|
|
|
عبدالعزيز المقرن
زعيم قاعدة جزيرة العرب وقطع رأس رهينة اميركي
في الرياض |
(القاعدة في جزيرة العرب)
ثـقـافـة قـطـع الــرؤوس!
محمد الأنصاري
فاق الزرقاوي قيادات (القاعدة) قاطبة في اظهار وحشية
غير مسبوقة في مقاتلة الخصوم، حيث ظهر في شريط مصور وهو
يقوم بذبح أحد الرهائن الأميركيين 2004.
وإذا كان الزرقاوي هو من أرسي مبدأ قطع الرؤوس بين
أفراد تنظيمه الذي تحوّل الى «الدولة الاسلامية في العراق»
ثم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» وأخيراً «الدولة
الاسلامية».. فقد سبقت الزرقاوي عناصر سعودية من «تنظيم
القاعدة في جزيرة العرب» لا يأتمرون بالضرورة بأوامر بن
لادن أو الظواهري، بل كانوا أقرب الى الزرقاوي، كما يوحي
البيان الصادر عن «سرية الفلوجة» التابعة لتنظيم القاعدة
والمنشور في موقع «صوت الجهاد»، قاموا بقطع رأس مواطن
أميركي يدعى بول جونسون في العاصمة السعودية، الرياض،
في 18 يونيو 2004 وصدر بيان لوزارة الداخلية في 19 يونيو
من العام نفسه أعلن فيه عن مقتل عبد العزيز المقرن، زعيم
«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، وهو من أعلن عن خطف واغتيال
عدد من الأجانب، وكشف البيان عن هوية الشخص الذي شارك
في ذبح الرهينة الأميركية وهو فيصل بن عبدالرحمن الدخيل.
صدرت حينذاك بيانات تنديد من كثير من قادة العرب والمسلمين
بالعملية غير المسبوقة، والتي وضعت في سياق «تشويه صورة
الإسلام». ولكن التنظيم لم يأبه لكل تلك المواقف وأصرّ
على مواصلة ما يراه «جهاداً» لأعداء الله وإظهاراً لدينه،
وأصرّ عناصر التنظيم الذي كانوا يتصرّفون بوصفهم جزءاً
من شبكة القاعدة في العراق المنفصلة بصورة شبه تامة عن
القيادة في أفغانستان، التي عارضت في الظاهر الوحشية المتزايدة
لدى عناصر القاعدة، حتى أن الظواهري نصح الزرقاوي بإعادة
النظر في استعمال وسيلة الذبح بطريقة وحشية وانعكاسها
على شعبية «القاعدة».
وبالعودة الى العناصر السعودية في تنظيم القاعدة في
جزيرة العرب، فقد أرفق البيان الصادر عن «سرية الفلوجة»
بصور تظهر فيه رأس الرهينة وهي متدلية الى الأمام وقد
وضعت على ظهره وبجانبه السكين التي تم تنفيذ العملية بواسطتها،
فيما تظهر الصورة الأخرى شخصاً وهو يمسك برأس الضحية..وبحسب
قناة «العربية» فقد عثر على جثة الرهينة في حي المونسية
شرق العاصمة الرياض، (العربية، الارهابيون يذبحون الأمريكي
بول جونسون، 18 يونيو 2004).
وفي 7 يونيو 2004 نشر موقع «صوت الجهاد» التابع للقاعدة
مقابلة مع فوّاز بن محمد النشمي، قائد (سرية القدس) التي
نفّذت عملية الخبر، شرقي المملكة، وروى خلالها تفاصيل
العملية. ولأول مرة تعرّف العالم على مفردة «الانغماس»
في العدو. يتحدث النشمي عن مشهد انفجار الأجساد ويقول
عن المواجهة مع الجنود السعوديين «ورأيت جمجمة العسكري
الواقف خلف الرشاش تتفجر أمامي ولله الحمد».
