قراءة في ردود الفعل الشعبية
مجزرة الأحساء.. الجذور والأسباب
يحي مفتي
قرية الدّالوَةْ بالأحساء شرقي المملكة السعودية كانت
مركز الإهتمام لأيام عديدة. فهذه القرية تعرّضت لهجوم
داعشي أودى بحياة عشرة اشخاص، بينهم العديد من الأطفال،
اضافة الى عشرات الجرحى. ففي احتفالات العاشر من المحرم،
قَدِمَ ثلاثة أشخاص من خارج القرية واطلقوا رصاصهم من
المسدسات والرشاشات على المواطنين الأبرياء خارج الحسينية
بصورة عشوائية ولاذوا بالفرار. وكان الجناة قد قدموا بسيارة
مسروقة من مواطن تحت تهديد السلاح أخذ معهم من قرية مجاورة،
ثم قتلوه وحرقوا جثّته بعد ان سكبوا عليها الأسيد.
مجزرة الأحساء كانت تتضمن كل أنواع السلوك غير السوي
المجانب لحقوق الإنسان. فهي أولاً استلبت حق الحياة من
مواطنين تمّ اطلاق الرصاص عليهم بدم بارد بدون جرم فعلوه،
وبينهم أطفال، بل وبينهم شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وثانيا، فإن مجزرة الأحساء لها علاقة بالعنف والدم،
وهو النقيض لقيم الحياة وحقوق الإنسان؛ كما ان من قام
بالمجزرة لا يقبل بحق حرية التعبير، ولا بحق المواطن في
حرية العبادة.
وثالثاً فإن المجزرة كشفت عن ثقافة تروجها السلطة في
وسائل الإعلام الرسمية وفي التعليم تحضّ على الكراهية
والتكفير اللذين كانا احد مفاتيح ارتكاب المجزرة الآثمة.
ورابعاً، فإن المجزرة لها علاقة بالقانون الغائب، حيث
التحريض على العنف ضد الآخر المختلف مذهبياً مفتوحاً بدون
قانون يحرّمه أو يجرّمه رغم الدعوات المتكررة من مواطنين
ونخب اجتماعية وسياسية لإقراره.
والمجزرة الآثمة لها علاقة بحقوق الأطفال؛ حيث أن نحو
نصف الضحايا كانوا أطفالاً، وتم هدر دمهم.
تتحمل الحكومة السعودية مسؤولية وقوع المجزرة،
فهي التي وفرت مناخ العنف والكراهية في مناهج تعليمها،
وخطب مشايخها، وفتاوى علمائها، بل وفي ممارساتها اليومية
الممنهجة حيث التمييز الطائفي ضد أكثرية المواطنين على
خلفية شيعية اثناعشرية او اسماعيلية او صوفية كما في الحجاز،
او حتى على خلفيات مناطقية وقبلية.
ولهذا قبل ان ندين القاعديين او الدواعش، علينا ان
ندين من وفر المناخ ومن أجج التكفير والأحقاد، وهؤلاء
هم مشاركون في السلطة بل هم القابضون على زمامها.
نحو ربع مليون مواطن خرجوا في تشييع الضحايا الشهداء،
شاركهم فيه مواطنون من مناطق ومذاهب مختلفة، وكلهم متفقون
بأن العنف الطائفي لتحقيق أهداف سياسية، سواء قامت به
السلطة او مجموعات الإرهاب الداعشي لن يوفّر احداً من
المواطنين في أية منطقة والى أي جماعة ينتمي، بحكم التجربة
التي نراها في أكثر من بلد عربي ابتلي بالطائفية والتكفير
فصار العنف والدم قريناهما.
هذا ولاتزال الدعوات تتكرر في كتابات الصحف والتعليقات
على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبة السلطات بإلغاء سياسات
التمييز الطائفي وتشريع قانون يجرم الطائفية والتحريض
عليها، وهو ما لا يقبله النظام ولا مشائخه في المؤسسة
الدينية الرسمية، ولا يتوقع حدوثه قريباً.
تجدر الإشارة الى أن مجلس الشورى المُعيَّن، عطل مشروعا
كان قد تقدم به عضو المجلس الدكتور عبدالعزيز العطيشان
منذ أكثر من عام، لتجريم إذكاء الطائفية والقبلية والمناطقية
في المجتمع، وحمل اسم “مشروع الوحدة الوطنية”، حيث لم
يتم عرضه في الجلسة العامة إلى الآن.
