هل تجمع واشنطن رأسي الرياض وطهران
سامي فطاني
دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما للأمير متعب، وزير
الحرس الوطني السعودي ونجل الملك عبد الله، بتطبيع العلاقة
مع إيران والانفتاح عليها تندك في صميم الاستراتيجية الأميركية
الجديدة في المنطقة، وتندرج في سياق الترتيبات التي تجريها
واشنطن بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة الممسكة بزمام الأمن
الإقليمي، فيما يشبه العودة الى نظرية الرئيس الأميركي
الأسبق ريتشاد نيكسون في (العمودين المتساندين).
بذلت واشنطن على مدى أكثر من عام كل ما في وسعها لجهة
طمأنة الرياض الى أن أي تفاهمات مع طهران لن تكون على
حسابها، وقبلت الإدارة الأميركية أن تخوض مغامرات خاسرة
سلفاً، في سبيل إبداء حسن النوايا إزاء مخاوف متعاظمة
لدى الحكّام السعوديين. وأكثر من ذلك، كان الهدف من وراء
تشكيل التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، والذي سوّق له
وزير الخارجية الأميركي جون كيري، هو لتأكيد التزام واشنطن
بالتحالف الاستراتيجي مع الرياض، برغم التداعيات الخطيرة
على صورة الولايات المتحدة في العالم كقوة عظمى.
من وجهة النظر الايرانية، فإن التحالف الدولي لم يكن
يستهدف «داعش» ولا «الحرب على الإرهاب» بل كان مصمّماً
لتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا على وجه الدقّة،
ما أوصله الجانبان السعودي والتركي الى واشنطن، بهدف التعجيل
بتشكيل التحالف.
المخاوف السعودية إزاء التفاهم الأميركي ـ الإيراني
كانت حاضرة على الدوام في النقاشات المتواصلة بين واشنطن
والرياض، وبين الأخيرة وعواصم غربية على رأسها باريس،
والهدف واضح: إن التفاهم في حال حصوله سوف يؤول الى تقويض
النفوذ السعودي في المنطقة والعالم.
الادارة الأميركية أخذت علماً بالمخاوف السعودية تلك،
ولكنها وجدت نفسها في نهاية المطاف مضطّرة لأن تكف عن
المسايرة المدمّرة التي تلبي رغبة الرياض. ولكن في الحصاد،
تخرج واشنطن منها بـ (صفر مكاسب). فكان على الدبلوماسية
الأميركية أن تضاعف من مجهودها لناحية إقناع الرياض بأن
لا خيار أمامها سوى التفاهم مع طهران، بعد أن سقطت الرهانات
الأخرى، بما في ذلك رهان الحرب الذي دفعت الرياض حلفاءها
الى حافتها، لولا أن موازين القوى على الأرض، وحقائق الميدان،
حالت دون مجازفة الانغماس فيها.
إلحاح الرياض على الإطلاّع على تفاصيل التفاهمات النووية
بين 5+1 وطهران، أرغم واشنطن وباريس على القبول، في سياق
طمأنة السعودية وإشراكها في توفير الغطاء لأي اتفاق شامل
مع طهران. الجدير بالإشارة أن دول مجلس التعاون الخليجي
طالبت مجتمعة في مرحلة سابقة، بأن تكون في جو التفاهمات
النووية الايرانية الأميركية، ولكن تمّ التوصل مؤخراً
الى أن تكون الرياض ممثلة عن المجلس في النقاشات التي
يجريها وزيرا الخارجية الأميركية والفرنسية مع نظيرهما
السعودي.
من وجهة النظر الأميركية، فإن بقاء الخلاف السعودي
الإيراني على حاله يعني عدم الاستقرار في منطقة الخليج
التي ترغب في التخفف من أعبائها والتفرغ للصين ونقل نفوذها
العسكري الى المحيط الهادي. هذا يعني، في نهاية المطاف،
خسائر كبيرة للمصالح الأميركية في المنطقة، في ظل عدم
قدرة كل طرف على حسم الصراع لصالحه. فقد بات في حكم المؤكّد
أن للدولتين نفوذاً واسعاً، وتأثيراً شديداً على المستوى
الإقليمي، وإن إصرار الرياض على السير منفردة في خياراتها،
قد لا يوصلها إلى أهدافها، لا سيما وأن الأوراق التي تمسك
بها ليست قوية، وإن لعبة النفوذ تتطلب أكثر من مجرد كمية
من المال كافية لشراء النفوذ والولاءات.
القناعة الأميركية تقوم على عقيدة متجدّدة، مفادها
أن التفاهم الايراني ـ السعودي ينطوي على وصفة سحرية لحل
كل مشكلات المنطقة، ولابد أن تقتنع الرياض بهذه الحقيقة،
لأنها الرابح الأكبر من التفاهم. القناعة هذه تصدر عن
رؤية أميركية جديدة بأن خيار الحرب بات من الماضي، وإن
الوقت يداهم الجميع من أجل الخروج باتفاق انقاذي مؤسّس
على معادلة ربح ـ ربح.
من جانبها، فإن طهران ليست مستاءة، كما يبدو، من إطلاع
واشنطن لتفاصيل التفاهم النووي مع الرياض، بل ليست بعيدة
عن أجواء ما يدور فيها. لقد همس كيري في إذن ظريف ذات
لقاء، بـ (أننا نتفّهم مخاوف الرياض، ولكن سوف نفعل ما
يجب فعله، فلا تقلق).
ما تطلبه الرياض، وتفهمه واشنطن وطهران، هو عدم تجاوز
الأخيرة لدور السعودية ونفوذها في المنطقة، وأن لا يكون
الاتفاق النووي شاملاً، الى حد تعميد إيران كشرطي للخليج
مجدّداً، ولكن بشكل جديد. مصدر قلق الرياض يعود الى أن
الغرب مقتنع بأن ايران قوة اقتصادية واستراتيجية ناهضة،
إلى جانب كونها سوقاً واعدة، ولا يمكن التفريط في العلاقة
معها بحال، على خلاف السعودية التي تبقى العلاقة معها
مقتصرة على الدورة الرأسمالية الكلاسيكية المرتبطة بعملية
بيع النفط وإعادة توظيف مداخيله في السوق الرأسمالية الغربية،
وهي عملية ليست مضمونة على الدوام، فضلاً عن المخاطر الأمنية
والسياسية المحدقة بالنظام السعودي داخلياً وإقليمياً.
في كل الأحوال، بات التفاهم السعودي ـ الإيراني المدخل
الى الحل في المنطقة من وجهة نظر أميركية، وإن اختيار
سعود الفيصل كممثل عن الحكومة السعودية ـ وحكومات الخليج
كافة ـ في المداولات الجانبية، على هامش لقاءات فيينا
بين الجانبين الإيراني ـ الإميركي أولاً، وإيران مع 5+1
ثانياً، إنما لأنه بات الرجل «المشاغب» الرئيس في تخريب
التفاهمات، ولا بد من ترويض نزعة الشر بداخله عبر إشراكه
في النقاشات. وبصرف النظر عن المعلن من نتائج المفاوضات
النووية في فيينا، فإن إرادة الحل إجماعية، وما يحكى عن
خلافات «كبيرة» فإنها تقتصر على كم يجب أن يربح كل طرف
من الاتفاق الشامل.
|