، ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.
وراحت الصحيفة تسهب في نقل ما اعتبرته سبقاَ صحافياً
فنقلت تصريح وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي
وكلامه عن الحل النهائي للخلاف عودة السفراء، حيث قال
بن علوي على هامش اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي
إن “الأزمة الخليجية حلّت ببابين مفتوحين”، مؤكداً رداً
على سؤال حول ما إذا كان السفراء الثلاثة سيعودون إلى
الدوحة بقوله “سيعودون”.
وفي ضوء ما توهمته الصحيفة حلاً للخلاف، بنت عليه تحليلاً
طويلاً عريضاً لمجرد ان كلاماً نشر في بعض المواقع عن
طلب امريكي من قادة الخليج تسوية خلافاتهم من أجل التفرغ
لخطر الارهاب المتمثل حالياً في «داعش». الصحيفة وجنوحها
الدائم نحو اللجوء الى ما تعتقده سبقاً صحافياً نسبت الكلام
المعلن الى مصادر خاصة وقالت بأن هذه المصادر كشفت لها
بأن»الدول الخليجية عملت على تسوية الخلاف مع قطر للتفرغ
إلى مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة وخاصة ما تعلق
بالأوضاع في العراق وسوريا وتوسع تنظيم “داعش”، فضلا عن
الوضع المعقد في اليمن حيث يستغل الحوثيون المدعومون من
إيران التركيز الإقليمي والدولي على “داعش” في العراق
وسوريا، للتوسع شمال اليمن”.
حقيقة الأمر، أن المصادر الخاصة ليست سوى ما توهمه
كاتب التقرير واعتقد بأنه سبق صحافي سوف يطير برصيد الصحيفة،
ولكن المعلومات التي نشرتها «الشرق الأوسط» من حقائق حول
الخلاف يجعل من «العرب» مجردة «قارئة فنجان» في عالم الصحافة.
من بين قصص السبق الصحافي ما ذكرته الصحيفة بالقول
“أن الخلاف مع قطر لم يأخذ إلا حيزاً قليلاً من النقاشات
ليتم بعدها التركيز على الأوضاع في اليمن وليبيا”.
وعلى الضد مما قاله وزير الخارجية الكويتي لصحيفة «الشرق
الأوسط»، اختارت «العرب» نقل مقتطف من الكلمة الافتتاحية
لوزير الخارجية الكويتي صباح خالد الحمد الصباح في الاجتماع
الوزاري الخليجي والمتعلق بدعم دول الخليج الكامل للرئيس
اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته “في تطبيق مخرجات الحوار
الوطني ومكافحة كافة أشكال العنف والإرهاب التي تقودها
بعض المجموعات المنشقة”. كل ذلك لتؤكد الصحيفة بأن ملف
الإرهاب وليس الخلاف بين قطر والدول الثلاث هو الحاضر
في الاجتماع الخليجي.
أكثر من ذلك، بالغت الصحيفة في اهتمام وزراء خارجية
مجلس التعاون بملف الارهاب الى حد أن ملف مكافحة الإرهاب
في سوريا والعراق احتل “هامشاً كبيراً من النقاشات في
الاجتماع الخليجي” وقد تكون المفردة المقصودة “مساحة”
ولكن لقلة بضاعة كاتب التقرير استخدم كلمة “هامش”، خصوصاً
إذا ما جرى اختيارها لتوصيف الاهتمام المبالغ فيه من قبلل
مجلس التعاون، وبالنظر الى تصريح صباح خالد الحمد الصباح
بأن دول المجلس وشعوبها تواجه “تنامياً غير مسبوق لآفة
الإرهاب وذلك عبر مجاميع تتستر برداء ديننا الإسلامي الحنيف
وهي أبعد ما تكون عن رسالته”. كيف وان “دول الخليج تدعم
تشكيل تحالف إقليمي ودولي لمواجهة الإرهاب باعتباره أحد
أبرز الأولويات في الوقت الحاضر...”.
روايتان متضاربتان حول ملف الخلاف بين قطر وشقيقاتها
اللدودات، والمحاولات التي جرت لتسوية المشكلة باءت بالفشل،
وإن الحديث عن ضغوطات تتعرض لها الدوحة من أجل القبول
باتفاقية الرياض أو بالشروط الاضافية لا يبدو أنها أجبرتها
على التنازل، بل لايزال يلعب الوقت لصالح القطريين ما
يجعلهم متحررين الى حد ما من أي التزامات يعتبرونها مخلّة
بالسيادة...الدوحة ليست مستعجلة الآن وهي ترى الشقيقة
الكبرى غارقة في مشكلاتها وآخرها خطر «داعش» في الخارج،
وسخط شعبي على «الوهابية» في الداخل، وعزوف المشايخ عن
دعم النظام السعودي..
قيل عن تشدّد اماراتي حيال ملف التسوية مع قطر وأن
الرياض لعبت دور الوساطة من خلال زيارات قام بها ولي ولي
العهد مقرن وغيره الا أن تلك الزيارات لا يبدو أنها أحدثت
تغييراً كبيراً في المواقف القطرية، وبالتالي فإن الكلام
عن حل سوف يبقى مفتوحاً الى أمد بعيد نسبياً لأن المطلوب
أكثر من مجرد تغيير موقف بل تغيير سياسة قطرية رسمت منذ
أكثر من عقدين وليس من السهولة تغييرها.
|