ووفقا للصحف المحلية فإن العطيشان أبدى استغرابه من
طول فترة نظر لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في المجلس
برئاسة الدكتور إبراهيم البراهيم للمشروع، مبدياً قناعته
بأن المشروع دخل دائرة التعطيل وليس التأخير.
لقد جاءت المجزرة تتويجاً لمرحلة طويلة من التحريض
الطائفي ضد المواطنين الشيعة (١٥٪ من تعداد السكان) وتتالي
الدعوات الوهابية لقتلهم؛ من قبل مشايخ وهابيين واساتذة
جامعات دينية وهابية، وكتاب وصحفيين في الصحافة السعودية
اليومية، وغيرهم، فضلاً عن الموالين للقاعدة وداعش علناً.
فقبل أسابيع من وقوع المجزرة، وضع المتطرفون هاشتاقاً
بعنوان (نطالب بقتل كل شيعي بالسعودية) شارك فيه الطائفيون
المقيمون في السعودية من جنسيات غير سعودية!
حملة تحريض تسبق المجزرة
وضعت إحدى الداعشيات السعوديات واسمها عهود المطيري،
هاشتاقاً بإسم (نطالب بقتل كل شيعي بالسعودية) شارك فيه
باكستاني مقيم يقول بقتل حتى أطفال المواطنين الشيعة (فقتلهم
ـ حسب رأيه ـ أولى من بقائهم) لأنهم اذا كبروا سيكفرون
وسيشركون بالله. ودعا بدر حسين الى التأمل في حقيقة ان
هذه الدعوات والهاشتاقات وراءها حسابات تابعة لوزارة الداخلية؛
مضيفاً: (الذي سرق المال العالم ليس الشيعة؛ والذي اعتقل
آلاف الأبرياء ليس الشيعة؛ وسبب أزمة الإسكان والعاطلين
عن العمل ليس الشيعة).
وفي حين طالبت الصحفية حليمة مظفر وزارة الداخلية بتتبع
صاحب الهاشتاق والمحرضين فيه ومحاسبتهم ومحاكمتهم؛ فإن
الداخلية لم تسمع شيئاً، لأن بها صمم، وهي مهتمة فقط بمتابعة
اصحاب الرأي السياسي المخالف لها فحسب، فتقبض عليهم وتسجنهم
وتحكم عليهم بخمس وسبع وحتى عشر وخمس عشرة سنة سجناً.
الإعلامي فاضل الشعلة، رأى أن الدعوة للقتل غير غريبة:
(لا عجب، فصاحب الهاشتاق يريد تطبيق ما جاء بالكتاب الذي
يباع حالياً في مكتبتي جرير والمتنبي). ويقصد كتاب (إيقاظ
الراقدين) الذي يعتبر المواطنين الشيعة مرتدين، يحلّ للمسلمين
أموالهم ونساءهم وأولادهم، (وأما رجالهم فالواجب قتلهم،
وان الجهاد ضدهم فرض عين). وهذا الكتاب أجازته وزارة الإعلام
السعودية للتوزيع، ربما قربة لله تعالى!
لكن أصواتاً نددت بهذه العدوانية غير المسبوقة، وصفها
مغرد بأنها (قنابل موقوته)؛ والمفكر المحمود يقول بأن
من يستحق القتل هو المحرّض عليه؛ ومثله فعل الكاتب صالح
الصقعبي الذي طالب بقتل كل متلاعب بالنسيج الوطني، تحت
مظلة التكفير والطائفية. في حين قالت مغردة بإسم (العتيبية)
أن المواطن (الشيعي ينام فوق آبار الذهب/ وتقصد النفط/
وهو محروم منها، ويدرس مناهج تكفّره وتقصيه؛ ويُعلّق عليه
مصايب البلد. عظّم الله أجركم)؛ وأضافت: (مسكين الشيعي،
إن تكلّم قالوا بأن ولاءه لإيران؛ وإن سكتَ قالوا أنه
يمارس التقية. الموت أرحم من هالعيشة). أيضاً فإن المغردة
رغد الفيصل عبرت عن رأي مقارب: (الله أعلم، أن الموت أبْرَكْ
لهم من الصبر على أمراضكم). وخلص مغرّد الى انه (من المسيء
أن تُسمّى هذه البلاد بمملكة الإنسانية، وملكها بملك الإنسانية،
في حين ان شعبها يبغض بعضه بعضاً بالعنصرية والطائفية).
