|
|
|
تفجيرات القاعدة في المحيا
بالرياض 2003 |
|
تفجيرات مجمع الحمراء في
الرياض 2003 |
العنف الداعشي المتوقع أكبر من نظيره القاعدي
البغدادي.. دعوة دموية للقتل في مواجهة آل سعود
عبدالحميد قدس
الآن وقد بدأت الموجة الثانية من العنف الداعشي؛ وأعلن
زعيم داعش ابو بكر البغدادي أن السعودية هي هدفه القادم،
ودعا الى قتل المختلفين معه في المذهب اضافة الى آل سعود..
يتوقع الكثيرون أن تتصاعد موجة العنف وعدم الاستقرار الأمني
في السعودية، رغم حملات الإعتقالات.
هذه المقالة تحاول القاء الضوء حول موجة العنف الأولى
التي خاضتها القاعدة في السعودية عام 2003، وكيف ان هذه
الحملة الجديدة ستكون مختلفة في قساوتها وعنفها.
في منتصف ليل 12 مايو 2003 اقتحمت أربع سيارات مفخّخة،
يقودها تسعة انتحاريون، ثلاثة مجمعات سكنيّة شرقي العاصمة،
الرياض، وهي مجمع درّة الجداول، ومجمع شركة فينيل، ومجمع
الحمراء، وانفجرت بصورة متزامنة، ما أدى الى مقتل 26 شخصاً
من جنسيات متعدّدة، بينهم 7 من السكّان المحليين و9 أميركيين،
و160 جريحاً، إضافة الى مقتل الانتحاريين التسعة.
وفي 8 نوفمبر 2003، تمّ تفجير مجمع المحيا السكني،
وكانت الحصيلة 12 قتيلاً و122 جريحاً من الوافدين العرب.
وشهدت المملكة السعودية بين عامي 2003 ـ 2004 وتيرة مرتفعة
من الإنفجارات والمواجهات المسلّحة مع جماعة تطلق على
نفسها «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، استهدفت مقرّات
أمنية وحكومية، وأماكن سكنية، وأسواق، ومنشآت نفطية، وأوقعت
العديد من القتلى من السكان المحليين والأجانب، ما كشف
هشاشة السيطرة الأمنية الرسمية.
وتواصلت العمليات الانتحارية والمواجهات المسلّحة في
الاعوام اللاحقة، ولكن بوتيرة أقل، بعد مقتل عدد من قيادات
التنظيم. وقد وسّع الأخير من مروحة عملياته فشملت المنطقتين
الغربية والشرقية، وجرت محاولات لاقتحام منشآت نفطية حساسة
كمعامل بقيق والقنصلية الأميركية في جدة، وشركة نفطية
في ينبع وغيرها.
وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، فإن مجموع الحوادث الارهابية
التي تعرضت لها المملكة حتى عام 2011 حوالي 98 عملية راح
ضحيتها أكثر من 90 شخصاً من المدنيين إضافة إلى إصابة
نحو 608 آخرين، فيما سقط حوالي 65 قتيلاً من منسوبي الأجهزة
الأمنية وإصابة نحو 390 آخرين.
حين التأمل في الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية
التي ظهر فيها التنظيم وإمكانياته التسليحية والتخطيطية،
لابد من التوقّف عند مجموعة حقائق:
أولاً: بعد سقوط حكومة طالبان
آواخر عام 2001 فقدت شبكة «القاعدة الأم” الأرض التي تقيم
عليها، وانتقلت الى العمل السري بصورة تامة، وتقطّعت الاتصالات
بين القيادة والفروع، كما تكشف عن ذلك رسائل بن لادن والظواهري،
الى حد أن الأخبار كانت تصلهما بعد شهور من حصولها، الأمر
الذي سمح لقيادة الزرقاوي أن تفرض نفسها كمرجعية للتنظيمات
الفرعية خصوصاً في الخليج واليمن.