يكشف النشمي عن أن الجماعة التي يتحدث باسمها ليست
ظاهرة استثنائية وطارئة أو حركة انفعالية انشقاقية سريعة
الاشتعال والخمود، بل جماعة مؤسسة في حركة تطهير اجتماعي
وديني، لها بنية تنظيمية صلبة، ولديها قائمة مهام وتكليفات،
ولديها أيضاً نظام قيادي، وهنا تكمن انفصالية الحركة عن
الدولة.. فحين يقول النشمي بأن (أبو هاجر ـ أي عبد العزيز
المقرن ـ كلفني بإمارة المجموعة) فهو يتحدث عن مجتمع مضاد
منفصل عن المجتمع القائم، وأمير بديل عن الحاكم السياسي،
ومعيارية مختلفة للطاعة والالتزام، وبالتالي فإن المرجعية
هنا ليست للدولة بل لأمير الجماعة الذي تصبح أوامره تكاليف
دينية يجب الامتثال لها، وأن الدولة من الناحية العملية
تصبح من الناحية الشعورية والمبدئية ساقطة اعتباراً وأن
السعي يكون الى تحقيق هذا السقوط على الأرض..
نلحظ بأن ثمة ظلالاً شاخصة لقاموس حرب العراق قبل سقوط
نظام صدام حسين في لهجة النشمي، فقد أمدّت لغة وزير الاعلام
العراقي (محمد الصحّاف) المتميزة في مفرداتها التهكمية
قاموس التنظيمات السلفية الجهادية من أجل استخدامها في
الحرب ضد الاجانب. يقول النشمي (دخلنا إلى إحدى الشركات
ووجدنا علجاً أمريكياً.. ودخلنا مكتباً آخر فوجدنا أحد
العلوج .. وكان هذا هو العلج الجنوب أفريقي.. استمرينا
في عملنا هذا نبحث عن العلوج وننحر من وجدنا منهم.. بدأنا
نمشط الموقع ونبحث عن العلوج).
الى جانب ذلك، إستعارت المجموعة من ممارسات مقاتلي
الفلوجة بعد سقوط النظام فكرة سحل الجثث، وقد سبق الى
تطبيقها في السعودية مقاتلو ينبع. يقول النشمي بعد مقتل
مدير استثمارات شركة هيلبرتون وهو بريطاني الجنسية (ركبنا
سيارتنا وربطنا العلج برجل واحدة وخرجنا من الشركة فوجدنا
الدوريات..)، وقد سارت المجموعة فيما كانت جثة البريطانية
عالقة في السيارة التي كان يستقلونها، وهكذا طافوا بالجثة
في عدد من الشوارع خلال المطاردة مع قوات الأمن، وكما
يقول النشمي (تقطعت ملابس العلج وأصبح عارياً في الشارع
وكان الشارع مليء بالناس ـ فالوقت وقت دوام ـ والكل شاهد
العلج مسحولاً فلله الحمد والمنة.. ولما توسطنا الجسر
انقطع الحبل وسقطت جثة العلج بين الإشارات الأربع وفي
وسط الميدان، وأصبح كل من كان واقفاً في إحدى الإشارات
يشاهد العلج يوم أن سقط من أعلى الجسر..).
ثمة تشابه مذهل بين وسائل الجماعات القتالية في العراق
والسعودية، فجميعها يعتمد وسيلة قطع الرؤوس بالسكين أو
آلات القطع الحادة، كما حصل للمقاول الاميركي نيكولاس
بيرغ في 11 مايو 2004، مع الأخذ في الاعتبار ملابسات اعتقاله
من قبل الشرطة العراقية وتسليمه للقوات الأميركية في العراق
في 25 مارس من العام نفسه ثم الاعلان بصورة مفاجئة عن
نحره على يد الزرقاوي.