وهكذا نلاحظ ان التحريض قد سبق مجزرة قرية الدالوة
التي فرح بها الدواعش الكثر في التيار الوهابي؛ بل افتتحوا
هاشتاقات تعبّر عن تلك الفرحة بقتل الأبرياء. وخرج علينا
شقران العتيبي، وهو داعشي يعمل في تلفزيون وصال بالرياض
ليقول: (ليش مسوين مناحة ياروافض؟ باقي.. باقي المفخخات
ما بدأت)! واضاف بأن الشيعة كلهم كفاراً (ودمهم حلال كحل
ماء المطر)؛ واستغرب من أن الأكثرية السكانية رفضت الجريمة
النكراء فقال: (قتل الرافضة في كل العالم جهاد ـ
حسب المعتقد الوهابي الداعشي طبعاًـ؛ أما قتل الرافضة
في الجزيرة العربية فجريمة نكراء. هو في أيه يا بتوع المدارس؟).
آخر اسمه مشعل، رأى أن القصاص لا يجوز تطبيقه على قتلة
الأبرياء، لأن من قُتلوا (روافض كفار، ولا يستوي دم الكافر
بدم المسلم).
تُرى كم من المجرمين أنجبتهم هذه الوهابية المتطرفة؟
والى أيّ مدى يمكن أن يذهب اليه حماتها ومعتنقوها؟
إدانة المجزرة: مواقف اضطرار
بيد أن هناك مشايخ عرف عنهم التطرف ودعم الإرهاب والطائفية،
أصبحوا حمامات سلام بعد حادثة القتل الشنيع، وغردوا بغير
ما اعتقدوا ما دفع مغرداً لسؤال احدهم: (كيف يكون التعايش
وأنت ترى من حولك كفاراً؟). والتفت الدكتور حمزة الحسن
الى حقيقة أن (تنديدات المشايخ والاسلاميين المحليين بمجزرة
الأحساء) تجنّبت الإعتراف او حتى الإشارة الى أن الشيعة
او الضحايا مسلمون؛ ويضيف: (أدانوا القتل، وأبقوا التكفير)؛
الذي هو في الواقع مبرر القتل. وبالنسبة للدكتور فؤاد
ابراهيم (فإن من أطلق النار على الأبرياء في الحسينية،
لم يفعل ذلك قبل أن يكفّر مَنْ فيها ليبرّر جريمته، وكتب
التكفير تباع علناً وتُدرّس).
ذات الملاحظة عبر عنها الكاتب والصحفي يوسف ابا الخليل،
فـ (كثير من الذين أدانوا حادثة الأحساء كانوا من المحرضين
على الطائفية، الباثّين للكراهية الدينية. هكذا هم دائماً؛
يقتلون خصمهم ويمشون في جنازته). ويسأل المفكر المحمود:
(الشباب الذين يسمعون خطيب الجمعة يدعو على الشيعة بالهلاك،
ماذا تريدهم أن يفعلوا إن اقتنعوا بكلامه؟).
لهذا لم يصدّق الكثيرون بيانات التنديد القادمة من
مشايخ التحريض؛ فحين قال ناصر العمر بأن من قام بالمجزرة
يجني (على البلد ويهدد أمنه ويجره الى مستنقع فتن)؛ رد
عليه محمد السيف بالتالي: (لا بد أن الفاعل يا شيخ ناصر
قد قرأ كتابكم: “واقع الرافضة في بلاد التوحيد»، فأخذته
الغيرة بما كتبتموه وحرضتموه)؛ في حين رد الصحفي عبدالله
بخيت عليه: (هؤلاء يقتلون القتيل ويمشون في جنازته. المفروض
ان توجه الإدانة الى العُمَر والنجيمي، وتجّار الحروب
الدينية والفتن).
