الدولة الإرهابية
"فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان، قاتلناه بالسيف
والسنان".. عبارة تلخّص جوهر الدعوة الوهابية والدولة
السعودية التي قامت عليها.
عقب انفجار الارهاب مجدداً يشار بالإصبع مباشرة الى
دور الوهابية، حتى بات من ثوابت الإرهاب الدولي على مدى
العقدين الأخيرين.. أن كل فعل إرهابي عابر للحدود تكون
الوهابية أول جهة متهمة..
بعد انفجار ظاهرة «داعش» بدأت الأسئلة تثار حول العقيدة
الدينية التي يعتنقها التنظيم، وهل لذلك علاقة باستراتيجيته
الدموية القائمة على القتل الجماعي، والوحشية في التعاطي
مع الخصوم، وهل ثمة سوابق في التاريخ السعودي لظاهرة قطع
الرؤوس، واستباحة المناطق المحتلة، وسبي النساء، ونهب
الممتلكات وغيرها..
رجع كثير من الباحثين والمهتّمين الى مصادر الوهابية
والتاريخ السعودي منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومن بينها
ما ورد في كتب ابن بشر وابن غنام في تأريخ الحقبة التأسيسية
للدولة السعودية الوهابية والتي قدّمت أدلة إدانة لما
تنطوي عليه من قصص صادمة عن الجنوح الدموي في التعامل
مع الآخر..
فمن يقرأ تاريخ ابن غنام، على سبيل المثال، باعتباره
المدوّن الرئيس للرواية الرسمية السعودية، سوف يجد في
باب (الغزوات) قصصاً عن المعارك الدامية التي يرويها بلغة
ابتهاجية وفخر خصوصاً حين يتناول قصص قتل ونهب ممتلكات
الخصوم.
بكلمات أخرى، ما تختزنه الذاكرة التاريخية السعودية
من قصص قد تكون موضع فخر وزهو آل سعود، ولكنها من جهة
أخرى أدلة إدانة، وهنا يكمن جذر المشكلة، أي حين يرفض
ال سعود الاقرار ولو على سبيل الاستعداد الأولي بتحمل
المسؤولية في حال ثبوت ضلوع التعاليم الوهابية في أي نشاطات
إرهابية تتلطى وراءها أو تستمد منها مشروعية القيام بها..
صدرت دعوات في مناسبات عديدة من أجل إخضاع الوهابية
للمراجعة النقدية، ورفع الغطاء عنها بوصفها عقيدة محصّنة
بالمقدّس، بدعوى أنها معصومة بـ «قال الله» و»قال الرسول»
وإخفاء حقيقة أن هذين القولين يتواريان خلف أفهام علماء
الوهابية نفسها الذين يصادرون «قول الله» و"قول الرسول"
فتصبح أقوالهم وحدها المقدّسة.
ثارت ثائرة الوهابية بعد هجوم الشيخ أحمد الكبيسي على
الوهابية واعتبر محمد بن عبد الوهاب وابو بكر البغدادي
صناعة يهودية، وأن الوهابية فكرة يهودية لتمزيق الأمة،
وذهب بعض أهل الدعوة الوهابية لرفع دعوى لمقاضاة الشيخ
في المحاكم الامارتية، وتناسوا أن في تصريحات ابن عبد
الوهاب نفسه ما تدينه بألف تهمة، ومنها العبارة التي افتتحنا
بها وخلاصتها: من لم يستجب لدعوته مصيره القتل. فهل هناك
تحريّض أخطر من ذلك، بل هل نيّة أوالشروع في القتل أوضح
من ذلك.
الاصرار على تبرئة الوهابية من انتاج التطرف والإرهاب
هي بحسب المغرّد أحمد رشيد (نوع من انواع وضع الإصبع في
العيون ثم التساؤل عن أسباب احمرارها). الأنكى من ذلك،
إن هذا الانكار المتكرر لضلوع الوهابية في الارهاب المتمثل
حالياً في "داعش" يعني تكبيد البشرية المزيد من المآسي،
والألم، والدماء، ما يجعلها في حل من كل ما يصيب الأبرياء
من ويلات.
تبدأ الفكرة الارهابية من تقسيم الوهابية للعالم الى
معسكرين: معسكر المؤمنين ومعسكر الكفّار، وبحسب عقيدة
الولاء والبراء، فإن التقسيم لا يكون محض نظري، بل يفرض
تدايبر عملية تمليها العقيدة الوهابية، حيث التكفير يستوجب
الهجرة من البلاد التي تحكم بغير ما أنزل الله؛ ثم تأتي
المرحلة الثالثة وما تفرضه من إجراء عملي، وهو إعلان الجهاد
على مواطن الشرك والضلال حتى يحكّم شرع الله. والمعادلة
بكثافة شديدة كما يصوغها المغرّد سعود العتيبي: (عندما
يكون التكفير «فرض عين « سيصبح القتل فرض كفاية!!).
وطالما بقيت تلك المفاهيم التنزيهية مثل «الطائفة المنصورة»
و»الفرقة الناجية» فاعلة في الاشتغال الفكري والعقدي الوهابي،
فإن خيار استئصال الآخر بكل الأشكال المتاحة هو الراجح.
ولسوف تبقى العبارة الالغائية فاعلة، أي تلك التي تنصّ
على: (إن طريقة آل الشيخ هي الصراط المستقيم، ومن حاد
عنها فقد سلك طريق أصحاب الجحيم)؛ كما جاء في الجزء الرابع
عشر من مجموعة (الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية)، وهي
السجلّ الذي يحوي وثائق دامغة تدين الوهابية وعلماءها
وآل سعود جميعاً، لما فيها من إقرارات، وحوادث، وتحريض
على الكراهية والعنف، وكافية لأن تجلب النظام السعودي
لمحكمة الجنايات الدولية.
حين يكتب أحد أبرز شيوخ عبد العزيز: وهو سليمان بن
سحمان في كتاب صدر في الأصل لتبرئة الدولة السعودية من
تهمة التطرّف وتصحيح عقائد الإخوان الذين تشرّبوا الوهابية
على أصولها الأولى كما بشّر بها محمد بن عبد الوهاب، عندما
يكتب بأن: (أهل نجد كانوا قبل دعوة الشيخ على الكفر، وبينّا
أن جميع باديتهم وحاضرتهم أسلموا بتلك الدعوة، وعمّهم
الإسلام..الخ).. نكون أمام معضلة كبرى، لأن الاعتدال في
الوعي الوهابي لا يعني تكفير العالم، بل يعني الإختلاف
على طريقة تنفيذ الحكم.
المطلب اليوم لم يعد مقتصراً على مراجعة الوهابية نفسها،
بل الأهم من ذلك هو وقف تبنيها من قبل النظام السعودي
الذي يحمي، ويأوي، وينفّذ كثيراً من تعاليم الوهابية خصوصاً
في تعامله مع الآخر، أفراداً، وجماعات، وطوائف، ودولاً.
بالنسبة لسكّان هذا البلد ـ المُسَعْوَدْ، فإن المطلب
جمعي، وهو بحسب المغرّد نادر العتيبي: (لسنا في حاجة لمراجعة
هذا الفكر. نحنُ في حاجة لوقف تبنّيه من الحكومة كسياسة
قمعية ضد الشعب. مشكلتنا مع الحكومة فقط).
|