مهما يكن، فقد تكرّرت حالات النحر في عملية الخبر حسب
النشمي حيث تمّ قطع عدد من الرؤوس، وبحسب النشمي (ووجدنا
نصارى فلبينيين فنحرناهم وأهديناهم إلى إخواننا المجاهدين
في الفلبين، ووجدنا مهندسين هندوس فنحرناهم أيضاً ولله
الحمد، وطهّرنا أرض محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم
من كثير من النصارى والمشركين). ولعل المثالين الاشد بشاعة
هو ماذكره النشمي في المقابلة حول نحر قائد المجموعة لسويدي
وايطالي بما نصه: (وجدنا علجاً سويدياً فقطع رأسه الأخ
نمر ووضعه عند البوابة لكي يراه الداخل والخارج !!) اما
الرهينة الايطالي الذي تحدث الى قناة (الجزيرة) من مبنى
المجمع فقام نمر البقمي بنحره.
ما يلفت في حديث النشمي هو ذلك اليقين الإيماني المؤسس
على الفصام التام بين ما هو جريمة مكتملة الأوصاف، وبين
ما هو اطمئنان نفسي للمكافأة الإلهية الموعودة من ورائها،
كما يكشف عنه النص التالي: (والله يا إخوان أكبر كرامة
هي السكينة والهدوء الذي أنزله الله علينا وثبّت قلوبنا
به ، سبحان الله نكاد نحلف بالله أننا في نزهة وليس بين
أهوال تضطرم، تخيل أنَّ النعاس لم يفارقنا منذ بداية العملية
فاللهم لك الحمد، ثم الفضل الإلهي الكبير علينا بهذا الإثخان
وبهذا الانتصار..)، يذكر ذلك ويستحضر في الوقت نفسه ما
يعتقده سيرة الصحابة والسلف والذي كان يهوّن عليه هول
المواجهات.. فهؤلاء يلحّون على ادراج أنفسهم كإمتداد للخط
الرسالي الاول، وهم الممثلون الشرعيون للجيل الاول من
مجتمع الرسالة.
وفي 1 مايو 2004، نفّذ أربعة عناصر وهما شقيقان مع
خاليهما الشقيقان أيضاً، أحدهما وهو مصطفى الأنصاري وصف
بأنه «أحد قدامى المحاربين في أفعانستان»، على حد صحيفة
(الشرق) السعودية في 29 يناير 2012، حيث شارك في القتال
في أفغانستان قبل خمسة عشر عاماً من تاريخه، عملية مسلّحة
باقتحام مجمع شركة ينبت للبتروكيماويات في مدينة ينبع
الصناعية، بعد أن سهل ثلاثة منهم عملية دخول شقيقهم الرابع
الذي كان يحمل السلاح والمتفجرات إلي داخل المجمع بحكم
عملهم في نفس المجمع. وقتل خمسة من العمال الأجانب: أميركيان،
بريطانيان، واسترالي. ثم قاموا باطلاق النار بصورة عشوائية
داخل داخل المنطقة السكنية للهيئة الملكية في ينبع، كما
ألقوا عددا من القنابل اليدوية شديدة الانفجار على محلات
تجارية، إضافة إلى إطلاق النار على سيارات للأجانب المتجهين
إلى أعمالهم، وأسفرت العملية عن مقتل ستة أجانب ورجل أمن،
وخمسة من الموظفين في الشركة، و22 رجل أمن إضافة الى المنفذين
الأربعة وإصابة أكثر من عشرين آخرين.
وأفاد أحد أشقاء منفذي عملية ينبع، مصطفى الأنصاري،
أنه شاهد سحل أحد ضحايا العملية الإجرامية في ينبع، مؤكداً
أنه لم يستوعب هول ما شاهد، وقال: «لم أصدق ما رأيت من
هول الصدمة، ولم تعد لي ذاكرتي ولم أستوعب ما حدث إلا
بعد دخول السجن».
نلفت الى أن الأنصاري غادر المملكة السعودية الى أفغانستان
في العام نفسه الذي هاجر فيه ابو مصعب الزرقاوي اليها.
تقارير كشفت عن أن مصطفى عبد القادر عابد الأنصاري
حارب في معارك تورا بورا الى جانب زعيم «القاعدة» أسامة
بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، وسيف العدل المسؤول العسكري
للتنظيم، قبل أن ينجح في الفرار الى الشريط الحدودي ومنه
الى باكستان التي عاش فيها لفترة قصيرة قبل أن يفر الى
اليمن واعتقل هناك مع مجموعة من عناصر في «القاعدة»، كما
حارب في الأنصاري في «البوسنة» قبل أن ينتقل الى بريطانيا
العام 1993 ثم غادرها عام 1997 الى أفعانستان. وكان مطلوباً
لدى السلطات الأميركية منذ العام 2002 حين كان يحارب في
تورا بورا وخلال احتجازه في اليمن.