الإخواسلفي، محمد الحضيف، كان يحرض على المواطنين الشيعة،
وكان يحذر من دعوات المواطنين الشيعة للتسامح ونبذ الطائفية
ويراها اختراقاً؛ وحين حدث القتل، اتهم المواطنين الشيعة
أنفسهم بأنهم هم من قام بالعمل الشنيع؛ وبعد انكشاف الأمر
قال بأن (الأحساء تحديداً هي أجمل انجازاتنا في التعايش؛
ومن فعلها يريد أن يفكك ويدمر أنموذجنا). فهل يمكن ان
يوثق بأمثال هؤلاء؟! وهنا يعلق أحد المغردين ساخراً: (مش
معقول؟ أبو حميد يتحدث عن انجازاتنا في التعايش. يا راجل
نسيت تحريضك؟!).
أيضاً الشيخ عادل الكلباني، الذي رأى كفر الشيعة في
لقاء مع البي بي سي العربي علق: (لنكن يداً واحدة لإخماد
نار الفتنة، وإلا أحرقت البيت كلّه). هذا لا يتحقق بالطبع
مع بقاء التكفير والتمييز الطائفي الرسمي الممنهج.
ومن الاستنكار الذي لا يؤخذ على محمل الجد، استنكار
هيئة كبار العلماء للجريمة، دون أن تتخلّى عن التكفير
للشيعة، لذا يقول مغرد بأن على هيئة كبار العلماء (أن
تراجع أولاً إرثها الحافل بتكفير الشيعة، عشان لا يجيهم/
أي يأتيهم/ فصام). وأضاف: (الطائفية هنا/ اي في السعودية/
تلقى رعاية رسمية عبر مؤسسات كجامعة الإمام التي تُصرف
عليها المليارات لتنتج هذا التشنّج وهذا القُبح).
ابراهيم الفارس الاستاذ في جامعة الإمام، وبمجرد أن
وقعت مجزرة الدواعش في الدالوة، زعم كاذباً بأن بعض المغردين
الشيعة أشاروا الى أن الفاعل (رافضي بسبب خلاف مادي) بزعمه،
لأنه يعلم بأن القتلة من شاكلته، ولازال ابنه معتقلاً
بتهمة الانتماء لداعش. بعدها تعوّذ الفارس من الفتن التي
ساهم في صنعها؛ لكنه استمرّ في التحريض كما كان يفعل دائماً
ولازال. وكان تحريضه الطاغي مثيراً؛ حيث قال ان الشيعة
كفار ولم يدخلوا الإسلام اصلا؛ فرد عليه احدهم بأن هذا
تكفير بالجملة؛ فسخر الفارس منه وقال أنه سيفتح فرعاً
للتجزئة. وكانت تغريدات الفارس قبل ايام او حتى ساعات
قبل المذبحة، تحرض على منع تشغيل المواطنين الشيعة لأنهم
جواسيس؛ وأنهم خونة وعملاء لعباد الصليب واليهود كما يقول.
لذا استغرب مغرد: (هل من المعقول ان هذا المخلوق يشغل
وظيفة أكاديمية ويُسمح له بالقاء المحاضرات؟).
محمد البراك هو ايضاً استاذ في جامعة دينية وهابية،
كتب بعد المجزرة بأنه ليس كل من ثبت كفره جاز قتله؛ اي
أن الشيعة المواطنين كفار، ولكن لا يجوز قتلهم في السعودية/
بلد التوحيد؛ ولكن يجوز قتلهم في أماكن اخرى كما تشير
تغريداته. وكان البراك يرى بأنه لا يتردد في القول بأن
أبا جهل وأبا لهب أحسن توحيداً من الشيعة.
(٣٦لذا لم يُستغرب أن يكون أغلب الإرهابيين من القتلة
والذبّاحين في الوطن العربي ينتمون الى هذا الفكر ومن
هذا البلد المُسعود، ومن بيئة نجد التي وصفها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأنها (قرن الشيطان). هذا وقد صرخ
المفكر المحمود بصوت عال: (لا يمكن ترك مثل هذه الوحوش
البشرية تعتلي المنابر وتقول ما تشاء من تحريض طائفي.