ثانياً: أن التنظيم بدأ عملياته
بعد مرور شهر على سقوط بغداد (9 إبريل 2003)، في وقت كان
الزرقاوي للتو قد أرسى المرحلة الأولى لعمله القتالي،
وراح يحرّض عناصر القاعدة على الهجرة الى العراق، وخصوصاً
العناصر الخليجية واليمنية. لم يعلن الزرقاوي حينذاك عن
تنظيمه «جماعة التوحيد والجهاد»، إذ لا يزال في مرحلة
«التجنيد»، ولم يقدّم البيعة الى قيادة «القاعدة» بعد.
ثالثاً: أن المجموعة التي
كانت تدير العمل المسلّح داخل السعودية صغيرة نسبياً،
ولم تكن تمتلك خبرة عسكرية كافية. ومن منظور عسكري، استعجلت
الدخول في صدام مع الحكومة السعودية عن طريق شن أعمال
لا يمكن وصفها سوى أنها إرهابية محضة. وبالرغم من أن المجموعة
صمدت لبعض الوقت في المواجهات مع قوات الأمن السعودية،
وبقيت كمصدر تهديد للنظام على مدى سنوات، إلا أنها:
أخفقت في استقطاب أي تعاطف شعبي طيلة مرحلة المواجهات،
بل كان الشعب ينظر الى المجموعة بكونها انتحارية وعبثية.
فشلت في توضيح رسالتها، فالأغلبية الساحقة من السكّان
المحليين لا يعلمون ماذا تريد «القاعدة»، ولماذا تقوم
بتلك الاعمال الإرهابية، خصوصاً اقتحام مجمّعات سكنيّة،
باستثناء التبريرات العقدية الرثّة.
على أي حال، تبيّن من رسائل بن لادن المسرّبة، أنه
لم يكن على وفاق مع خطة السيارات المفخّخة في المجمعات
السكنيّة، الأمر الذي يرجّح أن المجموعة كانت تعمل وفق
أجندة أخرى، وبتوجيهات من قيادة أخرى، والأرجح أن يكون
الزرقاوي، كما ظهر في بيانات المجموعة حول عمليات الخبر
وينبع، والتي ظهر تأثيرات الخطاب الجهادوي في العراق.
مهما يكن، فقد نجحت السلطات السعودية في تطويق خطر
«القاعدة»، نسبياً على الأٌقل، ولكن اللجان التي تشكّلت
لإعادة تأهيل العناصر المنضوية في التنظيمات الارهابية
مثل «المناصحة» و»السكينة» لم توقف تماماً انخراط الشباب
السلفي في عمليات قتالية خارج الحدود.
وكان انغماس النظام السعودي في صراعات المنطقة، وبالخصوص
في العراق وسوريا ولبنان، دفع بآلاف الشباب للسفر الى
مناطق النزاع، وأن يصبحوا قادة ميدانيين، وأمراء شرعيين،
ومموّلين كبار للتنظيمات.
وتكشف المعطيات المتوافرة في تقارير عسكرية وأمنية
وإعلامية عن تفوّق العنصر السعودي في التنظيمات الإرهابية
في العراق وسوريا، وأن السعوديين هم مصدر القيادات الجهادية
والعمليات الانتحارية، وكثير من هؤلاء في العشرينيات من
أعمارهم.
ثمة سؤال جدّي يطرح حول انخراط صغار السن في القتال
في سوريا، وعلاقة ذلك بالتعبئة الدينية والاعلامية في
الثمانينيات إبان الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
والحال، أن السؤال لابد من طرحه في سياق آخر، وهو دور
الخطاب التحريضي الذي ينتج محلياً في المدارس والجامعات
والمساجد والمخيمات الكشفية، هذا الخطاب المسؤول عن «نفير»
وليس «نفور» الشباب الى القتال في الخارج تحت عنوان الجهاد
بشقيه (الدفاع والطلب) وتقمّص مواصفات «الطائفة المنصورة»
التي تضطلع بالدعوة الى الحق بالسيف!