في اعترافات عناصر (خلية ينبع) ما يفيد بعلاقة وثيقة
بينها وبين «جماعة التوحيد والجهاد» بقيادة الزرقاوي.
وقد جاء في إضبارة الاعترافات: أنهم قاموا بهذه العملية
انتقاما من الجيش الأمريكي الذي كان يطبق حصاراً على الفلوجة
قبل أن تشتبك مع «جماعة التوحيد والجهاد» بقيادة أبو مصعب
الزرقاوي وعمر حديد في معركة الفلوجة الأولى، التي أرغمت
القوات الأميركية على الخروج منها.
في 20 سبتمبر 2004، بثّت قناة (الجزيرة) القطرية مقطعاً
مصوّراً يظهر شخصاً، قالت جماعة (التوحيد والجهاد) فى
بيان لها أنه أبو مصعب الزرقاوى. وكان الأخير يتلو بياناً
قبل أن يقوم بقتل الرهينة الذى يدعى يوجين أرمسترونج.
وقال أن الجماعة تعتزم قتل باقى الرهائن تباعاً اذا لم
يتم الاستجابة لمطلبها باطلاق سراح السجينات العراقيات
فى السجون الامريكية.
رسم الزرقاوي لنفسه استراتيجية عمل لا تنسجم بالضرورة
مع توجهات قيادة «القاعدة»، ولكن الأخيرة كانت تكتفي بـ
«نصيحة السر» كي لا يطلع خصومها على خلافاتها ونقاط ضعفها،
ومن ذلك قتال المدنيين من كل الطوائف، والمطالبة بتركيز
وجهة السلاح نحو «العدو المفضّل» أي الولايات المتحدة،
إلا أن الزرقاوي جعل من قتال الشيعة مقدّماً وأولوية.
حينئذ بدأ الزرقاوي ينفرد بعمليات الذبح والقتل ساعد
ذلك أوضاع العراق الأمنية، فيما تعرّض «تنظيم القاعدة
في جزيرة العرب» الذي كان أقرب الى الزرقاوي منه الى بن
لادن والظواهري، لضربات قاصمة بعد قتل قياداته واعتقال
كوادره الفاعلة..
واقترفت تنظيمات «مجلس شورى المجاهدين» جرائم كبيرة
في العراق حيث قامت بحملة اغتيالات مع التنكيل والتمثيل
والحرق وتنظيم تفجيرات متسلسلة في المنشآت والأماكن العامة،
وفي الأسواق والشوارع والمدارس وحتى رياض الأطفال واستهداف
دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس وغيرها..وما يلفت
في هذه العمليات كان مشاركة صغار السن من «المهاجرين»
القادمين من السعودية وليبيا واليمن وتونس وغيرها، وقد
أظهرت وثائق سنجار في العام 2007 بأن 60 بالمئة من الانتحاريين
كانوا من السعوديين والليبيين، وكان نصيب السعوديين 40
بالمئة. وكان يقوم إعلام «المجلس» على توثيق جرائمه، بدءً
من لحظة تجهيز الانتحاريين ورسائلهم المسجلة وانتهاء بالتنفيذ،
ومن ثم نشر هذه الفيديوهات عبر الانترنت.
إذا كان ثمة ما يمكن أن نخلص به مما سبق أن عناصر القاعدة
في السعودية كانوا أقرب الى «داعش» منها إلى «القاعدة»،
وهذا ما يرجح خيار اختراقها للمجال الوهابي. فمنذ العام
2003 كل العناصر السعودية التي ارتبطت بتجربة القتال في
العراق كانت تعمل ضمن إطار مدرسة الزرقاوي وليس بن لادن
والظواهري.
|