فهذا الخطاب يزرع مبررات الجريمة في العقول)، وزاد بأنه
توقع حدوث مجزرة الأحساء منذ سبعة اشهر حين رأى خطباء
الجمعة يدعون بالهلاك على الشيعة ويجعلونهم في خانة أعداء
الإسلام؛ ورأى ان (ترك التيار المتطرف يشعل الحرائق الطائفية
في عقول الأجيال يعني تفخفيخ مستقبل الوطن)؛ ذلك أن منفذي
جريمة القتل (لم يفعلوا أكثر من تحقيق أمنيات الخطباء
الذين نسمعهم في كل جمعة).
العنف كامن في ثقافة التطرف
هناك شبه إجماع بين الكتاب والصحفيين والمثقفين في
السعودية، بأن مثل هذا الشحن الطائفي الذي تم توزيعه في
ارجاء المعمورة، هو الذي ولّد العنف في كل الدول المصابة
بفيروس الوهابية، ثم عاد ليرتد على السعودية نفسها، فكانت
مجزرة الأحساء. وحسب أحدهم، فإن هذا الشحن في الجوامع
والمدارس والجامع (أنتج مخلوقاً عدوانياً يرى في الاخر
المختلف هدفاً مشروعاً يدخل بقتله الجنة الموعودة). ويسأل
د. فؤاد ابراهيم: (اين هو التسامح: هل في الكتب الدينية
الرسمية ام في المساجد ام في فتاوى المشايخ ام في سياسات
التمييز الطائفي أم في الإعلام الكيدي؟). ورأى مغرد بأنه
لا بد من اغلاق مضخات العنف والطائفية كقنوات الفتنة وصال
وغيرها، وسن قوانين تجرم الخطاب الطائفي، وتغيير المناهج
الدراسية المليئة بالتكفير (عدا ذلك لن ننعم بأمان).
|
|
الناشطة الحقوقية نسيمة السادة تعلق: (هرمنا، ونحنُ
نطالب بكفّ الخطاب التحريضي وتجريمه، ورفع التمييز الطائفي
حتى لا نصل الى هذه المرحلة). والكاتب حسن آل حمادة يوضح
الجذور كالتالي: (بلدٌ تنخره الطائفية. مناهجٌ تكفرنا.
إعلامٌ يحرّض ضدنا. دعاةٌ يطالبون بنحرنا. دواعش يهددونا
بتفخيخ مؤخراتهم لتفجيرنا. طبيعي اذن ان يسقط شهداء الأحساء).
والاستاذ مبارك الخالدي كتب مستاءً بأن الحكومة لا تحارب
الطائفي في الكتاب المدرسي ولا على المنبر ولا في الإعلام
الرسمي (وتتشدق التصريحات عن حماية اللحمة الوطنية)؛ وقارن
الوضع بين الكويت والسعودية: (في الكويت توزّعت ذبايح
راكان بن حَثْلِينْ على الحسينيات، وفي الأحساء توزّع
الرصاص على المعزّين)؛ لهذا ما لم يتم تجريم التحريض المذهبي
رسمياً فستتكرر الجريمة حسب قوله.
الكاتب عبدالرحمن الكنهل حدد منذ البداية بأن الجناة
اما دواعش او قواعد او تكوين ارهابي جديد، ورأى ان جريمة
الأحساء جاءت (نتيجة طبيعية للتحريض المسكوت عنه). ومن
رأي حمزة الحسن (لقد داوانا آل سعود بالتي هي الدّاء.
أرادوها حرباً طائفيةً تتخطّى الحدود، ولا يُعقل ان تصل
الى كل مكان ولا تُصيبُ بلد المنشأ). وتابع بأن آل سعود
عبر نشر ثقافة التوحش والتكفير صنعوا فئات متوحشة تشرعن
العنف والدم أينما كان؛ مضيفاً بأن الجنون الطائفي لن
يوفر أحداً، بل ولن يبقي الدولة نفسها؛ وان علاج مخرجات
التطييف الرسمي ليست سهلة، فذلك يتطلب هيكلة الدولة برمتها،
وآل سعود لن يفعلوا ذلك. وواصل بأن ما حدث في الأحساء
مجرد حصاد دولة بائسة سيرتد عليها وعلى كل فئات المجتمع
عاجلاً أم آجلاً؛ وهو لا يعدو افتتاحية لعنف كثير قادم،
أو كخرم في سدّ سرعان ما يتوسع بسبب فقدان النظام السيطرة
على الوضع؛ حيث الإنفلات متوقع كنتيجة طبيعية لنظام مأزوم،
صنع العنف والطائفية وارتدّا عليه وعلى المجتمع.