ومنذ منتصف العام 2012 بدأت وتيرة هجرة السعوديين الى
سوريا عن طريق تركيا تتسارع، وانخرطوا في تنظيمات «جبهة
النصرة» و»أحرار الشام»، ثم انتقل كثير منهم الى «داعش»،
بمن فيهم قادة عسكريون وأمراء شرعيون، خصوصاً عقب صدور
الأمر الملكي في 3 فبراير 2014 بتجريم المقاتلين السعوديين
في الخارج.
وثمة ما يدعو للتأمل في خروج عشرات الممنوعين من السفر
الى القتال في سوريا. وبحسب تقرير إعلامي «أن عدداً كبيراً
من “الجهاديين” السعوديين الموجودين في سوريا هم في الواقع
ممنوعون من السفر..» من بينهم عبد الله بن قاعد العتيبي،
وبدر بن عجاب المقاطي، وعبدالله السديري، وعقاب ممدوح
المرزوقي، وعشرات غيرهم ممن وصلوا سوريا رغم منعهم من
السفر. مع الإشارة إلى أن هؤلاء خرجوا عن طريق مطار الرياض
كما يؤكد معظمهم ممن يغرد على “تويتر”.
اللافت أن أحد القتلى السعوديين في سوريا وهو عبد الله
السبيعي كان قد سافر بجواز سفر شقيقه سليمان، وكان ممنوعاً
من السفر، ولكن سليمان استصدر جواز سفر جديد وسافر به
الى سوريا رغم أن السجّلات الرسمية المثبتة تفيد أنه مسافر
ولم يعد بعد.
خلاصة القول، إن آلاف السعوديين خرجوا للقتال في سوريا
والعراق ولا تزال الغالبية منهم في الجبهات الى جانب مقاتلي
«داعش» والقليل منهم في «جبهة النصرة». وكان المركز الدوليّ
لدراسة التطرف في كينغس كولج في لندن قد أعدّ دراسة بالاستناد
إلى الصفحات المتخصّصة في الجهاد والجهاديين على مواقع
التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك).. خلصت الى أن الدول
الخمس الأولى التي يتصدر مواطنوها أعداد المقاتلين هي
تونس والسعودية والأردن وليبيا ولبنان.
التقرير ذكر أن 55 بالمئة من المقاتلين الاجانب بحسب
العينة (190 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي) التي اعتمدها
التقرير هم أعضاء في «داعش» بينما يحارب 14 بالمئة في
صفوف «جبهة النصرة» أما «الجيش السوري الحر» و»لواء التوحيد»
و»أحرار الشام» فهي الأقل تمثيلاً بنسبة 2 بالمئة، وهناك
ما نسبته 29 بالمئة من المقاتلين الأجانب الذين يصعب تصنيفهم
بسهولة الى أي من الجماعات تلك. وشدد التقرير على أنّ
عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم كتونس والسعودية والمغرب
والجزائر وليبيا يمثل خطراً حقيقيّاً ضد أمن واستقرار
هذه البلدان.
بحسب مصادر أخرى، فإن عدد المقاتلين السعوديين في سوريا
بلغ خلال السنوات الثلاث من 2012ـ 2014 نحو عشرة آلاف
عنصراً، قتل منهم نحو ثلاثة آلاف.
وبصورة إجمالية، يمكن تصنيف المقاتلين السعوديين على
النحو التالي:
- مقاتلون بهويات مزوّرة أو أسماء حركية ورمزية؛
وهؤلاء منبثون في صفوف الجماعات المسلّحة عموماً،
وهم اليوم بين قتيل وأسير ومرابط على خط النار.
- مقاتلون حملوا معهم هوياتهم الثبوتية وهم قلّة،
وقد وردت أسماؤهم في قوائم القتلى سواء لدى السلطات
السورية، أو التركية، والعراقية، والسعودية.
- مقاتلون لا يُعرف مصيرهم، فقد انقطعت أخبارهم
منذ سنوات بعد انخراطهم في تنظيم القاعدة وفروعه.