|
أيضاً فإن الصحفي أنس زاهد رأى جذر المشكلة في (خطاب
ديني يحرّض على الشيعة منذ سنوات؛ والجريمة هي نتيجة أوّلية
ما لم يتم سن تشريع يجرّم التحريض الطائفي).اما الصحفي
حسين العلق فرأى ان الجريمة ليس سببها التوتر الإقليمي
وحده (فالمحرّضون على قتل الشيعة في المملكة أشهر من نار
على عَلَمْ). وفي الإتجاه نفسه تقول الناشطة خلود الفهد:
(الأحساء كانت نموذجاً مثالياً للتعايش والوئام والحياة
المشتركة بين أبناء الطائفتين. حرضتم على الطائفية والكره
بإسم الدين وبإسم الله. يا ويلكم من الله). وحمّل الناشط
الحقوقي يحي العسيري السلطة مسؤولية توتير وشحن الأنفس
بين أبناء المجتمع الواحد، واعتبر قتل المخالف وقمعه وظلمه
(تركة هذا النظام، وكلّنا ضحايا هذه التركة).
الصحفي الرسمي محمد آل الشيخ علق: (هل سيدرك مشايخنا
بعد حادثة الأحساء، أن ثقافة ابن تيمية لتحريض السنّة
على الشيعة، بِتْوَدّينا في داهية، وستذهب بوطننا ولحمة
شعبه الى المآل العراقي؟) لكنه عاد واتهم ايران بأنها
أمرت سعد بن لادن ليشعل الفتنة الطائفية؛ وهنا سخر وضّاح
اللحياني منه فقال: (حتى شيخ مسجدنا الذي يدعو على الروافض
كل جمعة، مُعيّن في وزارة الشؤون الإسلامية الإيرانية
لا السعودية). وغضب آخر من محمد آل الشيخ فقال: (يا أخي
كفاك نفاقاً. القاعدة هي من رحم فقه جدّك محمد بن عبدالوهاب).
قناة وصال وإعفاء وزير الإعلام
كثيرون طالبوا وزير الإعلام بإقفال قنوات الفتنة والتحريض
الطائفي وخاصة (وصال)، التي تبث من السعودية نفسها، ثم
أنها تمثّل رمزية في التجييش والتحريض على العنف. لكن
هذه القناة التي تبث بعدة لغات بما فيها الفارسية والأندونيسية،
اضافة الى العربية، هي مشروع حكومي، وتلقى دعماً مباشراً
من الأمراء كعبدالعزيز بن فهد، اضافة الى مشايخ المؤسسة
الوهابية.
في الساعة الواحدة بعد ظهر الرابع من نوفمبر الجاري،
وبسبب الضغوط الاعلامية على الوزير عبدالعزيز خوجة، من
خلال الصحفيين والمغردين والكتاب في تويتر، غرّد الوزير
بالتالي: (لكلّ من سأل: لقد أمرتُ بإغلاق مكتب قناة وصال
في الرياض ومنع أي بثّ لها من المملكة العربية السعودية،
وهي ليست قناة سعودية من الأساس). هذا القرار جاء بعد
نحو اربع عشرة ساعة من وقوع المجزرة في قرية الدالوة بالأحساء.
وفي الساعة الواحدة تقريباً من اليوم التالي الخامس من
نوفمبر، جاء أمر إعفاء الوزير من منصبه، أمام ذهول ودهشة
الكثيرين. أي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من اتخاذه القرار.
ما يثبت ان الحكومة مع بقاء قناة وصال رمز التحريض على
الكراهية والعنف.
للتذكير فإن قناة وصال علقت على جريمة الأحساء بكلمة
واحدة بأنها (نكراء). وهي نفسها التي جمعت التبرعات المالية
من المواطنين وقالت بأنها ستقدمها لمن يقصف القرى الشيعية
في سوريا ولبنان. بيد أن الذي جرى في الساعات التي تلت
خبر اغلاق قناة وصال، هو ان القناة قالت بأنها ستتقدم
بشكوى ضد الوزير في ديوان المظالم. ويبدو ان النظام فقد
بوصلته فما احتاج الأمر الى ذلك حتى أنه أدان نفسه بنفسه.
بعد اعلان الوزير خوجة خبر اغلاق قناة وصال (وهي لم
تغلق في حينه)، رحب المثقفون بذلك وكتبوا المقالات كالعصيمي؛
وجمال خاشقجي علق بكلمة واحدة كانت كافية: (أخيراً)! والأستاذ
وحيد الغامدي قال ان (الخطاب الديني الطائفي يجب ان ينتهي
عصره الى الأبد، لنبدأ في تنفّس وطن أجمل)؛ والاستاذ العقيل
كان مستاءً انها لم تغلق مبكراً إلا بعد ان تقع الكوارث
(وكأننا للتوّ عرفنا عن وصال)؛ والإعلامي عمر بن عبدالعزيز
علق: (سمحت بها الحكومة، وموّلتها الحكومة، وسكتت عنها
الحكومة، ثم أغلقتها الحكومة، فلمَ كل هذا الصراع بينكم.
وجّهوا حديثكم للحكومة).
حين جاء خبر اعادة فتح مكتب قناة وصال في الرياض، واعفاء
وزير الاعلام من منصبه بسبب اغلاقه لها، بشرت قناة وصال
بأنها مستمرة وأنه تم اعفاء الوزير؛ وطفق المتطرفون يبشرون
بالخبر وعودة البث؛ وشمتت قناة المجتمع ـ والتي لا تختلف
كثيرا عن وصال ـ بالوزير وقالت: (في الثانية عشرة ليلاً
يأمر وزير الإعلام باغلاق قناة وصال، وفي الثانية عشرة
ظهراً أمرٌ ملكي باعفائه من منصبه. يمهل ولا يُهمل).
المغرد نبيل خاطب الوزير المُقال: (بما أنك أمرتَ بإغلاق
قناة وصال، فقد أمر عبدالله بن عبدالعزيز بأن تجلس في
بيتكم). والمغردة دلال المنصور رأت التالي: (احنا دولة
مسخرة. أجل يصدرون قرار البارح بإغلاق قناة وصال، واليوم
يطيّرون وزير الإعلام حسب طلبه، ويُرجعون قناة وصال. وكأنك
يا بوزيد ما غزيت؟). ولأن القناة طيّرت الوزير بدلاً من
أن يطيّرها، علق المغرد العسيري ساخراً: (يحقّ لكِ يا
وصال. مين قدّك يا وصال. انتو متعرفوش أنّكو نور عنينا
والاّ أيه؟). وأبدت نورة المسفر دهشتها من دولة العجائب
بسؤال: (هل يُعقل أنه ـ أُقيل ـ بسبب اغلاقه قناة وصال؟
هل يُعقل أن سلامة الشعب وأمنه يوضع على كفة واحدة مع
قناة طائفية متعطّشة للدماء؟).
وأخيراً يرشح مغرّد واحداً من ثلاثة دعاة طائفيين،
ليتولى وزارة الإعلام بدلاً من خوجة، رآهم الأكفأ حالياً،
يقول ذلك سخرية: (ابراهيم الفارس؛ ومحمد البراك، وسعد
الدريهيم). يا لسخرية الأقدار!
ولأننا تحدثنا عن الفارس والبراك، هنا شقيقهم الدريهم
في العنف، ففي حين يمجّد الفارس الزرقاوي ويصفه بفخر أنه
(ذبّاح الروافض) لن تعجز النساء ان يلدن آخر مثله؛ فإن
الدريهيم يقول التالي: (لو مارس المجاهدون في العراق الغِلظة
والقتل حتى فيمن وقع أسيراً، حتى لو كان طفلاً، او امرأة
لهابهم الرافضة، لكن المثالية هي من جعلتهم يتمادون).
هنيئاً لكم بهكذا دكاترة، وهكذا مشايخ، وهكذا وزراء
إن شاء الله!! ولا ننسَ ان نهنّئكم بإعلامي رسمي في القناة
الرياضية؛ يؤيد قتل الشيعة في السعودية كما في الأحساء؛
وحسب تعبيره ان العمل (لازم يبدأ من هنا).
|