ما يعنينا هنا هو بداية النفير الكبير للمقاتلين السعوديين،
ورقعة انتشارهم على الخريطة السورية.
في مطالعة متأنية لقائمة القتلى السعوديين حتى نهاية
عام 2013، على أساس العمر، ومكان القتل، وتاريخه، يتبين
التالي: إنّ الغالبية الساحقة من المقاتلين السعوديين
الذين جاءوا الى سوريا كانت في الفترة التي تولى فيها
بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة، الملف السوري،
أي منذ صيف 2012 وحتى نهاية 2013.
المراسل الميداني حسين مرتضى يستند على ثلاثة وثلاثين
رواية إخبارية عربية وأجنبية (بريطانية وفرنسية على وجه
الخصوص)، تقدّر عدد المقاتلين السعوديين في صفوف (داعش)
و(النصرة) بالالآف، من بينهم 300 أسير لدى السلطات السورية.
وأورد مرتضى قائمة طويلة بأسماء القتلى السعوديين مع تفاصيل
عن الأماكن التي قتلوا فيها.
كل ماسبق يفتح الباب على فصل جديد من المخاطر التي
يشكّلها المقاتلون السعوديون في الخارج، بعد أن تخلى الراعي
الرسمي عنهم، أي بندر بن سلطان، والذي أعفي من منصبه كرئيس
للاستخبارات العامة.
وبالمقارنة مع المجموعة المسلّحة التي كانت تقاتل النظام
السعودي في عامي 2003 ـ 2004، ثمة حقائق جديدة في ضوء
القتال في سوريا والعراق لابد من الإضاءة عليها:
- أن أعداد المقاتلين باتت كبيرة جداً، ومن المستحيل
السيطرة عليهم، حتى من مشغّليهم الذين أرادوا استخدامهم
في مهمة محدّدة: إسقاط النظام السوري، ولكن وجدوا
أنفسهم في نهاية المطاف أعجز عن إدارة هذه المجاميع
الغفيرة من المقاتلين.
- أن المقاتلين أصبحوا على درجة عالية من التأهيل
والكفاءة والخبرة والقدرة على إدارة معارك معقّدة،
وتصنيع أسلحة، وعبوات، وتشريك أبنية، والتخطيط لهجمات
بالغة الدقة.
- أن هؤلاء المقاتلين باتوا جزءً من مشروع (دولة
الخلافة)، وليس مجرد مقاتلين تقطّعت بهم السبل، أو
أناس حائرين لا يملكون من أمرهم شيئاً، فهم يشاركون
في إدارة دولة طموحة وتوسّعية يقودها خليفة يتحدّر،
حسب زعمه، من قريش، ويتطلع بل ويخطط لأن تكون الجزيرة
العربية جزءاً حميمياً من ولايته.
- أن الدولة الجديدة التي ينتمي اليها المقاتلون
السعودية تحمل «رسالة»، وهي نفس الرسالة التي جاء
بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعلى أساسها قام حكم
آل سعود، مع فارق أن «داعش» تلتزم حرفياً بتلك الرسالة
وتطبّقها على الأرض، بينما آل سعود يستغلون تلك الرسالة
لمآربهم السياسية الخاصة، الأمر الذي يجعل خيار التصادم
بين الدولتين راجحاً، وهو ما بشّر به البغدادي في
خطابه الأخير.
- علاوة على ما سبق، فإن خطورة «داعش» تكمن في أنها
مشروع نشأ خارج الحدود، وخارج الرعاية السعودية، على
الضد من «القاعدة» التي خضعت في مرحلة النشأة تحت
نظر المخابرات السعودية، وبقي الحال كذلك الى سنوات
لاحقة. وعليه، تعرّفت السلطات السعودية على الكثير
من أسرار القاعدة، بل ونجحت في اختراقها وتوجيهها
نحو أهداف بعيدة، وضد الخصوم.
|